على خلفية (سداسية) الدرديري عن الإسلامويون..هل تنهض حركة معاقة فكريا وعقديا.؟.

 


 

خالد ابواحمد
13 January, 2025

 

خالد ابواحمد

بينما كنت أقلب وسائل التواصل الإعلامي وقع نظري على مقال للقيادي الإسلاموي السيد الدرديري محمد أحمد بعنوان الإسلاميون في السودان لم تعثروا وكيف ينهضون (١-٦)، -بطبيعة الحال- العنوان لافت للنظر، برغم أني لا أحفل بما يأتي به أمثال الدرديري وغيرهم من القيادات الإسلاموية البعيدة عن هموم الإنسان السوداني، ومنذ الوهلة الأولى في مطالعتي للمقال خطرت ببالي كتابات المفكر والأكاديمي البروفيسور التجاني عبد القادر حامد، وشتان ما بين الثرى والثريا، خاصة التي تناول فيها مسيرة الإسلامويون في بلادنا المنكوبة، التجاني كما هو معروف عالم ومفكر وهو أكثر الكتاب الذين أسهموا في زيادة الوعي حول مشاريع (الحركات الإسلامية) السياسية في تجاربها على المستوى العالم العربي والإسلامي، وقد درس تجربة حكم (الإنقاذ) المأساوية وكتب فيها الكثير من المقالات الرصينة التي ركز فيها على الصراع علي السلطة بشكل تحليلي معمق يعكس التزامه الإنساني والفكري والأكاديمي والوطني...
الاسلامويون- كعادتهم الالتفاف حول الحقائق التي لا يشك فيها عاقل مثل سطوع الشمس في رابعة النهار، لا أحد ينكر وجودها إلا من أعمى الله بصره وبصيرته، واضح أن السلسة التي نشر منها الحلقة الأولى تحاول تبرئة (الحركة المجرمة) من جرائم 35 عاما تنوء بحملها الجبال، ويريد الكاتب أن يزرع الشكوك حولها بل محاولته تحميل مسؤوليتها للأشخاص، برغم أن الفعل الرسمي المتمثل في الدولة التي يسيطرون على جيشها وأمنها وشرطتها قد ارتكبت هذه المجازر، إن الحلقة الأولى من سلسلة المقالات المشار إليها في ظاهرها ايجابية جدا كونه اعترف بمبدأ المحاسبة، لكني استميح القارئ الكريم عذرا أن يقرأ معي هذه الفقرة من المقال إذ يقول الدرديري محمد أحمد:
" ولا شك في ان قيادات الإسلاميين قد ارتكبوا أخطاء أثناء إدارتهم الشأن العام. فما بلغ من تلك الأخطاء مرحلة الاتهام بجريمة، وجب أن يحاكموا عليه فيُبرّأوا من التهمة أو يدانوا بها. فمن يُبرّأ فهي شهادة شخصية له، ومن يدان ويعاقب كان ذلك زاجرا لغيره جابرا لذنبه – ان شاء الله. وما كان من أخطائهم دون ذلك لكنه بلغ درجة مخالفة العهد والميثاق الذي بينهم وبين اخوتهم، حاسبوهم عليه وربما أخرجوهم بسببه من جماعتهم".
أخي القارئ الكريم لو تتذكر اني في الكثير من مقالاتي أذكر بأن الجماعة دائما يتذاكوا علينا ويحسبون أن الشعب السوداني قليل فهم، ومتواضع القدرات الذهنية، و(مسكين) يمكن أن تضربه وتسفك دمه وتأكل معه في مائدة واحدة، مثلما كانت تفعل قيادات النظام حتى رئيسهم المخلوع يأمر بقتل المتظاهرين ثم يذهب لبيت أسرة القتيل ويؤدي (واجب العزاء)، القيادي الإسلاموي الدرديري في هذا المقال يسمي ما حدث في السودان من ضياع للوطن، وابادات جماعية، وتطهير عرقي في كل السودان وفي دارفور من 2003م وحتى 2019م، بأنها " أخطاء"، وأن الضرب الطيران والبراميل المتفجرة في جبال النوبة وأنحاء واسعة من دارفور والنيل الأزرق، ومجازر مجندي الخدمة الالزامية في العيلفون، وانتفاضة سبتمبر 2013م، مجزرة اعتصام القيادة العامة كلها لا تعدو أن تكون "أخطاء"..!!.
