الكتابة في زمن الحرب (48): أبكتني أوجاع أهل الجزيرة

 


 

 

تأثر الناس بشدة بما حدث ويحدث لأهلي في منطقة الجزيرة، تلك الرقعة الممتدة بمزارعها وأهلها الذين يتمتعون ببساطة وطيبة تخلو من التعقيد. هؤلاء الناس لا يعرفون في دنياهم سوى الطورية والملود، ويعيشون حياتهم من أجل تربية أبنائهم الذين سيكملون دورة الحياة من بعدهم، بينما يرتاحون في قبورهم.

ما يحدث في الجزيرة الان من مآسٍ ومعاناة هو معلوم لكل من له قلب ينبض اوعقل مستنير سوف يشهد على يتم وألم كل من عرف هذه الارض…عندما فكرت في الكتابة عن المجازر الدموية هناك، ترددت في ذهني رائعة الشاعر الرقيق المرحوم مبارك المغربي، التي غناها ابن الجزيرة والمبدع الفنان الخير عثمان (سحرتني الجزيرة).
كل هؤلاء الشعراء والمبدعين الذين عاشوا في تلك الأرض الخيّرة، وقعوا في حبها، فهي مكان ينبض بالحياة، يمنح من يقصده الصحة والعافية. الجزيرة بالنسبة لي جزء من هويتي وحبي لها لا تحده الكلمات، فقد تعمق في نفسي منذ أيام الطفولة وحتى بواكير الشباب.

اذكر اننا في مرافئ اغترابنا، كنا نتابع برنامج “أغاني وأغاني” ونستمتع بأداء الفنانين الشباب لأغنيات فنان الجزيرة المرحوم الخير عثمان، خصوصًا رائعته "سحرتني الجزيرة". اما المرحوم السر قدور، صاحب البرنامج، الذي تأثر بالثقافة المصرية حيث كان يقيم، ونجح في تقديم جيل جديد من الفنانين جعل منهم جواه عملت لتجديد غناء جيل الرواد في السودان، ما جعل برنامجه يحظى بشعبية واسعة في السودان وخارجه.السر قدور الشاعر والدرامي، كان من أبرز مؤرخي الفن السوداني، وقد كتب في صحيفة “الخرطوم” (نسخة القاهرة) عن شخصيات سودانية في عموده “أساتذة وتلاميذ”.
اما أغنية “سحرتني الجزيرة” التي كتبها المغربي تبقى في نظري واحدة من أجمل أعماله. المغربي رأى في الجزيرة سحرًا لم نره نحن، أبناؤها. فالشاعر بعيونه الحصيفة يستطيع تجسيد الرؤى شعراً، وهو يرى في موطننا جمالًا لا يُرى بالعين المجردة، ونجح في نقل هذا الجمال ليصبح جزءًا من ذاكرتنا الأدبية والثقافية.

عرفتُ مبارك المغربي عن قرب من خلال عملي معه في المجلس القومي للآداب والفنون. كانت تربطنا علاقة عمل وأدب، وكنت محظوظًا بأنه كان يُطلعني على مخطوطات أعماله الشعرية، ويستمع لرأيي، رغم قلة خبرتي. بعد مرور الزمن أدركت أن الأستاذ المغربي كان يسعى للأمام، حيث انتبهت لدور الفن في بناء شخصية الأمة وعلو شأنها.

الجزيرة، بجمالها وسحرها، ألهمت المغربي ليعبر عنها بأجمل الكلمات، فقد رأى فيها نجمًا متألقًا وسحرًا لا يُنسى. هذه الجزيرة ليست مجرد مكان؛ إنها شعور وانتماء، وحكاية تتناقلها الأجيال. أما مدينة ود مدني، التي أتممت فيها دراستي الثانوية، فلها مكانة خاصة في قلبي. فمدرستها العريقة سهلت لي الطريق نحو دراستي الجامعية، وسأظل دائمًا ممتنًا لأهلها وترابها ونيلها.

عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة

osmanyousif1@icloud.com

 

آراء