تأمُلات
كمال الهِدَي
kamalalhidai@hotmail.com
السؤال أعلاه، بالمناسبة، ليس موجهاً للناس العاديين، بل لبعض المحللين وكتاب الرأي ومن يُفترض أنهم يتمتعون بتعليم ومعرفة جيدة، فالسيناريو الواحد يتكرر عشرات المرات، وفي كل مرة يعود السؤال نفسه: لماذا فعلت قيادة الجيش كذا وكذا؟
مع إن هدف قيادة هذا الجيش بدا واضحاً منذ الساعات الأولى لهذه الحرب المُتعمدة، وهو ما أكدته الانسحابات المتكررة انتهاءً بوصول الجنجويد بسلام إلى حيث أرادوا لهم أن يصلوا، ورغم ذلك ما زلنا نطرح الكثير من الأسئلة الساذجة وكأننا نتفاجأ بما يحدث في كل مرة.
لا أفهم لماذا نتجاهل الحقائق الواضحة مثل أن الكيزان خططوا منذ بداية التسعينات للوصول إلى ما يُعرف ” مثلث حمدي”، ورغم أنهم سبق أن فصلوا الجنوب لكننا لم نتعلم من ذلك الدرس القاسي.
كما يستعصي علي فهم إصرارنا على عدم ربط الأحداث ببعضها، أو إدراك طبيعة تركيبة هؤلاء الكيزان الذين يسعون دائماً إلى إيجاد شماعة يعلقون عليها أخطاءهم الكارثية والمتعمدة.
فهم، عندما تعمدوا إطلاق شرارة هذه الحرب اللعينة وسمحوا لعدوهم (المفترض) الجنجويد بتلقي الإمداد خلالها، كانوا يدركون مسبقاً أنها ستفضي في النهاية إلى تدخل دولي لن يؤدي إلا إلى ما كانوا يرمون له منذ البداية، لكنهم كعادتهم، أرادوا وجود مبررات جاهزة، وسعوا لتحميل الوزر للآخرين.
فما الذي يجعلنا نستغرب، في كل مرة من انسحابات الجيش من المدن – خاصة في غربنا الحبيب – أو من تقاعس قادته الخونة عن توفير الأمن للمواطنين؟ فمنذ متى اهتم جيش الكيزان بسلامة الوطن أو أمن مواطنيه؟
وتظهر غفلاتنا وتفكيرنا الرغبوي أيضاً في تصديقنا للكثير مما يُقال داخلياً وخارجياً، وانشغالنا بالقضايا الهامشية في الوقت الذي يُعد فيه المسرح لانقسام جديد، لن يكون الاخير قطعاً ما دمنا على هذا الحال المائل، فلا رباعية ولا خماسية ستكون أحرص على وحدة وطنكم منكم أنتم يا سودانيين.
لكننا نصر علي الفصل بين حدث وآخر، فلا يقر بيننا – إلا قلة قليلة – بأن مؤامرة جوبا، التي سُميت زوراً “سلاماً” ، هي التي وفرت للبرهان الغطاء للانقلاب علي حكومة الثورة، وهو ما فتح الباب لاحقاً أمام بعض الأطراف الخارجية لاحقاً لدعمه في هذه الحرب التي التهمت الأخضر واليابس، لكن، ولأننا شعب الغفلات، يصر بعض مستنيرينا علي الترويج لفكرة أن من ساهموا في تلك المؤامرة في جوبا يمكن أن يكونوا جزءاً من حلول اليوم، وهذه لعمري، سذاجة متعلمين يخجل المرء منها.
طالعت صباح هذا اليوم مقالاً لشابة يافعة هي سلمى عوض بابكر، لم يعجب الكثيرين. أتدرون لماذا؟ فقط لأنه مقال واقعي ابتعد فيه عن التفكير الرغبوي، الذي صار سمة بارزة لغالبيتنا، وقالت بوضوح أن مشاكلنا لن تُحل دون الوعي، وأن هذه الحرب عززت من وجود الكيزان وسطوتهم. لكن لأن بعضنا غافل ورغبوي التفكير والبعض الآخر يتجاهل الحقائق عمداً لأشياء في أنفسهم، استمرت عادة تخدير أنفسنا وتسويق وهم أن الحرب في طريقها للقضاء على هؤلاء الكيزان، أو أن المجتمع الدولي وأمريكا حريصان على إنهاء سطوتهم، وكأن من حاربت طالبان في أفغانستان ثم أعادتها للسلطة بعد سنوات من ذلك كانت عصافير الخريف.
لن ننجو ببلدنا ما لم نتحلّ بالوعي الكافي ونصدُق مع أنفسنا، فليس هناك أطراف خارجية خيّرة إلى درجة تجعلها تحرص على استقرار ووحدة بلد لا يعمل أهله بجد من أجل ذلك.
فمتى نفيق ونتّعظ مما جرى لغيرنا؟!
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم