الوزير بهاء الدين محمد إدريس وتقاطع الرياضة والسياسة بالدجل

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: رائد مهندس محمد احمد ادريس جبارة

ganaboo@gmail.com

القارى لكثب منصور خالد يلحظ بغضا بائن لبهاء الدين وزير رئاسة الجمهورية وفي كتابه (السودان النفق المظلم قصة الفساد والاستبداد )، يعرض منصور لبهاء عدة مرات يفصل مرات ويلمح اخرى.وفيه نجد:-
-علاقة بهاء بنادى الهلال وكيف كان دعمه له.
- من هو ساحر القصر ..ومن جاء به!
- تحليل منصور لشخصية نميرى .
-لماذا حاول منصور خالد وعمر الحاج موسى ايقاف تعين بهاء وزيرا . ؟
- كيف تعامل بهاء مع قصة فصله من الجامعة بعد استوزاره.
- ردة فعل مدير الجامعة( بروف مصطفى حسن) بعد استوزار بهاء.
كتب منصور خالد فى ص220وما بعدها.
(القيادة الرشيدة والشعوذة وتاجر الباروكات... (الروحانية عند النميري ودراسة جذورها أمر بالغ الأهمية لفهم توجه نميري الإسلامي ) هي تركيبة متنافرة من الإيمان ، والخوف والخرافة والشعوذة والسحر . فشخصية النميري، كما قلنا في مقدمة هذا الكتاب ، شخصية معقدة ذات نتوء . وقد لعبت عوامل كثيرة في هذه الشخصية بعضها موروث ، والبعض الآخر مكتسب، شأن كل الناس. وثمة عوامل ثلاثة أثرت تأثيراً كبيراً في هذه التركيبة المتنافرة هي الخوف ، ومغالطة النفس ، ونكران الجميل . فالنميري يريد أن يسود الناس كلهم ، حتى وإن كلفه ذلك المشي فوق الأجداث . وهذه سبيل وعرة محفوفة بمخاطرها ، ولا تفضي إلا إلى هلاك . وكلما أمعن النميري في مسيرته الدامية هذه كلما زادت مخاوفه . وعوضاً عن محاسبة النفس ، ومراجعة الخطى تحمل المغالطة النميري على انكار الواقع والحقائق سادرا في طريق الوهم وممنياً النفس بالمحال . وما أخصب أرض للخرافة والسحر والشعوذة . وكان أول من انبرى لإرضاء غريزة الخرافة في النميري هو أستاذ العلوم الطبيعية . وكان مؤهلاً لذلك . . لا يحكم تعليمه هذه من وانما بحكم هويته وهوايته. فالبهاء أستاذ علم الحيوان من هواة الرياضة في السودان ، وله علاقة وثيقة بواحد من أكبر فرق كرة القدم بالبلاد (فريق الهلال) ويقول الهلاليون إن دور محاضر علم الحيوان لم يكن هو تسخير مقدراته الجامعية في تدريب الناشئة ونشر المعارف الحديثة في فنون الرياضه . . . كان دوره هو إمداد فريقه بالسحره جالبي الحظوظ . وهكذا انتقل محاضر العلوم الطبيعية بمهاراته هذه ليمد الرئيس بالمشعوذين الذين يستقرئون المستقبل للقائد الإشتراكي وراعي المجلس القومي للأبحاث العلمية وراعي الجامعات ومقيم دولة العلم ثم جاء دور رئيس مجلس الشعب الرشيد الطاهر ، وما نخاله فعل هذا لأمر في نفس يعقوب . قدم الرشيد للنميري صهره وهو رجل ذو تقى وورع فأخذ النميري يقضي كل جمعة بصحبة رئيس مجلس الشعب لدى الشيخ الورع الوقور . وما سعى النميري للرجل بحثاً عن العلم وانما ظنا منه بأن الشيخ صاحب البركات سيقيه عوادي الزمان . ويقول الراوي بأن الشيخ الورع قد أهدى للنميري خاتماً كما أهداه الشيخ الصابونابي عصاة حسب أنهما سيحميانه من الشر إلى يوم الدين . وتعرض النميري لأذى كثير ومؤامرات أكثر فحسب إن العناية ماحلت به إلا لعصاه وخاتمه . وفي غمرة الشعوذة هذه نسي النميري حرسه المدجج بالسلاح ، أو عله تناساه ، فلولاه لقتل النميري ألف مرة برغم عصاته وخاتمه . نقول تناساهم لأنه لا يريد أن يكون مديناً لأحد ، وهنا تبرز الصفة الثالثة نكران الجميل . وهكذا تحمل المغالطة النميري لأن يخادع نفسه ويقول بأن العناية الإلهية تحيط به من بين يديه ومن خلفه . وتتشكل هذه العناية في وجوه عدة ، حرس سوداني شاكي السلاح ، وأجهزة أمن داخلي وخارجي ، واستخبارات تفد أنباؤها من ضفاف النيل وحفافي نهر البوتوماك وحرس بيض «كفرة» يرسلون عبر الأطلسي لحماية إمام المسلمين في غدواته وروحاته كما حدث في زيارته الأخيره لروما وباريس وكانت أولى إنجازات البهاء هي تقديمه للرئيس في عام (١٩٧٤) دجالاً معروفاً بمدينة الأبيض إسمه الشريف عبد الله ليكون «ساحر القصر» . وقد الرجل إلى قصر الرئاسة واصبح يعامل معاملة كبار الشخصيات وخصصت له فيلا تابعة للقصر في منطقة كوبر بضواحي الخرطوم . وفي مطلع عهده ، في قصر النميري ، قبض على الرجل في مطار الخرطوم وهو يحاول تهريب كمية ضخمه من «الباروكات» وما عرفنا الفقهاء يتعاملون في الباروكات وأدوات الزينة للنساء. وأبي ضابط الجمارك المسئول بمطار الخرطوم ، محيي الدين صابر ، إلا أن يصادرها ما لم يبرز فقيه النميري الترخيص التجاري ويسدد الرسوم الجمركية كاملة . فماذا فعل النميري وقد انكشف أمر شيخه ؟ ما ثار ولا غضب إلا على رجل الجمارك وأمر بطرده وبتسليم الباروكات مهدداً بالذهاب بنفسه إلى المطار لتخليصها . وكان أن أدخل وزير المالية عنوة في هذه الملهاة ، خاصة وقد أصر مدير الجمارك ، يومها ، سيف الدولة عبد الرحمن على
الوقوف بجانب موظفه . وساند وزير المالية رجاله وهو يقول إن الجمارك لا تقع تحت مسئولية وزير المالية أو الرئيس وإنما هى تبعاً للقانون مسئولية مدير الجمارك وحده . وكل ما يسطيع الوزير فعله هو دفع الرسوم الجمركية على أن تحمل أعباؤها على ميزانية القصر ، وهو نفس القصر الذي دمغ أهلوه بالفساد على عهد الأزهري لإنفاقهم بضع آلاف من الجنيهات لابتياع الأدوات الموسيقية لحرس التشريفات وأرادت الأقدار أن يلقى محيي الدين صابر حتفه في حادث سيارة فحسبها النميري واحدة من كرامات شيخه تاجر الباروكات . ومن ذلك اليوم زاد ايمانه بالرجل ، كما زادت ثقته في حسن اختيار وزيره رجل العلوم الطبيعية .
كانت تلك هي الفترة التي بعث فيها الرئيس بخطابه المشهور حول القيادة الرشيدة ، والذي وزعه المكتب الصحفي للرئيس . وقد بدأ الخطاب بالحديث عن الأمانة في نهج الرسول (ص) كمثال وقدوة . وأورد الخطاب بأن الرسول (ص) «ما كان ليكابر في حق ، وما كان ليجادل في باطل .. لم يكن الحب في شرعته مرادفاً للمحاباة ، فآثر أمته على عشيرته ، وآثر أهله على نفسه . . . كان الرحب صدراً ، الرحيم قلباً ، العف لساناً ، المستقيم مسلكاً ، العادل حكماً ، الأمين عهداً ، الوفي وعداً .. لا يخطو إلا لحكمة ولا ينكص إلا لحكمة لا يتعالى على نصح ، لا يترافع على شورى يراجع نفسه قبل أن يراجع غيره». ثم مضى الخطاب ليؤكد مقولة طالما رددها النميري ألا وهي : أن الرجل العام ملك عام . . . «وان القيادة إنما هي موقع مرصود للمحاسبة والمؤاخذة ، بما يتعالى على الأداء وعثراته ، إلى المسلك الشخصي لو شابته الهفوات أو الأخطاء» . وذهب من بعد للحديث عن الأمانة فقال : «إن الأمانة لا تتجزأ ، ذلك أن عفة اللسان ، وطهارة اليد ، ويقظة الضمير ، ونقاء السريره ، ووضوح الفكر ، وكفاءة الأداء ، إنما هي جميعاً مقومات تتكامل لدى القيادة القادرة على حمل الأمانة وتحمل تبعاتها . وإن انتقاص أي منها إنما هو انتقاص من القدرة . وما أعظمها هذه من كلمات بليغة وضيئة. وهكذا حدد النميري مرة أخرى للناس، المعيار الذي تسبر به أغوار الرجال . تماماً كما فعل بالأمس في محاكم الثورة وهو يدين المفسدين ، أو كما فعل أمام اللجنة المركزية للإتحاد الاشتراكي السوداني ، وهو يشخص الفساد ، مظاهره ومحتواه. إلا أن أهم ما في خطاب الرئيس الراشد هو إشاراته إلى الرسول الكريم (ص) كقدوة وأسوة . وما كان الرسول قدوة وأسوة إلا لأنه عاش فكره حياة ، ووافقت سريرته علانيته
وإن كنا قد رأينا بضع نماذج وستترى نماذج أكثر فيما بعد) لإلتزام الرئيس
بمعاييره في ادانة المفسدين (محاكم (الثورة) ، والتزامه بمعاييره في كبح جماح الفساد خطابه في اللجنة المركزية وقرارات تلك اللجنة فعلنا ننظر أيضاً في اقتدائه بالسنة المطهرة التي نشر راياتها في كتاب أصدره المكتب الصحفي . كان الرسول الرحب صدرا وسنرى رحابة الصدر هذه في التعامل مع من حاوروا الرئيس الإمام في المساجد ، وكان الرسول العف لسانا وسنرى عفة اللسان هذه في خطابات الرئيس إلى أهل بلاده حتى في دور العبادة . وكان الرسول المستقيم مسلكا ، وعلنا قد رأينا صورة زاهية لهذه الاستقامة «الرسولية» في يخوت البحر الابيض المتوسط وعقب كتاب القيادة الرشيدة هذه لا قبله . وكان الرسول لا يتعالى على نصح ولا يترافع على شورى» وما نحن بحاجة إلى المزيد من الحديث عن ما لحق بكل ناصح ومشاور جابه النميري بمالا يشتهي . ومهما يكن من أمر فإن أكبر مفارقة في ذلك الخطاب والذي تحدث عن الأمانة التي لا تتجزأ خاتمته هي . ففي نهاية الخطاب وجه النميري الوزراء والمسئولين بمغالبة أهواء النفس والكف عن الخمر في خلال أسبوع وإلا الاستقالة» . وهكذا تلخصت الأمانة والشرف والاستقامة في الشرب . لم يقل للصوص أن يكفوا عن