أسئلة الحرب وإجابات السلام

 


 

عمر العمر
17 November, 2024

 

بقلم عمر العمر

قصيتنا المحورية لم تعد تتمثل في مساندة الجيش أو الانحياز إلى الجنجويد. محورُ القضية استرداد الدولة. فانتقاد قيادة الجيش يوازي نقد إدارة المصرف المركزي .كلاهما من مؤسسات الدولة. نقدهما لار يستوجب التجريم أو التخوين ، إذ غايته التقويم . انتقاد الجيش لا يستهدف هدم المؤسسة ،بل رجم قيادة فاشلة. الرهان على بناء دولة ديمقراطية بمؤازرة الجنجويد ليس بِرهانٍ خاسر فقط بل كابوسٌ طينتُه الجهلُ بالتاريخ . قيادة أركان الجيش لم تخفق فقط في أداء مهامها المهنية ازاء تأمين سلامة السلطة والمواطن. بل هي شاهد إن لم تكن فاعلا في تفتيت الوحدة الوطنية و هيمنة الدولة المركزية .هي المسؤولة عن تسمين الوحش كاسر قيود الأخلاق والقيم الوطنية. مامن عاقل يُخيُّرنا بين البرهان وحميدتي .الرأي الغالب -إن لم يكن اجماعا- افتقارهما للحد الأدنى من كاريزما القيادة ،بل ربما القيم ، الوطنية.فلماذا يضعنا من يدفنون رؤوسهم في وسائد المنافع الخاصة بين خياري مساندة فاسدين كلاهما قاتل.؟ من لايرى في هذه الحرب غير صراع على السلطة والثروة فليحاسب رؤاه ،دماغه وضميره! هذا مستنقع دم تخالط فيها انحرافات الداخل أطماع الخارج . لا سودانيا يرغب في رؤية جيش مهزوم أمام ميليشيا لكن هل بانتصار هذه القيادة نسترد الدولة الحلم ؟بل هل نجد ذلك الجيش الوطني؟
*****

الوحدة الوطنية لا يتم التماسها أو تخليقها إبان الأزمات.هي قيمة خالدة تكرس قيادة الدولة وشعبها الجهود لغرسها ورعايتها بحيث تتحول تلقائيًا مكونا وطنياً في الواقع والوجدان . من ثم تصبح مكتسبا ينهض الجميع بغية الحفاظ عليه منتعشا فيتحول إلى قوة دينامكية تمنح الشعب طاقة البذل من أجل الارتقاء بالوطن.كما تولّد طاقة تلقائية للذود عن الدولة ضد كل عدوان . بما أن الوحدة الوطنية تشكل القاعدة الأساسية لبناء الدولة الحديثة فلا بد من إعلائها انتماءاً فوق كافة الولاءات . ربما تكون الشراكة بين المجتمع المدني ومؤسسات الدولة أفضل رافعة لإنجاز هذا المشروع. ثمة أعمدة أساسية لاستكمال بنيان الوحدة الوطنية ؛منها العدالة، الاستقرار، التسامح ، التعايش والاستقرار.فإلى أي مدى ساهم زبانية هذه الحرب في بناء و تعزيز الوحدة الوطنية كقيمة ثقافية أو حتى عسكرية ؟
*****

وفق القانون الدولي ؛الدولة كيان سياسي يعبر عن ذاته عبر حكومة تتمتع بالسيادة على الرقعة الجغرافية للدولة على أن تنعم الحكومة بولاء شعب مستقر داخل تلك الرقعة .كلنا نعلم انقلاب الإخوة الأعداء في اكتوبر لم يكن ضد الحكومة ، بل كان انقلابا على ثورة ديسمبر . بغض النظر عن مدى نجاح أو اخاق حكومة ما بعد الثورة . فالثابت كذلك ان الحكومة المشكلة بأمر الانقلاب ظلت وهماً سياسيا مما أفقدها ميزة اكتساب شعبية جماهير الثورة دع عنك التبجح زعماً بشعبية اوسع من سابقتها. أسوأ من ذلك سقوط الدولة برمتها في فخ التناحر حد الاحتراب على نحو أفضى إلى كارثة تحطيم الدولة وتشتيت الشعب.فعلى أي المتناحرين يمكن الرهان بغية استرداد ما يتبقى من الحطام!؟
*****

الدولة تستمد هيبتها من قدرتها على إنفاذ سلطة القانون.لكن ربما يستحيل الفصل بين سيادة الدولة وحفاظها على وحدة تراب الوطن.تحت سلطة الجيش وحلفائه على مدى الثلاثين العجاف يكابد تراب الوطن شر التجزئة .فبعد الخسارة الفادحة المتجسدة في جزع الوطن-الجنوب-عجزت قيادات الجيش في وقف تآكل ما تبقى من جنباته.فهناك مناطق خارجة بالفعل عن مظلة الدولة المركزية العاجزة المهترئة. فعبد العزيز -غير- الحلو يتملّك بوضع اليد على السلاح رقعة تتمتع بثروات ثرّة وكتلة بشرية تكفي مقوما لدولة أو هكذا يحاجج . على جبال النوبة يبسط عبد الواحد نفوذاً سياسياً خارج سلطة الدولة المركزية كذلك .في الغرب تكابد مساحات شاسعة بمن عليها العذاب اليومي بعيداً عن يد الدولة و خارج شمس العصر. في الشرق تتوغل قبائل من وراء الحدود فتزرع وتحصد وتتطلع بعد الانتفاع بخيرات الأرض إلى السكنى الدائمة وميليشيات متفاتة تغريها فوضى العجز على الابتزاز والإتكاء على الجوار.
*****

مصطلح الجيش انبثق مع القوة البرية. حتى بعد تعدد أفرع الجيش إلى قوات جوية وبحرية تظل القوة البرية عظم الجيش بغض النظر عن دينه ولغته .فالحديث عن اخفاق المشاة أمام الميليشيا يفضح عجز قيادة الأركان المتعاقبة لجيشنا إذ أضاعت - سلاح المشاة -عمد البنيان العسكري.أزمة هذه القيادة أنها لم تصر فقط على استبدال حلبة السياسة بميدان التدريب العسكري، بل ذهبت في بناء تحالفات أشبه بالرقص مع الذئاب . كل الجنرالات الضباط الإنقلابيين يتوهمون بعد استيلائهم على السلطة القضاء على المعارضة السياسية. بغية قمع المعارضة لجأ الحيش وحلفاؤه إلى تخليق الميليشيات .كل مواطن ينهض بالرأي الناقد أو الحجة يصبح في عين الانقلابيين عدواً خائنا للدولة يتعرض للتخوين ، التنكيل و التصفية.هكذا أضاعت شلة الانقلابيين الطريق والبوصلة إذ اصطدمت بقطاع عريض من جماهير الثورة. هم يتحملون اوزارا، أثقل من أُحد حينما نحاكم فعايل الجنجويد الدموية واللاخلاقية .
*****

تعرية عجز أركان الجيش وخطاياها لايعني مساندة الجنجويد.فالرهان على الميليشيا من أجل بناء الدولة الحلم رهان خايب لايقرأ أصحابه التاريخ والحاضر. تلك قناعة راسخة- ليست قراءة لاحقة- عبرت عنها غداة انفجار حرب الحلفاء الأعداء.فما من ميليشيا مسلحة نهضت بمهام بناء دولة معافاة من التوغل في القمع ،الارهاب والإذلال و الدم والافقار . مامن إنسان سوي لا تحمله ممارسات الجنجويد على ادانتهم بأقذع أشكال التجريم وفق سنن القانون الاخلاقي قبل القانون الدولي.لا أحد ممن يديرون عربات السياسة الخربة يبدو مهتما تجاه اتساع جحيم دانتي وكبح عمليات الإبادة الجماعية. لا أحد يقلقه مل هذا الدم المسفوك أو الارواح المزهقة.لا أحد يخالجه شيءٌ من ألمو أزاءتدفق أعداد المهجّرين. غريب انشغال أركان الجيش والدولة بتسعير آلية الحرب ولا يحاولون بحث آليات للسلام رغم كل هذ الدم والدمار والفشل الماحق .
*****

إذاً كيف نطفئ هذه الحرب حمّالة الشعب الأتعاب والأحزان فوق احتماله وصبره؟الرهان على تحقيق أي الفريق نصراًحاسماً يرفع سقف الزمن على فضاء المجهول فوق معاناة النازحين و اللاجئين . انتظار تصدع شبكات الجنجويد كما نفاد مخزونهم من الرجال والعتاد لايبشر بحكمة نافذة أو فهم موضوعي عميق . استنفار الشباب من قبل معسكر السلطة يعيد انتاج محرقة حرب الجنوب بما في ذلك شحنها الايديولوجي .القوى المدنية المعارضة لاتتمتع بموقومات صناعة لوبيات ضاغطة على فرق القتال الأربع؛الجيش ،القوات المستأنسة ، الكتائب المستنفرة وذئاب الجنجويد. ترقب حلول من الخارج يفتح الوطن أكثر أمام تقاطع المصالح الاقليمية والدولية مما يوسع جبهات الاقتتال وأنفاق المعاناة.
*****

إذاً متى نطفئ نار الحرب؟ بل كيف؟لعل الخيار المتاح رغم صعوبته على نحو يبدو كأنه مستحيلا هو القبول بابرام صفقات قد تبدو مؤلمة من شأنها كف انتشار لهيب الحرب ورمادها.فكيفما تداعت أوجاع تلك الصفقات فلن تكون أكثر إيلاما من إطالة أمد هذا الحريق ، التدمير والتهجير! فمع استشراء نار الحرب تزداد مخاطر ازدياد أخاديد الوحدة الوطنية ،تتعدد هتوك النسيج الاجتماعي خاصة تحت غبار التجييش القبلي وتجريف الأطر السياسية النخرة. كل ذلك يشكل تحريضا مغريا لجهات متربصة بغمس اسلحتها في اللحم السوداني وأياديها في خيرات الأرض بغية تحقيق مطامع لا تبدو كلها مرئية للقيادات العسكرية والسياسية العاجزة المرتبكة

aloomar@gmail.com

 

آراء