بين الرجال وأشباه الرجال!!

 


 

 

زفرات حرى

  

الطيب مصطفى

 كان لقِمة الدوحة فوائد جمة فقد أحدثت المفاصلة بين معسكر الرجال ومعسكر أشباه الرجال ومايزت بين الصفوف وعزلت قوى التبعية والاستسلام وسلطت عليهم الأضواء الكاشفة وعرَّتهم حتى من ورقة التوت. لن ينسى الشعب السوداني مواقف الرجال كما لن ينسى انكسارات أشباه الرجال فنحن أصحاب ذاكرة قوية ولذلك سنبقى نتذكر وسنحرص  على أن يتذكر أبناؤنا أيضاً ما فعلوه بنا حين ظل مبعوثوهم يرددون المرة تلو المرة أنهم يسعون »لتأجيل« مذكرة مدعي المحكمة الجنائية ثم بعد صدور قرار المحكمة قالوا إنهم سيعملون على أن »يعلقوا« قرار المحكمة لمدة عام لا أن يلغوه!! سنتذكر ذلك ونذكره لأجيالنا القادمة ونضيف إليه أنهم حاولوا اثناءنا بالترغيب والترهيب من حضور قمة الدوحة لنصرة غزة التي لم يكتفوا بعدم حضورها وإنما مارسوا أبشع صنوف التخذيل للحيلولة دون انعقادها بل انهم فعلوا بغزة وأهلها الأفاعيل حين شاركوا الصهاينة في التضييق عليهم وتجويعهم في حين كان بإمكانهم إطعامهم وخذلوهم في حين كان بإمكانهم أن ينصروهم وحرضوا عليهم وقال قائلهم: » يجب ألا تنتصر حركة حماس في معركة غزة« بما يعني أنه يجب أن ينتصر الصهاينة... فوا فجيعتاه! لن ننسى أنهم حاولوا أن يبيعونا حتى بدون أن يستشيرونا في من يعرضونا عليه لاسترقاقنا واتصلوا بالمشترين لإقامة سوق النخاسة في مؤتمر دولي يكون المشاركون فيه أكابر أعدائنا كل ذلك بدون أن يأخذوا رأينا!! أما الأمين العام عمرو موسى فإن معركتنا معه ينبغي أن تسبق معركتنا مع الجنائية ومن يقفون خلفها ولا أستطيع أن أحصي في هذه العجالة ما ظل الرجل يفعله من كيد لنا ذكرنا طرفاً منه ولم نذكر الكثير ولطالما ذكّرْنا بلحن القول الذي كثيراً ما يطفر من لسانه خلال اجتماعاته مع المبعوث المشترك جبريل باسولي ومع بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة ومع الاتحاد الافريقي وما خفي مما ظل الرجل يقول ويهرف به في الغرف المغلقة مع محركيه وأولياء نعمته أعظم وأجل وينبغي أن نسعى لاقتلاعه اليوم قبل الغد من موقعه هذا الذي حطّم به الجامعة العربية ورهنها لأعداء الأمة.  إن أكثر ما يؤلمني غفلة هؤلاء الأقزام الذين ينسون أن التاريخ الذي خلد صلاح الدين الأيوبي وقطز وهما يدكان حصون الصليبيين والتتار هو الذي خلد انكسار عبد الله بن الأحمر وهو يسلم مفاتيح غرناطة للفرنجة لكن متى كان لأشباه الرجال عزة تحركهم أو كرامة توقظهم من غيبوبتهم المفجعة!  قولة حق أُريد بها باطل!!  قولة حق أُريد بها باطل تلك التي أدلى بها الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي بشير آدم رحمة الذي قال إن »الرئيس البشير قبل الجنائية ليس البشير بعد الجنائية« ولو صدق الرجل لعنى بكلامه هذا عكس ما أضمر وصحيح أن الرئيس البشير قبل الجنائية كان الرئيس البشير الذي رأيناه منذ قيام الانقاذ قبل أكثر من 19 سنة لا فرق كبير في نظرة الجمهور له طوال تلك الفترة أما اليوم فقد تحول إلى الرمز الأوحد المجسِّد لقيم العزة والكرامة والقوة والفتوة والشجاعة والسيادة بل والوطنية... كل هذه الصفات والقيم اجتمعت في شخص الرجل كما لم تجتمع في غيره منذ الاستقلال بفعل تلك المذكرة الغبية التي أرجو أن يسمح لي القراء الكرام بأن أسميها بالمجيدة نظراً لما حققته للسودان من توحُّد والتئام صف وتفجر لمعاني الوطنية والسيادة بصورة لم يشهدها في تاريخه الحديث لدرجة تجعلني أزعم أني ألحظ تشكُّلاً جديداً للهوية الوطنية السودانية »الشمالية طبعاً لأن الجنوب لم تكن له علاقة بهذه التفاعلات التي شهدها السودان الشمالي«!!  لقد منحت تلك العودة المدوية لنميري بعد الانقلاب الشيوعي شرعية اكتسبها لأول مرة منذ قيامه بالانقلاب... تلك الشرعية التي استمرت لفترة طويلة بعد ذلك أما اليوم فقد كان الحدث مختلفاً تماماً إذ لا توجد مقارنة البتة بين الانقلاب الشيوعي على نميري والذي استفز مشاعر الشعب السوداني المسلم وبين المخطط الاستعماري المتستر خلف محكمة الجنايات الدولية التي استهدفت رئيس الجمهورية وأحدثت ذلك التفاعل الجماهيري الهائل خاصة وأن الشعب كان محصناً بدرجة عالية من الوعي أفرزه ذلك الاستفزاز الكبير لمشاعر الناس الذين جُرحوا في كبريائهم وكرامتهم وهم يرون الأعداء المتآمرين يسعون لانتزاع رئيسهم دون غيره من رؤساء العالم وزعمائه بالرغم من براءته بينما يرون المجرمين الحقيقيين الملطخة أيديهم بدماء الأطفال والنساء، المعتدين على أراضي الآخرين يسرحون ويمرحون بل ويتآمرون على الأبرياء ويرمونهم بأدوائهم دون أن يطرف لهم جفن أو تهتز منهم شعرة.  لقد صدق بشير آدم رحمة في توصيفه للواقع بالرغم من أنه أراد شيئاً آخر غير ما أشارت إليه العبارات التي صاغ بها تصريحه... فقد خرجت من بين طيات ما حسبه الناس شراً محضاً فوائد جمة تمثلت في توحيد المشاعر التي تعتبر من الآليات المهمة لصنع الروح والحمية والعصبية الوطنية ويا له من فخر ويا لها من فرصة أتيحت للبشير الذي استُهدف في شخصه... لأن يقود عملية البناء الوطني وينطلق بها نحو غاياتها الكبرى بل إن الرئيس بالشرعية والالتفاف الذي حدث حوله متاح له أن يتخذ القرارات الصعبة لتصحيح التاريخ السوداني!!  إلى متى يسير بشير آدم رحمة مثله مثل المحبوب عبد السلام خلف شيخه الذي أعماه الحقد وجرفه وحرفه عن المشروع الذي لطالما نافح عنه ودافع وجعله يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ويدعو إلى قوانينهم ومحاكمهم الطاغوتية..  اللهم يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك!!   

 

آراء