عرب وعجم على أبواب الدوحة!!
عادل الباز
29 March, 2009
29 March, 2009
قبل أن أدخل في الموضوع أودُّ أن أزف أنباءً سارة للقراء. الأول يتعلق بوصولي سالما الى الدوحة. للحقيقة والتاريخ فإن الطريق سالك وساهل ولا أعرف لماذا يروّج المروّجون حكاية خطورة الأجواء، فالشهادة لله أننا لم نتعرّض حتى لمطب هوائي، وظللنا نستمتع بطيران القطرية دون أدنى مهدّدات أمنية أو جوية!!.
الخبر الثاني هو أنني ما أن وصلت فندق رمادة الذي لاعلاقة له برماد سجن لام أكول في الخرطوم شمال, حتى راودتني نفسي بأن أصبح مناضلا فندقيا!! والله ياجماعة تراهو نضال الفنادق ده مريح بشكل، علشان كده الجماعة بطوّلوا فيهو بالسنين والله ليهم حق.!! نرجع للموضوع.
الذكاء السياسي والإعلامي هما اللذان يصنعان الآن من الدوحة مركز حراك سياسي إقليمي ودولي. لالا.. بالقطع ليس الفلوس.. هنالك دول كثيرة انظروا حولكم تملك الفلوس والنفوذ ولكنها لاتلعب أي دور يُذكر فى شؤون المنطقة أو العالم.
الدوحة في آسيا تلعب دورا محوريا في علاقات مجلس التعاوني الخليجي المتوترة مع إيران، بل وتقود الوساطة الخليجية بشأن الجزر الإماراتية الثلاث. فى القمة الخليجية قبل الأخيرة دعت قطر أحمدي نجاد لحضور قمة الخليج الشيء الذي فاجأ الجميع، وأصبح نجاد نجم القمة مما أكسب القمة الخليجية وهجا دوليا، واستطاعت قطر في تلك القمة تجسير الهوّة بين المملكة العربية السعودية وإيران.
في العالم العربي برزت الدوحة في الساحة كلاعب هدّاف ذكي. أخذت قطر لبنان بيُسر من بين يدي اللاعبين الكبار، وجمعت الفرقاء السياسيين على طاولة الحوار. ساعدها على ذلك القبول الذي تتمتع به السياسة القطرية في الساحة اللبنانية، وخاصة علاقتها بحزب الله. استطاعت الدوحة أن تنجز اتفاقا لبنانيا ليس أقل خطرا وأهمية من اتفاق الطائف، فكلاهما استعاد الاستقرار والأمن في لبنان.
الدوحة مرة أخرى أصبحت لاعبا أساسيا في قضية دارفور، وبرضى اللاعبين الكبار في المنطقة. تسلمت الدوحة الملف، وبدأت حراكا سياسيا وجد قبولا لدى أطراف الأزمة المعنية والمجتمع الدولي، واستطاعت أن تجمع النقيضين "الحكومة والعدل والمساواة" على طاولة الحوار، وخرجت باتفاق حسن نوايا والآن تتقدم باتجاه جمع حركات أخرى مع الحكومة في الدوحة تم التمهيد لها في سرت بليبيا.
الدوحة الآن تستعد لاستقبال القمة العربية، وفي ذات الوقت يتسع فضاؤها لقادة أمريكا اللاتينية. بين القمتين تصطخب أجندات عدة شديدة التعقيد وخاصة الأجندة العربية.
الملف الأكثر حساسية في العالم العربي والذي سيحدد مصير كثير من التحركات السياسية اللاحقة في السودان وفي العالم العربي، هو ملف الجنائية وتوقيف الرئيس البشير. السودان لن يقبل من القمة العربية سوى إدانة القرار ورفض الاعتراف به والتعامل معه. أي موقف مائع خلاف ذلك سيقود لمزيد من التصدّع في المواقف العربية المتشققة أصلا. قدم بالأمس وليد المعلم أقوى حديث في مساندة السودان كما اعلن حمد بن جاسم امس ان السودان وجد المساندة من كل الدول العربية ولكنه لم يقدم كنهه هذه الساندة.
قال لي دبلوماسي سوداني هنا في الدوحة (من ليس معنا هو بالضرورة في الطرف الآخر، أي مع المحكمة)، وحينما سألته إذا لم تتبنَّ القمة الموقف الذي يفضّله السودان، قال لن نرضى بأقل من رفض القرار. ولكل حادث حديث.!!. راجت شائعات هنا في الدوحة أن الوزير علي كرتي خرج غاضبا من اجتماع وزراء الخارجية أمس بسبب (اللولوة) في الصياغات التي خاض فيها الوزراء حتى لايتخذوا قرارا أو يرفعوا توصية حاسمة للرؤساء العرب حول الجنائية (ليس هنالك تأكيد لهذه الأقاويل حتى اللحظة).
القمة مواجهة بملف حاسم هو المصالحات العربية. السيد عمرو موسى يحاول أن ينسج مصالحات مستحيلة في الدوحة، وكذلك يفعل الرئيس السوري الذي حطّ أمس بالدوحة سعيا وراء توافق عربي. المشكلة التي تواجهها القمة هي أن الدوحة طرف في صراع المحاور العربي. بالأمس أعلنت مصر أن الرئيس مبارك لن يشارك في القمة العربية، وكان هذا متوقعا، ولكن مالم تتوقعه الدوحة أن تستهين القاهرة بقمة الدوحة لدرجة إرسال الوزير مفيد شهاب!! وليس حتى أبو الغيط وزير الخارجية، مما يجعل التمثيل المصري فى الحد الأدنى، وهذا ما شكل ضربة للجهود السعودية -السورية التي نشطت بعد قمة الرياض في محاولة لتجسير الهوة بين الدوحة والقاهرة. الصراع العربي- العربي الآن حول النفوذ الاقليمي وحول الدور القطري بالذات إذ يستكثرون الدور النشط والمتمدد للدبلوماسية القطرية.
القضية الثانية هي مبادرة السلام العربية التي تترنح الآن بعد مجيء نتيناهو ولبيرمان لسدة الحكم في إسرائيل. لن تستطيع قمة الدوحة حسم هذه الملفات الشائكة، وستنجح إذا حافظت على الأوضاع الحالية ولم تزدها سوءاً وتشرذما.