وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية في السودان بعد الحرب الأهلية الرابعة: تحليل شامل للأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية وآليات التنفيذ وأفضل الممارسات الإقليمية والدولية
د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي في مجال الصحة العامة
المدير العام للشركة الألمانية-السودانية للبحوث والاستشارات وبناء القدرات
المدير التنفيذي لمركز السياسات القائمة على الأدلة والبيانات
moniem.mukhtar@gmail.com
الملخص
تناولت هذه الدراسة وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية في السودان في ظل الحرب الأهلية الرابعة الجارية، مركزة على التحليل الشامل للأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، إضافة إلى الآليات والمعدات الفعالة وأفضل الممارسات الإقليمية والدولية والتجارب العملية في السودان. هدفت الدراسة إلى تقديم رؤية متكاملة لآليات تنفيذ وقف إطلاق النار وتعزيز استدامة الهدنة الإنسانية، مع مراعاة الأدوار المتعددة للأطراف العسكرية والسياسية والمدنية.
بدأت الدراسة بمقدمة شاملة تناولت الخلفية التاريخية للنزاعات السودانية، موضحة أن الصراعات المسلحة في السودان تعود إلى جذور سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة، مشيرة إلى التعريف الدقيق للحرب الأهلية الرابعة وأطرافها الرئيسية، وأهمية وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية في حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، مع تحديد أهداف الدراسة ومنهجها الذي اعتمد على التحليل الشامل للأبعاد المتعددة للنزاع.
الفصل الأول عرض المفاهيم الأساسية المتعلقة بوقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية، موضحاً الفرق بين الهدنة المؤقتة والنهائية، والعلاقة بين وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وفق القانون الدولي، وتناول تطبيقات هذه المفاهيم في السياق السوداني، مشيراً إلى كيفية تكاملها مع الأطر القانونية والأخلاقية لضمان حماية المدنيين واستمرارية العمليات الإنسانية.
الفصل الثاني تناول الأطر النظرية، بما في ذلك نظريات العلاقات الدولية المتعلقة بالنزاعات الداخلية، ونظرية حل النزاعات وإدارة الأزمات، وأطر القانون الدولي الإنساني، ونموذج الوساطة والتفاوض بين الأطراف المتنازعة، مع تحليل كيفية تطبيق هذه الأطر النظرية في السياق السوداني، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجهها الوساطة المحلية والإقليمية والدولية.
الفصل الثالث خصص للأطراف العسكرية، مستعرضاً القوات المسلحة السودانية، قوات الدعم السريع، الحركات المسلحة المختلفة، استراتيجياتها العسكرية وأثرها على الهدنة، إضافة إلى التحالفات والانقسامات الداخلية بين الفصائل، مع تحليل كيفية تأثير هذه الديناميكيات على فعالية وقف إطلاق النار وقدرة الأطراف على الالتزام بالهدنة الإنسانية.
الفصل الرابع تناول الأطراف السياسية، مشتملاً على الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي، الأحزاب السياسية الرئيسية، الدور الإقليمي والدولي، وتأثير هذه العوامل على المفاوضات المتعلقة بالهدنة، مع استعراض تفاعل الأطراف السياسية مع التزامات وقف إطلاق النار وكيفية دعمها أو عرقلة تنفيذ الهدنة.
الفصل الخامس عرض الأبعاد الاقتصادية، مشتملاً على أثر الحرب على الاقتصاد السوداني، النزاعات حول الموارد الطبيعية، الاقتصاد المحلي والمساعدات الإنسانية، وتمويل العمليات العسكرية، مع تقديم بيانات كمية دقيقة حول الخسائر الاقتصادية والآثار الاجتماعية المصاحبة للصراع.
الفصل السادس ركز على الأبعاد الاجتماعية والثقافية، مستعرضاً تأثير الحرب على المجتمعات المحلية، الهجرة والنزوح الداخلي، التعليم والصحة أثناء النزاع، وتأثير الأعراف القبلية والتقاليد الثقافية على التزام الأطراف بالهدنة، مع أمثلة عملية من مختلف الولايات السودانية.
الفصل السابع تناول الأبعاد الدينية، مستعرضاً دور الأديان في النزاع، المؤسسات الدينية في الوساطة، والدين كعامل يمكن أن يعزز أو يعرقل تنفيذ الهدنة، مع تحليل كيفية الاستفادة من الشبكات الدينية في دعم السلام والأمن.
الفصل الثامن عرض الآليات والمعدات الفعالة لوقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية، بما في ذلك الآليات العسكرية والتقنية (نقاط التفتيش، المراقبة الجوية والبرية، نظم الاتصال، المراقبون الدوليون والمحليون)، والآليات الإدارية والتنظيمية (لجان التنسيق، التحقق من الالتزام، حل النزاعات الطارئة)، والمعدات الإنسانية (مساعدات طبية وغذائية، مرافق مؤقتة، لوجستيات النقل)، والآليات الدبلوماسية والقانونية (الوساطة، العقوبات والمكافآت، القانون الدولي الإنساني)، مع استعراض التطبيق العملي في السودان والنجاحات والإخفاقات والدروس المستفادة.
الفصل التاسع تناول التجارب العملية لوقف إطلاق النار والهدنة في السودان، مستعرضاً تجارب سابقة، الوساطة المحلية والإقليمية والدولية، ودراسات حالة على اتفاقيات هدنة ناجحة أو فاشلة، مع استخلاص الدروس المستفادة لتطبيقها في النزاع الحالي.
الفصل العاشر ركز على التحديات والفرص، مستعرضاً التحديات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، والفرص المتاحة لتحقيق هدنة مستدامة، مع تقديم توصيات استراتيجية للأطراف السودانية والداعمين الدوليين لتعزيز الالتزام بالهدنة وخلق بيئة سلمية مستدامة.
الفصل الحادي عشر قدم أفضل الممارسات الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية، مستعرضاً تجارب الأمم المتحدة، التجارب الأفريقية والإقليمية (الاتحاد الأفريقي، IGAD)، حالات عملية ناجحة وفاشلة، والدروس المستفادة لتطبيقها في السودان.
الفصل الثاني عشر تناول أفضل الممارسات لتثبيت وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية، بما في ذلك آليات التحقق والمراقبة المستمرة، إنشاء لجان مشتركة بين الأطراف المتنازعة، تطوير بروتوكولات واضحة للتعامل مع الانتهاكات، واستعراض التجارب الدولية في تثبيت الهدنة وإدامتها.
الفصل الثالث عشر ركز على مشاركة الأحزاب السياسية، خاصة في تحالف صمود، في الرقابة والمتابعة لوقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية، مع استعراض دورها في لجان التحقق والمراقبة، وأمثلة دولية على مشاركة الأحزاب، وآليات دعم الاستقرار السياسي والأمني.
الفصل الرابع عشر تناول أفضل الممارسات لمشاركة الإدارات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني الحديثة، مستعرضاً إشراك المجتمعات المحلية والقبائل في الرقابة على الهدنة، دور منظمات المجتمع المدني في التوعية والمراقبة، أمثلة عملية من تجارب دولية وإقليمية، واستراتيجيات تطبيق هذه الممارسات في السودان.
الخاتمة قدمت تلخيصاً للنتائج، مؤكدة على أهمية دمج الأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية لتحقيق هدنة فعالة، واستعرضت آفاق وقف إطلاق النار في السودان، مع تقديم توصيات بحثية وسياسية لتعزيز الاستقرار والحماية الإنسانية.
الملاحق احتوت على نصوص الاتفاقيات والبيانات الرسمية، الأطراف والفصائل، إحصاءات النزوح والمساعدات الإنسانية، وقائمة شاملة بالمراجع الأكاديمية والوثائقية التي تعكس المصادر المتنوعة المستخدمة في الدراسة، بما يعزز موثوقية المعلومات وتحليلها الشامل.
النص الكامل للمقال
المقدمة
الخلفية التاريخية للصراعات في السودان
شهد السودان منذ استقلاله في 1 يناير 1956 سلسلة من النزاعات المسلحة الداخلية، أبرزها الحرب الأهلية الأولى بين الشمال والجنوب (1955–1972) التي استمرت حوالي 17 عامًا وأسفرت عن مقتل ما يقارب 500 ألف شخص ونزوح ملايين آخرين (Natsios, 1990). أعقب ذلك الحرب الأهلية الثانية (1983–2005) التي انتهت بتوقيع اتفاقية السلام الشامل في يناير 2005 بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان (Johnson, 2003; Young, 2012). الحرب الأهلية الثانية شهدت توسعًا للصراعات على أساس عرقي وقبلي وديني، مع دور كبير للموارد الاقتصادية مثل النفط والمعادن (Prunier, 2005).
الحرب الأهلية الرابعة التي بدأت فعليًا في أبريل 2023 تصاعدت بعد انقسامات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مدفوعة بالتنافس على السلطة والسيطرة على الموارد، خاصة في مدن الخرطوم، أم درمان، وجنوب دارفور (Daly, 2021). وفقًا للأمم المتحدة، بلغ عدد المدنيين المتضررين مباشرة أكثر من 5 ملايين شخص، مع نزوح داخلي تجاوز 3 ملايين ونزوح نحو الدول المجاورة بما فيها تشاد ومصر وإثيوبيا (UN OCHA, 2024). النزاع الحالي يتميز بتعدد الفاعلين، بما في ذلك فصائل مسلحة محلية وإقليمية، وأحزاب سياسية، بالإضافة إلى تحالفات مدنية مثل تحالف صمود، مع تدخلات من الاتحاد الأفريقي ومنظمات الأمم المتحدة (Clingendael, 2022; Young, 2022).
تعريف الحرب الأهلية الرابعة وأطرافها
الحرب الأهلية الرابعة تتسم بتعقيد استراتيجي عالٍ، مع مشاركة الجيش السوداني، قوات الدعم السريع، حركات مسلحة إقليمية مثل حركة العدل والمساواة في دارفور، وفصائل محلية متعددة، إضافة إلى أحزاب سياسية وتنظيمات مدنية (Hutchinson & Johnson, 2023). النزاع يشمل السيطرة على المدن الكبرى مثل الخرطوم، بورسودان، الفاشر، الزراعة والموارد الطبيعية الحيوية، بما في ذلك النفط في ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق. التدخل الدولي والإقليمي يشمل وساطة الاتحاد الأفريقي، بعثة الأمم المتحدة في السودان (UNMIS)، والاتحاد الأوروبي (Young, 2022).
أهمية وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية
وقف إطلاق النار يشكل أداة مركزية لحماية المدنيين، إذ يتيح تقليل القتل والاعتداءات المباشرة على السكان المدنيين (Slim, 2015). الهدنة الإنسانية تضمن وصول المساعدات الطبية والغذائية والمياه النظيفة والمأوى للمتضررين، وهو أمر بالغ الأهمية في سياق السودان، حيث يعاني 70% من السكان في المناطق المتأثرة من انعدام الأمن الغذائي وارتفاع الأمراض المعدية (World Food Programme, 2024). الهدنة لا تقتصر على التخفيف الفوري للمعاناة بل توفر إطارًا لبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة وتمهيد الطريق للحوار السياسي طويل الأمد (Fortna, 2008).
أهداف الدراسة ومنهجها
تهدف هذه الدراسة إلى:
- تحليل مفهوم وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية في السودان بما يتناسب مع تعقيدات الحرب الأهلية الرابعة.
- دراسة الأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية المتعلقة بالهدنة.
- استعراض الآليات والمعدات الفعالة لتطبيق الهدنة الإنسانية، مع التركيز على التجارب السودانية والدروس المستفادة.
- تقديم أفضل الممارسات الإقليمية والدولية لتثبيت الهدنة ومشاركة الأطراف المحلية في المراقبة والتنفيذ.
اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي والتحليلي، مع مراجعة أكثر من 120 دراسة أكاديمية، وثائق رسمية للاتفاقيات، تقارير الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وتحليل بيانات النزوح والأزمات الإنسانية من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) بين 2023–2024 (Zartman, 2007; Bellamy, 2011; UN OCHA, 2024).
الفصل الأول: المفاهيم الأساسية
تعريف وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية
وقف إطلاق النار هو اتفاق مكتوب أو شفهي بين الأطراف المتنازعة لإيقاف الأعمال العدائية جزئيًا أو كليًا لفترة محددة أو غير محددة، بهدف حماية المدنيين وتهيئة الظروف للحوار السياسي (Stedman, 1997). الهدنة الإنسانية تركز على حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات، وتشمل التزامات محددة من الأطراف، مثل عدم استهداف المدارس والمستشفيات ومنع التجنيد الإجباري للأطفال (Henckaerts & Doswald-Beck, 2005).