وأن سرقة المال العام وبيع شركات القطاع العام، ونهب البنوك مجتمعة (مجموعة بنك النيلين للتنمية الصناعية) أنموذج، وشركات الطيران والخطوط البحرية وبيوت السودان في لندن وباريس وغيرها، كلها مجرد "أخطاء"، ولا زالت أموال الشعب السوداني لم تسترد، وأنشئت بها شركات ضخمة في ماليزيا وتركيا ..إلخ، هذا كله أخطاء..!.
الفقرة المشار إليها في بداية المقال تغني القارئ الكريم تماما عن المواصلة في قراءة باقي المقال لأنها تمثل خلاصة مبكرة لسلسلة من 6 حلقات من الحشو والكلام غير المفيد والكذب والافتراء والهروب من تحمل المسؤولية التي تعتبر سمة بارزة سمات هذا التنظيم الشيطاني، عندما أشير للكذب في هذه المقالة أعني اصرار الكاتب على وصف جماعته بـ(الاسلاميين) وهم أبعد خلق الله عن الاسلام وما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إن عبارة (الإسلاميين) وردت في 16 موضع في المقال المكون من (2113) كلمة، وهو ما يعني أن الكاتب لا زال بعيدا، لم يصل بعد للمرحلة التي تؤهله لكي يكون قابلا للتواصل الوجدان مع القراء الكرام في تفاعلهم مع مقالاته،، إن القارئ الإنسان بطبيعة الحال لديه حصانة تمنعه تلقائيا من التفاعل مع أهل النفاق والمجرمين والمدافعين عن الباطل بكل صوره.
بين د.التجاني عبدالقادر والدرديري
في حالة الدرديري يمكن أن نشير في المقابل إلى إقبال القراء وتفاعلهم الكبير مع كل المقالات التي كتبها البروفسيور التجاني عبدالقادر حامد في العقد الأخير من مسلسلات عديدة ممتعة، تحلى فيها بالأمانة والصدق الذي عُرف به من عقود طويلة، ونموذج لهذه المسلسلات المكتوبة:
الرأسماليون الإسلاميون ماذا يفعلون فى الحركة الإسلامية؟
العسكريون الإسلاميون: أمناء على السلطة أم شركاء فيها..؟.
الصفقة الكبيرة الخاسرة..
نحن وحدويون وإن وقع الانفصال..
هذا فضلا عن المقالات الكثيرة التي حركت البرك الساكنة في أدب الحوار السوداني، و اتسمت بالرقي والأدب والمسؤولية تجاه القُراء والتاريخ والوطن، كما اتسمت بالتناول الرصين وبلغة سلسة تؤكد على أن كاتبها الدكتور التجاني عبد القادر قد نفذ إلى أفئدة القُراء فتداول مقالاته بشكل عجيب، أما عن السيد الدرديري ومن أمثاله العشرات الذين اتفقوا مؤخرا في جماعتهم الكبيرة المجرمة على محاولة إقناع الشعب السوداني بأن لا بديل لحُكم السودان غيرهم، وصُرف في تحقيق هذا الهدف الملايين المتلتة من الدولارات صرفت على جوقة الإعلاميين الذسن نعرفهم جميعا ونعرف مآربهم الذاتية، لكن الشعب أوعى بكل ما يخططون له وقادر على التعامل معها بحنكة.
وعندما نقرأ للأصلاء في قيادة الجماعة مثل أمين حسن عمر ونسمع تصريحاته، ونشاهد اللقاءات التي تجرى معه، ونقرأ للدرديري محمد أحمد مثل هذا الهراء لا نحتاج لقراءة ما يكتبه الوُكلاء عنهم من أمثال الهندي عزالدين، وضياء الدين بلال وغيرهم، فنطمئن غاية الاطمئنان على ما ينتظر هذه الجماعة في المستقبل، وقد علمتنا عبِر التأريخ ذلك.
