حوار مع دكتور الترابي… “الزمن اتغير”
عادل الباز
14 April, 2009
14 April, 2009
أمس الأول فجّر دكتور الترابي جدلا جديدا في الساحة السياسية بدعوته لحكومة انتقالية تعبر بالبلاد من أزمتها لمرفأ آمن. حيث استمعت للخبر من قناة الجزيرة، ووردت على لساني عبارة (لكن الزمان غير). نعم الزمان غير. دعك من المؤتمر الوطني فهذا سيرفضها ولو جاءت مبرأة من كل عيب، بل ودعك من نيفاشا نفسها. الآن لنقارب مقترح دكتور الترابي من مدخل تاريخي فالزمان غير. في بيان فصيح لغة وفكرة أصدره المؤتمر الشعبي أمس الأول جاءت الدعوة للحكم الانتقالي فى البند الثامن (ليس الحكم الانتقالي بدعاً بأي حال إذ جرّبه أهل السودان غير مرّة، كان ذلك في أعقاب ثورة أكتوبر 1964م، ومن بعد ثورة رجب/ أبريل 1985م. ولما كانت الثقة قد اعتلّت في أن تجري هذه الإصلاحات المنشودة في عهد النظام الحالي فإنّ الأوفق أن تشكّل حكومة انتقالية من عناصر مؤهلة جميعها مستقلة بتراضي منظومة القوى الوطنية، لتسيير جاري الأمور والمعالجة المتناصرة للأزمات الماثلة، والتحضير العادل للانتخابات العامة، عودة بالحكم إلى الشعب حقاً وعدلاً لا جوراً وظلماً من بعض، وأن يكون من مهامها التأمين على اتفاقية سلام نيفاشا وضمان ما حققته من مكاسب لأهل الجنوب). حسناً هذا البند هو موضع نظرنا. لي تساؤل وملاحظة قبل أن أبدأ، السؤال يتعلق بتوقيت طرح هذا المقترح إذا جاء بعد إعلان ميقات الانتخابات ولقاء الترابي نفسه بهيئة الانتخابات لا أدري أهو يائس من الانتخابات أم قناعة بعدم جدواها؟.أما الملاحظة وهي لم تفت على الشيخ بالطبع، هي حقيقة أن الحكومات الانتقالية كانت تأتي عقب ثورات، وأنه لم يحدث في تاريخ البلاد أن صعدت حكومة انتقالية لسدة الحكم بسبب أن البلاد تواجه أزمة ما، أو حربا في الجنوب أو مجاعة في الغرب، لم يحدث ذلك. هذا أيام كان الزمان بخير ونفوس القوى السياسية متراضية، فكيف ياترى ستصلح الآن فكرة الحكومة الانتقالية بدون ثورة، وخاصة نحن والبلاد في خضم هذه النزاعات السياسية والتمردات العسكرية التي لم تبقِ في النفوس سوى العداء والمرارات؟.!!. في البداية نقول بالحق إنه ليس بدعا في تاريخنا الحكومات الانتقالية، لكن السؤال ماهي الظروف التي أدت لقيام هذه الحكومات الانتقالية، وهل هذه الحكومات نفسها انتجت مايجعلنا نهرع اليها كلما ألمّت بنا الملمات، أم أنها كانت دائما تضع جرثومة انقلاب أخرى في رحم الساحة السياسية وتعبر؟. في ثورة اكتوبر (ياويح نفسي كيف سأقص على شيخنا تاريخ ثورة كان هو من صانعيها) كانت البلاد تواجه تحديات بسيطة، الأوضاع بعيدة عن التعقيدات السياسية والعسكرية التي نواجهها اليوم. كانت البلاد بالكامل في يد الطبقة الوسطى خدمة مدنية وقطاع عام وقطاع وخاص، وهذه الطبقة لم تكن تؤمن أن ثمة تحديات مصيرية تنتظرها، فهي للأسف اعتقدت أنها بإنجازها للاستقلال فرغت للهو السياسي وهي الحالة التي جعلها تستهين بالجيش كقوة لايمكن تجازوها في العالم الثالث في مرحلة مابعد الاستقلال. الغريب أنهم لم يتعملوا أي درس من التاريخ ولا من حاضر أفريقيا من حولهم، فتكررت التجربة ثلاث مرات بذات الدعاوى. ولكن رغم كل شيء كانت هذه الطبقة قادرة وقتها على التوحد لإنجاز مهمة الحفاظ على مصالحها هي ولا أقول مصالح الوطن!!. هذه الطبقة دائما كانت تستفيد من خدمات القوى الطائفية والعقائدية فى إنجاز مهمامها وبلوغ أشواقها منذ الاستقلال وحتى ثورة 1986. فعلا استطاعت هذه الطبقة في لحظة تحول تاريخي ما أن تتوحد لتطيح بالعسكر مرتين وصنعت حكومات انتقالية كالتي يدعو لها الترابي الآن. ولكن الزمان غير. فأين هي الطبقة الوسطى اليوم؟. ثم أين هي الأحزاب التي كانت تعبّر عن هذه الطبقة وتخدم مصالحها؟ ماوضع القوى الطائفية العقائدية التي كانت تعمل سندا وظهيرا للتغيير؟. نواصل