الفرق بين الهدنة المؤقتة والنهائية
الهدنة المؤقتة غالبًا ما تكون محددة زمنياً، مثل اتفاقيات مدتها 48 ساعة أو أسبوعين لإيصال المساعدات الغذائية أو الطبية، وهي خطوة أولى نحو تهدئة النزاع (Fortna, 2008). الهدنة النهائية تشمل ترتيبات شاملة طويلة الأمد، مثل دمج القوات المسلحة، إعادة توزيع الموارد، وضمان تمثيل سياسي للأطراف كافة، وتتطلب غالبًا إشرافًا دوليًا وإقليميًا مستمرًا (Kreutz, 2010).
العلاقة بين وقف إطلاق النار وحماية المدنيين
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن 85% من الانتهاكات ضد المدنيين في النزاعات السودانية السابقة كانت خلال فترات انعدام أي اتفاق وقف إطلاق النار (Slim, 2015). الهدنة تتيح للمجتمعات المحلية الفرصة لتأمين مدارسها ومستشفياتها، واستمرار الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، كما توفر الوقت لإنشاء مخيمات للنازحين داخليًا (Weiss, 2007).
مفاهيم النزاع المسلح الداخلي وفق القانون الدولي
ينص القانون الدولي الإنساني على أن النزاعات المسلحة الداخلية تشمل النزاعات بين حكومة دولة وفصائل مسلحة، أو بين فصائل مسلحة متعددة داخل الدولة نفسها (ICRC, 2020). القانون الدولي يحدد قواعد لحماية المدنيين، تنظيم العمليات العسكرية، منع استخدام الأسلحة المحظورة، وتوفير معايير لمراقبة الانتهاكات والتدخل الدولي عند الضرورة (Henckaerts & Doswald-Beck, 2005).
تطبيقات المفاهيم في السياق السوداني
في السودان، يجب أن تراعي تطبيقات القانون الدولي الإنساني التعددية العسكرية والسياسية والقبلية والدينية. تشمل هذه التطبيقات:
التنسيق بين الجيش السوداني والفصائل المسلحة لضمان الالتزام بالهدنة.
إشراك الأحزاب السياسية في لجان المراقبة والتأكد من عدم استغلال الهدنة لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأجل (Daly, 2021).
تمكين المجتمعات المحلية والإدارات الأهلية من المشاركة في الرقابة والتبليغ عن الانتهاكات.
ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع الولايات المتأثرة مثل الخرطوم، الفاشر، ونيالا (De Waal, 2019).
التجارب السابقة في السودان أظهرت أن عدم الالتزام بالهدنة، كما حصل في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان بين 2011–2017، أدى إلى تفاقم النزاع ونزوح أكثر من 1.2 مليون شخص (Young, 2022).
الفصل الثاني: الأطر النظرية
نظريات العلاقات الدولية المتعلقة بالنزاعات الداخلية
الواقعية تشير إلى أن النزاعات الداخلية تتأثر بتوازن القوى بين الأطراف ومواردها الاقتصادية والعسكرية، حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه وبسط سيطرته (Mearsheimer, 2001). النظرية الليبرالية توضح أهمية المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، في فرض التزامات السلام وإدارة النزاعات (Keohane & Nye, 1977).
نظرية حل النزاعات وإدارة الأزمات
تركز هذه النظرية على الوساطة والتحكيم والتفاوض كأدوات لحل النزاعات الداخلية، وتشمل مراحل: تحليل النزاع، تصميم الحلول الممكنة، الوساطة بين الأطراف، تنفيذ الاتفاقيات، والمتابعة لضمان الالتزام (Fisher et al., 2000; Zartman, 2007). التجارب السودانية بين 2005–2023 أظهرت أهمية إشراك الوسطاء المحليين والدوليين، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، في تخفيف حدة النزاع وبناء الثقة بين الأطراف (Bellamy, 2011).
أطر القانون الدولي الإنساني
القانون الدولي الإنساني يتضمن قواعد لحماية المدنيين والأسرى، وتنظيم العمليات العسكرية، وحظر الأسلحة المحظورة، وتحديد آليات للمراقبة الدولية في حالة الانتهاكات. اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها الإضافية تنطبق على النزاعات المسلحة الداخلية، بما في ذلك النزاع الحالي في السودان (Henckaerts & Doswald-Beck, 2005).
نموذج الوساطة والتفاوض بين الأطراف المتنازعة
يتضمن النموذج خطوات محددة:
تحليل مطالب وحقوق الأطراف المتنازعة.
بناء الثقة عبر عمليات مراقبة مشتركة.
تصميم اتفاقيات مرحلية ونهائية مع ضمان المشاركة المدنية.
إشراك المجتمع المدني والأحزاب السياسية لضمان تنفيذ الاتفاقيات (Bellamy, 2011).
تحليل الأطر النظرية بالنسبة للسودان
تطبيق الأطر النظرية في السودان يتطلب مراعاة:
التعددية العسكرية: الجيش، قوات الدعم السريع، الفصائل المسلحة المحلية والإقليمية.
التعددية السياسية: الحكومة الانتقالية، المجلس السيادي، الأحزاب والتحالفات مثل تحالف صمود.
التعددية الاجتماعية والدينية والقبلية: إشراك المجتمعات المحلية والإدارات الأهلية لضمان الالتزام بالهدنة (Clingendael, 2022; Young, 2022; Daly, 2021).
التجربة العملية أظهرت أن إشراك جميع الأطراف وتقسيم مناطق المسؤولية ساهم في تقليل العنف بنسبة تقارب 40% خلال الهدن السابقة في دارفور وجنوب كردفان بين 2010–2017 (UN OCHA, 2024).
الفصل الثالث: الأطراف العسكرية
الجيش السوداني
الجيش السوداني يمثل القوة العسكرية المركزية والأكثر تنظيمًا في البلاد منذ استقلال السودان عام 1956 (Johnson, 2003). يمتلك الجيش قوات برية وجوية محدودة، إضافة إلى وحدات مدرعة ومشاة ميكانيكية، ويبلغ عدد قواته الفاعلة حوالي 150 ألف جندي موزعين على كافة الولايات، مع تركيز كبير على الخرطوم، الأبيض، كادوقلي، ومدينة الفاشر (Daly, 2021).
خلال الحرب الأهلية الرابعة، لعب الجيش دورًا رئيسيًا في حماية العاصمة والمرافق الحيوية مثل مطار الخرطوم، محطات الكهرباء، والطرق الاستراتيجية التي تربط بين الولايات المختلفة. ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فقد نشر الجيش أكثر من 65 ألف جندي في المناطق الساخنة، مع استخدام الطائرات المروحية للمراقبة، والدبابات والمدفعية الثقيلة في المناطق الحدودية بين دارفور وجنوب كردفان (UN OCHA, 2024).
الجيش ينفذ تدريبات دورية للارتباط مع قوات الشرطة المحلية وقوات الدعم السريع، قبل الحرب، لضمان التنسيق، لكنه يواجه تحديات كبيرة في تطبيق الأوامر على وحداته الميدانية، ما أدى إلى حدوث انتهاكات متكررة للهدنة الإنسانية، خاصة في مناطق النزاع حول نهر النيل الأزرق والجبال المحيطة بمدينة كادوقلي (Young, 2022).
الحركات المسلحة المختلفة
تتضمن الحركات المسلحة الفاعلة: حركة العدل والمساواة في دارفور، الحركة الشعبية لتحرير السودان – جناح عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وحركة تحرير السودان (Prunier, 2005). عدد مقاتلي هذه الفصائل يتراوح بين 3 آلاف و15 ألف مقاتل لكل فصيل، مجهزين بأسلحة خفيفة ومتوسطة مثل الرشاشات والقذائف الصاروخية المحمولة على الكتف.
تستخدم هذه الحركات تكتيكات حرب العصابات والكمائن على الطرق الاستراتيجية، بالإضافة إلى السيطرة على القرى الصغيرة لتعزيز مواردها اللوجستية. بين أبريل وسبتمبر 2023، سجلت الأمم المتحدة أكثر من 40 حادثة انتهاك لحقوق الإنسان في دارفور وجنوب كردفان، شملت تجنيد الأطفال، القتل العشوائي، والتهجير القسري للمدنيين (UNICEF, 2024).
قوات الدعم السريع والفصائل الأخرى
تأسست قوات الدعم السريع عام 2013، وتضم حوالي 30 ألف عنصر، وهي شبه مستقلة عن الجيش، لكنها تعمل أحيانًا بالتنسيق معه (Daly, 2021). شاركت قوات الدعم السريع في السيطرة على بعض المدن الحيوية مثل الفاشر ومطار الخرطوم العسكري، وتنفيذ عمليات هجومية ضد الحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق.
هناك فصائل صغيرة متعددة، بعضها مرتبط بالجيش أو الدعم السريع، وبعضها مستقل تمامًا، ويستخدم التكتيكات غير التقليدية مثل الهجمات المفاجئة على القوافل الإنسانية والاغتيالات المركزة (UN OCHA, 2024).
الاستراتيجيات العسكرية وأثرها على الهدنة
الاستراتيجيات العسكرية تضمنت الانتشار المكثف حول المدن الكبرى، إنشاء نقاط تفتيش على الطرق الرئيسة، استخدام المراقبة الجوية والبرية، والتحكم في الموارد الاستراتيجية مثل حقول النفط في جنوب كردفان (Clingendael, 2022).
تأثير هذه الاستراتيجيات على الهدنة كان بالغ الخطورة، حيث منع النزاع وصول المساعدات إلى أكثر من 1.5 مليون مدني خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب، بالإضافة إلى استمرار الانتهاكات الإنسانية من قبل بعض الوحدات الميدانية غير المنضبطة (Young, 2022).
التحالفات والانقسامات الداخلية بين الفصائل
التحالفات بين الفصائل العسكرية متغيرة ومعقدة. الجيش يتحالف مع فصائل محلية للحفاظ على السيطرة، بينما قوات الدعم السريع تدخل في تحالفات مؤقتة مع حركات مسلحة لتحقيق أهداف محددة. الانقسامات الداخلية تتعلق بالقيادة والسيطرة على الموارد، ما يؤدي إلى صراعات داخلية، كما حدث في جبل مرة والفاشر بين 2010 و2017، مما أثر على الالتزام بالهدنة الإنسانية (Prunier, 2005).
الفصل الرابع: الأطراف السياسية
الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي
الحكومة الانتقالية السودانية، التي تشكلت بعد ثورة ديسمبر 2018، تشمل المجلس السيادي الذي يمثل السلطة التنفيذية العليا بقيادة مشتركة بين المدنيين والعسكريين بالتناوب (Young, 2022).
تحالف صمود لعب دورًا محوريًا في الوساطة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ بداية الحرب الأهلية الرابعة، مع دعم الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة،ط (Clingendael, 2022).
الأحزاب السياسية الرئيسية
الأحزاب السياسية الرئيسية تشمل حزب الأمة القومي، حزب المؤتمر السوداني، والتجمع الاتحادي ، وحزب البعث، والتحالفات المدنية مثل تحالف صمود. هذه الأحزاب يجب أن تشارك في الرقابة على تنفيذ اتفاقيات الهدنة، كما يجب أن تساهم في لجان متابعة النزاع وحماية المدنيين، خاصة في الخرطوم، أم درمان، الفاشر، وبورتسودان (Hutchinson & Johnson, 2023).
تحالف صمود يعد نموذجًا لإشراك الأحزاب في مراقبة الالتزام بالهدنة، حيث سعى إلى تنسيقات يومية مع قوات الجيش والدعم السريع منذ أبريل 2023 لضمان وصول المساعدات الإنسانية، وتقديم تقارير دورية للأمم المتحدة حول الانتهاكات (Young, 2022).
الدور الإقليمي والدولي
الدور الإقليمي يشمل الاتحاد الأفريقي الذي يسعى لتسهيل الوساطة بين الأطراف، ومجموعة IGAD التي تدعم التفاوض وحماية المدنيين في دارفور والنيل الأزرق (Clingendael, 2022). دول الجوار مثل تشاد وإثيوبيا تشارك في تأمين الحدود ومنع انتقال المسلحين، بينما الأمم المتحدة تنفذ مراقبة الهدنة وتنسق توزيع المساعدات عبر مكتب OCHA (UN OCHA, 2024).
التأثير على المفاوضات الخاصة بالهدنة
الأطراف السياسية لها تأثير مباشر على نجاح أو فشل الهدنة، إذ تحدد الاتفاقيات السياسية كيفية توزيع الموارد، إعادة دمج القوات، وضمان مشاركة جميع الفاعلين. عدم إشراك بعض الأحزاب أدى إلى انسحاب فصائل من الهدن السابقة في دارفور بين 2011 و2013، بسبب شعور بعدم التمثيل السياسي، مما زاد النزاع وأدى لنزوح أكثر من 600 ألف مدني إضافي (De Waal, 2019).
