بين غازي سليمان ونيال بول!!
الطيب مصطفى
24 April, 2009
24 April, 2009
زفرات حرى
الطيب مصطفى
بالرغم من أن الجنوب الآن يعيش حالة من الانهيار الحقيقي بعد أن فتك به الاقتتال القبلي الذي عمَّ ولاياته وأحال حياة مواطنيه إلى جحيم لا يطاق ودفع ولا يزال الآلاف منهم إلى النزوح شمالاً أو إلى دول الجوار وبالرغم من الأحوال الاقتصادية السيئة التي ضربت الجنوب خاصة بعد انخفاض أسعار البترول والمجاعات والأحوال المتردية التي تفتك بعدد من الولايات الجنوبية مما اعترف به حتى المسؤولون الجنوبيون... بالرغم من ذلك كله فإن العقلاء من النخب الجنوبية لا يزالون يحلمون بدولتهم المستقلة مُعللين ذلك باستحالة التعايش بين الشمال والجنوب في وطن واحد بعد تجربة فاشلة للوحدة القسرية امتدت لأكثر من نصف قرن من الزمان فمهما حدث من اقتتال بين القبائل الجنوبية فإن ذلك لا ينفي حقيقة أن السودان يضم شعبين مختلفين ما يجمع بينهما يقل كثيراً عما يجمع بين الليل والنهار والشحمة والنار والقط والفأر!! حول هذه المعاني كتب نيال بول رئيس تحرير صحيفة (سيتزن) الجنوبية مقالاً متميزاً استرجع فيه عِبر التاريخ وكان المقال بعنوان: (هل يتعلم الجنوبيون أي شئ من التاريخ؟) ونُشر بتاريخ ٥٢/٣/٩٠٠٢م. قال نيال بول إن غازي سليمان تحدى قيادتنا مطالباً إيانا بالإعداد للانفصال عندما يحين الاستفتاء في عام ١١٠٢ وتقوم حجة غازي على قاعدة أن (يمنح الجنوب حق أن يحكم نفسه أو أن يسيء حكم نفسه) وقال نيال بول إنه يتفق تماماً مع حجة غازي سليمان وعلى جنوب السودان أن يعمل بجد من أجل الاستقلال في عام ١١٠٢ وقال إنني (أحث إخواني في الوطن »الجنوب« أن يحتشدوا خلف أجندة غازي سليمان الانفصالية كما أحث الحركة الشعبية على عدم فصله من الحزب استجابة لنداءات بعض الرفاق... إنني أطلب من الناس أن ينضموا إلى أجندة غازي سليمان السياسية لأن ما يقوله يكشف عن أن العلاقات بيننا وبين العرب في السودان الشمالي قد وصلت إلى هذا المستوى وغازي لم يعبِّر عن آرائه الإيجابية هذه ـ باتجاه الانفصال ـ إلا لأنه يعتقد أن دعاة الوحدة يحلبون بقرة ميتة، إنني مثل غازي سليمان قد بلغتُ درجة أن أدعو إلى قرار من طرف واحد يقسم السودان إلى عدة دول وليس فقط إلى الجنوب والشمال)!! وشن نيال بول هجوماً على الحركة الشعبية وسياساتها الغريبة التي قال إنها تعتبر المهدد الحقيقي للأجندة الانفصالية، ذلك أن الحركة تعمل على دفعنا باتجاه الوحدة المتعفنة للسودان، لكن على قيادة الحركة ألا تفترض أننا لن نعارض أجندتها الوحدوية). ثم قال نيال بول ـ لا فض فوه ـ (إن الحركة تهدد بفصل غازي سليمان لأنه يؤمن بانفصال الجنوب من بقية القطر وأنه يعمل على تحقيق ذلك الهدف). ثم اختتم نيال بول مقاله بالقول (إن هناك خطأ ما في قيادة الحركة ذلك أنها فقدت خلال السنوات الأربع الماضية تركيزها ولعل أكبر دليل على ذلك أن الحكومة التي تقودها الحركة منحت عقداً لأحد زعماء حزب الأمة ـ مبارك الفاضل ـ لتوريد مولدات كهربائية لحكومة جنوب السودان وولاياته العشر... مبارك معروف بارتكابه فظائع ضد شعب جنوب السودان... مبارك وأخوه غير الشقيق