رداً على حيدر إبراهيم: لماذا كانت الصحوة الإسلامية في جمهورية زرياب ثورية؟
زرياب عوض الكريم
11 January, 2025
11 January, 2025
زرياب عوض الكريم
المصطلح الذي إستخدمه دكتور حيدر إبراهيم (فبراير ٢٠١١) الذي لطالما إنحصرت إسهاماته في تقديم مساجلات نقدية ضد مدرسة (الإستشراق المحلي) internal orientalism داخل القومية الشمالية من منصة الجناح اليساري لتلك القومية الإقليمية الذي ينتمي إليه ، مصطلح (جمهورية زرياب) في إشارة إلى المسرح النخبوي غير الجاد (الإنصرافي) لدولة ١٩٥٦ أو النمط السياسي للقومية الشمالية بإقتراض تعبير أنطونيو غرامشي منذ ١٩٢١ وصولا الى ١٩٥٦ بجمهورية سليمان الزغراد (طبقات ود ضيف الله) ، يشبه كثيرا الرمزية الإيحائية لاستاذ التاريخ الموريتاني حماة الله ولد السالم ربما في تناص من عبارات المفكر محمد يحظيه ولد ابريد الليل (جمهورية الرمال) ، كدولة مصطنعة إستعماريا على مقاس نخبة حكم مزيفة وسائلة ثقافياً meritocratic elite لا خصائص شعب.
إلا أن المقارنة قد تكون مجحفة بين موريتانيا بتاريخ الإقطاع الإسلامي المتجذر مخلفاته فيها وحرب شرببة التي رسمت تأسيس مجتمعها في القرن ١٣ الميلادي الى جانب السودان الانغلو مصري كدولة حديثة مصطنعة في القرن التاسع عشر والمعاد تشكيله عام ١٨٩٨ وأيدولجية الإقطاع الإسلامي المستوردة بريطانيا في تاريخه.
التوليتارية الوحيدة أو الأصيلة في تاريخ موريتانيا (دولة الإقطاع الإسلامي النموذجي في غرب إفريقيا) هي جمهورية معاوية ولد الطايع ومذابحه التأسيسية ضد القومية السنغالية في موريتانيا حقبة السبعينات والثمانينات .. بينما النزعة الشوفينية للمثقفين والأعيان الشماليين ككمبرادور إستعماري سبقت بنصف قرن او يزيد توليتارية إبراهيم عبود (الشوفيني النموذجي).
فكرة الشمال الكبير أو خريطة الشمال الكبير greater north و تعبئة أو إحياء مخلفات أو مخيلات الإقطاع الإسلامي حتى من خلال منهج ما يسميه إريك هوبزباوم المؤرخ الفذ (إختراع التقاليد) neotraditionism كخريطة ذهنية إستشراقية خارجية وجيوبولتيكية إستعمارية وكمقابل موضوعي للجنوب الكبير greater south إمتدادا لفكرة او مخيلة الفضاءات المتعارضة ثقافياً او المجالات المتقابلة والثنائيات المانوية بتعبير فرانز فانون ، هي إختراع بريطاني لتنظيم الفضاء المستوعب إسلاميا وعربيا (المسلم والمعرّب) islamized and arbized في مقابل تنظيم الفضاء الأصلي (الإفريقي الوثني او الإحيائي) authentic and totamic.
لم يكن للأنثربولوجيا الكولونيالية السعة ولا الصبر اللازمين من أجل بناء أمم و دول وطنية وبدلا عن ذلك إخترعت إمبرياليات إقليمية مصغرة micro empires ككيانات إنتقالية تملأ فراغ الخرائط الجيوبولتيكية المتنازعة cartographic states.
إقتصر دور الإستعمار البريطاني او أنثربولوجيته الكولونيالية على التنظيم الخارجي للفضاءات المتناقضة والمتعارضة او التنوع من خلال العمل على سياسة التجميع والتوحيد الثقافيين أو صناعة هويات أغلبية ، بينما أهمل التنظيم الداخلي لتلك الفضاءات المتعارضة أو رسم حدود بين الهويات من خلال إرساء أنظمة فيدرالية او التمسك بوجودها أو تأسيس نظام أو صيغ تعايُّش دستوري بدلاً عن التعايش الطبيعي (أبوالقاسم قور : ٢٠٠٥) ، ربما لأن بريطانيا نفسها تستند إلى التقاليد العُرفية Customery tradition في تقنين وإدارة العلاقات السياسية الإجتماعية بدلا عن النصوص الدستورية.
مسألة الهوية الإنتقالية (يتلاقى هذا المصطلح مع مصطلح الدولة العالقة) مهمة جدا لفهم أزمة دول مابعد الإستعمار أو الهندسة الكولونيالية للعالم الثالث ، وموضوعة أمم الأغلبيات majority nationalism theme في مقابل أمم الأقليات minority nationalism.