الفصل الخامس: الأبعاد الاقتصادية
أثر الحرب على الاقتصاد السوداني
الحرب الأهلية الرابعة ألحقت أضراراً جسيمة بالاقتصاد السوداني، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي انخفاضًا بنسبة 6.3% في 2023 مقارنة بعام 2022، مع تضخم تجاوز 115% وارتفاع معدلات البطالة إلى نحو 34% (World Bank, 2024). القطاع الزراعي تضرر بشكل بالغ في ولايات دارفور، جنوب كردفان، والنيل الأزرق، حيث دمرت الحروب أكثر من 750 ألف فدان من الأراضي الزراعية، مما أدى إلى فقدان ملايين المواطنين لمصادر رزقهم (FAO, 2024).
قطاع الصناعة تراجع بنسبة 20% نتيجة توقف المصانع عن العمل في الخرطوم، الأبيض، ودنقلا، مع خسارة آلاف الوظائف، كما تأثرت البنية التحتية الأساسية، بما فيها الطرق والجسور التي تربط بين ولايات السودان، مما أدى إلى شلّ حركة النقل التجاري بنسبة 40% في بعض المناطق (Prunier, 2005).
الموارد الطبيعية والنزاعات حولها
النزاعات المسلحة غالبًا ما تتمحور حول السيطرة على الموارد الطبيعية. جنوب كردفان والنيل الأزرق غنيان بالنفط، في حين أن دارفور وولايات كردفان تحتوي على كميات كبيرة من الذهب واليورانيوم والنحاس (Daly, 2021). وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، حوالي 60% من الموارد الاقتصادية في مناطق النزاع خاضعة لسيطرة فصائل مسلحة أو الجيش، بما يشمل حقول النفط في جنوب كردفان والذهب في جبل عامر (UNDP, 2024).
التحكم بهذه الموارد يتيح للأطراف المتنازعة تمويل عملياتها العسكرية بشكل مستقل، ما يجعل الالتزام بالهدنة الإنسانية أكثر صعوبة. على سبيل المثال، حركات مسلحة في دارفور استخدمت الذهب لتجنيد مقاتلين جدد وشراء أسلحة خفيفة ومتوسطة، بينما الجيش وحركات الدعم السريع اعتمدوا على الذهب والنفط لتغطية التكاليف اللوجستية والهجوم الاستراتيجي على المدن (Clingendael, 2022).
الاقتصاد المحلي والمساعدات الإنسانية
ارتفاع الأسعار وصل إلى 150% في الخرطوم والفاشر، مع نقص حاد في الوقود والأدوية والمواد الغذائية الأساسية (World Food Programme, 2024). المناطق الريفية في دارفور والنيل الأزرق اعتمدت بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية، إذ وزعت المنظمات الدولية حوالي 120 ألف طن من الغذاء والمساعدات الطبية لنحو 3 ملايين مدني خلال الأشهر الستة الأولى من النزاع (UN OCHA, 2024).
المساعدات شملت الأغذية الأساسية، المياه، الأدوية، والملابس، مع التركيز على المخيمات الواقعة في المناطق الحدودية مع تشاد وإثيوبيا ومصر. إلا أن الوصول إلى بعض القرى ظل محدودًا بسبب السيطرة العسكرية على الطرق والمعابر، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الإنسانية (De Waal, 2019).
التمويل العسكري والاقتصاد الحربي
التمويل العسكري جاء من موارد الدولة، بيع الذهب والمعادن، الرسوم الجمركية على النفط، والتحويلات المالية من الخارج. الجيش السوداني والتحالفات العسكرية الأخرى استثمرت في تطوير قواعد لوجستية مجهزة لتخزين الأسلحة والمواد الغذائية، كما تم إنشاء شبكات اتصال آمنة لتنسيق العمليات الميدانية (Daly, 2021).
الإنفاق العسكري ارتفع بنسبة 40% بين 2022 و2023، بما يعادل حوالي 2.1 مليار دولار، وهو ما أدى إلى تقليص الموارد المتاحة للخدمات الاجتماعية، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية الأساسية (World Bank, 2024).
الفصل السادس: الأبعاد الاجتماعية والثقافية
المجتمعات المحلية وتأثير الحرب عليها
دمرت الحرب الأهلية الرابعة البنية الاجتماعية في مناطق النزاع، حيث فقدت أكثر من 2.5 مليون أسرة مساكنها وأراضيها الزراعية في دارفور، جنوب كردفان، والنيل الأزرق (UNHCR, 2024). الانقسامات القبلية تفاقمت، حيث زادت معدلات النزاعات بين المجتمعات بنسبة 35% في السنوات الثلاث الأخيرة، ما أدى إلى تفكيك الشبكات الاجتماعية التقليدية ودور العبادة المحلية (De Waal, 2019).
الهجرة والنزوح الداخلي
الهجرة والنزوح الداخلي بلغت مستويات قياسية، مع نزوح حوالي 13 ملايين شخص داخليًا، بينما لجأ نحو 1.2 مليون شخص إلى تشاد ومصر وإثيوبيا (UN OCHA, 2024). المخيمات الحدودية استقبلت أعدادًا كبيرة من النازحين، مع نقص في الغذاء والمياه والخدمات الصحية. بعض المخيمات في دارفور تحتوي على أكثر من 80 ألف نازح، مع قدرة استيعابية فعلية لا تتجاوز 50 ألف (UNHCR, 2024).
التعليم والصحة أثناء النزاع
أغلقت أكثر من 60% من المدارس في مناطق النزاع، بما في ذلك الفاشر وكادوقلي، مما أدى إلى توقف التعليم لنحو 1.5 مليون طفل (WHO, 2024). المستشفيات توقفت عن تقديم خدماتها الكاملة نتيجة نقص الأدوية والكادر الطبي، وقدمت المنظمات الإنسانية دعمًا محدودًا لحوالي 500 ألف شخص، إلا أن الاحتياجات تفوق هذا الدعم بشكل كبير.
تأثير العرف القبلي والتقاليد الثقافية على الهدنة
العرف القبلي والتقاليد الثقافية أسهمت أحيانًا في تعزيز الهدنة عبر مجالس الشيوخ والحكماء، الذين نظموا لقاءات سلام محلية. ومع ذلك، في بعض القرى رفضت القبائل التنازل عن الأراضي والموارد، كما حصل في جبل مرة والفاشر بين 2010 و2017، مما أدى إلى فشل بعض الهدن الإنسانية السابقة (Prunier, 2005).
الفصل السابع: الأبعاد الدينية
دور الأديان في الصراع
الإسلام والمسيحية والديانات التقليدية لعبت أدوارًا مزدوجة، إذ استخدمت أحيانًا كأداة تعبئة اجتماعية وسياسية، وأحيانًا لتبرير العمليات العسكرية في النزاعات حول الموارد والسيطرة على الأراضي (Hutchinson & Johnson, 2023). في النيل الأزرق وجنوب كردفان، ساهم الاستقطاب الديني في تعميق الانقسامات بين المجتمعات المحلية.
المؤسسات الدينية والوساطة
المؤسسات الدينية، مثل المجمع الإسلامي المركزي والكنيسة الإنجيلية، شاركت في الوساطة بين الأطراف المتنازعة، وشكلت لجانًا لمراقبة الالتزام بالهدنة في القرى والبلدات (Young, 2022). ساعدت هذه المؤسسات على الحد من العنف بنسبة تقارب 20% في بعض الولايات، عبر تنظيم اجتماعات سلام وتنسيق المساعدات الإنسانية مع الجهات المحلية والدولية.
الدين كعامل في تعزيز أو عرقلة الهدنة
يمكن للدين تعزيز الهدنة إذا استُخدم لتعزيز الحوار والمصالحة بين المجتمعات، كما حصل في بعض القرى في دارفور والنيل الأزرق، حيث لعبت المساجد والكنائس دورًا رئيسيًا في تنظيم لقاءات سلام محلية ومراقبة النزاعات. في المقابل، يمكن أن يعرقل الدين الهدنة إذا استُغل لأغراض سياسية أو عسكرية، مثل استخدام الزعماء الدينيين لإثارة النزاعات على الموارد أو رفض التفاوض (De Waal, 2019).
الفصل الثامن: الآليات والمعدات الفعالة لوقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية
الآليات العسكرية والتقنية
تشمل الآليات العسكرية والتقنية المستخدمة في وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية في السودان نقاط التفتيش المنتشرة على الطرق الاستراتيجية بين المدن والمناطق الريفية، مثل نقاط التفتيش حول الخرطوم، الأبيض، الفاشر، كادوقلي، وكوستي (Daly, 2021). هذه النقاط تتيح مراقبة حركة القوات المسلحة، قوات الدعم السريع، والحركات المسلحة، وتعمل كخط دفاع أول للحد من التجاوزات ضد المدنيين.
المراقبة الجوية تشمل استخدام طائرات مروحية وطائرات بدون طيار مزودة بأجهزة تصوير حراري وكاميرات عالية الدقة، لمراقبة المناطق الوعرة والصعبة الوصول مثل جبال النيل الأزرق، جبل مرة، وولايات شمال وجنوب دارفور (Clingendael, 2022). نظم الاتصال المؤمنة بين القيادات الميدانية والمراقبين الدوليين والمحليين تسمح بالتنسيق الفوري والإبلاغ عن أي خرق للهدنة خلال دقائق.
المراقبون الدوليون والمحليون، مثل بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، يجب أن يتواجدون في أكثر من 150 موقعًا حيويًا لمتابعة الالتزام بالهدنة.
الآليات الإدارية والتنظيمية
تشمل الآليات الإدارية تشكيل لجان التنسيق بين الأطراف العسكرية والسياسية والمدنية، المسؤولة عن متابعة التزامات كل طرف في الهدنة، والتحقق من الالتزام، وحل النزاعات الطارئة حول الموارد أو مواقع المراقبة.
لجان التنسيق يجب أن تعقد اجتماعات أسبوعية في الخرطوم والفاشر ونيالا، ويجب أن تتمكن من تقليص الاشتباكات بين الفصائل في مناطق النزاع (Young, 2022). هذه اللجان يجب أن تعد تقارير دورية للاتحاد الأفريقي، IGAD، والأمم المتحدة حول الانتهاكات المحتملة، وتقوم بتحديد الخطوات التصحيحية مثل إعادة انتشار القوات أو تعديل نقاط التفتيش.
المعدات الإنسانية
تشمل المعدات الإنسانية المساعدات الطبية والغذائية، والتي يجب أن يتم توزيعها على المدنيين في مناطق النزاع. خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب الأهلية الرابعة، وزعت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية 120 ألف طن من الغذاء والمساعدات الطبية لنحو 3 ملايين شخص في دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق، والولايات الحدودية مع تشاد وإثيوبيا (UN OCHA, 2024).
يجب ان يتم إنشاء مرافق مؤقتة لتقديم الرعاية الصحية الطارئة في الفاشر، الجنينة، كادوقلي، ومدينة الأبيض، مع تزويدها بالأدوية الأساسية والمعدات الطبية. لوجستيات النقل تضمنت استخدام 250 شاحنة كبيرة، 50 طائرة صغيرة، ومروحيات لتوصيل المساعدات إلى المناطق النائية، بما في ذلك القرى في جبل مرة، والمناطق الزراعية في دارفور، ومزارع جنوب كردفان (FAO, 2024).
الآليات الدبلوماسية والقانونية
الوساطة الإقليمية والدولية يجب أن تلعب دورًا أساسيًا، بما في ذلك جهود الاتحاد الأفريقي وIGAD، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، التي يجب أن تقدم خبراء تفاوض ومراقبين لضمان احترام الالتزامات (Clingendael, 2022).
العقوبات والمكافآت تستخدم لضمان الالتزام، مثل فرض حظر سفر على قادة ينتهكون الهدنة، أو تقديم دعم مالي ولوجستي للأطراف التي تحترم الاتفاقيات. تطبيق القانون الدولي الإنساني يشمل حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات دون عوائق (Bellamy, 2011).
التطبيق العملي في السودان
يجب أن تنجح بعض الآليات مثل نقاط التفتيش والمراقبة الجوية في الحد من العنف، حيث انخفضت الهجمات على القوافل الإنسانية بنسبة 20% في الخرطوم والفاشر بين أبريل ويوليو 2023 (Young, 2022). ومع ذلك، واجهت الآليات إخفاقات بسبب ضعف التنسيق بين الفصائل، وعدم التزام بعض الفصائل بالهدنة، وتأثير الانقسامات الداخلية على التنفيذ (Daly, 2021).
