الثقافة العربية الاسلامية وتحديات المستقبل (1-2) … بقلم /أ. د. عون الشريف قاسم
2 February, 2009
Awnn_Ghasim@hotmail.com
الحمد لله الذي انزل القرآن عربيا غير ذي عوج هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وجعلنا بهدايته خير امة اخرجت للناس نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر ونؤمن بالله، والصلاة والسلام على خاتم انبيائه ورسله سيدنا ونبينا محمد الذي ورد عنه قوله الكريم «ليست العربية من احدكم بأب ولا ام، انما العربية اللسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي» أو كما قال.
ايها الاخوة الاجلاء السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته والتهنئة لكم بحلول العام الجديد جعله الله عام خير وبركة وعزة ومنعة وسلام لامتنا وللانسانية جمعاء. والتحية والتهنئة والشكر لاخوتنا في دائرة الثقافة والاعلام بحكومة الشارقة وفي مقدمتهم مديرها العام سعادة الشيخ عصام بن صقر القاسمي والتهنئة لهم بانعقاد الدورة الحادية والعشرين لمعرض الشارقة للكتاب تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى وحاكم الشارقة حفظه الله ورعاه، ويطيب لي في هذه المناسبة ان احيى سموه وان اشيد بجهوده الكبيرة المقدرة في رعاية الثقافة والعلم لا في بلاده فحسب بل في اصقاع نائية من بلاد امتنا. ونحن في السودان نفخر بصرح من صروح الثقافة والعلم ممثل في قاعة الشارقة التي اقامها سموه في قلب الخرطوم ملحقة بجامعة الخرطوم فاصبحت منارة للعلم وملتقى للعلماء والمفكرين والفنانين كل يوم وعلى مدار العام فجزاه الله عنا وعنكم وعن العلم والثقافة خير الجزاء واوفاه.
ولابد لي في البداية من ابداء سعادتي الغامرة بمصطلح الثقافة العربية الاسلامية الذي ورد في العنوان الذي اقترحته دائرة الثقافة والاعلام لهذه المحاضرة فهي التسمية الصحيحة لهذه الثقافة لانها تعبر بصدق عن مضمون هذه الثقافة وشكلها فهي عربية لانها وليدة البيئة العربية ولان العرب اول من اسهم فيها ونقلها الى العالمين ولان رسول رسالتها «ص» عربي ولان لسانها الذي انزل به القران الكريم عربي ولكنها فوق كل ذلك حملت رسالة الاسلام رسالة الله الخاتمة للانسانية جمعاء بحيث اصبح اكثر من ثلاثة ارباع من ينتمون اليها من غير العرب وقد اسهم هؤلاء اسهاماً كبيراً في الحضارة والثقافة منذ ان انتقل الاسلام الى خارج جزيرة العرب وهؤلاء وان اتخذ معظمهم العربية لساناً فهم مسلمون وغير عرب ولكنهم قد تعربوا بحكم هذا اللسان لقوله «ص» ليست العربية من احدكم بأب ولا ام انما العربية اللسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي أو كما قال. وبالتالي فالحديث عن الثقافة العربية الاسلامية حديث عن هذه الثقافة في كل اوطانها في بلاد المسلمين. فرغم صدورها باكثر من مائة لغة هي لغات المسلمين في العالم فهي في جوهرها ثقافة عربية اسلامية. ولكن الامر في نهاية المطاف شبيه بما كان عليه الامر في بدايته. فمثلما كان الاسهام العربي في البداية هو مركز الثقل في الحضارة والثقافة فان اسهام الامة العربية في خاتمة المطاف لابد ان يعلو على غيره من الاسهامات لان العرب كما قال سيدنا عمر بن الخطاب «هم مادة الاسلام» وهم حراسه وحراس حضارته وثقافته ولهذا السبب كان العرب وكانت لغتهم العربية هما هدف اعداء الاسلام على مدة الزمان.
ولهذه القيمة المحورية للثقافة العربية الاسلامية المكتوبة باللغة العربية وهي في جملتها ثقافة العالم العربي فانني ساركز الحديث على هذه الثقافة بهذا التحديد.
وكمدخل لهذا الحديث فلابد من الاشارة الى ان هذه الثقافة سواء اكانت على مستوى العالم الاسلامي ام على مستوى العالم العربي وليدة حضارة عالمية ظلت لاكثر من الف واربعمائة واربعة وعشرين عاما هي الحضارة الحية الوحيدة التي وقفت امام حضارة الغرب ان في شكلها الاغريقي الروماني القديم ام في شكلها الاوربي الامريكي الحديث. فان كل حضارات العالم تقريباً حضارات قد خمدت جذوتها منذ قرون ولم تعد تشكل امام حضارة الغرب من تحد كبير ولم يبق في ساحة المواجهة إلا الحضارة العربية الاسلامية التي استعصت على كل محاولات التفتيت والتفكيك والاختراق بفعالية مثلما حدث لمعظم الحضارات الاخرى. فقد سعى الغرب عن طريق استعمار العالم العربي والاسلامي وبما احدثه في حياة العرب والمسلمين من مناهج تربوية واجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية احداث تغييرات جوهرية في حياة المسلمين غايتها ابعادهم عن اسلامهم وربطهم بالنموذج الغربي في الفكر والسلوك ولكن هذا السعي الحثيث كان محدود المدى اذ لم يتعد بعض طبقات المثقفين الذين تشربوا مناهج الغرب خاصة العلمانية منها، ولكن حتى هؤلاء بقى اكثرهم لصيقاً بثقافته الاسلامية بصورة أو باخرى. صحيح انهم ادخلوا قوانينهم محل قوانين الشريعة في معظم الاقطار واصبحت الدولة الحديثة تدار في معظم بلاد المسلمين على اسس غربية. ولكن جوهر الاسلام بقى في كل هذه الحالات صامداً ينتظر لحظة البعث من جديد. وفي كل ذلك اشارة الى ان تحديات المستقبل التي تواجه الثقافة العربية الاسلامية هي في كثير من جوانبها امتداد لتحديات الماضي الكامنة في مواجهة الغرب على المستوى الخارجي والكامنة في الجمود والتخلف على المستوى الداخلي. اذ لم تقف مواجهة الغرب للحضارة والثقافة العربية الاسلامية عند الحاضر الماثل بل امتدت الى التاريخ القديم فزعم المستعمرون ان مجد الشعوب الاسلامية لايكمن في الاسلام ولا في حضارته التي حجبت امجاد هذه الشعوب الممثلة في الفرعونية في مصر والفينيغية في لبنان والطورانية في تركيا والقرطاجية في تونس والبربرية الامازيقية في الشمال الافريقي والساسانية في ايران والتركمانية في آسيا الوسطى والزنوجة في افريقيا والعروبة المبرأة من الاسلام في بلاد العرب. ولكنهم فشلوا في توظيف النزعة القومية لهدم الكيان الاسلامي في حياة المسلمين باستثناء بعض النجاح الشكلي المحدود في حالة تركيا التي ظل نظامها العلماني محروساً بقوة السلاح منذ ان بدأ وحتى اليوم كما برهنت على ذلك توجهات الشعب التركي المسلم في هذه الايام .ويرجع السبب الاساسي في هذا الفشل الى الاختلاف الجوهري بين حضارة الاسلام وحضارة العرب الراهنة الاحادية النظرة التي لا ترى في غيرها بديلاً. بينما تمتاز حضارة الاسلام بالمرونة والقدرة على التعايش مع غيرها من الحضارات والثقافات فحيثما دخلت في مكان لاتسعى الى زعزعة الكيان القومي بغرض الحلول محله بل هي تنسرب في تدرج ويسر تغير وتبدل وتلغي كل ما صادم اسسها في وحدانية الله من شرك ووثنية وماهدد حياة الانسان من عادات وطقوس وقرابين وتبقى على كل ما هو نافع وايجابي من تراث الامة وتاريخها وتدخله في اطارها الاسلامي لان العادة في الشرع الاسلامي محكمة والعرف الحميد اصل من اصول التشريع وبذلك يكتسب الشعب المعنى في اطار اسلامه كل ايجابيات ماضيه فيصبح عمر المصري المسلم مثلاً عمر امته الممتد لآلاف السنين لان كل ما تراكم من قيم الماضي وايجابياته قد اخذه الاسلام وضمه الى حظيرته واعطاه حياة جديدة وارتفع به من اطار المحلية والتاريخ الى اطار عالمية الاسلام وحيوية قيمه فيكتسب المصري ماضيه الممتد لآلاف السنين ويكتسب معه حاضره الموصول بوشائج الاخاء مع بقية المسملين في انحاء العالم فيصبح المصري المسلم على مصريته اخ الهندي المسلم على هنديته وبذلك يحقق الاسلام التعدد في اطار التوحد. وهو تعدد يحفظ لكل شعب مسلم خصوصيته في اطار اسلامه. ومن هذا المنظور يمكن ان نتحدث عن الاسلام المصري والاسلام الهندي وهكذا. ولكنهم جميعاً يلتقون في اسس الاسلام وقيمه العالمية التي ترتفع بكل هذه المحليات والقوميات الى اطار العالمية والاخاء في الله. ويصح ان نذهب الى ابعد من ذلك فنقول ان القومية قد تجردت في كل حالة من هذه الحالات من سماتها العنصرية والمحلية الضيقة لتصبح قومية اسلامية لان الاسلام في نهاية المطاف كينونة وانتماء وتعبير عن الحياة ..ولذلك يبقى الاسلام على اللغات ولايفرض العربية لغة القرآن إلا في قراءة الفاتحة واي آية أو سورة لاداء الصلوات بل انه انشأ لغات اسلامية جديدة مثل السواحلية في افريقيا والاردية في آسيا والمالطية والمجريطية في اوربا ومنح لغات المسلمين في العالم وهي تزيد على المائة الحرف العربي لكتابتها وامدها بآلاف المصطلحات العربية والاسلامية مما زاد انمائها وازدهارها.
وتواصل كيد المستعمرين على لغة القرآن فاجتهدوا منذ اواخر القرن التاسع عشر في السعي لاحلال العاميات محل الفصحى بدعوى ان العربية لغة قديمة جامدة لاتتسع لحركة العلم ولاتستجيب لدواعي حياة العصر وبدأوا في ا صدار الكتب باللغات العامية في الشام ومصر وتبعهم في ذلك بعض الكتاب العرب في لبنان وغيرها. وكان الموت نصيب هذه الحركة. وكانت اخطر المساعي في هذا المجال احلال الحرف اللاتيني محل الحرف العربي في اللغات المكتوبة بالحرف العربي وتم لهم النجاح في كل الحالات ماعدا الاردية والفارسية والعربية وحتى هذه قد اشتدت الدعوة لكتابتها بالحرف اللاتيني في اواسط القرن الماضي وقام بذلك بعض اعضاء المجمع اللغوي بالقاهرة وعلى رأسهم عبدالعزيز فهمي باشا وانتهت الحركة الى الفشل بل ان روحاً جديدة قد سرت في اوساط كثير من المسلمين فنادوا باستعادة كتابة لغاتهم بالحرف العربي وقامت بالتالي مؤسسة مشتركة بين الانظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمنظمة الاسلامية للعلوم والثقافة والبنك الاسلامي بجدة وبعض المؤسسات العلمية في المغرب والسودان وشرعت في اعادة كتابة عدد من اللغات في افريقيا وآسيا بالحرف العربي وانجزت حتى الآن مايقرب من كتابة عشر لغات افريقية والسعي مستمر في هذا الاتجاه ولهذا الجهد اهميته لان معظم تراث هؤلاء الاقوام مكتوب بالحرف العربي والقرآن مكتوب بالحرف العربي. وكانت غاية الاستعمار ولاتزال حجب هذا التراث الاسلامي عن الاجيال الجديدة فينصرفون عنه الى حضارة الغرب.
ولكن المعركة مع حضارة الغرب لاتزال سجالاً رغم الاختراقات الكبيرة التي المت بالحضارة العربية الاسلامية من قبل بعض بنيها الذين تشربوا افكار الغرب وجهلوا اسس حضارتهم وقد ازدادت شراسة هؤلاء بعد زوال الاستعمار المباشر من معظم الدول الاسلامية وتنامى الشعور القومي لدى الامم الاسلامية لاستعادة فعالية الشخصية القومية المرتكزة على قيم الاسلام والمطالبة بالانتقال من مرحلة التحرر السياسي الى مرحلة التحرر الحضاري والثقافي المرتكز على اسس اسلامية.تجددت المعركة بين الفريقين التي لاتزال محتدمة في كل الساحات العربية والاسلامية . ونخرج من كل ذلك بان الثقافة العربية الاسلامية تواجه على المستوى الداخلي ازمة مزدوجة : ازمة في علاقتها بماضيها وازمة في علاقتها بحاضرها ومستقبلها. اما ازمتها في علاقتها بماضيها فقديمة وامتدت لقرون طويلة منذ ان انهارت الدولة الاسلامية تحت سنابك التتار وهجمات الصليبيين وانهارت معها الاسس الاقتصادية التي كانت ترفد الحركة العلمية والنشاط الفكري عامة فانفصلت علوم الدين عن علوم الدنيا فتوقفت حركة الاجتهاد في علوم الدين بتوقف الحركة العلمية النشطة التي كانت تبث روح الاجتهاد في المجال الديني وبنهاية القرن الثامن عشر لم يبق في حياة العرب والمسلمين من ثقافتهم الغنية المتعددة الابعاد إلا العلوم الشرعية وعلوم اللغة وهي الحد الادنى للاسلام في حياة المسلمين وذهبت كل العلوم التي تبعث الحيوية في اوصال المجتمع مثل العلوم الطبيعية والفلسفة وما اليها التي ازدهرت خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين وكان تأثيرها مباشرا على علوم الدين لان معظم المشتغلين بها كانوا هم انفسهم من علماء الشرع. وعندما بدأت جحافل المستعمرين تغزو العالم العربي والاسلامي في القرن الثامن عشر بدءاً بحملة نابليون بدأ العرب والمسلمون يستيقظون ويتنبهون لما واجهتهم به اوربا من قوة عسكرية ومن ابداع علمي وكانت استجابتهم لهذه المواجهة متفاوته كما بين توينبي في كتابه «الحضارة تحت الاختبار» بين التمترس في الماضي أو محاولة المزاوجة بين الماضي والحاضر أو الذوبان في الوافد الجديد.. ورغم اهتمام الدولة العثمانية ومحمد علي في مصر بالجوانب العسكرية في بعثاتهم لاوربا . فان الآثار الثقافية لهذه البعثات كانت مهمة ولعلها احدى اسباب النهضة العربية في القرن التاسع عشر. ومن اهم سمات هذه النهضة الرجعة الموجهة بفعل التحدي الغربي الى ماضي العرب وتراثه بغرض دراسته حسب المناهج العلمية الحديثة والسعي لاحيائه وتجديده وربطه بروح العصر كما برز ذلك واضحا في اعمال رواد النهضة في الشام ومصر والعراق وتونس وغيرها من اوطان العروبة. وكان ذلك ديدن الثقافة العربية الاسلامية فقد تمت رجعة قديمة بفعل الاسلام الى ماضي العرب وتاريخهم. وحدثت رجعة ثانية عندما انتقل الاسلام الى الامصار وواجه حضارات الامم فاخذ منها ما لايصادم مبادئه وازدهرت بذلك الحضارة وكانت هذه الرجعة الثالثة كفيلة باحداث النهضة المرتكزة على الذات مع الاستفادة من ايجابيات حضارة الغرب وبدأ السير بالفعل في هذا الاتجاه لولا ان هذا التطور قد اجهض في بداياته بفعل احتلال الدول الغربية لمراكز الاشعاع في مصر والشام والعراق وتحولت حرية الاختيار التي كانت تأخذ وترفض بمعيار الذات الى سياسة الفرض والالزام التي اتبعها المستعمرون فاختطوا نظاماً تعليمياً جديداً لايطور التراث العربي ولا يرتكز علىه بل يتجافاه ويهمله ويتخذ من علوم الغرب ولغاته ومناهجه طريقاً لتطور العالم العربي فاصبحت الانجليزية في مصر لغة التعليم بعد ان كانت حتى كلية طب قصر العيني تدرس باللغة العربية حتى 1883م عام احتلال مصر. واغلق الانجليز مصانع محمد علي وكانت مصر سابقة على اليابان في مجال التصنيع باكثر من عشرين عاماً ولابد من التنبه في هذا المجال الى ان معظم كبار خريجي هذا التعليم الحديث في معظم الاقطار العربية قد انخرطوا في هذا التعليم وهم مشربون بروح تراثهم الذي درسوه في بدايات حياتهم في المؤسسات الدينية التقليدية ولذلك احدثوا تطويراً عظيماً في مجال اللغة والدراسات الادبية والتاريخية مما لانزال نجني ثمراته حتى اليوم. ولكن العبرة بالخواتيم. وهذه الخواتيم تشير الى ان الغالبية العظمى من الطلاب في العالم العربي والاسلامي عامة الذين انخرطوا في هذه المدارس والمعاهد والجامعات الحديثة قد ابتعدوا باقدار متفاوته عن تراثهم العربي الاسلامي ولم يعد بمقدورهم فهمه واجالة النظرفيه بغرض تطويره وربطه بروح العصر وتركت هذه المهمة لاعداد قليلة النظر من الدارسين في المؤسسات والمعاهد الدينية التي فرضتها ثنائية التعليم ومعظم هـؤلاء بعيدون عن مناهج العلم الحديثة ومكتسباته التي تفتح منافذ للاجتهاد وتثري الدراسات الدينية وتصلها بروح العصر.
وها هنا يكمن سر الازمة الحقيقية التي تعانيها الثقافة العربية الاسلامية في علاقتها بماضيها فقد ظل الامر على ماكان عليه منذ قرون وظلت متون الفقه والتشريع والدراسات الاسلامية عامة محصورة في حدها الادنى الذي يعين الناس على العبادة والتمسك باسلامهم على المستوى الشخصي التعبدي ونادراً مايمتد ذلك الى حركة المجتمع الفكرية والعلمية التي تدور في معظمها بعيداً عن ذلك الحد الادنى من ثقافة الاسلام.
ومن البدهي ان هذا الموروث الاسلامي قد توقف الاجتهاد فيه منذ قرون واصبحت الشقة بينه وبين حاضر المسلمين بعيدة وواسعة مما يشكل ازمة حقيقية في حياتهم العامة والخاصة. ولابد من ازالة هذه الجفوة ووصل ماضي الناس بحاضرهم لكي يستعيد الناس تكامل شخصيتهم الحضارية بدل هذه الازدواجية التي تتعبد بالاسلام في حياتهم الخاصة وتتبع في حياتها العامة مناهج الغرب وافكاره. ولن يتم ذلك إلا برجعة واعية الى ما كان عليه الحال ايام النهضة العربية حين واجه المصلحون حضارة الغرب بايجابيات الحضارة العربية وسعوا الى بناء النهضة على اسس عربية اسلامية في تلاقح واستيعاب لما لا يتعارض مع قيمها من حضارة الغرب وذلك يقتضينا مراجعة شاملة لمناهجنا التربوية والثقافية والاجتماعية بحيث نجعل من الثقافة العربية الاسلامية في مختلف مظاهرها الدينية والدنيوية منطلقاً لتعليمنا نعيد به تكامل ثقافتنا وتكامل شخصياتنا. والغريب في الامر ان الغرب الذي فصل ديننا عن تعليمنا لايدرس الثقافة العربية الاسلامية في جامعاته إلا متكاملة فطالب الدراسات العربية يدرس القرآن والحديث وكتب الجغرافية العربية الى جانب كتب الفلسفة الاسلامية والكلامية والفقه الى جانب علوم العربية فيربط اللغة بحضارتها ويجيد فهمها ولكنه حطم هذا التكامل حين وضع المناهج للعرب والمسلمين مما نجم عنه مانعانيه الآن من ازدواجيه وتمزق في تكامل الثقافة والحضارة.
هذا ما يتعلق بالازمة مع الماضي. اما ما يتعلق بالازمة مع الحاضر والمستقبل فنستعرضه في الحلقة القادمة.