من خلال ذلك السياق يمكن فهم التفسير والتقسيم البريطاني أو الفرنسي إلخ.. لباكستان المسلمة وبنغلاديش في مقابل الهند ونيبال الهندوسيتان ، سيريلانكا السيخية في مقابل الهند ، بورما وتايلاند البوذيتان في مقابل أندونيسيا وماليزيا والفلبين ، السنغال في مقابل غامبيا ، مالي مقابل موريتانيا ، النيجر والكاميرون في مقابل نيجريا ، الجزائر مقابل المغرب ، السودان والسودان الجنوبي في مقابل إثيوبيا وإرتريا ، أوغندا وحزام دول البحيرات في مقابل دول وسط إفريقيا الناطقة بالسواحيلية (الكنغو البلجيكي والفرنسي) ، تشاد في مقابل إفريقيا الوسطى والغابون ، كينيا وزامبيا في مقابل دول جنوب إفريقيا ، بينما إمتنعت الإدارة الإستعمارية عن ايجاد دول للعفر والأرومو والساهو في مقابل الصومال الايطالي والبريطاني والفرنسي .
تفهم سياسة او هندسة التناقضات او (الإضطرابات) بين مزدوجين على أنها منهج أنثربولوجي للادارة الاستعمارية control of contradictions يمكن إستقراءه في دليل فردريك لوغارد (الوصاية المزدوجة). وهي وصفة حقيقية للإستقرار السياسي الإقليمي ولكن ليس بدون منغصات أهمها التحدي الإثني ethnic defiance أو خطأ التشريح الثقافي في فهم التناقضات المحلية.
في مقابل ما يسميه غرامشي بالنمط السياسي وأفضِّل ترجمته إلى (إشكالية النمط السياسي) ، يمكن أن نطلق ما أسميته (إشكالية النمط التأسيسي) او (نمط التأسيس).
السودان التركو مصري , الجزائر , مصر يتشابهون في ظروف التأسيس على يد الإمبراطورية العثمانية كإمبراطورية (ترابطية) associative - غير إستيعابية النمط السياسي non assimilative pattern ، لكنها قامت بإنشاء ولايات (دول) إستيعابية (غير ترابطية) ونماذج بوتقة ثقافية غير تعددية ، من خلال حركة توحيد او ضم لأقاليم مبعثرة أو مفككة unification كما في مصر 1520 السودان 1820الجزائر 1830.
يمكن القول ان بريطانيا كإمبراطورية ترابطية بدورها لا تتبنى فكرة تذويب الآخر تركت نمطا سياسيا (مؤسساتياً) ترابطيا في أغلب مستعمراتها أو محمياتها وشجعت عليه ، لكنها لم تقاوم او تجابه بقوة كافية النزعات الإستيعابية المتطرفة للقوميات الهجومية او العدوانية miltant nationalisms التي قامت بنقل سلطة الإستعمار إليها كما في إسرائيل والهند وبورما والسودان وتركيا وإيران وحتى مصر التي تمسكت بالهيمنة الكاملة أو النيوميراثية (الأبوية الجديدة) neopatrimonal.
هذه الدول أصبحت دول سبارطا دائمة sparta ، يتغذى بقائها على العنف الداخلي أو الخارجي ، ومأزومة بالداخل من مرض (التحدي الإثني) حتى داخل مكونات النظام الإجتماعى للحرب social order of war المهيمن ، والتي قلنا انها تحولت الى قوميات مُحارِبة لا تقر بضمانة دستورية لإستقرارها أو وجودها إلا في وجود دولة يُهيمن العسكر فيها على السياسة والمجتمع preatorian state.
وإذا كانت باكستان والهند وبنغلاديش وحتى نيجيريا وإسرائيل وماليزيا مثال صريح على دول بريتورية (بريتوريانية) إلا أن الصناديق الإجتماعية للحرب warfare funds أو الأنظمة الإجتماعية للحرب التي تحمي تلك الدول إن لم تلعب دوراً كفاحياً أو كسبياً (نيوميراثي) في إيجادها وتحقيق إستقلالها ضمن هذا النسق من الإمبراطوريات المُصغرة أو الجمهوريات الإحتكارية المغلقة لصالح الإتحادات القومية المُحاربة المذكورة ، إلا أن تلك الدول حافظت على النسق السياسي (غرامشي) وحتى النسق التأسيسي (مابعد غرامشي) أو التقاليد الكولونيالية وتراجعت فيها مؤسسات الحرب إلى الخلف لمسافة معقولة لتسمح للمؤسسات او الواجهات القضائية الدستورية والسياسية التنفيذية بأداء مهمتها الوظيفية في تمرير القرار السياسي.
خرجت من ذلك النسق كلياً تركيا القلقة والمتوترة سياسياً وثقافياً من الإحياء الإسلامي وتحدي القوميات الأخرى إثنياً وعلى رأس قائمته التحدي الكُردي في الثمانينات والتسعينات ، وجارتها إيران في إنقلابين مدنيين أو إجتماعيين على هيمنة التركيب العسكري أو وجوده مؤسسياً في النسق السياسي واكب الثاني مُلابسات الحرب الباردة في السبعينات بينما رافق الأول حيثيات الحرب على الإرهاب بداية الألفية الثالثة.