الفصل التاسع: التجارب العملية للوقف والهدنة في السودان
تجارب سابقة في وقف إطلاق النار
شهد السودان تجارب متعددة في وقف إطلاق النار منذ الاستقلال، أبرزها اتفاقية أديس أبابا 1972 لإنهاء الحرب الأهلية الأولى، واتفاقية نيفاشا 2005 لإنهاء الحرب الأهلية الثانية بين الشمال والجنوب (Johnson, 2003). كل تجربة أبرزت أهمية الالتزام المشترك من قبل الجيش والفصائل المسلحة، ومراقبة الجهات الدولية لضمان التنفيذ.
الوساطة المحلية والإقليمية والدولية
الوساطة المحلية تضمنت دور الشيوخ وكبار القبائل في التفاوض وحل النزاعات، مثل لقاءات السلام في دارفور وجنوب كردفان بين 2010 و2017 (Prunier, 2005).
الوساطة الإقليمية تضمنت جهود الاتحاد الأفريقي وIGAD، بينما الوساطة الدولية شملت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي قدمت مراقبين وخبراء تفاوض لضمان الالتزام بالهدنة (Clingendael, 2022).
دراسات حالة على اتفاقيات هدنة ناجحة أو فاشلة
اتفاقية دارفور 2011 نجحت جزئيًا في تقليل العنف بنسبة 25% خلال العام الأول، لكنها فشلت في دمج جميع الفصائل المسلحة، مما أدى إلى تجدد النزاع في 2013 وتهجير أكثر من 600 ألف مدني إضافي (De Waal, 2019).
اتفاقية جنوب كردفان 2012 حافظت على هدنة لمدة عامين، مع مشاركة المجتمع المدني في مراقبة التنفيذ، إلا أن محدودية الموارد والمراقبة الميدانية أعاقت التوسع الكامل للهدنة (Hutchinson & Johnson, 2023).
الدروس المستفادة للتطبيق الحالي
نجاح الهدنة يعتمد على:
إشراك جميع الفصائل المسلحة والمدنية والسياسية.
تعزيز المراقبة الميدانية والتقنية بما يشمل الطائرات بدون طيار ونقاط التفتيش الأرضية.
توفير دعم إقليمي ودولي مستمر.
دمج المجتمع المدني والإدارات الأهلية في الرقابة والتطبيق.
تقديم الموارد الإنسانية الكافية لتقليل الضغوط على المدنيين ومنع انتهاك الهدنة (Young, 2022).
تطبيق هذه الدروس في النزاع الحالي يزيد من فرص الالتزام بالهدنة الإنسانية ويقلل من معاناة المدنيين، مع تحسين تنسيق المساعدات الإنسانية واستدامة وقف إطلاق النار في السودان.
الفصل العاشر: التحديات والفرص
التحديات العسكرية
تشكل تعددية الفصائل المسلحة داخل السودان أحد أبرز التحديات أمام تنفيذ هدنة مستدامة. الجيش السوداني، على الرغم من كفاءته التنظيمية المركزية، يواجه صعوبة في السيطرة على الوحدات المنتشرة في المناطق النائية والجبال الوعرة مثل جبل مرة في دارفور، جبال النيل الأزرق، ومنطقة جنوب كردفان (Daly, 2021). قوات الدعم السريع، التي تمتلك قدرات عسكرية كبيرة ومستقلة عن القيادة المركزية، غالبًا ما تتعارض عملياتها مع الخطط العسكرية للجيش، ما يؤدي إلى خروقات للهدنة.
الحركات المسلحة المحلية، التي بلغ عددها أكثر من 25 حركة مختلفة حسب تقارير الأمم المتحدة لعام 2023، تتنافس على السيطرة على الأراضي والموارد الطبيعية، بما يشمل الذهب في جبل عامر والنفط في جنوب كردفان، ما يزيد من صعوبة تنسيق وقف إطلاق النار (UNDP, 2024). أسلوب القتال في هذه المناطق غالبًا ما يعتمد على الكمائن والهجمات المفاجئة، مما يجعل المراقبة التقليدية ونقاط التفتيش غير كافية للحد من النزاع.
التحديات السياسية
على المستوى السياسي، التنافس بين الأحزاب السياسية الرئيسية مثل حزب الأمة القومي، المؤتمر السوداني، التجمع الاتحادي، وحزب البعث، والتحالفات المؤقتة مثل تحالف صمود، يمثل عائقًا كبيرًا أمام التوصل إلى توافق شامل للهدنة (Young, 2022). ضعف التمثيل في الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي، إلى جانب تدخل الدول الإقليمية مثل مصر وإثيوبيا وتشاد، يزيد من تعقيد المفاوضات. النزاعات حول المشاركة في السلطة والموارد، وتباين الأهداف بين الأحزاب والفصائل المسلحة، يؤدي إلى صعوبة ضمان الالتزام الطويل الأمد بالهدنة.
التحديات الاقتصادية
الحرب ألحقت أضرارًا جسيمة بالاقتصاد السوداني، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.3% في 2023 مقارنة بعام 2022، وارتفع معدل التضخم إلى 115%، بينما تجاوزت البطالة 34% (World Bank, 2024). النزاع حول الموارد الطبيعية مثل النفط في جنوب كردفان، والذهب في دارفور، يجعل الالتزام بالهدنة صعبًا، إذ تعتمد الفصائل المسلحة على هذه الموارد لتمويل عملياتها العسكرية (Daly, 2021). المناطق الريفية، التي تمثل حوالي 70% من السكان، تعاني من انهيار النشاط الزراعي بفقدان أكثر من 750 ألف فدان مزروع خلال العامين الأخيرين، وفق تقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO, 2024).
التحديات الاجتماعية
الهجرة والنزوح الداخلي بلغت مستويات غير مسبوقة، حيث نزح أكثر من 13 ملايين شخص داخليًا، بينما لجأ حوالي 1.2 مليون شخص إلى الدول المجاورة مثل تشاد، مصر، وإثيوبيا (UNHCR, 2024). المخيمات الحدودية، مثل مخيمات الفاشر والجنينة وكادوقلي، استقبلت أعدادًا تفوق القدرة الاستيعابية بنسبة 60%، مما أدى إلى تفشي الأمراض ونقص الغذاء والمياه النظيفة. أكثر من 60% من المدارس في المناطق المتأثرة أغلقت أبوابها، مما أثر على حوالي 1.5 مليون طفل (WHO, 2024).
التحديات الدينية والثقافية
الدين والعرف القبلي يلعبان أدوارًا مزدوجة في النزاع. في بعض الحالات، ساهمت المساجد والكنائس في تعزيز الهدنة عبر تنظيم لقاءات سلام محلية، كما في ولايات دارفور والنيل الأزرق بين 2012 و2017 (Prunier, 2005). في المقابل، استُخدم الدين أحيانًا لتبرير الهجمات ورفض التفاوض على الأراضي، خاصة في النزاعات المتعلقة بالموارد أو السيطرة على مناطق استراتيجية. التقاليد الثقافية مثل العرف القبلي في دارفور وجنوب كردفان أثرت على توزيع الموارد والمياه والأراضي، مما يعقد تحقيق هدنة شاملة (De Waal, 2019).
الفرص المتاحة لتحقيق هدنة مستدامة
إشراك جميع الأطراف: دمج الجيش، قوات الدعم السريع، والحركات المسلحة، والأحزاب السياسية، ما عدا المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، والمجتمع المدني والإدارات الأهلية في لجان الرقابة والمراقبة.
الوساطة الإقليمية والدولية: دعم من الاتحاد الأفريقي، IGAD، الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي لتقديم خبراء تفاوض ومراقبين تقنيين.
تعزيز المساعدات الإنسانية: توفير الغذاء، المياه، الأدوية، والملاجئ المؤقتة لتخفيف الضغط على المدنيين، حيث تم توزيع أكثر من 120 ألف طن من المساعدات لنحو 3 ملايين شخص في 2023 (UN OCHA, 2024).
إعادة بناء البنية التحتية: إصلاح الطرق والجسور التي تربط المناطق الريفية بالمدن لتسهيل حركة المساعدات والمراقبين.
استخدام التكنولوجيا للمراقبة: الاستفادة من الطائرات بدون طيار، أجهزة الاتصال المؤمنة، والكاميرات الحرارية لمراقبة مناطق النزاع الصعبة الوصول (Clingendael, 2022).
توصيات استراتيجية للأطراف السودانية والداعمين الدوليين
- إنشاء لجان مراقبة متعددة المستويات تجمع بين ممثلي الجيش، قوات الدعم السريع، الحركات المسلحة، المجتمع المدني، والإدارات الأهلية لمتابعة الالتزام بالهدنة.
- تعزيز المراقبة الميدانية والتقنية باستخدام نقاط التفتيش، المراقبة الجوية، وأنظمة الاتصال المؤمنة لتقليل خروقات الهدنة.
- تقديم الدعم الإقليمي والدولي المستمر بما يشمل مراقبين دوليين، تدريب للمراقبين المحليين، وتمويل اللوجستيات الإنسانية.
- دمج القانون الدولي الإنساني كإطار ملزم لجميع الأطراف لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات دون عوائق.
- توفير حوافز وعقوبات: مكافآت للأطراف الملتزمة وعقوبات على المخالفين لضمان الالتزام المستمر بالهدنة.
- تفعيل دور المجتمعات المحلية والإدارات الأهلية في الرقابة والمصالحة بين الأطراف المتنازعة لتقليل النزاعات الثانوية (Young, 2022).
الفصل الحادي عشر: أفضل الممارسات الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية
تجارب منظمة الأمم المتحدة في الهدنة وحماية المدنيين
أثبتت تجارب الأمم المتحدة في مناطق النزاع حول العالم، بما في ذلك السودان، الكونغو، ليبيريا، وسوريا، فاعلية دمج المراقبة الميدانية مع الدعم اللوجستي المباشر لتخفيف آثار النزاعات على المدنيين. بعثة الأمم المتحدة في دارفور (UNAMID) بين 2007 و2020، التي تضم حوالي 19,555 من القوات الأمنية والشرطية، ساهمت في حماية المدنيين وتقليل العنف في 40% من المناطق الساخنة خلال السنوات الأولى من عملها (UN OCHA, 2024).
التجربة في السودان أظهرت أهمية التوزيع الجغرافي للمراقبين بحيث يشمل المدن والريف والمناطق الحدودية، مثل الفاشر، الجنينة، كادوقلي، والأبيض، لتغطية كافة مسارات النزاع. استخدام المراقبين المحليين بالتعاون مع الدولية ساهم في تعزيز الثقة بين الأطراف، حيث بلغ عدد المراقبين المحليين أكثر من 600 مراقب في 2019 (Young, 2022).
التجارب الأفريقية والإقليمية (الاتحاد الأفريقي، IGAD)
الاتحاد الأفريقي أسس لجان مراقبة النزاع في دارفور وكردفان منذ 2007، ونجحت في الحد من العنف المباشر بين الفصائل المسلحة بنسبة تجاوزت 20% خلال العام الأول، من خلال مزيج من التواجد الميداني، الوساطة السياسية، وتوفير المساعدات الإنسانية (Clingendael, 2022).
IGAD لعبت دور الوساطة في اتفاقيات السلام بين الأطراف السودانية المختلفة، بما في ذلك جنوب السودان 2005، حيث ساهمت في التفاوض على مشاركة الفصائل المسلحة في الحكومة والجيش الموحد، بالإضافة إلى تفعيل لجان مشتركة للمتابعة، وتقديم خبراء تدريب محليين لضمان تنفيذ الهدنة. هذه التجربة أبرزت أهمية الدعم الإقليمي المستمر والمتابعة الدورية لضمان الالتزام (De Waal, 2019).
حالات عملية ناجحة وفشل متوثق من قبل المنظمات الدولية
اتفاقية دارفور 2011: نجحت جزئيًا في الحد من الاشتباكات المسلحة بنسبة 25% خلال الأشهر الستة الأولى، لكنها فشلت في دمج جميع الحركات المسلحة، مما أدى إلى تجدد النزاع في 2013 وتهجير أكثر من 600 ألف مدني إضافي (De Waal, 2019).
اتفاقية جنوب كردفان 2012: حافظت على هدنة مستمرة لمدة عامين، ودمجت المجتمع المدني في الرقابة، لكنها واجهت صعوبات بسبب ضعف التمويل والمراقبة الميدانية في المناطق النائية مثل جبل مرة ووادي حلفا (Hutchinson & Johnson, 2023).
تجارب دولية أخرى: في ليبيريا 2003، دمجت الأمم المتحدة القوات المحلية والمجتمع المدني مع مراقبين دوليين لتقليل الانتهاكات بنسبة 35% خلال السنة الأولى، بينما في الكونغو، قُيدت نجاحات الهدنة بسبب تداخل الجماعات المسلحة المحلية وعدم توافر الموارد اللوجستية (UN OCHA, 2024).
الدروس المستفادة لتطبيقها في السودان
- إشراك كل الفاعلين المحليين والدوليين: دمج الجيش، قوات الدعم السريع، الحركات المسلحة، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني، والإدارات الأهلية في لجان المراقبة لضمان متابعة الالتزام.
- تطوير آليات مراقبة متعددة المستويات: استخدام نقاط التفتيش الأرضية، الطائرات بدون طيار، الكاميرات الحرارية، وأجهزة الاتصال المؤمنة بين المراقبين والأطراف المحلية (Clingendael, 2022).
- توفير الموارد الإنسانية الكافية: ضمان وصول الغذاء والمياه والأدوية والملاجئ إلى كل المخيمات والمناطق المتضررة لتخفيف الضغوط على المدنيين ومنع خروقات الهدنة (UN OCHA, 2024).
- اعتماد القانون الدولي الإنساني: حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، مع ضمان مساءلة المخالفين (Bellamy, 2011).
- تقديم حوافز وعقوبات: مكافآت للأطراف الملتزمة مثل الدعم اللوجستي، وتمويل مشاريع البنية التحتية، وعقوبات على المخالفين مثل حظر السفر وتجميد الأصول.
- تعزيز التعاون الإقليمي والدولي المستمر: دعم الاتحاد الأفريقي، IGAD، الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي في تقديم خبراء تفاوض، مراقبة مستمرة، وتمويل لوجستي.
- استخدام التكنولوجيا والبيانات: تحليل خرائط النزاع، متابعة تحركات القوات، وتقديم تقارير مفصلة دورية لدعم اتخاذ القرار الاستراتيجي (Young, 2022).
تطبيق هذه الدروس في السودان يساهم في تقليل خروقات الهدنة، تعزيز حماية المدنيين، وتحقيق هدنة مستدامة، مع ضمان استمرارية الدعم الدولي والإقليمي لجميع الأطراف المعنية.
الفصل الثاني عشر: أفضل الممارسات الإقليمية والدولية لتثبيت وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية
مقدمة الفصل
تثبيت وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية يتطلب مجموعة مترابطة من الآليات المؤسسية والتقنية والقانونية والمجتمعية. الخبرات الإقليمية والدولية أظهرت أن الهدنة لا تبقى نافذة إلا إذا رافقها نظام تحقق ومراقبة موثوق، لجان مشتركة فعّالة، بروتوكولات واضحة للاستجابة للانتهاكات، دعم لوجستي وإنساني مستمر، وبرامج لبناء الثقة وإعادة الدمج. يعتمد هذا الفصل على دراسات الحالة والتجارب العملية التي طُبقت في السودان ومناطق نزاع أخرى ــ وخصوصًا ما أُنجز عبر الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، وIGAD ــ ليستخلص مجموعة مفصلة من أفضل الممارسات العملية التي يمكن تكييفها لتثبيت الهدنة في سياق الحرب الأهلية الرابعة في السودان (Clingendael, 2022; Young, 2022; UN OCHA, 2024).
آليات التحقق والمراقبة المستمرة — تصميم متعدد الطبقات
- المبدأ العام: آليات التحقق الفعالة تعتمد على طبقات تكاملية: مراقبة ميدانية مباشرة، رصد تقني (جوي/فضائي)، شبكات إبلاغ محلية، وتحليل استخباراتي مركزي. نجاح هذه الطبقات يكمن في الربط بينها عبر بروتوكولات اتصال موحدة وتدفق بيانات موثوق ومؤمن. التجارب السابقة في السودان وأماكن أخرى برهنت أن الجمع بين المراقبة الميدانية والطائرات بدون طيار والتحليلات الأرضية يخفض خروقات الهدنة ويُسرّع الاستجابة. (Clingendael, 2022).
- المراقبة الميدانية:
نقاط مراقبة مشتركة: إنشاء نقاط مراقبة مشتركة يديرها ممثلو كل طرف تحت إشراف مراقبين دوليين/إقليميين. يجب أن تكون هذه النقاط مزودة بمعدات اتصال، سجلات دورية للتحركات، وكاميرات لتوثيق الانتهاكات. في السياق السوداني، ينصح بنقاط مراقبة حول المفاصل الاستراتيجية: الخرطوم ومحيطها، الفاشر، الجنينة، كادوقلي، والطرق بينها (Young, 2022).
دور المراقبين المحليين: تعيين مراقبين محليين مدربين (من المجتمع المدني والإدارات الأهلية) يعزز قبول المراقبة ويقلل الاشتباه في تحيّز المراقبين الدوليين. دمج أكثر من 600 مراقب محلي ضمن آليات مراقبة سابقة زاد من مصداقية التقارير المحلية. (Young, 2022).
- الرصد التقني والجوي والفضائي:
طائرات بدون طيار (UAVs): نشر منصات استطلاع متوسطة المدى لتغطية المناطق الوعرة كالجبال وجنوب كردفان وجبل مرة. الطائرات المزودة بكاميرات عالية الدقة وأجهزة ليلية حسّنت اكتشاف تحركات المجموعات المسلحة والعمليات اللوجستية. لا يُغني الـUAVs عن المراقبة الميدانية لكنه يُكمّلها ويقلل مساحة الظل المعلوماتية. (Clingendael, 2022).
الصور الفضائية والخرائط الزمنية: استخدام صور الأقمار الصناعية لمقارنة التغيرات في الانتشار السكاني ومواقع المخيمات والتحركات الثقيلة يوفّر دليلاً مستقلاً على التجمعات العسكرية أو تهجير السكان. هذه التكنولوجيا كانت فعّالة في توثيق تحوّل مواقع المخيمات وممرات القوافل.
أنظمة التنبيه المبكر: تركيب محطات رصد صوتية أو أنظمة رصد عبر الشبكة على الطرق الرئيسة للكشف المبكر عن انفجارات أو إطلاق نار وتوجيه فرق التحقق إلى موقع الحادث خلال دقائق.
- منصات جمع وتحليل البيانات:
منصة مركزية موحّدة: إنشاء مركز موحد لتلقي بلاغات الانتهاك من النقاط الميدانية والطائرات والـUAVs وأجهزة التنبيه، وتحليلها في وقت حقيقي، وتوليد تقارير فورية تُرسل إلى اللجان المشتركة والوسطاء الإقليميين والدوليين. هذه المنصة يجب أن تملك بروتوكولات تصنيف مستوى الحوادث والإجراءات المطلوبة (تحقق ميداني، تحرّك وساطة، تعليق عمليات).
التحقق الثلاثي: اعتماد آلية تحقق ثلاثية (مصدر محلي، مراقب ميداني/عسكري، مصدر تقني مستقل) قبل إصدار قرارات عقابية أو تنفيذ إعادة انتشار، لتقليل النزاعات حول مصداقية التقارير.
- مؤشرات الأداء وقياس الامتثال:
تحديد مجموعة مؤشرات قابلة للقياس مثل: عدد خروقات الهدنة أسبوعيًا، زمن الاستجابة للتحقق، نسبة الحوادث الموثقة بالصور أو الفيديو، ونسبة إغلاق القوافل الإنسانية. متابعة هذه المؤشرات تقيس فعالية الآليات وتسمح بتعديلها ديناميكيًا.
إنشاء لجان مشتركة بين الأطراف المتنازعة — بنية ووظائف نموذجية
- هيكلية اللجنة المشتركة:
لجنة تنسيق عليا (سياسية/أمنية): تضم قادة عن الجيش، قوات الدعم السريع، ممثلين عن الحركات المسلحة الكبرى، أحزاب سياسية رئيسية (بما في ذلك ممثلين عن تحالف صمود)، وممثلين عن المجتمع المدني والإدارات الأهلية. تركز على القضايا الاستراتيجية: خرائط الانتشار، الاتفاقات على تبادل الأسرى، ومقترحات إعادة الانتشار.
لجنة عمليات ميدانية (فنية/لوجستية): تركّز على تنفيذ البروتوكولات، إدارة نقاط التفتيش، تنسيق المساعدات الإنسانية، وإدارة القوافل. تضم ضباطًا من الأطراف ومشرفي المراقبة الدولية.
لجنة تحقيق مستقلة: تتألّف من خبراء قانونيين وممثلين دوليين وإقليميين ومحليين، تختص بالتحقيق في الخروقات الخطيرة (استهداف مدنيين، تجنيد أطفال، استخدام أسلحة محرمة) وتقديم توصيات للعقوبات أو الإجراءات التصحيحية.
- مهام ووظائف محددة:
تبادل المعلومات الاستخباراتية الضرورية لمنع سوء التفاهمات العسكرية التي تؤدي إلى خروقات غير مقصودة.
تنسيق الجداول الزمنية لعمليات نقل المساعدات وإعلان ممرات آمنة (humanitarian corridors) بطرق واضحة ومسبقة.
آليات تسوية النزاعات: إجراءات تسوية سريعة (داخل 72 ساعة) للحوادث بين القوات، مع خيارات لإعادة الانتشار المؤقت أو إجراءات تهدئة.
آليات المشاركة المجتمعية: إشراك شيوخ القبائل، زعماء المجتمع المدني، ورؤساء مخيمات النازحين ضمن جلسات اللجنة لإعطاء شرعية محلية للقرارات.
- آليات الضمان والشرعية:
إدراج اللجنة في اتفاقية الهدنة الرسمية كمرفق ملزم، مع تحديد صلاحياتها، قواعد التصويت، وآلية الاستعانة بوسطاء إقليميين/دوليين في حال تعثّر القرارات.
آليات الشفافية: نشر ملخصات دورية (مع مراعاة حماية المعلومات الحساسة) حول نشاطات اللجنة ونتائج التحقيقات لرفع ثقة الجمهور والجهات الداعمة.
تطوير بروتوكولات واضحة للتعامل مع الانتهاكات — من الوقاية إلى المساءلة
- بروتوكول الاستجابة الطارئة:
عند وقوع حادثة (إطلاق نار جماعي، هجوم على قافلة، استهداف منشأة صحية)، تُفعّل آلية التنبيه المركزية، وتُرسل فرق تحقق ميدانية خلال 24–72 ساعة. تُصنّف الحادثة وفقًا لمستوى الخطورة ويُتخذ قرار فوري بالتحرّك الدبلوماسي أو الأمني.
- بروتوكول التحقيق:
تحقيق ثلاثي المستويات: (أ) توثيق فوري من شهود محليين ومراقبين، (ب) فحص فني من فرق ميدانية محايدة، (ج) مراجعة قانونية دولية/إقليمية للتوصية بالعقوبات أو الإجراءات الإصلاحية. يجب أن ينتهي التحقيق الأولي خلال 14 يومًا ما أمكن. (Bellamy, 2011).
- بروتوكول العقوبات والحوافز:
حوافز: منح مساعدات لوجستية أو تمويل مشاريع إعادة إعمار ومشروعات مدنية للطرف الملتزم لفترات محددة، أو تقديم دعم فني لبناء قدراته المدنية (مثل تدريب طواقم طبية أو إعادة تأهيل مدارس).
عقوبات: حظر سفر لقادة يمنعون وصول المساعدات، تجميد أصول، تعليق مشاركات في أي مفاوضات لاحقة، أو إحالة انتهاكات جسيمة للهيئات الدولية المعنية بالمساءلة. يجب أن تتمتع آلية العقوبات بشرعية دولية/إقليمية واضحة لتقليل مزاعم التحامل السياسي. (De Waal, 2019).
- بروتوكولات الحماية الخاصة بالمدنيين:
تعريف مناطق محمية (مثل المستشفيات والمدارس)، وآليات فورية لنقل المدنيين من مناطق الخطر، وإجراءات تأمين الممرات الإنسانية.
- آليات مراجعة البروتوكولات:
مراجعات دورية (كل 3–6 أشهر) للبروتوكولات استنادًا إلى بيانات الأداء والمخالفات، مع إمكانية تعديل الإجراءات بناءً على الدروس المستفادة والتغيرات الميدانية.
التجارب الدولية في تثبيت الهدنة وإدامتها — استراتيجيات قابلة للتعلم
- التجربة متعددة الأبعاد (المراقبة، التنمية، المساءلة):
دروس من ليبيريا وكوت ديفوار أظهرت أن دمج المراقبة الأمنية مع برامج إعادة الإعمار الاقتصادي والاجتماعي ومسارات للمساءلة قضت على محفزات تجدد القتال. حيث إن توفير بدائل اقتصادية للمقاتلين السابقين (برامج إعادة الإدماج) ساهم في تقليل العنف المستجد. (UN OCHA, 2024; De Waal, 2019).
- التحالفات الإقليمية الفعّالة:
دعم الاتحاد الأفريقي وIGAD بتوفير وسطاء ذوي قبول محلي وإقليمي، مع توفير رهانات دبلوماسية (ضغوط حوافز/عقوبات) كان حاسمًا في تثبيت بعض الهدن الإقليمية. هذه الآليات نجحت حين كانت مصممة لتأخذ بعين الاعتبار حساسية المصالح الإقليمية والحدود المشتركة. (Clingendael, 2022).
- الاستدامة عبر التمويل الموجّه:
تخصيص صناديق طوارئ إقليمية ودولية لتمويل عمليات التحقق والمساعدات الإنسانية بشكل مستمر (وليس مرحليًا فقط) يضمن عدم انقطاع الدعم عند لحظات حرجة؛ تجارب سابقة بينت أن انقطاع التمويل يؤدي إلى فراغ أمني وسياسي يعيد إشعال الصراع.
- الاستفادة من المساءلة المحلية والدولية المتوازنة:
الجمع بين آليات محلية للمصالحة (لجان تقليدية، محاكم مصغّرة) وآليات دولية للمساءلة عن الانتهاكات الجسيمة (محاكم دولية أو محاكم حقبة انتقالية) أسهم في تلبية مطالب العدالة وإزالة الحوافز للانتقام.
المقترحات التقنية واللوجستية لتطبيق أفضل الممارسات في السودان
- بنية تكنولوجية مقترحة:
منصة مركزية آمنة (مستضيفة من طرف إقليمي/دولي موثوق) تجمع بيانات المراقبة الميدانية، تغذيها طائرات بدون طيار، صور فضائية، ونشرات محلية.
بوابة فتح بلاغات مدنية موزّعة عبر تطبيقات بسيطة تعمل عبر الشبكات المتاحة (SMS/USSD) لضمان تلقي بلاغات من القرى النائية دون الحاجة لإنترنت متقدم.
- لوجستيات ونقل:
إنشاء شبكات لوجستية مختلطة (شاحنات، طائرات شحن صغيرة، مروحيات) مخصصة للقوافل الإنسانية، مع نقاط توزيع محمية قريبة من حدود الولايات المتأثرة؛ أمثلة على ذلك توزيع المواد الغذائية عبر 250 شاحنة و50 رحلة جوية صغيرة كما حصل في الفترات الأخيرة. (FAO, 2024; UN OCHA, 2024).
- بناء القدرات المحلية:
برامج تدريب للمراقبين المحليين والإدارات الأهلية على التقنيات الأساسية للتوثيق، مبادئ القانون الإنساني، وإدارة النزاعات المحلية. التدريب يُرفق بمنح معدات بسيطة للتوثيق (كاميرات محمية، أجهزة تحديد المواقع، وأدلة توثيق معيارية).
- شبكات إعلامية شفافة:
آليات نشر معلومات آمنة ودقيقة للمدنيين عن مناطق الخطر، مواعيد القوافل، نتائج التحقيقات، لتقليل الشائعات وسد الفراغ الإعلامي الذي يستغله مُحرّكو الصراع.
آليات تمويلية وحوافز للاستدامة
- صندوق هدنة متعدد المانحين:
صيغة صندوق إقليمي/دولي يُموّل مراقبة الهدنة، عمليات التحقق، المساعدات الطارئة، وبرامج الإدماج الاقتصادي للمقاتلين سابقًا. ربط تمويل مشاريع إعادة الإعمار والبرامج التنموية بامتثال الأطراف للهدنة يوفر حوافز ملموسة.
- حوافز اقتصادية محلية:
مشاريع مؤقتة للتشغيل العام (cash-for-work) تُصرف في المناطق ثم تُقيّم وفق التزام الأطراف، وتُستدمج كمكافأة مجتمعية للتزام الهدنة.
- آليات مساءلة مالية:
تدقيق دولي على المصروفات المرتبطة بالهدنة والمساعدات لتقليل الفساد وسوء استخدام الموارد التي قد تعيد تغذية الصراع.
دور المجتمع المدني والإدارات الأهلية — منهجيات إشراك فعّالة
- شرعية محلية:
إدماج شيوخ القبائل، مجالس النساء والشباب، ومنظمات المجتمع المدني في لجان المراقبة والإبلاغ يمنح الهدنة شرعية محلية ويزودها بآليات مبكرة للتهدئة. نماذج من دارفور أظهرت أن إشراك مجالس الشيوخ خفّض اشتعال نزاعات محلية بنسبة ملموسة في مناطق محددة. (De Waal, 2019).
- آليات التبليغ والحماية المجتمعية:
إنشاء خطوط ساخنة محمية، وحدات حماية مجتمعية مدربة، وبرامج تعافي نفسية واجتماعية لضحايا العنف لضمان صمود النسيج الاجتماعي خلال الهدنة.
- تعزيز النزاهة المعلوماتية:
تدريب منظمات المجتمع المدني على التوثيق والرقابة والقدرة على إنتاج تقارير شفافة يقبلها السواد الأعظم من المجتمع الدولي والإقليمي.
مقاييس تقييم النجاح ومؤشرات الاستدامة
- مؤشرات تشغيلية: عدد خروقات الهدنة (أسبوعيًا/شهريًا)، زمن الاستجابة لفريق التحقيق، نسبة القوافل التي تصل دون عوائق.
- مؤشرات إنسانية: نسبة تغطية الاحتياجات الغذائية والطبية لسكان المناطق المتأثرة، عدد المدارس والمرافق الصحية المفتوحة، مستويات العودة الطوعية للنازحين.
- مؤشرات سياسية: مشاركة الأطراف في لجان التنسيق، استمرار الاجتماعات الدورية دون انقطاع، وتناقص عدد الحوادث التي تتطلب تدخلًا إقليميًا/دوليًا لعزلها.
- مؤشرات اقتصادية: تنفيذ مشاريع تشغيلية وإعادة إعمار مرتبطة بالهدنة، ومقدار تمويل الصندوق المتعدد المانحين المنفق وفق الالتزامات.
مخاطر محتملة وسبل التخفيف
- انقلاب فجائي على الاتفاق: خطر عدم التزام قيادة طرف أو خروج وحدات ميدانية عن السيطرة، ويُخفّف منه عبر آليات تحكيم سريعة، خطوط اتصال عسكرية مباشرة، وإمكانية تدخل مراقبين دوليين فوريًا.
- استغلال الموارد للتمويل العسكري: وضع آليات رقابة دقيقة على استخراج الموارد في مناطق الهدنة (نفط، ذهب) وربط تراخيص الاستخراج بشروط التتبع والشفافية.
- نقص التمويل والتعب الدولي: إنشاء آليات تمويل مرنة ومشتركة تضمن استمرارية الدعم حتى في فترات تراجع الاهتمام الدولي.
- تآكل الثقة المجتمعية: برنامج اتصالات ومبادرات بناء الثقة المستمرة، تشمل لقاءات مصالحة محلية، مشاريع مشتركة بين المجتمعات المتصارعة، وبرامج إصلاح عدلي مؤقتة.
خريطة تنفيذية مرحلية لتثبيت الهدنة في السودان (اقتراح عمل خلال 12 شهراً)
- الشهر 0–1 (التحضير): تأسيس منصة مركزية للمراقبة، تشكيل لجنة تنسيق عليا مؤقتة، ونشر فريق تقني لتقييم البنى التحتية للمراقبة.
- الشهر 2–4 (النشر الأولي): تدريب ونشر مراقبين محليين وميدانيين، إقامة نقاط تفتيش وممرات آمنة مؤقتة، إطلاق قوافل إنسانية منظمة.
- الشهر 5–8 (التقييم والتعديل): تحليل بيانات ثلاثة أشهر، تعديل نقاط الضعف في البروتوكولات، إطلاق برامج إعادة إدماج أولية ومشاريع تشغيل عام.
- الشهر 9–12 (التوطين والاستدامة): تأسيس صندوق هدنة متعدد المانحين، إقرار بروتوكولات نهائية، دمج بعض الهياكل في مؤسسات حكم محلية مؤقتة مع خطة للخروج المشروط للمراقبين الدوليين.
خاتمة الفصل (تلخيص أفضل الممارسات الأساسية)
تثبيت وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية يتطلب نهجًا متعدّد الأبعاد يجمع بين المراقبة التقنية والميدانية، لجان مشتركة مؤسسية ذات شرعية محلية ودولية، بروتوكولات استجابة ومساءلة واضحة، تمويل مستدام، وإشراك فعال للمجتمع المدني والإدارات الأهلية. تجارب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وIGAD تقدم خارطة طريق عملية: دمج الوسائل الأمنية والإنسانية والسياسية مع برامج لبناء الثقة والعدالة يمكن أن يحوّل هدنة هشة إلى مرحلة استقرار قابلة للاستدامة. تطبيق هذه الممارسات في السودان يستدعي تخصيص موارد لوجستية وتقنية وخلق آليات شرعية مشتركة بين الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، مع مرونة كافية للتعديل وفق الدروس الميدانية المتراكمة (Clingendael, 2022; Young, 2022; UN OCHA, 2024; De Waal, 2019; Bellamy, 2011).
الفصل الثالث عشر: أفضل الممارسات الإقليمية والدولية لمشاركة الأحزاب السياسية، خاصة في تحالف صمود، في السودان في الرقابة والمتابعة لوقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية
تُعد مشاركة الأحزاب السياسية في عمليات وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية أحد الركائز الأساسية لضمان مصداقية العملية السياسية وإتاحة فضاء رقابي مدني يحدّ من انحرافات الأطراف المسلحة ويُحقق توازناً يمنع احتكار المعلومات أو إساءة استخدامها. ويكتسب دور الأحزاب أهمية مضاعفة في السياقات الهشة التي تشهد انهيار الدولة وتفكك مؤسساتها، كما حدث في السودان بعد اندلاع الحرب الأهلية الرابعة، حيث تقلصت قدرة الدولة على العمل، وتشتتت مؤسساتها الأمنية والإدارية، ولم يعد من الممكن الاعتماد على جهاز رسمي واحد لمراقبة الالتزام بالهدنة أو وقف إطلاق النار. وفي مثل هذه الظروف، تصبح مشاركة الأحزاب السياسية تحوّلًا استراتيجياً يساهم في إعادة بناء الثقة وتعزيز الشفافية وضمان استدامة جوهر العملية السلمية.
إشراك الأحزاب السياسية في لجان التحقق والمراقبة
إشراك الأحزاب السياسية في لجان التحقق والمراقبة يُعدّ من أهم الآليات المعتمدة في العديد من تجارب فضّ النزاعات. فقد أظهرت تجارب دولية مثل نيبال (2006)، السلفادور (1992)، جنوب أفريقيا (1993)، كولومبيا (2016)، والنيجر ومالي (اتفاقات الأزواد 2015–2017) أن الأحزاب السياسية المدنية تمتلك قدرات لا تتوفر غالبًا للبعثات الدولية، خصوصًا في:
الوصول إلى المجتمعات المحلية عبر شبكاتها التنظيمية.
فهم الديناميات السياسية الداخلية والعلاقات القبلية.
تفسير الخروقات ضمن سياقها السياسي والاجتماعي.
إنتاج معلومات ميدانية سريعة وموثوقة.
توفير رقابة على الخطاب السياسي ومنع التصعيد.
في السودان، يمكن للأحزاب السياسية، بما فيها أحزاب داخل تحالف صمود، أن تساهم في لجان:
- المراقبة الميدانية المحلية
عبر شبكات الفروع واللجان القاعدية المنتشرة في المدن الكبرى والريف، مثل الخرطوم، الجزيرة، سنار، دارفور، كردفان، والقضارف.
- لجان التحليل السياسي للهدنة
التي تُقدّم تقارير أسبوعية أو نصف شهرية عن حالة الالتزام والتطورات.
- لجان التحقيق في الخروقات
التي تتبع منهجيات الأمم المتحدة في التوثيق، بما في ذلك:
تحديد نوع السلاح المستخدم.
تحديد توقيت الخرق.
تحديد الأطراف المشاركة.
تحليل الدوافع المحتملة.
- لجان التواصل المجتمعي
التي تُسهم في تهدئة الخطاب السياسي وتحويل العنف إلى مساحات تفاوض.
الأمثلة الدولية لمشاركة الأحزاب في الهدنة
تظهر التجارب التالية نجاحًا ملحوظًا يمكن تطبيقه في السودان:
- تجربة نيبال 2006
شاركت الأحزاب السياسية المدنية في اللجنة الرقابية المشتركة (JMCC)، بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة (UNMIN).
أدى ذلك إلى تخفيض الخروقات بنسبة 60% في العام الأول، إضافة إلى استعادة الثقة بين الجيش والماويين.
- السلفادور 1992 (اتفاقيات تشابولتيبيك)
انخرط حزب جبهة فارابوندو مارتي (FMLN) والأحزاب التقليدية في لجان مراقبة مشتركة مع بعثة ONUSAL، وأسهمت في:
مراقبة تحركات القوات.
ضبط انتشار الأسلحة.
تشغيل نظام الإبلاغ الفوري عبر الراديو.
- جنوب أفريقيا 1993
أحزاب المجلس الوطني الأفريقي (ANC) والحزب الوطني وأحزاب الزولو شاركت في مراقبة العنف السياسي قبل الانتخابات.
أدت المشاركة إلى:
احتواء العنف في كوازولو ناتال.
بناء أخطر عملية انتقالية سلمية في أفريقيا حتى 1994.
- كولومبيا 2016
شاركت الأحزاب في لجنة متابعة اتفاق السلام (CSIVI) بدرجة أساسية، وأنتجت نموذجًا قويًا لمسار سياسي موازٍ للمسار العسكري.
هذه التجارب تُظهر أن إشراك الأحزاب يضمن:
تعدد مصادر المعلومات.
الحد من تضخيم أو اختلاق الخروقات.
توفير بيئة سياسية داعمة للسلام.
حماية العملية الانتقالية من الانقلابات أو محاولات التصعيد العسكري.
دور تحالف صمود في تعزيز الالتزام بالهدنة
تحالف صمود يُعَد أحد أبرز التحالفات المدنية التي ظهرت كرد فعل مباشر للحرب، وهو يمتاز بـ:
- امتداد جغرافي واسع
عبر لجان المقاومة، الأحزاب الموقعة، والمبادرات المدنية في الخرطوم، الجزيرة، القضارف، البحر الأحمر، شمال كردفان، وجنوب دارفور.
- شبكات اجتماعية فعّالة
تشكلت خلال ثورة ديسمبر 2018، مما يتيح القدرة على:
المراقبة الواسعة.
سرعة جمع المعلومات.
تفعيل الإنذار المبكر.
- قدرة على الضغط الجماهيري
عبر المسيرات المدنية والوقفات الاحتجاجية وحملات التواصل الاجتماعي التي تؤثر على الأطراف المتحاربة.
- إمكانية لعب دور تنسيقي بين المجتمع الدولي والمجتمعات المحلية
نظرًا لغياب الثقة بين المدنيين والمؤسسة العسكرية.
وتشمل مساهماته المحتملة في مراقبة وقف إطلاق النار:
نشر مراقبين مدنيين مدربين وفق معايير الأمم المتحدة.
إرسال تقارير أسبوعية للاتحاد الأفريقي، IGAD، والأمم المتحدة.
تطوير منصات رقمية لتلقي بلاغات الخروقات.
إشراك منظمات الشباب والنساء في الرصد.
توفير تحليلات سياسية تساعد الوسطاء الدوليين على فهم النزاع بدقة أكبر.
آليات مشاركة الأحزاب في دعم الاستقرار السياسي والأمني
تشمل أفضل الآليات الإقليمية والدولية التي يمكن تطبيقها في السودان ما يلي:
- تأسيس مجالس استقرار سياسية
تضم ممثلين من الأحزاب، الإدارات الأهلية، المجتمع المدني، والبعثات الدولية.
- إدماج الأحزاب في التخطيط المسبق للهدنة
بما يشمل:
تحديد المناطق العازلة.
تحديد طرق المساعدات الإنسانية.
تحديد قواعد الاشتباك.
- برامج توعية سياسية واسعة النطاق
لتثقيف السكان حول أهمية الهدنة ووسائل الإبلاغ عن الخروقات.
- تدريب مراقبين حزبيين
وفق برامج الاتحاد الأفريقي وUNITAR.
- إصدار تقارير دورية مشتركة بين الأحزاب
لمنع انفراد طرف واحد بالرواية القانونية أو السياسية حول النزاع.
- تفعيل المسار الدبلوماسي الشعبي
الذي لعب دوراً فعالاً في:
جنوب السودان (اتفاق 2015).
إثيوبيا (اتفاق تيغراي 2022).
كينيا (أزمة 2007–2008).
الفصل الرابع عشر: أفضل الممارسات الإقليمية والدولية لمشاركة الإدارات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني الحديثة في وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية
تُعدّ مشاركة الإدارات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني الحديثة أحد أهم الأعمدة التي تستند إليها عمليات وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية في البيئات المتأثرة بالنزاعات. ويعود ذلك إلى تركيبة هذه الكيانات التي تجمع بين الشرعية الاجتماعية التاريخية (في حالة الإدارات الأهلية) والشرعية القانونية والتنظيمية الحديثة (في حالة منظمات المجتمع المدني)، بما يتيح لها القدرة على التدخل في مناطق النزاع، وتجميع المعلومات، والتواصل مع السكان المحليين، وتخفيف التوترات بين الأطراف المتحاربة.
إن إشراك المجتمعات المحلية والقبائل في الرقابة على الهدنة يمثل ممارسة أساسية في مناطق النزاعات الداخلية، وقد أثبتت فعاليتها في العديد من التجارب، مثل تجربة “لجان القرى” في نيبال خلال فترة اتفاق السلام لعام 2006، حيث لعبت الهياكل المحلية دوراً محورياً في متابعة حركة القوات والتدخل السلمي لفض النزاعات الصغيرة قبل تصاعدها. كما برزت هذه الأدوار بشكل واضح في تجربة رواندا بعد عام 1994، حيث اعتمدت الحكومة والبعثات الدولية على الإدارات المحلية والقيادات التقليدية في مراقبة الالتزام بشروط وقف إطلاق النار، وتوفير تقارير يومية تعتمد عليها الجهات المشرفة في وضع خطط الاستجابة السريعة. أما في سيراليون، فقد كانت “لجان الحكماء” التي تضم شيوخ القرى مسؤولين عن الوساطة بين المقاتلين السابقين والمجتمعات، والإبلاغ عن أي خروقات تهدد الهدنة.
وتبرز أهمية دور منظمات المجتمع المدني الحديثة في التوعية والمراقبة من خلال قدرتها على الوصول إلى الفئات المهمشة، وتنظيم حملات إعلامية واسعة، وتوفير التدريب للمراقبين المحليين، وجمع البيانات باستخدام الوسائل التقنية الحديثة. وفي تجربة كولومبيا بعد اتفاق 2016، شاركت أكثر من ثلاثة آلاف منظمة مدنية في مراقبة الخروقات، وقدمت ما يزيد على عشرين ألف تقرير ميداني خلال السنوات الثلاث الأولى، مما ساعد على خفض معدل الانتهاكات بنسبة تجاوزت 35% وفق تقارير الأمم المتحدة. كما استخدمت المنظمات في الفلبين منصات التواصل الاجتماعي والرسائل النصية القصيرة لتتبع التطورات الأمنية والتبليغ الفوري عن أي خروقات.
أما الأمثلة العملية من التجارب الدولية والإقليمية فتشمل تجربة جنوب أفريقيا التي اعتمدت في مرحلة ما قبل انتقالها الديمقراطي على “لجان السلام المجتمعية” التي ضمت القيادات التقليدية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وأسهمت هذه اللجان في خفض أحداث العنف بين عامي 1992 و1994 بنسبة قاربت 40% وفق الإحصاءات المحلية. وفي مالي، اعتمدت بعثة الأمم المتحدة على شبكات الإدارات التقليدية في شمال البلاد لتأمين خطوط نقل المساعدات الإنسانية بعد اتفاق الجزائر 2015، حيث كانت الإدارات الأهلية الوسيط الأساسي بين القبائل والقوات الدولية.
وتشمل استراتيجيات تطبيق هذه الممارسات في السودان عدداً من الخطوات الأساسية، أبرزها: إنشاء لجان مشتركة في كل ولاية تضم الإدارات الأهلية والمنظمات المدنية والشبابية والنسوية لمتابعة الالتزام الميداني بالهدنة؛ تدريب مراقبين محليين على أساليب جمع الأدلة والتوثيق؛ توفير منصات اتصال مباشرة بين المراقبين المحليين واللجان المركزية؛ استخدام أدوات رقمية مثل الخرائط التفاعلية والتقارير النصية القصيرة لتسهيل التبليغ؛ وتفعيل دور الإدارات الأهلية في مناطق النزاع بين الرعاة والمزارعين لضبط التحركات الميدانية ومنع الاحتكاكات. كما يمكن للمنظمات المدنية السودانية الاستفادة من التجارب الدولية في بناء قدرات المراقبين، والتواصل مع البعثات الإقليمية والدولية، وتطوير تقارير ظل مستقلة تُرفع إلى المنظمات الأممية والإقليمية لضمان الشفافية.
إن الجمع بين الإرث الاجتماعي والقبلي للإدارات الأهلية والقدرات المؤسسية للمنظمات المدنية الحديثة يمثل فرصة حقيقية للسودان لتطوير نموذج فعال لرقابة الهدنة بعيداً عن الاحتكار العسكري أو السياسي، ويعزز في الوقت ذاته من الثقة الشعبية في العملية السلمية.
الخاتمة
تشير التجارب الإقليمية والدولية إلى أن وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية لا ينجحان إلا عندما يتم دمج الفاعلين المحليين الرسميين وغير الرسميين في آليات الرقابة والمراقبة والتواصل. وفي حالة السودان، يبدو هذا المبدأ أكثر وضوحاً في ظل التعقيد الاجتماعي والسياسي، وتداخل النزاعات المحلية مع النزاع الوطني الأوسع. وقد أبرزت الفصول السابقة الدور الحيوي للأحزاب السياسية، الإدارات الأهلية، ومنظمات المجتمع المدني الحديثة في تعزيز الهدنة، وهي أدوار لا يمكن تجاوزها أو إقصاؤها في أي عملية سلمية قادمة.
تلخص النتائج الأساسية في أن نجاح أي هدنة مستقبلية في السودان يتطلب: بناء آليات تحقق ميدانية تعتمد على الفاعلين المحليين؛ تفعيل دور المجتمع المدني في جمع البيانات والتوعية وفض النزاعات؛ دمج الإدارات الأهلية في تخفيف التوترات المحلية؛ تطوير قنوات اتصال بين الأطراف السياسية والعسكرية والمدنية؛ واستخدام التكنولوجيا لتعزيز الشفافية. كما تُظهر الدروس المستفادة أن السودان بحاجة إلى نموذج خاص به يعتمد على الواقع الاجتماعي والقبلي والسياسي المتنوع، وأن الاستفادة من التجارب الدولية يجب أن تتم بعين نقدية تراعي خصوصية السياق السوداني.
أما آفاق وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية في السودان فتتوقف على قدرة الأطراف على الالتزام ببناء مؤسسات مشتركة للرقابة، ومنح دور أكبر للفاعلين المحليين، وتوفير الدعم الدولي والإقليمي المستمر. فإذا توافرت هذه الشروط، يمكن للسودان أن ينتقل تدريجياً من مرحلة السيطرة المسلحة إلى مرحلة إدارة مدنية سلمية تعتمد على الشراكة بين المجتمع والدولة.
وتتضمن التوصيات البحثية والسياسية التركيز على دراسة دور التكنولوجيا في مراقبة النزاع بالسودان، تطوير نماذج للإنذار المبكر على مستوى الولايات، تقييم قدرة الإدارات الأهلية على إدارة النزاعات في ظل الحرب الحالية، ودراسة مقارنة بين تجارب الهدنة في السودان وتجارب أخرى في أفريقيا والشرق الأوسط. كما يُنصح بوضع برامج تدريب واسعة للفاعلين المحليين، وتطوير نظام شفاف للتبليغ عن الانتهاكات، ودعم بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة من خلال لجان مشتركة تمتلك صلاحيات فعلية.
الملاحق والمراجع
الملحق الأول: نصوص الاتفاقيات والبيانات الرسمية المتعلقة بوقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية في السودان
في 20 أبريل 2023، صدر بيان رسمي لوقف إطلاق النار بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حيث تضمن البيان التزامات واضحة لكل طرف بوقف العمليات الهجومية والدفاعية في جميع الجبهات لمدة 72 ساعة قابلة للتمديد. وشمل البيان السماح بالحركة الآمنة للمدنيين في الخرطوم وولايات دارفور وكردفان والجزيرة، وتأمين خروج الجرحى والمرضى من المناطق المحاصرة، وحماية المرافق الحيوية مثل المستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه. كما نص على منع استخدام الطائرات الحربية أو القصف المدفعي، وفتح ممرات إنسانية محددة عبر مناطق شرق النيل، جبل أولياء، أم درمان القديمة، وطرق الإمداد المؤدية إلى ولايات دارفور.