إن مقالة الدرديري هذه ذكرتني وقفة تأملية وقفتها مع نفسي وكتبت فيها مقالا أعتقد انه كان آخر مقال لي نشرته في السودان عبر صحيفة (ألوان) في ديسمبر 1999م، و عنونته بـ(كالحمار يحمل اسفارا)، ذكرت فيه أن (الحركة الإسلامية) بتاريخها الطويل في السودان ومجاهداتها لم تنتج شيخا فقيها واحد له وزنه ومكانته في ميدان الفكر في العالم الإسلامي أو فقهيا ومفسرا مثل (الشعراوي) أو غيره، وأن الحركة هذه برغم سنوات عمرها ومؤسساتها المنتشرة في البلاد وبنوكها وشركاتها، وسمعتها الذائعة الصيت ليس لها كِتاب أو مرجع واحد له وزن يتداوله المسلمين في العالم، وأن هذه الحركة بكل حراكها وأموالها المكدسة ليس لها مؤسسات خيرية كبيرة لها وزن تقيل عثرة الضعفاء وتساعد المحتاجين في السودان، حتى ديوان (الزكاة) الذي أسسوه لمساعدة الفقراء والمساكين طالته أيادي الفاسدين الكبار ومن ضمنهم علي عثمان محمد طه، وهذه لها قصة يوما ما سنتطرق إليها.
لكن ما هو السبب الذي جعلني أكتب هذا المقال على خلفية مقالة الدرديري هذه..؟..
السبب هو قناعتي بأن حُكم هذه العصابة التي حكمت السودان طيلة هذه السنوات الـ 35 عاما أذلت الإنسان السوداني إذلالا شديدا وفعلت فيه الأفاعيل، مارست فيه كل أنواع القتل والنهب والسرقة، ولا أدل على ذلك إلا بنموذج مقتل واغتصاب الأستاذ الشهيد أحمد الخير، وقد جاء في محاكمة الجناة اعتراف أحدهم بعد سؤال القاضي عن وظيفته في جهاز الأمن قال أنه "مختص اغتصاب"..!!
الاجابة كانت صادمة للحد البعيد.. ولا زالت صادمة، ثم يريدون أن ينهضوا من جديد..!!
إن أعضاء هذه الجماعة تجردوا من الإنسانية تماما، قساة القلب بحيث يقتل الواحد منهم إنسانا ولا يرجف له جفن، كما حدث في الكثير من المواقف من بينها اغتيال شهداء سد كجبار الذي خرجوا في تظاهرة سلمية في منطقة نائية رفضوا اقامة سد في منطقتهم بلا ضمانات لسلامتهم، إذا بسيارة يقودها مجموعة مسلحة من قوات الشرطة فتحوا نار الأسلحة عليهم بتاريخ 13 يونيو 2007م، ومثل هذه الحادثة حدثت في مدينة بورتسودان وكان الفاعل هذه المرة أفراد من جهاز الأمن، وهناك المئات من حوادث القتل والتصفيات الجسدية التي يمارسها جهاز الأمن التابع لدولة (الحركة الاسلامية) بدون أي مصوغات قانونية أو دينية أو أخلاقية.
تتجلى قسوتهم وبربريتهم حتى مع عضويتهم، ففي ملابسات تصفية الحسابات في محاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك، بينما كان الضابط بالتصنيع الحربي يقود سيارته برفقته زوجته وطفلتهما الصغيرة وقفت سيارة بوكس بيضاء أمام السيارة وانزلوا الرجل بالقوة وطرحوا أرضا ثم فتحوا فيه نيران أسلحتهم ثم غادروا وكأن شيئا لم يحدث، الطفلة لا زالت تعاني حتى الآن من تداعيات هذه الحادث، المقتول قيادي كبير بالحركة، كان رفيقهم وزميلهم وهو من المؤسسين لجهاز التصنيع الحربي.!
الرئيس المخلوع عمر البشير كان قد اعترف اعترافا تاريخيا بأنهم "قتلوا ناس دارفور لأتفه الأسباب"، أحد الاخوة عندما سمع هذا الاعتراف من الرئيس مباشرة شعر بالذنب الشديد رغم أنه لم يشارك فيه، لكن فقط كونه عضو في هذه الجماعة شعر وكأنه شارك في قتل اهلنا بدارفور، وهو بذلك يثبت لنا حقيقة دائما كنت أتحدث عنها، وهي أن كل عضو في (الحركة) تزامن وجوده في التنظيم مع ممارسة الظلم من قتل وتنكيل هو مشارك فيه، الأمم المتحدة عام 2004م قالت أن ضحايا دارفور في "عمليات القتل والابادة الجماعية 300 ألف نسمة"، وبعد سنوات وفي لقاء مع مجموعة من الصحفيين قال د. مصطفى عثمان اسماعيل " أن قتلى دارفور 10 ألف بس"..!!.
هل يعقل كل هذه الدماء الزكية لا تحرك فيهم ساكنا..؟.
هؤلاء الضحايا كانوا 300 ألف أو 10 ألف (بس) هم بشر مثلنا، ولهم آمال وطموحات في المستقبل كما لدينا ولدى قادة الحركة المجرمة الذين أرسلوا ابنائهم للدراسة في الخارج، بينما يقتلوا أبناء الشعب السوداني بدم بارد، شباب زي الورد أمثال الشهيد محجوب التاج الطالبِ بكليَّةِ الطب بجامعةِ الرازي، والشهيد محمد يوسف (الجوني)، وغيرهم الآلاف الذين صرفت عليهم أسرهم دم القلب حتى يخدموا الوطن ويشاركوا في نهضته.
لا يتناهون عن منكر فعلوه
أعود وأكرر أن ما يسمون أنفسهم بـ" الاسلاميين"، هم قتلة ومجرمون وأن أمثالهم قد ذكرهم الله في القرآن الكريم، مثل قوم عاد وثمود وغيرهم "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه"، لا أدري كيف ينومون ويأكلون ويعيشون في أسرهم، وقد قتلوا الأسر في مدن كثيرة في السودان، هؤلاء بشر بلا روح، ولأن نهجهم شيطاني لم ينفعهم العلم الذي تعلموه، ولا التربية التي تربوها من أهلهم.
لذلك لا أرضى أن يأتي واحد منهم يحاول الظهور بمظهر التحضر والبراءة لتغبيش وعي الناس بعد كل ما فعلوه في بلادنا، فإن ما يجري الآن في السودان هُم السبب فيه، ولا أذيع سرا إن قلت أني ولسنوات طويلة أفكر في كنه هذا الأمر..واتساءل في نفسي كيف يكون الإنسان مُسلم، ويكذب ويسرق ويعذب ويقتل، والأغرب من ذلك كله قوة العين العجيبة في كونه ارتكب كل الموبقات والجرائم الكبيرة ويرى في نفسه أنه الأفضل والأحسن، وان كل الذين يقفون ضده، ويختلفون معه في الفكر والرأي ما هم إلا حثالة، وجهلة، كفارا ومشركين ومأجورين، مع العلم انهم لم يتركوا شيئا للكفر والعمالة للخارج بيعا وشراء، لذلك أقرأ وأبحث كثيرا حتى أصل لحقيقة الأمر، مثلا كيف بالله ذلك الإنسان طوعت له نفسه ليكون في وظيفة (مغتصب)..؟.!.
كيف يعيش هؤلاء الذين اغتصبوا الشهيد أحمد الخير ثم قتلوه..؟، كيف عملوا ذلك؟؟، وأي إرادة هذه التي توفرت لهم، أي قلوب هذه التي يحملونها في صدورهم..؟، أي أسر هذه التي تربوا فيها، وأي منهج هذا الذي تشربوه في حركتهم الشيطانية..؟.
الأمر العجيب ترى الواحد من قادتهم في أجمل صورة، وابتسامة وأحيانا ترى في وجهه علامات السجود كأنهم ملائكة لكنهم في الحقيقة ذئاب مفترسة ليس لهم علاقة بالروح الانسانية..!!.
عندما نراهم في الملمات عبر شاشات التلفزيون وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ، لكنهم بلا ضمير.. هم فقط أجساد بلا روح.
عند ذكر الروح..نذكر هيلين كيلر‎ (Helen Keller) ‎
بينما كنت في بحثي عن معرفة أصل هذه الأرواح الشيطانية التي ابتلينا بها وقعت في يدي قصاصات قديمة ممزقة لا أدري من كاتبها، وهي قصة الكاتبة الأميركية الكفيفة الصماء البكماء هيلين كيلر (Helen Keller) هذه القصة هزت مشاعري بشكل كبير ومؤثر، فهناك خيط رفيع يربط بينها والكاتب الدرديري محمد أحمد ويمكنني القول بأنها علاقة طردية، ولدت هيلين كيلر أول القرن الماضي، كما ذكرنا عمياء صماء خرساء.. كتلة من اللحم ‏البليد لكن معلمة اسمها (ماري آن) جعلتها ‏تعرف العالم بما بقي من حواس اللمس والشم ‏والذوق، ماري آن داعبت كتلة اللحم الصماء ‏وضربتها وشتمتها أضحكتها وأبكتها حتى عرفت ‏الفتاة العاجزة شكل العالم، وحتى رأته بعينيها ‏وأصابعها وأذنيها وحتى كتبت عنه أروع ‏المؤلفات.‏
هيلين كيلر تعد من أبرز شخصيات القرن العشرين، ‏أصيبت وهي عامها الثاني بمرض أفقدها حاستي السمع والبصر، فحصها المخترع غراهام بيل ‏وأرسل معها معلمتها آن سوليفان التي رافقتها حتى وفاة الأخيرة‎.، كتبت كيلر 14 كتابا وأكثر من 475 خطابا ومقالا، وألهمت عدة شخصيات منهم مارك توين ‏وألكسندر غراهام بيل ووينستون تشرشل، وحصلت على وسام الحرية الرئاسي من قبل ليندون ‏جونسون عام 1964، تكريما لها على شجاعتها وإصرارها‎، كانت كيلر طفلة سليمة حتى أصيبت في سن 19 شهرا بمرض أفقدها السمع والبصر، ويرجح ‏أن ذلك كان الحمى القرمزية، وفي سن السادسة عرضها والداها على طبيب متخصص يدعى ‏جوليان تشي سولم الذي أوصى بعرضها على ألكسندر غراهام بيل، الذي اقترح عليهما الذهاب ‏إلى معهد بيركنز للمكفوفين في بوسطن، فأرسل معها مدير المعهد إحدى خريجاته تدعى آن ‏سوليفان‎.‎
وكانت كيلر في تلك المرحلة طفلة عصبية صعبة المراس، فمزاجها سيئ وغير منضبط ‏لعجزها عن التواصل مع المحيط حولها، لكن سوليفان علمتها استشعار الأشياء‎.، ولم تكن سوليفان أكبر من هيلين إلا بـ 14 عاما، وكانت تعاني مشاكل في الرؤية وقد أجريت ‏لها عدة عمليات من قبل لاستعادة بصرها جزئيا‎، وفي 3 مارس/آذار 1887 ذهبت سوليفان إلى منزل كيلر في ألاباما، وبعد أسبوع حصلت ‏سوليفان على الإذن للانفراد بهيلين في كوخ قريب خارج المنزل، ومكثتا في الكوخ لمدة ‏أسبوعين، وبدأت تعليمها التهجئة على دمية أحضرتها من بيركنز‎.، وبعد أشهر تعلمت كيلر التعبير بإشارات الأصابع، وتعلمت الشعور بالأشياء ومسمياتها ‏وتشكيل الحروف، كما تعلمت قراءة الحروف البارزة على الورق المقوى‎.‎
وفي الفترة ما بين عامي 1888 و1890، كانت تقضي الشتاء في تعلم لغة بريل في فترة بمعهد ‏بيركنز، ثم بدأت رحلتها في تعلم قراءة الشفاه‎.، وكان ذلك بإشراف سارة فولر من مدرسة هوراس مان للصم، وتم من خلال وضع أصابعها ‏على شفتي وحنجرة المتحدث، وتهجئة الكلمات لها في الوقت ذاته‎.، التحقت كيلر في سن 14 بمدرسة رايت هوماسون للصم في مدينة نيويورك‎.، وفي عمر 16، التحقت بمدرسة كامبريدج للسيدات الشابات بولاية ماساتشوستس، وتخرّجت ‏منها بعد إتمامها 20 عاما، التحقت عام 1900 في كلية رادكليف (كلية الفنون المتحررة ‏للمرأة)‏‎.‎
وهي مخصصة للإناث، وتخرّجت منها ‏بامتياز عن تخصص الآداب عام 1904، لتكون بذلك أول خريجة كفيفة وصماء من رادكليف‎، ورافقت المربية والمعلمة سوليفان كيلر في كل تلك المراحل، فكانت تشرح لها محاضرات ‏الكلية، وتقرأ لها لعدة ساعات يوميا‎، وبعد تخرجها عاشت مع معلمتها في مزرعة تطوّع بها رجل في ماساتشوستس، وعام 1905 ‏تزوجت المعلمة سوليفان من جون ماسي الذي كان مدرسا في هارفارد وساعد هيلين في كتابة ‏سيرتها الذاتية‎، وعاشت هيلين مع سوليفان وماسي، وكانا يوليانها اهتماما وعناية، لكنهما انفصلا عام 1913‏‎، وعام 1914 انضمت إلى هيلين وسوليفان بولي طومسون السكرتيرة التي كانت عيناها ‏متضررتان لإجهادهما بالقراءة الطويلة لهيلين‎، وحلّت طومسون محل المعلمة الأولى لهيلين بعد وفاتها في أكتوبر/تشرين الأول عام 1936‏‎.‎
العلاقة بين هيلين كيلر والدرديري محمد أحمد كواحد من عضوية وقيادات الحركة المجرمة تتمثل في أن كيلر الصماء الخرساء كانت كتلة من اللحم وبرغم إعاقتها القاسية لديها الرغبة في التواصل مع البشر من حولها فاجتهدت معلمتها التي أحست برغبتها الشديدة في التعبير عن نفسها، ومن مرحلة لأخرى حتى وصلت قمة الشعور والإحساس بمعاناة الآخرين، وتتفاعل معهم من خلال ما تكتب، وقد طغت عليها المشاعر الانسانية النبيلة التي تعلي من القيم الإنسانية فوصلت إلى قمة الشهرة، بل اصبحت أيقونة القرن الماضي، بما زرعت في الناس الأمل، وضخت في شرايينهم الحب والفرح، وكانت مُلهمة للجميع، وبانسانيتها المفعمة بالخير كان لها تاثير كبير في المجتمعات الغربية والأوربية كذلك.
لكن الاسلامويون الذين يمثلهم الدرديري محمد أحمد، أو علي عثمان محمد طه، أو علي كرتي أو نافع علي نافع..إلخ بما أعطاهم الله من النِعم الكثيرة، منها نعمة الإسلام، لكنهم لم يقدموا للشعب الذي حكمُوه بقوة السلاح ثلاثون عاماً ونيّف إلا الموت والدمار والخراب والاغتصاب والتنكيل، وإذلال الإنسان السوداني الذي هو في نظرهم لا يساوي شيئا أمام طموحاتهم الكبيرة والعظيمة برغم ذلك يسموا أنفسهم بالإسلام.
إن قصة هيلين كيلر تعلمنا أن الإرادة الطيبة تصنع المستحيل، وتخلق عوالم جميلة مزينة بالحب والأمل ومساعدة الناس والارتقاء بالمجتمعات وليس العكس، في المقابل أن الحركة المجرمة التي يحاول الدرديري محمد أحمد تحسين صورتها بسلسلة من المقالات المحشوة وهماً تتمثل فيها إعاقة الفكر والإرادة بأوضح صورها.
وتظهر هذه الإعاقة في مسيرة الحركة المتأسلمة المجرمة كونها تصر إصرارا بليغا على السير في إهانة وإذلال الإنسان مع أن دين الإسلام السمح، وكل الشرائع هدفها الرئيسي ومرتكزها الأساسي هو الإنسان من خلال حفظ الضروريات الخمس، وهي "حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال"، فإن تاريخ الحركة في حُكم السودان منذ يونيو 1989 وحتى تاريخ اليوم هو مرتبط بأسوأ سجل إجرامي في التاريخ الحديث، نظام يقوم على ضرب قيم الشريعة الاسلامية بأبشع ما يكون، أعتقد ان سلسلة حلقات (شاهد على العصر) مع د. حسن الترابي التي سجلها الصحفي أحمد منصور وبثت على قناة (الجزيرة) تؤكد ما قلته من مفارقة الحركة للدين.
وتتمثل أبلغ صور الإعاقة الفكرية في مسيرة الحركة المجرمة في استخدام (الكذب) على أوسع نطاق، أنا شاهد عيان على ذلك، أنهم ما كانوا يتورعوا في الطلب من العضوية ممارسة الكذب، قبل حوالي 22 عاما كتبت مقالا ذكرت فيها أن القيادات يطلبوا منا أن نكتب أرقاما على نحو يجافي الحقيقة، وذلك في المؤتمرات الربعية للتنظيم بحيث تظهر الأرقام في النهاية وكأننا قد حققنا انجازا كبيرا، يُمارس الكذب أيضا في وضع الميزانيات، وفي كتابة التقارير الختامية أيضا، هذا الأمر كان يُمارس في كل الدوائر المهمة داخل مفاصل الحركة، ومع مرور الزمن تلقائيا تلاشى الحديث عن قيم الحركة ومبادئها، وهو ما أدى إلى افتقاد الاحترام لبعضهم البعض رغم أنهم في كيان واحد.