تلصصهم ، ولم يقل للمنافقين أن يكفوا عن نفاقهم ، ولم يقل للكذبة أن يكفوا عن نشر أكاذيبهم الصلعاء ولذا فقد كان الكتاب محل سخرية. كان كثيرون يعرفون بأن أطباء النميري قد نصحوه بالكف عن الشرب ، فكف عنه . وما أكثر ما تتأذى نفس النميري من أن يستمتع إنسان بما هو محروم منه . ولا نظلم الرجل كثيراً بهذا الحكم القاسي فقد أكدت الأحداث المتتالية ما نذهب إليه من تفسير . ففي عام ١٩٨٤ عام الفتح» أصدر النميري قراراً بمصادرة ورق اللعب من كل المتاجر وحظر استيراده بدعوى أنه وسيلة من وسائل المقامرة والنميري يدرك أكثر من غيره ، وهو يصدر هذا القرار ، بأن ليس كل الذين يمارسون لعبة الورق مقامرين. فلعبة الورق كانت هوايته التي يسهر فيها الليالي ، ولم يكن مقامرا . قرر التخلي عن هوايته . وأذاه أن يستمر الآخرون في ممارستها . وفي نفس العام وقف ليطالب ضباط الأمن بالخرطوم بالامتناع عن التدخين ويقول بأن المدخن العاجز عن كبح جماح نفسه رجل لا يؤتمن في مثل هذا الجهاز الحساس ، وكان النميري من قبل يدخن لفائف التبغ وينهمك في تعاطي التمباك . . . وما اتهمه الناس بالضعف من أجل هذا . وعندما منعه أطباؤه التدخين آلمه أن يستمتع الآخرون بما حرم منه . وفي العام ذاته أيضاً وقف النميري في واد مدني ليطالب الناس بأن يمتنعوا عن تناول وجبات ثلاث كما يمتنعوا من شرب الشاي ، فجوعوا تصحوا» . والحكمة الخالدة عرفها الناس قبل خمسة عشر قرناً إلا أن النميري لم يدركها إلا بعد أن نصحه الأطباء بتفادي المنبهات والتقليل من الأكل حفاظاً على وزنه وتخفيضاً لنسبة الكلوسترول في دمه خاصة وقد كان النميري يتلذذ بما اكتظ بالشحم من أنواع اللحوم . وما درى النميري بأن كل حياة الإنسان هي صراع بين نوازع الخير والشر، بين المغريات وكبح جماح النفس عنها .
والنفس من خيرها في خير عاقبة
والنفس من شرها في مرتع وخم

إذن كانت له دواعيه التي لا تمت للرشاد بسبب . ولذا فمع كل المقدمات حول الأمانة ، وعفة اللسان ، والحكمة ، والنصح والانتصاح ما وجد الرئيس ما ينهى عنه الناس ويتهددهم إلا الشرب. وما أسهل اختيار الشرب كمعيار للحساب وامكانية إستخدامه كسلاح للتشهير، وهو استخدام انتقائي دوما . كان أكبر «الخميرين في النظام هم أقرب الناس إلى النميري ، وما أقلقه هذا . فتهمة الشرب سلاح يستخدم عند الضرورة للتشهير وللرئيس الإمام شهية واسعة للفضائح والتشهير على الدوام . ففي عام ۱۹۷۹ ، على سبيل المثال ، أحاطه يحيي
عبد المجيد المساعد الجديد للأمين العام للاتحاد الاشتراكي علماً باكتشافه لعدة حالات لاستغلال الأموال العامة في الأغراض الخاصة ، استغلال أموال الاتحاد الاشتراكي لشراء الهدايا واقامة حفلات الزفاف ، وقضاء العطلات ، وشراء الأثاثات الخاصة . تبسم النميري بخبث وقال ليحيي : إن أدراج مكتبي مليئة بالوثائق الدامغة التي تدين الكثيرين. لا تشغل نفسك بهذا» . كان يحيي الأمين المنضبط يفكر في نزاهة العمل العام ، أما الرئيس الذي آثر أن يحتفظ بما أسماه الوثائق الدامغة بدلاً من أن يحيلها إلى أجهزة الأمن للتحقيق