الصادق المهدي متورطون في فظائع كثيرة في جنوب السودان)!! أقول إنه ليس نيال بول وحده وإنما كثير من النخب الجنوبية عبرت عن هذا الرأي وطالبت بالانفصال ومعلوم موقف رئيس تحرير (الخرطوم مونتر) الفرد تعبان الذي يحظى بمصداقية عالية وقد كتب مرات مطالباً بإعلاء الأجندة الانفصالية مما استعرضناه في مقالات سابقة هذا بخلاف الأحزاب الجنوبية التي تتبنى طرحاً انفصالياً صريحاً مثل حزب (يوساب) الذي يتزعمه بيتر عبد الرحمن سولي وحزب الجبهة الديمقراطية لجنوب السودان الذي يتزعمه د. مارتن اليا وعدد آخر من الأحزاب الجنوبية التي ندعوها إلى إبراز صوتها بشكل أقوى ونحن على استعداد لفتح صفحات (الإنتباهة) لهذه الأصوات الحرة المتمردة على طروحات أولاد قرنق داخل الحركة الشعبية خاصة من اليساريين المندسين في الحركة لتحقيق أجندتهم الشريرة. أكثر ما يعجبني في غازي سليمان صدقه مع نفسه فالرجل لا يجامل فيما يراه حقاً فهو مستعد على الدوام للانتقال من موقف إلى موقف مضاد متى ما تبين له خطل موقفه السابق بدون أن يشعر بأدنى حرج فلطالما دافع عن الحركة (وهرى) أكبادنا بمواقفه المستفزة المساندة للحركة والتي اعتقل لأكثر من مرة بسببها لكنه دخل في صراعات مع أولاد قرنق داخل الحركة من اليساريين كما دخل قبله الرجلان المقربان من الفريق سلفاكير تيلار واليو ممن فصلوا من صفوف الحركة لأنه ـ على غرار د. لام أكول ـ يصدر عن رأي مستقل ومواقف أخلاقية يرى أنها تحقق أهداف الحركة المتمثلة في عدم تعريض إتفاقية نيفاشا لأية هزة وذلك بإقامة شراكة حقيقية مع الحكومة وليس الكيد والتآمر وإشعال الصراعات مع الشريك لكن مبدئية الرجل اصطدمت بلا مبدئية أولاد قرنق باقان وعرمان ودينق ألور ومن لف لفهم الأمر الذي جعلهم يتحرشون به وبدكتور لام أكول ويكونون لجنة لاقصائهما من الحركة. هب أن ما ذكره نيال بول حول دعوة غازي سليمان للانفصال صحيح لماذا يا تُرى تغضب الحركة من مساندة تلك التي ما كانت لتبرز إلى الوجود لولا إصرار الحركة على تضمين حق تقرير المصير في إتفاقية نيفاشا ومن ثم الدستور الإنتقالي؟ أرجو أن تكون الحكومة قد اقتنعت الآن أن الحركة بقيادة قرنق لم تكن أصلاً راغبة في الانفصال وإنما طرحته لابتزاز الحكومة حتى تقدم لها التنازلات والانبطاحات التي قدمت للحركة في الإتفاقية ثم خلال مرحلة وضعها موضع التنفيذ وكذلك طرح شعار (جعل الوحدة جاذبة) وإنشاء صندوق دعم الوحدة ودفع مبالغ كبيرة في سبيل ذلك بدون أن تبذل الحركة أي جهد لتحقيق ذلك الشعار بل إن الحركة ظلت ترتكب كل الأفعال التي تباعد بين الشمال والجنوب سواء كان ذلك على مستوى المناهج الدراسية التي استبدلتها بمناهج كينية وأوغندية أو التضييق على الشماليين وتحريم الجنوب عليهم وفتحه للأفارقة أو الحرب على كل ما هو شمالي أو الممارسات الكيدية التي بلغت درجة استهداف الرئيس من خلال التعاون مع محكمة الجنايات الدولية. أختم بالسؤال: أما آن أن نفيق ونُنزل الجنوب من على ظهورنا حتى لا نهدر نصف قرن أو قروناً أخرى في نفق الوحدة المظلم الملئ بالثعابين السامة... ذلك النفق الذي سكبنا في متاهاته الدماء والدموع ولا نزال؟!