ثالث الأثافي العنجهية المريضة التي تمارسها الحركة بنوع من الغباء والجهل وبشكل غريب، أحيانا أكون في حالة صدمة من تصرفات ما كنت أحسب يوم من الأيام تحدث في كيان يدعي التمسك بشريعة الإسلام مثلا قيادي كبير عملت معه شخصيا لديه تصرفات شاذة ومخالفات مالية وإدارية وأخلاقية وعدد كبير من القيادات تدري أنه فاسد، لكن يتعاملون معه بنوع من النفاق غير طبيعي لأنه كان يعطي مما يسرق وينهب، ويقيم الولائم في بيته ولا أحد يتجرأ يتحدث معه في مخالفاته أو يتحدث عنه لدى القيادات العليا في التنظيم، لانهم مرتبطين بعلاقات وشبكات من نوع عجيب، لذلك الناس يتملكهم الخوف أن يتحدثوا عن فساد شخص للقيادات العليا خوفا من القيادات العليا نفسها..!، غالبية القيادات في المكاتب التنظيمية كانوا يتسلموا ميزانيتها (كاش)، هذه المبالغ جزء يسير منها يصرف للعمل، والباقي مباهاة وسفرات خارجية، وعزومات وسيارات جديدة، وزواج (التلاوة) وزواج (النهار)، وصرف بذخي ليس له أي علاقة بالعمل التنظيمي، أعتقد هذه هي العوامل الرئيسية أدت إلى انهيار دولة الحركة المتأسلمة لأن الفساد بدأ في الطبقة القيادية العليا في التنظيم والدولة ثم نزل تدريجيا للقواعد.
لكن من أهم الأسباب التي أدت إلى الانهيار التام الإصرار على عدم الاعتراف بالأخطاء مهما كان حجمها وتأثيرها، وهذا الأمر يمارس على أعلى مستوى قيادي، مثلا عندما يمارس عسكري او رجل أمن القوة المسلحة بإطلاق النار على شخص أعزل فيقتله في خلاف شخصي، من الطبيعي أن يقدم من أطلق النار للقضاء أو المحاسبة الداخلية، فتقوم الجهة التي يتبع لها العسكري بالرفض الشديد لاتخاذ أي خطوات لصالح المتضرر، بل تقوم بتهديد ذوي القتيل، مع أنه من الأفضل أن يتخذ القانون مجراه حتى لا تكون البلاد غابة ، وتتكرر هذه المسألة على كل المستويات، عندما تم اغتيال طلاب معسكر الخدمة الالزامية بالعيلفون، كان من الممكن محاسبة من ارتكبوا هذه المجرزة، وتعويض أسر الشهداء، لكن للأسف تم إنكار الحادثة في الأول ثم المماطلة في الاعتراف بها، وبعد الاعتراف بها قللوا من أعداد الشهداء، وفي النهاية تم اغلاق ملف القضية بدون أي تعويضات أو محاكمة القتلة، هناك العشرات والمئات من التجاوزات الدموية لم يجد أصحابها طريقهم للقضاء نسبة لعدم الوصول لنتيجة بل يحدث زيادة في الأذى..!!.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة..
بعد تجربة الثلاثين عاما على الظلم والتجاوزات والكذب والسرقة والنهب والموت المجاني هل تعلمت الحركة المتأسلمة من التجربة؟!.
للأسف لم تتعلم بل هي في حالة إصرار شديد على أنها على حق، وأن كل ما قامت به لا يمثل ادانة لها، أعتقد جازما إن أكبر اعاقة فكرية متأصلة في الاسلامويون أنهم استحلوا المال الحرام، مال الدولة والشعب جعلوه غنيمة بينهم (فقه التحلل)، ثانيا استرخصوا الدماء الزكية وجعلوا ذلك حلالا، ومن أسهل الأمور وأرخصها، دعك من حادثة اعدام مجدي، أو حادثة إعدام شهداء 28 رمضان، أو مجزرة القيادة العامة، هناك الكثير من الحوادث التي تمت فيها اراقة الدماء، أعتقد هذه من أكبر وأهم الأسس التي أكدت على أن مشروع الجماعة دموي، واقصائي وانتقامي، وليس له أي مرتكز إسلامي بل مرتكز شيطاني واضح وضوح الشمس.!.
لا أفهم كيف يريد الدرديري محمد أحمد لحركته المجرمة أن تنهض..؟!، وهل تنهض حركة معاقة فكريا وعقديا..؟.‏
12 يناير 2025
نواصل..

khssen@gmail.com

 

آراء