فقد كان كل همه هو على سلاح للتشهير والابتزاز . وكان أول من وقع ضحية لصرعة الرئيس الدينية الجديدة هما سفير السودان لدى القاهرة وضابط كبير بالسلاح الطبي . أما الأول فقد أوقع به كاتب الديوان محمد محجوب ، والذي أبى السفير أن يصبح مطية لأغراضه في القاهرة . فما كان من كاتب الديوان إلا أن أرسل تقريرا عنه جاء فيه أنه يتعاطى الخمر بانتظام. وكتب النميري إلى السفير يسأله صحة ذلك فرد السفير بأمانة وشجاعة قائلاً إنه يتناول كاساً أو إثنين وما أثر هذا في عمله . وكان صادقا فالرجل من اكثر سفرائنا مقدرة ويقظة وهمة . عندها استدعى النميري رئيس الوزراء الرشيد الطاهر
وشخصي ، وكنت مستشارا له بالقصر ، ليطلعنا على نيته في طرد السفير . قلت له إن السفير ليس هو الوحيد الذي يتعاطى الخمر وإن كان هو الوحيد الذي ملك الشجاعة ليقر بذلك . كما قلت بأن السفير رجل مقتدر وإن في طرده بهذا الأسلوب إهدار لكرامته أمام الناس وصدمة عنيفة لعائلته وأهله الأكرمين. وأكد قولى هذا وكيل
وزارة الخارجية محمد ميرغني والذي استدعي للاجتماع – بناء على رجائي لغياب وزير الخارجية محجوب مكاوي . إلا أن رئيس الوزراء ذهب لتأييد رأي الرئيس قائلا بأن الرجل يجب أن يكون عبرة لغيره . وكان كلاهما يعلمان بأن الأروقة العليا للنظام تعج بالسكارى ولكنها اختارا أن تكون العبرة من بين من هم أقل نفوذاً وسطوة .
وعل الأقدار أرادت أن تفضح النميري فقد شهد الناس – عقب هذا الحادث - إثنين من كبار رجالات النظام المقربين للنميري ( يومذاك) هما أبو القاسم محمد ابراهيم وزين العابدين محمد أحمد على شاشة التلفزيون في حفل ساهر وفي حالة حسبها الناس سكرا . وقامت قائمة الدنيا وقتها ، كما ارتفعت صيحات الغضب والاستنكار من كثيرين . وشهد الناس النميري مدافعاً ، من بعد ، على شاشة التلفزيون نفسه عن الرجلين ، متحدثا عن أمجادهما وقائلاً بأنهما شباب قدم للوطن زهرة عمره ، وأنه من واجب الناس ، تقديراً لدورهما ، أن يغفروا لهم التجاوز البسيط سمة من سمات الشباب . وبعد عامين فقط عندما انفرطت أواصر
والذي هو الصداقة بينه وبين أبي القاسم - وقف النميري ليدين نفس الرجل بسبب تجاوزاته والتي أصبحت يومذاك طيشاً ، ونزقاً ، ورعونة . )1...لكن كيف وصل بهاء الى هذا المنصب ومن حال ثنى النميرى عن تعينه ..هذا ما يعرضه منصور فى المصدر السابق ص 119 وما بعدها( أهل الفعل والمهرجون وعصابة القصر : بغض الطرف عن مجلس قيادة الثورة . فقد كان يحيط بالنميري في مطلع السبعينات مجموعات ثلاث : - أول هذه المجموعات هي الفنيون (التكنوقراط) الذين سعى نميري لتجنيدهم حسب تأهيلهم الأكاديمي والمهني لأداء أدوار مجدية في التنمية والبناء . وإن كان رجال هذه الفئة جميعاً من مخبوري التجارب ، وكان أغلبهم من ذوي الهمة والمطمح ، خاصة في ميادين تخصصهم ، إلا أن عدداً منهم لم يحترف السياسة ولا سعى لا حترافها . ومع هذا فقد انكب هؤلاء جميعاً على تنفيد السياسات المطروحة ، كما لعب بعض منهم دوراً هاماً في تكييف هذه السياسات في مواقع اختصاصهم . وإن كانت هناك من رابطة واحدة تجمع بين هذه المجموعة فهي منهجية اتخاد القرار التنفيذي ، وأسلوب الاقتراب في دراسة المشاكل المطروحة للتحليل والتقرير. وفيما عدا هذا فقد كانوا جميعاً مختلفي المشارب والاتجاهات. ولم نكن نرى هذا أمرا سيئاً في حد ذاته إذ أن تعدد الآراء والأساليب كثيراً ما يؤدي إلى إثراء التجربة ويضاعف من الحيوية . وقد كان عرفان كل هؤلاء عظيماً للفرصة التي أتاحها لهم النميري لكما يؤدوا دوراً وطنياً ومهنياً مرموقاً ، بل إن بعضاً منهم رأى في هذه الفرصه تحقيقاً لأحلام كبار بعد سنوات من التخبط الحزبي في الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول ١٩٦٤ ومايو/آيار ١٩٦٩ . تولت هذه المجموعة ، بسبب قدراتها ومؤهلاتها ، مواقع الصدارة في المسيرة الجديدة فنالوا بهذا الاحترام والتقدير في الداخل والخارج . كانوا ، بهذا ، الجوهرة في تاج النميري ، وكانت إنجازاتهم مشهودة : حل مشكلة الجنوب ، الخطط والمشاريع الزراعية الضخمة (الرهد وكنانه إلخ . .) – مما أهل السودان ليتحدث عن آماله في أن يصبح سلة غذاء العالم العربي إقامة شبكات للطرق والاتصالات الهاتفية لم تشهد البلاد مثلها من قبل ، لامركزية الحكم القائمة على التعبئة الشعبية ، إعادة بناء الخدمة العامه ، الإصلاح القانوني مع توحيد وتدوين القوانين ، التوسع الصناعي على مستوى تجاوز كثيراً الجهد الذي تم في عهد عبود ودفع بالبلاد إلى مرحلة التصنيع ثم الاستفادة الواعية من كل هذه الانجازات على الصعيد الدبلوماسي لكسب احترام العالم الخارجي . أما المجموعة الثانية فبالرغم من أن اغلبها لم يكن من مخبوري التجارب المهنية إلا أنها ضمت أناساً على قدر كبير من الذكاء والجدية والحماسة انهمكوا كلهم في التعبئة السياسية في إطار الإتحاد الاشتراكي السوداني مما أعطى هذا التنظيم السياسي قدراً كبيراً من الفعالية . وهكذا كان نجاح النظام في سنواته الأولى قائماً على ما توفر من مصداقية قائمة على النجاح التنفيذي والتنشيط السياسي. ومما لاشك فيه فإن هاتين المجموعتين من أهل الفعل هما اللتان خلقتا نميري من الطينة العادية التي كانها . ومع هذا فقد ضمت مجموعة الإتحاد الاشتراكي تلك أناسا ما كان لهم من دور غير رفع .الشعارات ، والخطابيات الجوفاء ذات الدوي ، ومحاربة طواحين الهواء . أما المجموعة الثالثة فهم المتمسحون بالأعتاب في سدة الرئاسة ، أي رجال القصر . ولم يكن لهؤلاء شأن بالتنمية والبناء أو التعبئة السياسية ، كانوا ، وماز الوا ، كادحين إلى نميريهم كدحاً فملاقيه . وفي نهاية المطاف حملوه معهم حملاً إلى قاع الوحل وحمأة الفساد .. وبديهي ن لا تعمل مثل هذه المجموعة عبر المؤسسات ولذا فلم يكن غربياً أن يوحوا إلى النميري بأن المؤسسات ليست إلا مراكز قوى تهدف إلى القضاء على سلطته . وما كان الرئيس النميري بحاجة إلى اقناع أذ أن جسد الرجل يكاد يقشعر عندما يتحدث الناس عن المؤسسات ويأتي على رأس هذه المجموعة د. بهاء الدين محمد إدريس ، وأسماء شهرته كثر منها المستر ۱۰٪ ، والدكتور إدريس لدى رجال الأعمال) ، و 007 (مكتشف المؤامرات وقد اكتسب كنيته الاخيرة هذه بسبب جهوده التي لا تفتر للكشف عن «المؤامرات المحاكة ضد الرئيس ، وأغلبها من إختراع خياله الوارف ، حرصاً منه على أن يقض مضجع النميري حتى تتزايد الحاجه إليه . وقد قام في هذا الصدد ، و عبر شركة من كوريا الجنوبية ، بشحن مكتب الرئيس بتكنولوجيا الأجهزة الأمنية كأجهزة التصنت والدوائر التلفزيونية المغلقة وسواها . كان الدكتور إدريس محاضراً بقسم علم الحيوان بجامعة الخرطوم . وقد أجبر على الاستقالة في منتصف الستينات لارتكابه أفعالاً تتنافى واخلاقيات مهنته تسريب) أوراق احد الإمتحانات لطالبة قيل إنها صارت زوجته الثانية بعد عدة سنوات وشكلت وقتها لجنة للنظر في الأمر برئاسة البرفسور محمد إبراهيم خليل عميد كلية القانون وعضوية البرفسور أمين الكارب والأستاذ أحمد المرضي جبارة . وأجمع هؤلاء الثلاثة على أن يطلبوا ، عبر عميد العلوم ، من إدريس أن يستقيل حفاظا على يستقيل حفاظا على اسمه واسم الجامعة وبالرغم من هذه السيرة السوداء لم يتورع النميري عن تعيينه وزيراً للشئون الخاصة ، وفي اسم المنصب نفسه ما يوحى بالكثير . وفي أكتوبر/تشرين الأول ۱۹۷۲ ، قبيل التعديل الوزاري الكبير الذي أجراه الرئيس ، ذهبت مع المرحوم عمر الحاج موسي وزير الثقافة والإعلام إلى النميري لننقل إليه أن ترشيح بهاء الدين إدريس إنما هو وصمة على جبين مجلس الوزراء ذاكرين ما كان من أمره بالجامعة . ومما هو جدير بالذكر فإن النظام قد استطاع آنذاك أن يستقطب عدداً كبيرا من رجال الجامعة المرموقين وذوي السيرة الحسنة . وما هز حديثنا النميري بل اخذ يراوغ متبعاً المراوغة بصمت طويل كعادته دوماً عندما يريد تفادي النقاش في أمر ما . ورأينا الإصرار على مناقشة الأمر فما كان منه إلا أن قال مالكم والرجل ؟ إنه مجرد «صبي خدمات» . وهنا انبرى عمر ليتحدث كضابط إلى ضابط . سيادة الرئيس، إن ما يلزمك ، في هذا الحال . هو ضابط أركان من الجيش» . غير أن النميري لم ينبس ببنت شفة . نظر إلى عمر وغمغم قائلاً : «لا بد أن الرئيس يرى في بهاء الدين ما لا تستطيع ان ترى ثم أمسك بذراعى وقال وهو يودع الرئيس «تأخر الوقت علينا وأمامي جسر طويل على أن أعبره» كان عمر يقطن في شمبات على الضفة الأخرى من النيل . «حقا ، من الآن فصاعداً أمامنا جميعاً جسر طويل علينا أن نعبره» . قلتها لنفسي وانصرفنا . صار حادث الجامعة هذا هاجساً لا يبرح ذهن بهاء الدين وأراد محوه من ذهنه ولدى تعيين أحمد سليمان وزيراً للعدل تحدث إليه الدكتور بهاء الدين في الأمر طالباً منه النظر في الأوراق المتعلقة بقضيته وآملاً في أن يعينه في تبرئة ساحته . ولم يثر بهاء الدين الأمر من قبل مع وزير العدل السابق بابكر عوض الله لعلمه بأن عوض الله كان لا يخفي احتقاره للرجل بل حيرته في دوافع نميرى في تعيينه . وقد روى عوض الله غداة تعيين وزير الشئون الخاصة بأن للنميري قدرة عجيبة في انتقاء الأشخاص . فلو تقدمت له بمائة اسم من بينهم تسع وتسعون شريفا وفاسد واحد لما التقط غير هذا الواحد واخطأ الدكتور بهاء في الاتصال بوزير العدل أساساً لأنه لا شأن لوزارة العدل بمضابط التحقيق معه . والذي تم في الجامعة . كانت المحاولة محاولة خبيثة من جانب بهاء الدين لا ستدراج وزير العدل لطلب هذه الأوراق من الجامعة مما يضفي على الأمرصفة الإهتمام الرسمي وبالفعل فقد اتصل الوزير بمدير الجامعة . البروفسور مصطفى حسن مستفسراً . . . مما كان مبعث هياج من جانب مدير الجامعة . هرع إلي ، يومذاك ، البرفسور مصطفى وهو يمور غضباً فقد كان كثيراً مايرد إلى يبث شكاته ، أو يهدر بغضباته . كان ، ومازال . صديقاً احترم فيه أمانة الفكر وتواضع العالم . والشجاعة الأدبية التي يفتقدها المرء في كثيرين ويسميها البعض جنوناً. ثم تفجر مصطفى غاضباً في مكتبي بوزارة الخارجية وهو يقول : «مستحيل ! سأطبع مئات النسخ من تقرير اللجنة تحسباً لمحاولة من أي أحد للتخلص من سجل العمل المشين الذي ارتكبه بهاء الدين . ثم هدأ غضبه وقال : «ربما كان علينا إبقاؤه بالجامعة، فم تكن لتضار إلا الدراهم القليلة التي تنفقها على الأسماك والضفادع للتشريح في قسم علم الحيوان . أما الآن . فميزانية الدولة نفسها في خطر» . ولشد ما أصاب ! إزاء كل ذلك ، كان محتما نشوء الصراع بين هذه المجموعات الثلاث المتباينة . وزاد من احتمال الصراع عاملان هما شخصية نميري . وعنصر الغيرة . وحول العامل الأول فإن نميري . كما اوضحنا وسنوضح . لا يستلذ إلا من تعميق الخلافات حتى يبقى هو الحصن المكين الذي يرتكز عليه الكل حتى لم يبق من حوله في النهاية إلا كثير و السعاية ، قليلو الدراية . ضعيفو النكاية . أما العامل الثاني . أي الغيرة ، فقد قاد إليه أن المجموعة الأولى قد كانت دوماً تحت دائرة الضوء لطبيعة عملها وانجازاتها مما أكسبها الاحترام داخل البلاد وخارجها . وقد آثر النميري آنداك . التظاهر بالانحياز إلى تلك المجموعة لا تقديراً لها وإنما إدراكاً منه بأن ما تقوم به من عمل هو السبيل الوحيد لتركيز النظام. وحملت الغيرة المجموعة الثانية على التشكيك في دور الجهاز التنفيذي كله تحت شعار حاكمية وعلوية التنظيم السياسي بل السعي للتدخل في العمل اليومي للحكومة مما حمل الكثيرين داخل الجهاز التنفيذي على التصدي لهذا ، بالرغم من أن كثيراً منهم كانوا في مقدمة صفوف الإتحاد الاشتراكي نفسه . أما المجموعة الثالثه . عصابة القصر . فقد كان الصراع بينها وبين المجموعة الاولى رجال المؤسسات صراعاً ضارياً . هو . في جوهره صراع بين
سدنة القانون والخارجين عليه ).2 هذا بعض من ما كتب منصور عن بهاء هذا المقال يصلح ان يكون مقدمة .للحديث عن الفريق طه الذى احتل ذات المنصب وقام بادوار هامة فى تاريخ السودان.
- علاقة الرياضة بالسياسة يطول الكلام عنها ..اما الدجل فهو اصيل فيهما ..ولدكتور كمال شداد مقولة مشهورة انه هناك من يشجع الرياضة ويدفع فيها ولكن لا يدفع الا للاناطين.
المراجع
(1) منصور خالد السودان النفق المظلم قصة الفساد والاستبداد ص220 وما بعدها.
(2) منصور خالد السودان النفق المظلم قصة الفساد والاستبداد ص119 وما بعدها.

 

آراء