أوكامبو: مطلوب تقليص العلاقات مع السودان.. وعزل البشير
18 April, 2009
مدعي الجنائية: صمتي لن يساعد الضحايا ولست المسؤول عن طرد المنظمات من السودان
طالب لويس مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، دول العالم إلى الامتناع عن الاتصالات غير الضرورية مع الرئيس السوداني عمر البشير، بعد صدور قرار من المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني لاتهامات بارتكابه جرائم حرب ضد الإنسانية في إقليم دارفور غرب السودان. ودعا أوكامبو في حوار مع «الشرق الأوسط»، إلى عزل البشير وتجنب حضور أي مناسبة رسمية ترتبط به وتقليص العلاقات الدبلوماسية مع السودان، تمهيدا للقبض عليه. لكن أوكامبو في المقابل نفى أي مسعى للتدخل العسكري في السودان وقال: «نحن لا ندعو للتدخل العسكري، ولا ندعو للحرب أو الغزو ـ لكننا في الوقت ذاته لا نؤيد الوقوف بلا حراك ولا الإنكار». وطالب أوكامبو بتعاون دولي من أجل مطالبة السودان بالتوقف عن الجرائم التي يقترفها، والالتزام بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن والمحكمة الدولية. ودافع أوكامبو كذلك عن قراره بتوقيف البشير، قائلا إنه ليس مسؤولا عن تبعاته، خاصة فيما يخص طرد المنظمات الإنسانية من السودان. وأوضح أن مكتبه لا يمكنه التزام الصمت بشأن الإبادة، مشيرا إلى أن «الصمت لن يساعد الضحايا، بل يساعد المجرمين فقط». وقال إن قرار اعتقال البشير كان أمرا ضروريا لمنعه من ارتكاب جرائم جديدة. وأشار إلى أنه سيلجأ إلى مجلس الأمن في يونيو (حزيران) المقبل ليضعه في صورة الأوضاع. وحول الدول التي استقبلت البشير بعد صدور القرار ومن بينها قطر، قال إن هذه الدول ليست ملزمة قانونيا بالقبض على البشير. وحول الأوضاع في غزة، أكد أن مكتبه تلقى أكثر من 300 رسالة تتعلق بالوضع فيها، وأنه يدرس كل المعلومات بدقة لمعرفة ما إذا كان الإعلان مستوفيا للمتطلبات القانونية، وما إذا كانت الجرائم المرتكبة تندرج ضمن فئة جرائم الحرب. وقال إنه يطبق نفس المعايير في كل المواقف. وإلى نص الحوار
* صدر قرار التوقيف ضد الرئيس السوداني عمر البشير.. فما الخطوة التالية؟
ـ بعد أن أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية في 4 مارس (آذار) 2009، أمرا بالتوقيف بحق عمر البشير، فإن الكرة الآن في الساحة الدولية. وهي فرصة أمام المجتمع الدولي لإظهار جديته حيال إقرار العدالة الدولية وحماية الضحايا ـ الضحايا الأفارقة والضحايا المسلمين والضحايا الناطقين بالعربية. ويتمثل الإجراء الأمثل في أن تقدم السلطات السودانية على تسليم البشير بنفسها، خاصة أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرر ضرورة أن «يتعاون السودان على نحو كامل» مع المحكمة. وباعتباره دولة عضو بالأمم المتحدة، يتحمل السودان مسؤولية قانونية طبقا للمادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة تلزمه بالتعاون. علاوة على ذلك، فإن الدول الـ108 المصدقة على ميثاق روما، الذي بموجبه أنشئت المحكمة الجنائية الدولية، ـ ومن بينها 30 دولة أفريقية ـ ملزمة بالتعاون مع المحكمة، بينما حث مجلس الأمن الدول الأخرى كافة على التعاون معها.
* هل في الإمكان الدعوة إلى تدخل عسكري في السودان بواسطة مجلس الأمن؟
ـ نحن لا ندعو للتدخل العسكري. ولا ندعو للحرب أو الغزو ـ لكننا في الوقت ذاته لا نؤيد الوقوف بلا حراك ولا الإنكار. في الواقع، إن نطاق الإمكانيات المتاحة ما بين القصف العسكري والوقوف ساكنين بالغ الاتساع. وفي حالة عمر البشير، لا ينبغي قط اتباع النهج المعتاد في التعامل. على الصعيد العملي، ينبغي على الدول الامتناع عن الاتصالات غير الضرورية مع البشير، وتقليص علاقاتها الدبلوماسية مع بلاده وتجنب حضور أي مناسبة رسمية ترتبط به. كما يتعين اقتفاء أثر أصوله الشخصية والكشف عنها. وبذلك، يفرض المجتمع الدولي حالة من العزلة والتهميش على البشير، تمهد في النهاية لإلقاء القبض عليه. وهناك حاجة لتعاون العناصر المعنية كافة من أجل مطالبة السودان بالتوقف عن الجرائم التي يقترفها، والالتزام بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن والمحكمة الدولية. وعلى القيادات العالمية والمنظمات الإقليمية والسياسيين والمجتمع المدني والطلاب التحدث بوضوح عن هذه الجرائم، ومسؤولية عمر البشير عنها، والحاجة لإلقاء القبض عليه.
* قلتم في السابق إنكم ستستأنفون قرار المحكمة، لإضافة تهمة الإبادة الجماعية التي أسقطها القضاة.. على أي أساس سيبني الإدعاء اتهامه للتأكيد على ارتكاب مثل هذه التهمة الكبيرة؟
ـ في إطار الطلب الذي تقدم به لاستصدار أمر توقيف في 14 يوليو (تموز) 2008، قدم مكتبي أدلة حول استغلال البشير جهاز الدولة بأكمله، من قوات مسلحة وميليشيا الجنجويد. وعمدت قوات وعملاء خاضعون لسيطرة البشير إلى مهاجمة المدنيين في المدن والقرى التي تهيمن على سكانها المجموعات المستهدفة، مرتكبين خلال ذلك أعمال قتل واغتصاب وتعذيب وتدمير لسبل العيش. وبذلك، تسبب البشير في تشريد قطاع كبير من أبناء المجموعات المستهدفة، واستمر بعد ذلك في استهدافهم داخل المعسكرات المخصصة للأفراد المشردين داخل البلاد. ونجم عن ذلك أضرار جسدية وذهنية خطيرة ـ عبر أعمال الاغتصاب والتعذيب والتشريد القسري في ظل ظروف بالغة السوء ـ وفرض ظروف حياتية، عن عمد، على نسبة كبيرة من أبناء هذه المجموعات ترمي لتدميرهم بدنيا، خاصة عبر إعاقة وصول المساعدات الإنسانية إليهم. ثم في 4 مارس (آذار) 2009، أصدر القضاة بالإجماع قرارا بتوقيف عمر البشير على خلفية مسؤوليته عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بينها ارتكاب إبادة داخل المعسكرات. وبينما وافق أحد القضاة على توجيه اتهامات للبشير بارتكاب إبادة جماعية، أعلن اثنان آخران رفضهم ذلك. وتقدمنا بطلب للسماح لنا باستئناف القرار من أجل تضمين الإبادة الجماعية في الاتهامات الموجهة إلى البشير. بيد أن الأمر المهم يتمثل في أن المحكمة أقرت مسؤولية البشير الشخصية عن الإبادة. وفيما يخص الإدعاءات التي قدمها مكتبي ضد عمر البشير، اعتمدنا على نحو رئيسي على: (1) ما يزيد على 100 شهادة لشهود عيان وضحايا للهجمات التي وقعت في دارفور، (2) لقاءات مسجلة مع مسؤولين من الحكومة السودانية، (3) شهادات تم الحصول عليها من أفراد على معرفة بنشاطات مسؤولي وممثلي الحكومة السودانية وميليشيات الجنجويد في الصراع الدائر في دارفور، (4) الوثائق والمعلومات الأخرى التي قدمتها الحكومة السودانية بناء على طلب جهة الادعاء، (5) تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة والمواد الأخرى التي قدمتها اللجنة، (6) تقرير لجنة التحقيق الوطنية السودانية والمواد الأخرى التي قدمتها اللجنة، و(7) الوثائق والمواد الأخرى التي تم الحصول عليها من مصادر مفتوحة.
* هل هناك سقف زمني محدد للخرطوم لتسليم البشير؟
ـ تتحلى العدالة عادة بالصبر. وما إذا كان سيلقى القبض على البشير الآن، أو بعد شهرين من الآن، أو عامين من الآن ـ فإن مصيره هو المثول أمام العدالة. ولكن دعونا نتحدث بوضوح: إن الضحايا لا يملكون رفاهية الصبر، وإنما هم بحاجة إلى الحماية الآن. إنهم ضحايا أفارقة ومسلمون تعرضوا للهجوم على يد القائد الذي يفترض أن يحميهم. والآن، على العالم تولى حمايتهم.
* هل ستتعرض قطر التي استقبلت الرئيس البشير لحضور القمة العربية والدول الأخرى التي زارها إلى أي مساءلات؟
ـ قطر ليست طرفا في ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي ليست ملزمة قانونيا أن تلقي القبض على البشير، لكن قرار مجلس الأمن رقم 1593 يحث كافة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة على التعاون مع المحكمة. وأنا من جانبي أعقد لقاءات منتظمة مع المسؤولين القطريين.
* هل هناك إمكانية للتوقف عن ملاحقة البشير إذا ما سلم المتهمين الآخرين مثلا؟
ـ لا يقوم الادعاء بالدخول في مفاوضات سياسية فعملنا قضائي بصورة أساسية، وكل الأفراد الذين تلاحقهم المحكمة لا بد من تسليمهم.
* هل تتحمل المحكمة الجنائية الدولية نتائج قراراتها ونتائجه على سكان دارفور بعد طرد منظمات الإغاثة الإنسانية؟
ـ إن ما يحدث في دارفور ليس أزمة إنسانية، إنها نتيجة لسياسة الإبادة المتروية. ولا يمكن للمدعي العام التزام الصمت بشأن الإبادة، فالصمت لن يساعد الضحايا، بل يساعد المجرمين فقط. ونظرا لأن قضاة المحكمة الدولية قد توقفوا، فإن أعمال البشير تشير إلى مسؤوليته الجنائية عن جرائم الإبادة. وطرد عمال الإغاثة سيضيف إلى مسؤوليته الشخصية ويؤكد على نواياه بتحطيم تلك المجتمعات من النازحين، ويؤكد على الحاجة الماسة إلى تصرف المجتمع الدولي. وإن اعتقاله أمر ضروري لمنعه من ارتكاب جرائم جديدة.
* متى ستلجأ المحكمة الجنائية إلى الأمم المتحدة لاتخاذ خطوات لاعتقال البشير؟
ـ تقع المسؤولية الأولى لتنفيذ مذكرة التوقيف على حكومة السودان، لكن دعونا ألا ننسى أن المحكمة أنشئت من قبل المجتمع الدولي تمثلها الدول. وتضم المحكمة الآن 108 دول أعضاء موقعة على قانون روما، ولذا فهي تقع تحت طائلة التعهد باعتقال البشير. وسوف أرفع تقريرا إلى مجلس الأمن مرة أخرى في يونيو (حزيران) 2009. وحتى ذلك الحين سيعمل مكتبي مع الدول المشتركة في قانون روما وغير المشتركة على السواء سعيا وراء تعاونها.
* هل من المتوقع أن تقتنع المحكمة بمحاكمة البشير وآخرين داخل السودان أو في أي دولة عربية أخرى؟.
ـ المحكمة الجنائية في لاهاي هي الحل، فحياديتها واستقلالها يضمنان شرعية تدخلها. هناك ما يقرب من 2.5 مليون شخص يواجهون المخاطر في دارفور وتسعى المحكمة إلى حمايتهم عبر المساهمة في منع وقوع المزيد من الجرائم، وأنا أعمل لصالح هؤلاء الضحايا، وهؤلاء الضحايا أفارقة ومسلمون ويتحدثون اللغة العربية، والعدالة ستقف في صالح هؤلاء الضحايا.
وكتب القس ديزموند توتو المناهض لنظام الفصل العنصري، ورئيس لجنة المصالحة والحقيقة الجنوب أفريقية حول أهمية المحكمة الجنائية الدولية: «ولأن الضحايا في السودان أفارقة، يجب على القادة الأفارقة أن يكونوا أول الداعمين لتقديم المجرمين إلى المساءلة». وبالفعل، فإن المنظمات الإقليمية ستكون ذات أهمية كبيرة في وقف الجرائم في دارفور. وقد لعب الاتحاد الأفريقي دورا قياديا وسيستمر في لعبه. وإنه لمن المخجل أيضا أن يقوم المعلقون بتقديم وجهة موقف الاتحاد الأفريقي كمعارض للمحكمة ويعزز من الحصانة. وقد قام الاتحاد الأفريقي بمتابعة جهوده لضمان تطبيق العدالة في دارفور، ويؤكد إعلان مجلس الأمن والسلامة الذي صدر في 21 يوليو (تموز) عام 2008: «على شجاعة الاتحاد الأفريقي في الالتزام بمحاربة الحصانة من العقاب وتعزيز الديمقراطية وحكم القانون عبر القارة ككل بالتوافق مع القانون التأسيسي، وفي هذا الإطار، فإنه يدين مرة أخرى الانتهاكات الكبرى لحقوق الإنسان في دارفور». وفي بداية هذا العام اقترحت 12 دولة أفريقية أسماء مرشحين ليكونوا ضمن قضاة المحكمة. لكن أحدث التطورات كانت في قيام الهيئة العليا للاتحاد الأفريقي التي يقودها رئيس جنوب أفريقيا الأسبق ثابو مبيكي ببحث النزاع في دارفور، وأنا على اتصال بالرئيس مبيكي، وتعهدت بالعمل معه في المهمة الضخمة التي ترمي إلى تحريك عملية المحاسبة قدما ضد الأفراد المشتركين في ارتكاب الجرائم في دارفور. وقد قدمت الجامعة العربية هي الأخرى تعهدا علنيا بمحاربة الإفلات من العقوبة، وكانت واحدة من أولى المنظمات التي أرسلت بعثة إلى دارفور في عام 2004، ويؤكد التقرير الذي أصدرته الجامعة على وقوع جرائم جماعية وطالبت بإرسال محققين قضائيين إلى السودان وغزة. وما يقوله الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية هو أنهما سئما من ازدواجية المعايير. وأنا اتفق معهما، ولذا فإن المحكمة هي الحل، فحياديتها واستقلالها يضمنان شرعية التدخل.* هل هناك أي تطورات بشأن محاكمة المسؤولين الإسرائيليين بشأن جرائم الأحداث الأخيرة في غزة؟
ـ لقد تلقيت أكثر من 300 مكاتبة تتعلق بالوضع في غزة، وقد التقيت في يناير (كانون ثاني) وفبراير (شباط) 2009 مع ممثلي السلطة الوطنية الفلسطينية الذين قدموا إعلانا بموجب المادة الثانية عشرة (3) لقانون روما مقرين بالسلطات القضائية للمحكمة. وبالنسبة للإجراء المتبع، فإن مكتبي يدرس كل المعلومات بما فيها المصادر المفتوحة، الدراسة الدقيقة لكل القضايا المتعلقة بالسلطات القضائية للمحكمة، التي تتضمن ما إذا كان الإعلان مستوفيا للمتطلبات القانونية، وما إذا كانت الجرائم المزعومة تندرج ضمن فئة الجرائم التي تم تعريفها في القانون التأسيسي، وما إذا كانت هناك دعوي قضائية أخرى تتعلق بهذه الجرائم، وتلك قضايا قانونية معقدة تسترشد طريقها من خلال قانون روما. وأنا أطبق نفس المعايير في كل المواقف.