آفاق المساومة الممكنة (1) … بقلم: عادل الباز
عادل الباز
8 March, 2009
8 March, 2009
على الحكومة أن تستعد لأسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تُجرى ولكن في ذات الوقت لابد أن تكون حاضرة بأوراقها وأجندتها في دهاليز المساومة الخلفية، وهذه هي السياسة. السؤال الذي يُطرح الآن ثم ماذا بعد قرار التوقيف؟ يمكن القول من هنا وصاعدا، ستمضي هذه اللعبة الى غاياتها، إما أن تصل الى مساومة، أو أن تصل الى مواجهة مفتوحة، سياسية واقتصادية وعسكرية. لقد بدأت الآن لعبة جر الحبل ولا يمكن التكهن بنتائجها، إنما بالإمكان رسم خارطة طريق لسيناريو صراع شاق ومضنٍ لا يتبين أحد مداه ولا الزمن الذي سيستغرقه.
منذ اليوم الرابع من مارس وضع المجتمع الدولي كرتا قويا على الطاولة وهو توقيف الرئيس البشير، وكان رد الفعل الحكومي متوقعا، إلا أن كثيرا من المراقبين لم يكونوا يعرفون بأي اتجاه سيمضي. لم تتأخر الحكومة في الرد، فلم تمضِ أربع وعشرون ساعة حتى عصفت بثلاث عشرة منظمة إنسانية من ذوات الوزن الثقيل خارج الخدمة.. يبدو أن العالم قد صعق وبدأ الارتباك واضحا في التصريحات والرجاءات والمناشدات والتحذيرات. الغريب أن المجتمع الدولي حاول أن يصوّر القرار بأنه جريمة حرب، وكأنه بذاك يخيف الحكومة!! لقد وزّع السيد أوكامبو قبل أيام على العالمين كتابا كاملا عن جرائم الحرب التي ارتكبها الرئيس البشير، فما يضير الحكومة ياترى بإضافة صفحة أخرى من نوع تلك الجرائم، أو ماذا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها على رؤوس العالمين.؟
بالأمس لم يتوصل مجلس الأمن لاتفاق حول مشروع بيان، بسبب اقتراح الصين تعديل نص البيان بإيراد عبارة تشير الى أن طرد المنظمات ذو علاقة بقرار توقيف البشير، ورفضت أمريكا هذه العبارة مما لم يمكّن المجلس من إصدار البيان. ولكن هذه ليست نهاية المطاف إنها مجرد بداية لصراع طويل في مجلس الأمن الذي أكد الأستاذ علي عثمان أنه المسرح الحقيقي الذي ستُصفى فيه قضية التوقيف. ستحاول الولايات المتحدة مرة أخرى الضغط على الصين لإصدار البيان، وفي ما أرى، أن الصين ستخضع للابتراز بناءً على تجارب سابقة. الولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة، ستحاول قيادة العالم عبر مجلس الأمن ولن تسعى للتصرف منفردة، كما هو الحال في عهد إدارة بوش. ولذا أتوقع أن تكون الخطوة التالية هي محاولة طرح فكرة منطقة حظر طيران في دارفور، وهي فكرة قديمة طُرحت أيام إدارة بوش بواسطة الديمقراطيين، وعلى رأسهم سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الآن. تفعيل هذه الفكرة وارد بدرجة كبيرة، وبالأمس ألمحت إليها رايس في تصريحاتها. على أن هذه الخطوة ستعقب مناورات عديدة، تقع بين تمرير بيان مجلس الأمن والنظر في استجداء العرب والافارقة للتأجيل!! سيُطلب من العرب والأفارقة قبل الحديث معهم، أن يعيد السودان قراره الخاص بطرد المنظمات، ثم بعد ذلك سيوعد هؤلاء المهرولون بالعطف عليهم والنظر في طلبهم دون وعد بشيء!!. مرة أخرى سيعود هؤلاء الى الخرطوم، وقد بدأت طلائعهم بقدوم السيد عمرو موسى، ولكن الخرطوم لن تستمع اليهم، ولو أنها فعلت لهزمت قضيتها منذ البداية فليس للتراجع حد!!. الخرطوم ستكون زاهدة في التأجيل، وليس للمجتمع الدولي كرت أقوى من التوقيف يضغط به إلا الحصار أو الغزو، والاثنان سيحتاجان لمخاضات طويلة، وكلفتهما جد عالية وخطرة.
تصلّب موقف الخرطوم سيقود الدول الثلاث (أمريكا- فرنسا- بريطانيا) الى السعي لفرض منطقة حظر طيران فوق دارفور كخطوة أولى وعاجلة. لن يكون تمرير القرار سهلا في مجلس الأمن في ظل الانقسام المتوقع، ولن يكون سهلا التصرف خارج إطار الشرعية الدولية. بمعنى أن أي تصرف خارج القانون تقوم به فرنسا مثلا من قواعدها في تشاد من شأنه أن يهزم فكرة القانون الدولي والعدالة، وهذه الخزعبلات التي يروّجونها, سيضحك العالم منها إذا ما اتُخذت خطوة تدخل في سيادة الدولة السودانية بعيدا عن القانون. ولكن في النهاية يمكن التوصل لاتفاق حول هذا الحظر ولو بتحييد روسيا والصين، وليس لديّ أدنى ثقة في مقدرة هاتين الدولتين في معاندة أو مقاومة الضغوط الأمريكية. الغريب أن كلتا الدولتين استخدمتا الفيتو لمصلحة زيمبابوي فيما امتنعتا أكثر من مرة عن استخدامه في حالة السودان، ولا أدري ماهو السر.!!
نواصل