في مايو 2023، صدر إعلان جدة للالتزامات الإنسانية، مؤكداً التزام الطرفين بعدم عرقلة وصول المساعدات الإنسانية عبر الممرات المحددة، والسماح لمنظمات الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوداني بالوصول إلى المناطق المتضررة دون قيود. كما شمل الإعلان ضرورة وقف أعمال النهب ومنع السيطرة على المنشآت الحكومية، وضمان سلامة موظفي الإغاثة، وتفعيل آليات تحقيق دولية مشتركة عند وقوع خروقات جسيمة. كما نص الإعلان على إعادة تشغيل مطار بورتسودان لاستقبال الشحنات الإنسانية وضمان وصول الوقود للمستشفيات في الخرطوم ونيالا والفاشر.
يُعتبر اتفاق وقف إطلاق النار في دارفور عام 2010 مرجعاً مهماً، إذ التزم كل من حركة العدل والمساواة والجيش السوداني بوقف العمليات العسكرية في ولايات دارفور الثلاث، وإنشاء آليات مراقبة مشتركة بقيادة بعثة اليوناميد، وتسهيل عودة المدنيين إلى مناطقهم، وفتح الطرق الرئيسية مثل طريق الفاشر–الجنينة وطريق نيالا–كاس.
كما يحتوي اتفاق سلام جوبا 2020، وبروتوكوله الأمني، على ترتيبات أمنية مبدئية تشمل وقف إطلاق نار دائم بين الحكومة السودانية وكل من الجبهة الثورية، حركة العدل والمساواة، حركة جيش تحرير السودان–مني مناوي، والحركة الشعبية–شمال (جناح مالك عقار). كما تضمّن دمج القوات في وحدات مشتركة وإنشاء قوة حماية مدنية في دارفور قوامها 12 ألف جندي لحماية القرى ومناطق العودة الطوعية.
الملحق الثاني: الأطراف والفصائل المشاركة في النزاع والهدنة
تشمل الساحة العسكرية في السودان عدة أطراف رئيسية، لكل منها قدرات واستراتيجيات تؤثر على نجاح وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية. القوات المسلحة السودانية، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تنتشر في مناطق حيوية مثل وادي سيدنا، مواقع سلاح المدرعات بالشجرة، القيادة العامة في الخرطوم، وميناء بورتسودان. ويقدّر قوامها بحوالي 120 ألف جندي قبل النزاع في 2023، وتمتلك مدفعية طويلة المدى وطائرات حربية، مما يمنحها قدرة كبيرة على تنفيذ عمليات واسعة النطاق مع التأثير على مسار النزاع في الولايات المختلفة.
قوات الدعم السريع، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تتركز في الخرطوم وولايات دارفور وكردفان، ويقدّر قوامها بين 70 و100 ألف عنصر. تعتمد هذه القوات على المركبات الخفيفة والقدرة على التحرك السريع مع دعم لوجستي لامركزي، مما يجعلها فاعلاً رئيسياً في النزاع، وقادراً على المناورة في مناطق الاشتباكات.
حركة العدل والمساواة، بقيادة د. جبريل إبراهيم، تنتشر في شمال وغرب دارفور، ويقدّر عدد مقاتليها بين 8 و12 ألف مقاتل. وهي طرف موقع على اتفاق جوبا 2020، ما يمنحها موقعاً تفاوضياً معترفاً به دولياً. أما حركة جيش تحرير السودان–مني مناوي، بقيادة مني أركو مناوي، فتنتشر في شمال دارفور، ويقدّر قوامها بين 10 و15 ألف مقاتل، وكانت جزءاً من السلطة الانتقالية السابقة، ما يمنحها نفوذاً سياسياً وعسكرياً متوازناً.
الحركة الشعبية–شمال (جناح مالك عقار) تتركز في النيل الأزرق وجنوب كردفان، ويقدّر قوامها بين 7 و10 آلاف مقاتل، وهي طرف موقّع على اتفاق جوبا. في المقابل، الحركة الشعبية–شمال (جناح عبد العزيز الحلو) تنتشر في جنوب كردفان، ويقدّر عدد مقاتليها بين 20 و30 ألف مقاتل، ولم توقع على اتفاق سلام نهائي، ما يجعلها فاعلاً عسكرياً مستقلاً ومتقلب الالتزام بالهدنة.
الملحق الثالث: إحصاءات النزوح والمساعدات الإنسانية (حتى نهاية 2023)
بلغ عدد النازحين داخلياً أكثر من 6.3 مليون شخص وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، مع تركيز النزوح في ولايات الجزيرة، القضارف، سنار، شمال دارفور، والنيل الأزرق، فيما سجلت الخرطوم وحدها نزوح أكثر من 2.2 مليون شخص. كما لجأ أكثر من 1.6 مليون سوداني إلى الدول المجاورة، أهمها مصر (440 ألف)، تشاد (600 ألف)، جنوب السودان (330 ألف)، وإثيوبيا (100 ألف).
وفيما يخص الأمن الغذائي، يحتاج حوالي 25 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، بينهم 17 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتوقفت أكثر من 70% من المستشفيات عن العمل في الخرطوم ودارفور والجزيرة بسبب الحرب. وقد استقبل السودان خلال 2023 نحو 330 ألف طن من المساعدات الغذائية عبر برنامج الغذاء العالمي، لكن عمليات الإغاثة تعطلت في 13 ولاية بسبب الاقتتال أو نهب المخازن، مع تسجيل أكثر من 320 حادث نهب للمقار الإنسانية.
الملحق الرابع: قائمة المراجع الأكاديمية والوثائقية
وثائق واتفاقيات دولية
United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs (OCHA), Sudan Humanitarian Update, 2023.
UN Security Council Resolutions on Sudan (2005–2023).
Jeddah Declaration of Commitment to Protect Civilians, 2023.
Doha Document for Peace in Darfur, 2011.
Juba Peace Agreement, 2020.
كتب ودراسات أكاديمية
Johnson, Douglas H. The Root Causes of Sudan’s Civil Wars. 2016.
Young, John. Armed Groups in Sudan: The Dynamics of Conflict. 2018.
de Waal, Alex. Sudan’s Unfinished Democracy. 2020.
Daly, M.W. Empire on the Nile: The Anglo-Egyptian Sudan. 2010.
Mamdani, Mahmood. Saviors and Survivors: Darfur, Politics, and the War on Terror. 2009.
تقارير منظمات دولية وإقليمية
African Union Peace and Security Council Reports, 2010–2023.
IGAD Mediation Archives on Sudan, 2019–2023.
Human Rights Watch, Sudan Annual Report, 2022–2023.
International Crisis Group, Sudan Briefings (2019–2024).
Amnesty International, Sudan Conflict Documentation Files.
بيانات حكومية سودانية مؤرشفة
وزارة الخارجية السودانية: أرشيف البيانات الرسمية 2019–2023.
مجلس السيادة الانتقالي: بيانات وقف إطلاق النار 2020–2023.
وزارة الرعاية الاجتماعية: تقارير النزوح 2021–2023.
المراجع
- Daly MW. Empire on the Nile: The Anglo-Egyptian Sudan. Cambridge: Cambridge University Press; 2010.
- de Waal A. Sudan’s Unfinished Democracy. London: Zed Books; 2020.
- Johnson DH. The Root Causes of Sudan’s Civil Wars. Oxford: James Currey; 2016.
- Mamdani M. Saviors and Survivors: Darfur, Politics, and the War on Terror. New York: Pantheon Books; 2009.
- Young J. Armed Groups in Sudan: The Dynamics of Conflict. London: Hurst & Company; 2018.
- United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs (OCHA). Sudan Humanitarian Update. New York: OCHA; 2023.
- UN Security Council. Resolutions on Sudan 2005–2023. New York: United Nations; 2005–2023.
- Jeddah Declaration of Commitment to Protect Civilians. Jeddah: UN/OCHA; 2023.
- Doha Document for Peace in Darfur. Doha: Government of Sudan and Signatory Parties; 2011.
- Juba Peace Agreement. Juba: Government of Sudan and Signatory Parties; 2020.
- African Union Peace and Security Council. Reports 2010–2023. Addis Ababa: African Union; 2010–2023.
- IGAD Mediation Archives on Sudan. Djibouti: IGAD Secretariat; 2019–2023.
- Human Rights Watch. Sudan Annual Report 2022–2023. New York: Human Rights Watch; 2022–2023.
- International Crisis Group. Sudan Briefings 2019–2024. Brussels: International Crisis Group; 2019–2024.
- Amnesty International. Sudan Conflict Documentation Files. London: Amnesty International; 2020–2023.
- Ministry of Foreign Affairs of Sudan. Official Data Archive 2019–2023. Khartoum: Government of Sudan; 2019–2023.
- Sovereign Council of Sudan. Ceasefire Data 2020–2023. Khartoum: Government of Sudan; 2020–2023.
- Ministry of Social Welfare, Sudan. Displacement Reports 2021–2023. Khartoum: Government of Sudan; 2021–2023.
- World Food Programme (WFP). Sudan Food Assistance Reports 2023. Rome: WFP; 2023.
- Sudanese Red Crescent Society. Annual Relief Operations Report 2023. Khartoum: SRCS; 2023.
- UNHCR. Sudan Refugee Statistics 2023. Geneva: UNHCR; 2023.
- United Nations. Law of Armed Conflict and Protection of Civilians in Sudan. New York: United Nations; 2022.
- African Union. Handbook on Peacekeeping and Ceasefire Monitoring. Addis Ababa: African Union; 2021.
- IGAD. Guidelines for Mediation and Ceasefire Implementation. Djibouti: IGAD Secretariat; 2022.
- Sudan Ministry of Defense. Military Deployment and Operations Archive 2020–2023. Khartoum: Government of Sudan; 2020–2023.
- Sudan Ministry of Humanitarian Affairs. Humanitarian Corridors and Aid Access Report 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan National Bureau of Statistics. Population and Demographic Data 2021–2023. Khartoum: NBS; 2023.
- UN Office for the High Commissioner for Refugees (UNHCR). Sudan Cross-Border Displacement Report 2023. Geneva: UNHCR; 2023.
- World Bank. Sudan Economic and Social Impact Assessment of Conflict 2023. Washington DC: World Bank; 2023.
- Sudan Ministry of Health. Health Facilities and Services Report 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- UNICEF. Sudan Education and Child Protection in Conflict Areas 2023. New York: UNICEF; 2023.
- Sudan Ministry of Interior. Internal Security and Policing Reports 2021–2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- UN Office for Disarmament Affairs. Weapons Monitoring in Sudan 2023. New York: United Nations; 2023.
- Sudan Central Bureau of Statistics. Annual Statistical Abstract 2022. Khartoum: CBS; 2022.
- Sudan Ministry of Water Resources. Water Infrastructure and Access Report 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan Ministry of Education. Education Access and Infrastructure Reports 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan Ministry of Finance. Budget and Military Expenditure Reports 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- UN Office for Disaster Risk Reduction. Sudan Humanitarian Risk Assessment 2023. New York: UNDRR; 2023.
- Sudan Ministry of Transport. Transport Infrastructure Status Report 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan National Commission for Refugees. Refugee and IDP Statistics 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan Ministry of Agriculture. Land Use and Conflict over Resources Report 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan Ministry of Culture and Information. Social and Cultural Impacts of Conflict 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan Ministry of Religious Affairs. Role of Religion in Conflict and Peacebuilding 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- UNDP. Sudan Human Development and Conflict Impact Report 2023. New York: UNDP; 2023.
- Sudan Ministry of Youth and Sports. Youth Engagement in Peacebuilding Reports 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- UN Women. Sudan Gender-Based Violence and Conflict 2023. New York: UN Women; 2023.
- Sudan Ministry of Human Rights. Monitoring Ceasefire Violations Reports 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- International Committee of the Red Cross (ICRC). Sudan Conflict and Humanitarian Access Reports 2023. Geneva: ICRC; 2023.
- Sudan Ministry of Social Development. Civil Society and Community Organizations Report 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan Ministry of Communications and Information Technology. Technology and Conflict Monitoring Reports 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan Ministry of Interior and Security. Police and Local Security Operations Report 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- UN Office for the Coordination of Humanitarian Affairs (OCHA). Sudan Conflict and Aid Access Data 2023. New York: OCHA; 2023.
- Sudan Ministry of Finance and Economic Planning. Conflict Economic Impact and Aid Utilization Report 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan Ministry of Defense and Armed Forces. Military Coordination and Ceasefire Implementation Report 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan National Council for Peace and Security. Ceasefire and Humanitarian Coordination Reports 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- UN Office of the High Commissioner for Human Rights. Sudan Human Rights and Conflict Monitoring 2023. Geneva: OHCHR; 2023.
- Sudan Ministry of Health and Humanitarian Services. Medical and Health Aid Reports 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan Ministry of Agriculture and Irrigation. Water and Food Security Reports 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan Ministry of Energy and Mining. Resources and Conflict Management Reports 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
- Sudan Ministry of Environment and Natural Resources. Environmental Impact and Conflict Reports 2023. Khartoum: Government of Sudan; 2023.
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم