الطلقة الأولى لحرب ١٥ أبريل انطلقت من مدرسة اروما شمال

قمتُ بمشاركة تسجيلٍ مصور لزيارة إدارة التعليم المحلي لمدرسة اروما شمال بشرق السودان (كقصة في أعلى صفحتي على الفيس بوك)، وقد وجد هذا التسجيل الحزين تفاعلاً كبيراً، وما زال الناس في بلادنا ومن بلادنا يهتمّون بالتعليم ومأساة الريف. وقد أُعلن في هذا الأسبوع خروج السودان من التصنيف العالمي لجودة التعليم، وتلك كارثة، فالخروج من جودة التعليم والطلقة الأولى في حرب ١٥ أبريل كلاهما انطلقتا من مدرسة أروما شمال، فلكل شيء بداية وجذور.

بعد ثورة ديسمبر استخارت الحركة الإسلامية حتى تعود للحكم وتنهي الثورة والانتقال الديمقراطي، فدبّرت انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، وقد كان انقلاباً ذو رأسين (ريسِين بغرقوا المركب)، واختلف الرأسان فغرقت مركب الانقلاب، وأطلقت الجماعة الطلقة الأولى إيذاناً ببدء حرب ١٥ أبريل. والطلقة الأولى أُدخلت في ماسورة البندقية حينما تم الانقلاب الذي فشل وقاد إلى حرب ١٥ أبريل، وكل شيء بدأ من استخارة الجماعة.

ولأن لكل شيء بداية، فإن الطلقة الأولى بدأت بإهمال ونهب الريف السوداني وتحويل مئات الآلاف من الشباب إلى عاطلين ينتظرون السلاح، فالفقر يولد التهميش، والتهميش ينجب الحروب. والريف يضم ٨٥٪؜ (أو يزيد) من سكان السودان وهم من الرعاة والمزارعين. وحينما مات الريف ماتت المدن التي تعيش على ظهره وعلى الصناعة والخدمات. إن الطلقة الأولى خرجت من بطن الريف ومن أحزان مدرسة أروما شمال.

قبل سنوات، أعطاني الصديق الراحل والمناضل البيجاوي والسوداني حسين ولي أركاب (نشرة) رخيصة الطباعة عن قضايا شرق السودان. استوقفتني فيها الافتتاحية، ولا زالت عالقة بذهني، فهي تتحدث عن ذلك الطفل البيجاوي الذي يلهث خلف القطارات في محطاتها وهي تتوقف في شرق السودان، ويصيح بلغة بيجاوية وأخرى عربية ممزوجة بلغة الأم: “أعطني خبزاً”. والقطارات تنهب طرق الشرق وتنهب الخيرات للتصدير. إن الحرب لن تتوقف طالما نيران الفقر والظلم تلهب ظهر الريف، سيما ريف شرق السودان، أما المستفيدون من جهاز الدولة في بلادنا فلا يتعدون ١٥٪؜ من السكان!

إن مدرسة اروما التي تقع على مرمى حجر من بورتسودان، تعكس الوجه الحزين لتلاميذها الفقراء الذين يدرسون في العراء. والناس في أروما من “هول الحياة موتى على قيد الحياة”، بينما يصدر كبار الضباط والتجار في بورتسودان الذهب وما تبقى من خيرات الريف، وتُرك الملايين للحرب. وقف الحرب لا بد أن يشمل إعادة وجه الريف المنتج، حتى يغطي الظل فقراء المدن والريف، ويكون المعلم والتلميذ على رأس القائمة، وليس الجوكية والسماسرة وكل مدّعٍ وأعيسر.

هل من الممكن أن تجد مدرسة اروما شمال من يمدّ لها يد العون من السودانيين ومنظماتهم خارج السودان؟

٢ ديسمبر ٢٠٢٥

عن ياسر عرمان

ياسر عرمان

شاهد أيضاً

فاطمة أحمد إبراهيم (٣/٢)

فاطمة أحمد إبراهيم (٣/٢)ماذا تبقى من سحرها ما بين الاجندةالثورية واجندة الليبرالية النسوية الجديدة(٣/٢)ياسر عرمان …