تحالف “تقدم” ودوره في مستقبل السودان
زهير عثمان حمد
11 December, 2024
11 December, 2024
زهير عثمان
في ظل المشهد السوداني المعقد، يمثل تحالف "تقدم" المدني بصيص أمل للعديد من السودانيين الباحثين عن طريق يفضي إلى السلام والاستقرار. يقود هذا التحالف رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وهو شخصية حظيت بثقة محلية ودولية خلال الفترة الانتقالية السابقة. في وقت تنحصر فيه الخيارات السياسية بسبب تصاعد الحرب والانقسامات الداخلية، يبرز "تقدم" ككيان يسعى لجمع السودانيين حول رؤية موحدة تنقذ البلاد من أزمتها.
يتميز "تقدم" بقدرته على مخاطبة كافة الأطياف السودانية، مقدماً خطاباً مدنياً يدعو إلى التعايش السلمي وإنهاء العنف. من خلال تبني قضايا مثل المساعدات الإنسانية والممرات الآمنة، يسعى التحالف ليكون مظلة جامعة تنطلق منها الحلول للأزمة الحالية. لكن، وبالرغم من هذه الطموحات، يبقى التساؤل حول قدرته على الصمود والريادة في مواجهة تحديات سياسية واجتماعية متعددة قائماً.
قراءة في وضعية "تقدم" والمعارضة السودانية
يواجه "تقدم" تحدياً مزدوجاً يتمثل في الحفاظ على تماسكه الداخلي من جهة، ومواجهة تعقيدات المشهد السياسي السوداني من جهة أخرى. المعارضة السودانية بمختلف أطيافها باتت أسيرة حالة من التشرذم والاستقطاب، وهو ما يجعل التنسيق الفعّال بين مكوناتها أمراً صعباً. ورغم ذلك، يتمتع "تقدم" بفرصة نادرة لفرض نفسه كقوة مدنية قادرة على تعبئة الشارع وإحداث تغيير حقيقي.
لكن، للوصول إلى هذه المكانة، يحتاج التحالف إلى تجاوز مجموعة من الإشكاليات. أولا، غياب الحضور الميداني يجعل ارتباطه بالجماهير ضعيفاً، خصوصاً في المناطق المتضررة من الحرب. ثانياً، الانتقادات الموجهة للتحالف بسبب تبنيه لبعض الخيارات المثيرة للجدل، مثل الدعوة إلى حكومة المنفى أو الحظر الجوي، تُضعف موقفه الشعبي. ثالثاً، قدرة التحالف على بناء جسور مع المكونات السياسية الأخرى، سواء داخل المعارضة أو مع الأطراف العسكرية، تبدو محدودة حتى الآن.
التفكير في خيارات المعارضة المستقبلية
المشهد السوداني الراهن يفرض على المعارضة، بما فيها "تقدم"، إعادة تقييم استراتيجياتها. في ظل غياب إجماع وطني حقيقي، تبرز الحاجة إلى طرح رؤية شاملة لا تقتصر على إنهاء الحرب، بل تمتد إلى إعادة بناء الدولة وفق أسس مدنية وديمقراطية.
تحالف "تقدم" يمتلك القدرة على لعب دور محوري في هذا السياق، لكنه بحاجة إلى تطوير آليات عمل تعزز تواصله مع الجماهير وتضمن استدامة نشاطه السياسي. كما يجب أن يعمل على توسيع قاعدته لتشمل قطاعات جديدة من السودانيين، مع التركيز على القضايا الملحة مثل النزوح والفقر والبطالة.
الدعوة للتفكير العميق
ما يحتاجه السودان اليوم ليس مجرد تحالفات سياسية تقفز على الأزمات دون حلول جذرية، بل كيانات تدعو للتفكير العميق في مستقبل البلاد. "تقدم"، في هذا السياق، يمكن أن يكون منصة لإعادة توجيه المعارضة السودانية نحو مسار أكثر اتساقاً مع تطلعات السودانيين.
هذه اللحظة هي اختبار حقيقي ليس فقط لتحالف "تقدم"، بل لكل المعارضة السودانية. فإما أن تنجح في تقديم بديل مدني شامل وواقعي، وإما أن تبقى عاجزة عن مواكبة تعقيدات المرحلة، تاركة الفراغ للقوى العسكرية لتحديد مستقبل السودان.
التحديات المستقبلية لتحالف "تقدم"
في سياق البحث عن حلول للأزمة السودانية، يبقى تحالف "تقدم" في مواجهة خيارات مصيرية تتطلب منه تجاوز معوقات العمل السياسي التقليدي في السودان. المشهد السياسي الحالي يفرض تحديات عميقة تتطلب استراتيجيات مبتكرة تشمل:
إعادة صياغة الخطاب السياسي:
رغم الطابع المدني الجامع لخطاب "تقدم"، إلا أن المشهد السوداني بحاجة إلى رسائل أكثر وضوحاً وواقعية تعكس هموم الناس اليومية. يجب على التحالف أن يوازن بين الطموحات الكبيرة كالسلام والديمقراطية، والاحتياجات المباشرة مثل الأمن، والمعيشة، وإعادة الإعمار.
الارتباط بالمجتمعات المحلية:
لا يمكن لأي تحالف مدني أن يحقق نجاحاً مستداماً دون أن يكون له وجود فاعل في المجتمعات المتأثرة مباشرة بالأزمة. المناطق التي تعاني من النزوح والفقر والعنف بحاجة إلى مبادرات ملموسة تُظهر جدية "تقدم" في التفاعل مع قضايا الشعب، وهو ما سيعزز ثقة الجماهير في التحالف.
بناء شراكات سياسية:
لكي يحقق "تقدم" رؤية موحدة للسودان، عليه تجاوز الانقسامات الحالية وبناء جسور حقيقية مع القوى السياسية الأخرى، بما في ذلك الحركات المسلحة والتيارات المختلفة. التنسيق المشترك سيكون عاملاً حاسماً في تقديم جبهة موحدة قادرة على مواجهة التحديات.
فرصة للريادة المدنية
رغم الصعوبات، فإن السودان يقدم اليوم فرصة نادرة لإثبات جدوى التحالفات المدنية كبديل حقيقي للسلطة العسكرية. من خلال التركيز على الإصلاحات المؤسسية وبناء أسس ديمقراطية، يمكن لـ"تقدم" أن يساهم في إعادة تعريف العمل السياسي السوداني، وجعله أكثر اتساقاً مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.
إن نجاح هذه التجربة يعتمد على مدى قدرة السودانيين أنفسهم على دعم التحالفات الإصلاحية. الحديث عن "تقدم" ليس مجرد استعراض لمشروع سياسي، بل هو دعوة لكل السودانيين لدعم الإصلاحات وجعلها ذات صدى جماهيري واسع.
المسار نحو التغيير الشامل
ما يحتاجه السودان اليوم هو كيان جامع يتجاوز حدود السياسة التقليدية، ليصبح نموذجاً يحتذى به في العمل الجماعي المدني. يمكن لـ"تقدم" أن يكون نقطة انطلاق جديدة تعيد تعريف المعارضة السودانية، وتجعلها أكثر تركيزاً على القضايا الجوهرية للشعب.
إذا نجح التحالف في تجاوز التحديات، فإنه سيؤسس لمرحلة جديدة من العمل السياسي، مرحلة تتسم بالواقعية والطموح، وتستند إلى القيم المدنية التي تعكس آمال الشعب السوداني. هذه ليست مجرد دعوة للإصلاح، بل خطوة نحو بناء مستقبل يليق بتضحيات السودانيين وتطلعاتهم.
في النهاية، يبقى مصير "تقدم" مرهوناً بقدرته على إعادة صياغة دوره ككيان جامع لكل السودانيين، وبتحوله من مجرد تحالف سياسي إلى قوة تغيير حقيقية تعكس آمال الشعب وتطلعاته.
zuhair.osman@aol.com
في ظل المشهد السوداني المعقد، يمثل تحالف "تقدم" المدني بصيص أمل للعديد من السودانيين الباحثين عن طريق يفضي إلى السلام والاستقرار. يقود هذا التحالف رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وهو شخصية حظيت بثقة محلية ودولية خلال الفترة الانتقالية السابقة. في وقت تنحصر فيه الخيارات السياسية بسبب تصاعد الحرب والانقسامات الداخلية، يبرز "تقدم" ككيان يسعى لجمع السودانيين حول رؤية موحدة تنقذ البلاد من أزمتها.
يتميز "تقدم" بقدرته على مخاطبة كافة الأطياف السودانية، مقدماً خطاباً مدنياً يدعو إلى التعايش السلمي وإنهاء العنف. من خلال تبني قضايا مثل المساعدات الإنسانية والممرات الآمنة، يسعى التحالف ليكون مظلة جامعة تنطلق منها الحلول للأزمة الحالية. لكن، وبالرغم من هذه الطموحات، يبقى التساؤل حول قدرته على الصمود والريادة في مواجهة تحديات سياسية واجتماعية متعددة قائماً.
قراءة في وضعية "تقدم" والمعارضة السودانية
يواجه "تقدم" تحدياً مزدوجاً يتمثل في الحفاظ على تماسكه الداخلي من جهة، ومواجهة تعقيدات المشهد السياسي السوداني من جهة أخرى. المعارضة السودانية بمختلف أطيافها باتت أسيرة حالة من التشرذم والاستقطاب، وهو ما يجعل التنسيق الفعّال بين مكوناتها أمراً صعباً. ورغم ذلك، يتمتع "تقدم" بفرصة نادرة لفرض نفسه كقوة مدنية قادرة على تعبئة الشارع وإحداث تغيير حقيقي.
لكن، للوصول إلى هذه المكانة، يحتاج التحالف إلى تجاوز مجموعة من الإشكاليات. أولا، غياب الحضور الميداني يجعل ارتباطه بالجماهير ضعيفاً، خصوصاً في المناطق المتضررة من الحرب. ثانياً، الانتقادات الموجهة للتحالف بسبب تبنيه لبعض الخيارات المثيرة للجدل، مثل الدعوة إلى حكومة المنفى أو الحظر الجوي، تُضعف موقفه الشعبي. ثالثاً، قدرة التحالف على بناء جسور مع المكونات السياسية الأخرى، سواء داخل المعارضة أو مع الأطراف العسكرية، تبدو محدودة حتى الآن.
التفكير في خيارات المعارضة المستقبلية
المشهد السوداني الراهن يفرض على المعارضة، بما فيها "تقدم"، إعادة تقييم استراتيجياتها. في ظل غياب إجماع وطني حقيقي، تبرز الحاجة إلى طرح رؤية شاملة لا تقتصر على إنهاء الحرب، بل تمتد إلى إعادة بناء الدولة وفق أسس مدنية وديمقراطية.
تحالف "تقدم" يمتلك القدرة على لعب دور محوري في هذا السياق، لكنه بحاجة إلى تطوير آليات عمل تعزز تواصله مع الجماهير وتضمن استدامة نشاطه السياسي. كما يجب أن يعمل على توسيع قاعدته لتشمل قطاعات جديدة من السودانيين، مع التركيز على القضايا الملحة مثل النزوح والفقر والبطالة.
الدعوة للتفكير العميق
ما يحتاجه السودان اليوم ليس مجرد تحالفات سياسية تقفز على الأزمات دون حلول جذرية، بل كيانات تدعو للتفكير العميق في مستقبل البلاد. "تقدم"، في هذا السياق، يمكن أن يكون منصة لإعادة توجيه المعارضة السودانية نحو مسار أكثر اتساقاً مع تطلعات السودانيين.
هذه اللحظة هي اختبار حقيقي ليس فقط لتحالف "تقدم"، بل لكل المعارضة السودانية. فإما أن تنجح في تقديم بديل مدني شامل وواقعي، وإما أن تبقى عاجزة عن مواكبة تعقيدات المرحلة، تاركة الفراغ للقوى العسكرية لتحديد مستقبل السودان.
التحديات المستقبلية لتحالف "تقدم"
في سياق البحث عن حلول للأزمة السودانية، يبقى تحالف "تقدم" في مواجهة خيارات مصيرية تتطلب منه تجاوز معوقات العمل السياسي التقليدي في السودان. المشهد السياسي الحالي يفرض تحديات عميقة تتطلب استراتيجيات مبتكرة تشمل:
إعادة صياغة الخطاب السياسي:
رغم الطابع المدني الجامع لخطاب "تقدم"، إلا أن المشهد السوداني بحاجة إلى رسائل أكثر وضوحاً وواقعية تعكس هموم الناس اليومية. يجب على التحالف أن يوازن بين الطموحات الكبيرة كالسلام والديمقراطية، والاحتياجات المباشرة مثل الأمن، والمعيشة، وإعادة الإعمار.
الارتباط بالمجتمعات المحلية:
لا يمكن لأي تحالف مدني أن يحقق نجاحاً مستداماً دون أن يكون له وجود فاعل في المجتمعات المتأثرة مباشرة بالأزمة. المناطق التي تعاني من النزوح والفقر والعنف بحاجة إلى مبادرات ملموسة تُظهر جدية "تقدم" في التفاعل مع قضايا الشعب، وهو ما سيعزز ثقة الجماهير في التحالف.
بناء شراكات سياسية:
لكي يحقق "تقدم" رؤية موحدة للسودان، عليه تجاوز الانقسامات الحالية وبناء جسور حقيقية مع القوى السياسية الأخرى، بما في ذلك الحركات المسلحة والتيارات المختلفة. التنسيق المشترك سيكون عاملاً حاسماً في تقديم جبهة موحدة قادرة على مواجهة التحديات.
فرصة للريادة المدنية
رغم الصعوبات، فإن السودان يقدم اليوم فرصة نادرة لإثبات جدوى التحالفات المدنية كبديل حقيقي للسلطة العسكرية. من خلال التركيز على الإصلاحات المؤسسية وبناء أسس ديمقراطية، يمكن لـ"تقدم" أن يساهم في إعادة تعريف العمل السياسي السوداني، وجعله أكثر اتساقاً مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.
إن نجاح هذه التجربة يعتمد على مدى قدرة السودانيين أنفسهم على دعم التحالفات الإصلاحية. الحديث عن "تقدم" ليس مجرد استعراض لمشروع سياسي، بل هو دعوة لكل السودانيين لدعم الإصلاحات وجعلها ذات صدى جماهيري واسع.
المسار نحو التغيير الشامل
ما يحتاجه السودان اليوم هو كيان جامع يتجاوز حدود السياسة التقليدية، ليصبح نموذجاً يحتذى به في العمل الجماعي المدني. يمكن لـ"تقدم" أن يكون نقطة انطلاق جديدة تعيد تعريف المعارضة السودانية، وتجعلها أكثر تركيزاً على القضايا الجوهرية للشعب.
إذا نجح التحالف في تجاوز التحديات، فإنه سيؤسس لمرحلة جديدة من العمل السياسي، مرحلة تتسم بالواقعية والطموح، وتستند إلى القيم المدنية التي تعكس آمال الشعب السوداني. هذه ليست مجرد دعوة للإصلاح، بل خطوة نحو بناء مستقبل يليق بتضحيات السودانيين وتطلعاتهم.
في النهاية، يبقى مصير "تقدم" مرهوناً بقدرته على إعادة صياغة دوره ككيان جامع لكل السودانيين، وبتحوله من مجرد تحالف سياسي إلى قوة تغيير حقيقية تعكس آمال الشعب وتطلعاته.
zuhair.osman@aol.com