الهلالية وصمة عار في جبين الانسانية!!

 


 

عبدالله مكاوي
13 November, 2024

 

عبدالله مكاوي
abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

ارتبطت بالهلالية من خلال الجامعة، بزميلة في غاية الحسن والجمال وزميل ناشط سياسي جمعنا معا كراهة نظام الانقاذ. اما العامل المشترك بين الهلالية وجموع السودانيين، فهو الشاعر القامة الهادي آدم، الذي للغرابة تعرفت عليه من خلال اغنية اغدا القاك لهرم الغناء العربي ام كلثوم. وهذا ما يجعل فاجعة الهلالية فاجعتين، احدهما لها جانب خاص، والآخر عام يلتقي فيه السودانيون مع غيرهم من الشعوب المحبة للانسانية والخير والسلام.
اما ما يحدث في الهلالية من حصار ونهب وفظائع وموت بالجملة، فهو يذكر بافلام الرعب التي تقشعر منها الابدان. وينتقل بالزمان من العصر الراهن الي عصور الهمجية والبربرية في انصع صورها، حيث استباحة الابرياء دون رحمة، وفي غياب كامل لاي نوع من الحماية، ناهيك عن الردع للمليشيا الوحشية.
والحال ان هذه الوحشية في سلوك المليشيا ليست بمستجدة، ولكنها اساس في تكوينها ونوعية المقاتلين المنتمين لها. فالمليشيا تحركها دوافع السلب والنهب، وتنتهج سلوكيات الارهاب والاذلال للابرياء، كوسيلة سيطرة مطلقة واشباع لغرائز العدوان. لذلك لا تصلح مقاربتها إلا كحيوانات وحشية، ولو ان الاخيرة افضل حالا، لانها كما يقال لا تعتدي الا لحاجة ذات صلة بالبقاء، او لفرض السيطرة علي القطيع الذي ينتهي بمجرد اظهار الاستسلام من الطرف الآخر. اي القتل العبثي ليس غاية حتي في عالم الوحوش، وكم نظلم الاخيرة عندما نشبه قساة واشرار البشر كالدعامة وقادة الجيش والكيزان بها. بل من شدة طغيان وغرور الانسان وظلمه حتي لاخيه الانسان، يبدو الا مكان يحتويه او كائن يملأ عينه!
لكل ذلك محاولة اضفاء دور سياسي علي المليشيا او اتخاذها ذريعة للصراع العدمي علي السلطة من وجهة عرقية، لهو سلاح مهين وغبي فوق انه جبان! واكبر دليل علي ذلك ان من يناصر المليشيا لاطماع سلطوية او دوافع جهوية، يجد نفسه مجبر علي التعامل مع شخص مجرم وجاهل ولص قاتل كحميدتي بوصفه قائد، بل لا يتحرج من التطبيل له بما يثير الاشمئزاز، قبل ان يبحث عن ذرائع متهافتة تثبت احقية حميدتي بالقيادة! اما الاسوأ من ذلك فهو الصمت (الجبن) علي انتهاكات المليشيا التي تتعارض مع كل الاعراف والشرائع، بل يصل التبجح والتلطخ بالقاذورات اقصاها عندما يتم تبرير هذه الانتهاكات، مرة بوجود سلاح ومرة بالقضاء علي الفلول ومرة بان الجيش يمارس ذات الانتهاكات، ولكن السؤال ما ذنب الابرياء في كل ذلك؟! اما الغباء فهو من جهة، الاصرار علي مغالطة الحقائق، بعد ان اصبحت المليشيا بعبع لكل المدنين في معظم ارجاء الوطن، وكارثة حيث ما تصل جحافلها! فكيف والحال كذلك يجوز الحديث عن المواطنين او المواطنة او المدنية او الديمقراطية؟! ومن جهة، كل الدلائل تشير اذا ما سيطر حميدتي علي السلطة (وهو امر اصبح يتعثر يوما بعد يوم بعد فشل مخططاته الواحد تلو الآخر، ولسوء حظه اصبح غريمه البرهان الحاكم الفعلي والمستفيد الاول من الحرب، بعد ان كان حميدتي عمليا الرجل الاول قبل الحرب!) فستحكم عائلته كامراء الخليج، او العائلة المالكة، ومن ثمَّ ستعمل المستحيل لاستدامة هذا الوضع ولو تم التضحية بكل المناصرين، بل غالبا ستتم التضحية برؤوسهم حتي لا يصبحون شوكة حوت في حلقه كما علمنا التاريخ. بل حميدتي نفسه الم يكن مناصرا لهلال والبشير والبرهان وغدر بهما وهم صناعه وحلفائه دون ان يطرف له جفن (بالمناسبة اين يوسف عزت الذي كان ملء السمع والبصر) ؟!
اما الوهم الاكبر الذي تعيشه القوي السياسية ممثلة في تقدم، فهو ان توازن الضعف بين الطرفين المتقاتلين يسمح بهامش حركة للقوي السياسية التي وقعت رهينة لواقع معسكر تماما، او هذا ما كنت اعتقده. ولكن منذ دخول المليشيا ولاية الجزيرة وعاثت فيها فسادا، وذلك بالتوازي مع التخريب المتعمد والنهب الممنهج للسيارات والبضائع الي جهة محددة، كجزء من مخطط تركيز الثروة والسلاح! وكذلك ممارسة سياسة الابادة والارض المحروق لاخراج المواطنين من ديارهم! كل ذلك يشئ ان الموضوع اكبر من صراع السلطة ولكنه يستهدف السيطرة علي الدولة ككل (تحولها من دولة السودان لامارة آل دقلو العميلة للامارات). وبالطبع هكذا تحول كفيل لقوي تقدم باعادة تعريف الصراع بما يجابه خطر استهداف الدولة! او اقلاه بمعيار الاقتراب من هموم المواطنين المرعوبين من المليشيا او الفظائع التي ترتكبها في حقهم، فكل ذلك يتطلب مقاربة جديدة من تقدم تجعلها اكثر انحياز للمواطنين والدولة من غير اي مكاسب سياسية. اي الوضع الراهن يتطلب الارتقاء فوق السياسة وصراع السلطة (كونوا افضل من الكيزان)، بما يضع المليشيا في المكانة التي تستحقها، كمليشيا مجرمة تستمرئ ارتكاب جرائم الابادة، الشئ الذي يجعلها مليشيا ارهابية بامتياز. ومن ثمَّ يجب ان تتضافر كل الجهود في الداخل والخارج لادانتها، ووضع قادتها ومستشاريها علي راس قائمة المطلوبين دوليا.
والحال كذلك حتي مطلب ايقاف الحرب والضغط في هذا الاتجاه، يجب ان لا يتجاهل ذلك، علي ان يكون الغرض الاساس حماية المواطنين. اما حمدوك كالعهد به يرتدي قفازات حريرية للتعامل مع جمر الواقع الحارق، والذي يستحق الوضوح والحسم بما يليق بمنصب القائد. ولكن من اين له ذلك وهو يبحث عن إرضاء الخارج وعدم اغضاب كفلاءه في الامارات؟ لتمر كل الابادات التي ارتكبتها المليشيا المدعومة اماراتيا مرور الكرام من غير موقف صارم ضد الامارة الداعمة، او اقلاه الطلب منها الضغط علي المليشيا لكف يدها عن المدنين، او مغادرتها مغاضبا لارض الله الواسعة! لكل ذلك الكيزان لا ينتصرون علي تقدم لانهم يستحقون الانتصار، ولكن لان تقدم باداءه الباهت تستحق الهزيمة.
وما يحدث في الهلالية من ابادة جماعية تحت سمع وبصر الجميع، لهو اكبر خذلان يتعرض له ابرياء عُزل، قبل ان يكشف عن حالة العجز الشامل وموات الضمير الانساني. خاصة بعد ان رفعت الامم المتحدة يدها عن السودانيين وهم في امس الحاجة اليها، وكأنها تتواطأ مع القتلة وهي تفسح لهم المجال! لانه لو كان هنالك جدية في التعامل مع الجرائم ضد الانسانية، وليس مصالح واشياء خفية لا ندري كنهها، اقيم من دماء وكرامة السودانيين! لكان هنالك موقف حاسم ضد المليشيا الاجرامية وهي تفرض حصائر جائر علي الفاشر وترتكب في حق اهلها جرائم لا حصر لها، ومن بعدها مجازر ود النورة وسنار وشرق الجزيرة ومعاناة سكان ام درمان والمشردين من مناطق وجودها وكل طريق رئيسي تسيطر عليه. وللاسف كل الدلائل ترجح انها لن تتخلي عن هذا النهج وهي ماضية فيه لا تلوي علي شئ، طالما ردة الفعل تجاهها هي الصمت او مجرد ادانات صوتية فارغة، او عقوبات مضحكة او وعود جوفاء بالمحاسبة. ولمزيد من السخرية والاستخفاف نجد قادة المليشيا يسرحون ويمرحون ويطلقون التصريحات والتهديدات والتسجيلات الصوتية كل فترة من اين الله اعلم!
وبما ان ما يحدث في الهلالية مهانة حقيقية ومحنة تفطر القلب، بل ومُعرَّضة لها كل بقاع الوطن بعد ان تمكنت هذه المليشيا، فهذا ما يستدعي وقفات اكثر جدية ضدها، من الموقف المهادن الذي يتوجه لانصارها برفض هذه الانتهاكات بالصوت العالي، والمطالبة الجادة الصادقة بفك الحصار عن الهلالية والفاشر والطرق القومية، والتوقف عن استهداف المدنيين، وإلا الوقوف ضد المليشيا وتجريمها كاعداءها، بل بصورة اشرس كونها حادت عن الطريق الذي يدعونه (اذا كان لها طريق اصلا). فهكذا موقف يجلب لهم الاحترام، كاصحاب قضايا ولو كانت مغلوطة وخاسرة، وليس إمعات او اصحاب مصالح بكل الوسائل وبما فيها دماء واموال وعروض ومعاناة الابرياء! وفي هذا المقام نذكرهم بالمقولة المنسوبة للسيد المسيح، ما الفائدة اذا كسبت العالم وخسرت نفسك.
اما الجانب الصارم فيتعلق بتعريف المليشيا كما هي مليشيا، وما يترتب علي ذلك ككيان منفلت مسلح مهدد لوجود الدولة والامن الاقليمي. والاهم كما سلف تحميلها عواقف كافة جرائمها، من اكبر قائد لاتفه جندي دون نسيان المستشارين، وعندها سيعلم الظالمون اي ان منقلب ينقلبون! اي علي العالم ان يكفينا شر المليشيا اما الكيزان والجيش فالشعب كفيل بهم ولو علي المدي الطويل، اقلاه هذا يرجعنا لمحطة صراع السلطة العابث، العالقون فيه منذ الاستقلال، وليس نشر الفوضي وتهديد بقاء الدولة وقتل وتشريد المواطنين ونهب ممتلكاتهم كما تستهدف المليشيا.
واخيرا
كل الامنيات بخلاص المحاصرين وتضميد جراحهم الغائرة ومعافاة الجرحي وعودة المشردين الي ديارهم، وتقبل الله كل ضحايا هذه الحرب الهمجية، وحَمَي البقية الباقية من شر الجنجويد واطماع قادة الجيش وخبث وخبائث الكيزان وتربض الدول الاقليمية. والله يهدي الجميع بعد ان عجزنا عن نغير او نتغير. ودمتم في رعاته.

 

آراء