في هاتين الحالتين لإنقلاب النسق وإختلال التوازن الدياركي فيه diarchy لصالح لعبة شبه ملكية monarchy ، نظام رئاسي قوي ونظام ثوري ثيوقراطي هجين ، تمت صحوتين إسلاميتين سنعود لتفسيرهما كل منهما في إتجاه معاكس للآخر إتجاه ديمقراطي غير قسري (تركيا) وإتجاه أوتوقراطي توليتاري عنفي (إيران).
بينما مثلت بورما والجزائر وسبقتهم مبكراً (مصر) تراجع مؤسسات الحرب تلك عن تفعيل النسق السياسي وتدخلهما لتعليق الحياة السياسية ولو تحت سقف هذا النسق.
في إيران ومملكة أفغانستان ، مصر الملكية والسودان كانت هناك حياة سياسية وحزبية من جنس مايسميه غرامشي (النمط السياسي) ، إلا أن الجناح اليميني لتلك القوميات المُحاربة والمهيمنة ونظامها الإجتماعي للحرب إختار (الحل النهائي) final solution من خلال تصفية الحياة السياسية من أجل الحفاظ على مكاسبها غير المشروعة أو ماتسمى دولة الغنيمة state of capture بدلا عن المخاطرة بالإضطرابات والإصلاح أو الإنفتاح السياسي.
كل الدول غير التعددية poliarchy ، سواء التي تحكم من خلال نمط إنتقال سياسي بصيغة الحزب الواحد one party أو نمط الحزبين two parties هي تشكلٌ ونتاج حروب أو إضطرابات طويلة الأمد أو صدىً لفكرة الإستقرار السياسي المنشود خلالها , كما أفرزت صراعات الإمبراطورية الروسية ثورة أكتوبر 1917 فكرة الحزب الواحد المنتشرة في دول الإمبراطورية النمساوية - المجرية.
ماتم في السودان1958 , 1969 بتدبير من رئيسي الوزراء المدنيين عبدالله خليل ومحمد أ.المحجوب (رواية الدكتور عبدالله زكريا) كان بهدف تحقيق الإستقرار السياسي والتخلص من الفوضى ، ثم بشكل أكثر توسعاً 1989 بما شكل إجتثاثاً حقيقياً للحياة السياسية ونمط الأوتقراطيات الليبرالية والإنتخابية البرلمانية الموروثة عن النمط السياسي البريطاني ، تم بنفس تفاصيله تقريبا في جغرافيات مابعد كولونيالية أخرى.
تمت تصفية الحياة السياسية في مصر 1952 ، وفي بورما (ميانمار) ، تايلند ، أما في الجزائر فإن الحياة السياسية ولدت ميتة بعد التحرير ونجاح الثورة .
إنما ما جرى في السودان 1989 يشبه تماما ما جرى في إيران الخميني وحتى كوريا الشمالية ، ولادة نسق سياسي شائه وبديل للحياة السياسية والنسق السياسي الطبيعي.
السبب الرئيس في ذلك هو حدة (التحدي الإثني) بين مكونات النظام الإجتماعى للحرب أو القومية المحاربة المهيمنة ، التي فسرت على انها حالة عدم إستقرار سياسي مزمنة كما هو تشخيص رجب طيب أردوغان للنمط السياسي في تركيا والحياة الحزبية المتسمة بالتناحرية antagonism.
ومثلما لعب تحالف البازار والحوزة المقدسة في (قم) دورا مهما في عودة الخميني (؟) وتسيده للمشهد الثوري وتمخض رؤاه المابعدية التي أسفرت عن تصفية الحياة السياسية وإجتثاثها تماما في إيران وقع مشهد مقارب في السودان.
لعب الجناح اليميني للقومية الشمالية دوراً مهماً في صناعة الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين 1984 وصعودها بسرعة كبديل للإنشقاقات والصراعات داخل الأحزاب الإقطاعية أو الجماهيرية وتلقت دعماً ومساندة حتى من متطرفين قوميين داخل الجناح اليساري مثل الدكتور عبدالله علي إبراهيم وأحمد سليمان المحامي والسفير صلاح أحمد إبراهيم ، لتتحول بسرعة من حزب نخبة elite political house إلى كارتيل سياسي حقيقي للإستحواذ على السلطة في إنتخابات 1986 التي يمكن القول أنها إنتخابات أوتوقراطية.
لا يمكن وصف الفصائل السياسية الشمالية في السودان بكونها أحزاباً سياسية ولا حركات ثورية طبعاً بل بيوتات سياسية أو صوالين سياسية براغماتية ، ببساطة لأنها لا تدور حول أفكار (نسق برامجي) او من خلال قيادة جماعية (نسق مؤسسي) بل شخصيات كارزماتية او قيادة أبوية ، وما عدا القليل منها فهي براغماتية أو بندولية براغماتية ( تعبير الدكتور هشام عثمان) إنتهازية (بدون أفكار أصيلة وحُرة) تقوم على التناص والإقتراض وحتى التحريفية من الأدب السياسي للآخرين حتى وإن لم تمتلك خطاً سياسياً بالتعبير الروسي أو إجابات سياسية جاهزة.
يمكن مقارنة حالة السودان بدولة النيجر التي إفتقر بنيانها الكولونيالي الفوقي او الشكلي إلى تمفصل مؤسسي articulation حقيقي مرفق بالديناميات الإجتماعية ، لهذا مثلت واقع هشاشة مستمر يجعل منها دولة عالقة لأطول محاولات ممكنة.
وهذا النموذج من الدول يمكن أن نسمية دولاً عسكرية في واقع هشاشة مؤسسي او (بريتوريانية هامشية) peripheral preatorian state.
الإنقلاب الأخير في النيجر الذي رمى إلى تعليق الحياة السياسية والمسنود من إثنية الهوسا ضد الرئيس بازوم في يوليو 2023 يشبه إلى حد بعيد حرب 15 إبريل 2023 مع إختلاف الديناميات الإجتماعية ، ولو قامت مجتمعات أزواد في مالي أو ازواغ في النيجر إلى جانب الصونغاي بمقاومة حقيقية للإنقلاب في البلدين لإنجر النظام الإجتماعي للحرب فيهما والقوميات المحاربة المستحوذة على سلطة مابعد الإستعمار إلى حرب أهلية واسعة بدون تردد.
أما عن لماذا لم ينجح خيار الأسلمة العنيفة او التوليتارية (المسار الثوري للصحوة الإسلامية) في الجزائر وتونس مع نجاحه في إيران والسودان اللتان كانت الحياة الإجتماعية فيهما أكثر تغريباً و علمانية من مصر والجزائر اللذين عرفا الأسلمة الطوعية أو الصحوة الناعمة (الديمقراطية) soft awakening بنسق إستيعابي لا تكييفي accommodative ، ليس هيمنة السمت الريفي للمجتمعات المحلية (النمط الريفي) في إيران وأفغانستان التي كانت تاريخيا إمتدادا للثقافة الفارسية , وفي السودان ، لم يكن المبرر والعذر الوحيد في مواجهة مجتمعات متمدنة وواقع تمدين urbanization (النمط المديني) أكثر إتساعاً في المدن الجزائرية والتونسية.
الصراع ليس خارجياً بين نظرية التمكين ومفهوم الصحوة ، وتطبيقها في إيران والسودان أي إنشاء دول دينية لإستحالة ممارسة الدعوة الإسلامية في داخل النظام المهيمن (القومية المهيمنة) أي إستحالة أسلمة النخبة والهرولة إلى أسلمة المجتمع من فوق بإستخدام آليات الدولة ، بل في داخل مكونات النظام الإجتماعى للحرب نفسه كما في تونس والجزائر الذي قاوم أسلمة النخبة لكنه سمح بأسلمة المجتمع بشكل طوعي.
مرة أخرى لماذا لم تتحول الصحوة الإسلامية في الصومال أو بنغلاديش أو ماليزيا أو حتى باكستان من جمعية إجتماعية للرعاية او التبشير الى حزب سلطة إلى حزب سياسي كما هو في النموذج المصري والتركي ؟ ببساطة لتعسر الولادة الطبيعية للصحوة الإسلامية بسبب تاريخ قمع أو تهميش الهوية الإسلامية في هذين البلدين وعدم تصالح مؤسسات الحكم معها أو إستيعابها لها على أدنى تقدير.
لقد كانت حوادث التجديف والإساءة للهوية الإسلامية مدبرة من على قمة الهرم النخبوي في السودان ستينيات القرن العشرين وهذا أمر لم يكن موجودا أو مسموحا به في الثورة الجزائرية او النظام الليبي مع أنه نظام إشتراكي وطيلة حكم بن علي لم يكن إستهداف المظاهر الإسلامية واحداً من أجندة نظام الحكم كما سبق في عهد الحبيب بورقيبة.
إذن يمكن تلخيص أزمة النظام الإجتماعى للحرب داخل القومية الشمالية (القومية المهيمنة) والذي أفضى إلى تعليق الحياة السياسية لمدة 35 عاماً بما يمنع من وقوع أية تحولات حقيقية على بنية مابعد الإستعمار او نمطها السياسي في ثلاث أزمات (1) أزمة النمط التأسيسي (2) أزمة النمط السياسي (3) أزمة نمط التفكير , أو أزمة العقل الميكانيكي mechanic mind غير الجدلي ، الذي يقف وراء حدةالإستقطاب الإجتماعى polarization والتحدي الإثني ، وهو ماوصفه عديد المحللين والمؤثرين (زهير عثمان , زين العابدين محمد صالح) في مقالات بتاريخ 5 , 6 من هذا الشهر بأزمة (مجتمع الشعارات) أو أزمة (مثقف اللامصطلح) لدى النخبة الشمالية أو العقل الشمالي بوصفه عقلاً ميكانيكياً ( بدائي).
northernwindpasserby94@gmail.com
المصطلح الذي إستخدمه دكتور حيدر إبراهيم (فبراير ٢٠١١) الذي لطالما إنحصرت إسهاماته في تقديم مساجلات نقدية ضد مدرسة (الإستشراق المحلي) internal orientalism داخل القومية الشمالية من منصة الجناح اليساري لتلك القومية الإقليمية الذي ينتمي إليه ، مصطلح (جمهورية زرياب) في إشارة إلى المسرح النخبوي غير الجاد (الإنصرافي) لدولة ١٩٥٦ أو النمط السياسي للقومية الشمالية بإقتراض تعبير أنطونيو غرامشي منذ ١٩٢١ وصولا الى ١٩٥٦ بجمهورية سليمان الزغراد (طبقات ود ضيف الله) ، يشبه كثيرا الرمزية الإيحائية لاستاذ التاريخ الموريتاني حماة الله ولد السالم ربما في تناص من عبارات المفكر محمد يحظيه ولد ابريد الليل (جمهورية الرمال) ، كدولة مصطنعة إستعماريا على مقاس نخبة حكم مزيفة وسائلة ثقافياً meritocratic elite لا خصائص شعب.
إلا أن المقارنة قد تكون مجحفة بين موريتانيا بتاريخ الإقطاع الإسلامي المتجذر مخلفاته فيها وحرب شرببة التي رسمت تأسيس مجتمعها في القرن ١٣ الميلادي الى جانب السودان الانغلو مصري كدولة حديثة مصطنعة في القرن التاسع عشر والمعاد تشكيله عام ١٨٩٨ وأيدولجية الإقطاع الإسلامي المستوردة بريطانيا في تاريخه.
التوليتارية الوحيدة أو الأصيلة في تاريخ موريتانيا (دولة الإقطاع الإسلامي النموذجي في غرب إفريقيا) هي جمهورية معاوية ولد الطايع ومذابحه التأسيسية ضد القومية السنغالية في موريتانيا حقبة السبعينات والثمانينات .. بينما النزعة الشوفينية للمثقفين والأعيان الشماليين ككمبرادور إستعماري سبقت بنصف قرن او يزيد توليتارية إبراهيم عبود (الشوفيني النموذجي).
فكرة الشمال الكبير أو خريطة الشمال الكبير greater north و تعبئة أو إحياء مخلفات أو مخيلات الإقطاع الإسلامي حتى من خلال منهج ما يسميه إريك هوبزباوم المؤرخ الفذ (إختراع التقاليد) neotraditionism كخريطة ذهنية إستشراقية خارجية وجيوبولتيكية إستعمارية وكمقابل موضوعي للجنوب الكبير greater south إمتدادا لفكرة او مخيلة الفضاءات المتعارضة ثقافياً او المجالات المتقابلة والثنائيات المانوية بتعبير فرانز فانون ، هي إختراع بريطاني لتنظيم الفضاء المستوعب إسلاميا وعربيا (المسلم والمعرّب) islamized and arbized في مقابل تنظيم الفضاء الأصلي (الإفريقي الوثني او الإحيائي) authentic and totamic.
لم يكن للأنثربولوجيا الكولونيالية السعة ولا الصبر اللازمين من أجل بناء أمم و دول وطنية وبدلا عن ذلك إخترعت إمبرياليات إقليمية مصغرة micro empires ككيانات إنتقالية تملأ فراغ الخرائط الجيوبولتيكية المتنازعة cartographic states.
إقتصر دور الإستعمار البريطاني او أنثربولوجيته الكولونيالية على التنظيم الخارجي للفضاءات المتناقضة والمتعارضة او التنوع من خلال العمل على سياسة التجميع والتوحيد الثقافيين أو صناعة هويات أغلبية ، بينما أهمل التنظيم الداخلي لتلك الفضاءات المتعارضة أو رسم حدود بين الهويات من خلال إرساء أنظمة فيدرالية او التمسك بوجودها أو تأسيس نظام أو صيغ تعايُّش دستوري بدلاً عن التعايش الطبيعي (أبوالقاسم قور : ٢٠٠٥) ، ربما لأن بريطانيا نفسها تستند إلى التقاليد العُرفية Customery tradition في تقنين وإدارة العلاقات السياسية الإجتماعية بدلا عن النصوص الدستورية.
مسألة الهوية الإنتقالية (يتلاقى هذا المصطلح مع مصطلح الدولة العالقة) مهمة جدا لفهم أزمة دول مابعد الإستعمار أو الهندسة الكولونيالية للعالم الثالث ، وموضوعة أمم الأغلبيات majority nationalism theme في مقابل أمم الأقليات minority nationalism.
من خلال ذلك السياق يمكن فهم التفسير والتقسيم البريطاني أو الفرنسي إلخ.. لباكستان المسلمة وبنغلاديش في مقابل الهند ونيبال الهندوسيتان ، سيريلانكا السيخية في مقابل الهند ، بورما وتايلاند البوذيتان في مقابل أندونيسيا وماليزيا والفلبين ، السنغال في مقابل غامبيا ، مالي مقابل موريتانيا ، النيجر والكاميرون في مقابل نيجريا ، الجزائر مقابل المغرب ، السودان والسودان الجنوبي في مقابل إثيوبيا وإرتريا ، أوغندا وحزام دول البحيرات في مقابل دول وسط إفريقيا الناطقة بالسواحيلية (الكنغو البلجيكي والفرنسي) ، تشاد في مقابل إفريقيا الوسطى والغابون ، كينيا وزامبيا في مقابل دول جنوب إفريقيا ، بينما إمتنعت الإدارة الإستعمارية عن ايجاد دول للعفر والأرومو والساهو في مقابل الصومال الايطالي والبريطاني والفرنسي .
تفهم سياسة او هندسة التناقضات او (الإضطرابات) بين مزدوجين على أنها منهج أنثربولوجي للادارة الاستعمارية control of contradictions يمكن إستقراءه في دليل فردريك لوغارد (الوصاية المزدوجة). وهي وصفة حقيقية للإستقرار السياسي الإقليمي ولكن ليس بدون منغصات أهمها التحدي الإثني ethnic defiance أو خطأ التشريح الثقافي في فهم التناقضات المحلية.
في مقابل ما يسميه غرامشي بالنمط السياسي وأفضِّل ترجمته إلى (إشكالية النمط السياسي) ، يمكن أن نطلق ما أسميته (إشكالية النمط التأسيسي) او (نمط التأسيس).
السودان التركو مصري , الجزائر , مصر يتشابهون في ظروف التأسيس على يد الإمبراطورية العثمانية كإمبراطورية (ترابطية) associative - غير إستيعابية النمط السياسي non assimilative pattern ، لكنها قامت بإنشاء ولايات (دول) إستيعابية (غير ترابطية) ونماذج بوتقة ثقافية غير تعددية ، من خلال حركة توحيد او ضم لأقاليم مبعثرة أو مفككة unification كما في مصر 1520 السودان 1820الجزائر 1830.
يمكن القول ان بريطانيا كإمبراطورية ترابطية بدورها لا تتبنى فكرة تذويب الآخر تركت نمطا سياسيا (مؤسساتياً) ترابطيا في أغلب مستعمراتها أو محمياتها وشجعت عليه ، لكنها لم تقاوم او تجابه بقوة كافية النزعات الإستيعابية المتطرفة للقوميات الهجومية او العدوانية miltant nationalisms التي قامت بنقل سلطة الإستعمار إليها كما في إسرائيل والهند وبورما والسودان وتركيا وإيران وحتى مصر التي تمسكت بالهيمنة الكاملة أو النيوميراثية (الأبوية الجديدة) neopatrimonal.
هذه الدول أصبحت دول سبارطا دائمة sparta ، يتغذى بقائها على العنف الداخلي أو الخارجي ، ومأزومة بالداخل من مرض (التحدي الإثني) حتى داخل مكونات النظام الإجتماعى للحرب social order of war المهيمن ، والتي قلنا انها تحولت الى قوميات مُحارِبة لا تقر بضمانة دستورية لإستقرارها أو وجودها إلا في وجود دولة يُهيمن العسكر فيها على السياسة والمجتمع preatorian state.
وإذا كانت باكستان والهند وبنغلاديش وحتى نيجيريا وإسرائيل وماليزيا مثال صريح على دول بريتورية (بريتوريانية) إلا أن الصناديق الإجتماعية للحرب warfare funds أو الأنظمة الإجتماعية للحرب التي تحمي تلك الدول إن لم تلعب دوراً كفاحياً أو كسبياً (نيوميراثي) في إيجادها وتحقيق إستقلالها ضمن هذا النسق من الإمبراطوريات المُصغرة أو الجمهوريات الإحتكارية المغلقة لصالح الإتحادات القومية المُحاربة المذكورة ، إلا أن تلك الدول حافظت على النسق السياسي (غرامشي) وحتى النسق التأسيسي (مابعد غرامشي) أو التقاليد الكولونيالية وتراجعت فيها مؤسسات الحرب إلى الخلف لمسافة معقولة لتسمح للمؤسسات او الواجهات القضائية الدستورية والسياسية التنفيذية بأداء مهمتها الوظيفية في تمرير القرار السياسي.
خرجت من ذلك النسق كلياً تركيا القلقة والمتوترة سياسياً وثقافياً من الإحياء الإسلامي وتحدي القوميات الأخرى إثنياً وعلى رأس قائمته التحدي الكُردي في الثمانينات والتسعينات ، وجارتها إيران في إنقلابين مدنيين أو إجتماعيين على هيمنة التركيب العسكري أو وجوده مؤسسياً في النسق السياسي واكب الثاني مُلابسات الحرب الباردة في السبعينات بينما رافق الأول حيثيات الحرب على الإرهاب بداية الألفية الثالثة.
في هاتين الحالتين لإنقلاب النسق وإختلال التوازن الدياركي فيه diarchy لصالح لعبة شبه ملكية monarchy ، نظام رئاسي قوي ونظام ثوري ثيوقراطي هجين ، تمت صحوتين إسلاميتين سنعود لتفسيرهما كل منهما في إتجاه معاكس للآخر إتجاه ديمقراطي غير قسري (تركيا) وإتجاه أوتوقراطي توليتاري عنفي (إيران).
بينما مثلت بورما والجزائر وسبقتهم مبكراً (مصر) تراجع مؤسسات الحرب تلك عن تفعيل النسق السياسي وتدخلهما لتعليق الحياة السياسية ولو تحت سقف هذا النسق.
في إيران ومملكة أفغانستان ، مصر الملكية والسودان كانت هناك حياة سياسية وحزبية من جنس مايسميه غرامشي (النمط السياسي) ، إلا أن الجناح اليميني لتلك القوميات المُحاربة والمهيمنة ونظامها الإجتماعي للحرب إختار (الحل النهائي) final solution من خلال تصفية الحياة السياسية من أجل الحفاظ على مكاسبها غير المشروعة أو ماتسمى دولة الغنيمة state of capture بدلا عن المخاطرة بالإضطرابات والإصلاح أو الإنفتاح السياسي.
كل الدول غير التعددية poliarchy ، سواء التي تحكم من خلال نمط إنتقال سياسي بصيغة الحزب الواحد one party أو نمط الحزبين two parties هي تشكلٌ ونتاج حروب أو إضطرابات طويلة الأمد أو صدىً لفكرة الإستقرار السياسي المنشود خلالها , كما أفرزت صراعات الإمبراطورية الروسية ثورة أكتوبر 1917 فكرة الحزب الواحد المنتشرة في دول الإمبراطورية النمساوية - المجرية.
ماتم في السودان1958 , 1969 بتدبير من رئيسي الوزراء المدنيين عبدالله خليل ومحمد أ.المحجوب (رواية الدكتور عبدالله زكريا) كان بهدف تحقيق الإستقرار السياسي والتخلص من الفوضى ، ثم بشكل أكثر توسعاً 1989 بما شكل إجتثاثاً حقيقياً للحياة السياسية ونمط الأوتقراطيات الليبرالية والإنتخابية البرلمانية الموروثة عن النمط السياسي البريطاني ، تم بنفس تفاصيله تقريبا في جغرافيات مابعد كولونيالية أخرى.
تمت تصفية الحياة السياسية في مصر 1952 ، وفي بورما (ميانمار) ، تايلند ، أما في الجزائر فإن الحياة السياسية ولدت ميتة بعد التحرير ونجاح الثورة .
إنما ما جرى في السودان 1989 يشبه تماما ما جرى في إيران الخميني وحتى كوريا الشمالية ، ولادة نسق سياسي شائه وبديل للحياة السياسية والنسق السياسي الطبيعي.
السبب الرئيس في ذلك هو حدة (التحدي الإثني) بين مكونات النظام الإجتماعى للحرب أو القومية المحاربة المهيمنة ، التي فسرت على انها حالة عدم إستقرار سياسي مزمنة كما هو تشخيص رجب طيب أردوغان للنمط السياسي في تركيا والحياة الحزبية المتسمة بالتناحرية antagonism.
ومثلما لعب تحالف البازار والحوزة المقدسة في (قم) دورا مهما في عودة الخميني (؟) وتسيده للمشهد الثوري وتمخض رؤاه المابعدية التي أسفرت عن تصفية الحياة السياسية وإجتثاثها تماما في إيران وقع مشهد مقارب في السودان.
لعب الجناح اليميني للقومية الشمالية دوراً مهماً في صناعة الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين 1984 وصعودها بسرعة كبديل للإنشقاقات والصراعات داخل الأحزاب الإقطاعية أو الجماهيرية وتلقت دعماً ومساندة حتى من متطرفين قوميين داخل الجناح اليساري مثل الدكتور عبدالله علي إبراهيم وأحمد سليمان المحامي والسفير صلاح أحمد إبراهيم ، لتتحول بسرعة من حزب نخبة elite political house إلى كارتيل سياسي حقيقي للإستحواذ على السلطة في إنتخابات 1986 التي يمكن القول أنها إنتخابات أوتوقراطية.
لا يمكن وصف الفصائل السياسية الشمالية في السودان بكونها أحزاباً سياسية ولا حركات ثورية طبعاً بل بيوتات سياسية أو صوالين سياسية براغماتية ، ببساطة لأنها لا تدور حول أفكار (نسق برامجي) او من خلال قيادة جماعية (نسق مؤسسي) بل شخصيات كارزماتية او قيادة أبوية ، وما عدا القليل منها فهي براغماتية أو بندولية براغماتية ( تعبير الدكتور هشام عثمان) إنتهازية (بدون أفكار أصيلة وحُرة) تقوم على التناص والإقتراض وحتى التحريفية من الأدب السياسي للآخرين حتى وإن لم تمتلك خطاً سياسياً بالتعبير الروسي أو إجابات سياسية جاهزة.
يمكن مقارنة حالة السودان بدولة النيجر التي إفتقر بنيانها الكولونيالي الفوقي او الشكلي إلى تمفصل مؤسسي articulation حقيقي مرفق بالديناميات الإجتماعية ، لهذا مثلت واقع هشاشة مستمر يجعل منها دولة عالقة لأطول محاولات ممكنة.
وهذا النموذج من الدول يمكن أن نسمية دولاً عسكرية في واقع هشاشة مؤسسي او (بريتوريانية هامشية) peripheral preatorian state.
الإنقلاب الأخير في النيجر الذي رمى إلى تعليق الحياة السياسية والمسنود من إثنية الهوسا ضد الرئيس بازوم في يوليو 2023 يشبه إلى حد بعيد حرب 15 إبريل 2023 مع إختلاف الديناميات الإجتماعية ، ولو قامت مجتمعات أزواد في مالي أو ازواغ في النيجر إلى جانب الصونغاي بمقاومة حقيقية للإنقلاب في البلدين لإنجر النظام الإجتماعي للحرب فيهما والقوميات المحاربة المستحوذة على سلطة مابعد الإستعمار إلى حرب أهلية واسعة بدون تردد.
أما عن لماذا لم ينجح خيار الأسلمة العنيفة او التوليتارية (المسار الثوري للصحوة الإسلامية) في الجزائر وتونس مع نجاحه في إيران والسودان اللتان كانت الحياة الإجتماعية فيهما أكثر تغريباً و علمانية من مصر والجزائر اللذين عرفا الأسلمة الطوعية أو الصحوة الناعمة (الديمقراطية) soft awakening بنسق إستيعابي لا تكييفي accommodative ، ليس هيمنة السمت الريفي للمجتمعات المحلية (النمط الريفي) في إيران وأفغانستان التي كانت تاريخيا إمتدادا للثقافة الفارسية , وفي السودان ، لم يكن المبرر والعذر الوحيد في مواجهة مجتمعات متمدنة وواقع تمدين urbanization (النمط المديني) أكثر إتساعاً في المدن الجزائرية والتونسية.
الصراع ليس خارجياً بين نظرية التمكين ومفهوم الصحوة ، وتطبيقها في إيران والسودان أي إنشاء دول دينية لإستحالة ممارسة الدعوة الإسلامية في داخل النظام المهيمن (القومية المهيمنة) أي إستحالة أسلمة النخبة والهرولة إلى أسلمة المجتمع من فوق بإستخدام آليات الدولة ، بل في داخل مكونات النظام الإجتماعى للحرب نفسه كما في تونس والجزائر الذي قاوم أسلمة النخبة لكنه سمح بأسلمة المجتمع بشكل طوعي.
مرة أخرى لماذا لم تتحول الصحوة الإسلامية في الصومال أو بنغلاديش أو ماليزيا أو حتى باكستان من جمعية إجتماعية للرعاية او التبشير الى حزب سلطة إلى حزب سياسي كما هو في النموذج المصري والتركي ؟ ببساطة لتعسر الولادة الطبيعية للصحوة الإسلامية بسبب تاريخ قمع أو تهميش الهوية الإسلامية في هذين البلدين وعدم تصالح مؤسسات الحكم معها أو إستيعابها لها على أدنى تقدير.
لقد كانت حوادث التجديف والإساءة للهوية الإسلامية مدبرة من على قمة الهرم النخبوي في السودان ستينيات القرن العشرين وهذا أمر لم يكن موجودا أو مسموحا به في الثورة الجزائرية او النظام الليبي مع أنه نظام إشتراكي وطيلة حكم بن علي لم يكن إستهداف المظاهر الإسلامية واحداً من أجندة نظام الحكم كما سبق في عهد الحبيب بورقيبة.
إذن يمكن تلخيص أزمة النظام الإجتماعى للحرب داخل القومية الشمالية (القومية المهيمنة) والذي أفضى إلى تعليق الحياة السياسية لمدة 35 عاماً بما يمنع من وقوع أية تحولات حقيقية على بنية مابعد الإستعمار او نمطها السياسي في ثلاث أزمات (1) أزمة النمط التأسيسي (2) أزمة النمط السياسي (3) أزمة نمط التفكير , أو أزمة العقل الميكانيكي mechanic mind غير الجدلي ، الذي يقف وراء حدةالإستقطاب الإجتماعى polarization والتحدي الإثني ، وهو ماوصفه عديد المحللين والمؤثرين (زهير عثمان , زين العابدين محمد صالح) في مقالات بتاريخ 5 , 6 من هذا الشهر بأزمة (مجتمع الشعارات) أو أزمة (مثقف اللامصطلح) لدى النخبة الشمالية أو العقل الشمالي بوصفه عقلاً ميكانيكياً ( بدائي).
northernwindpasserby94@gmail.com