لن يغادرهم الوطن!! … بقلم: عادل الباز
18 May, 2009
الحراك السياسي والإعلامي والاجتماعي الذي صاحب المؤتمر هو أحد أقوى المؤشرات على نجاح فعالياته. فلقد ظلت الصحف لمدة أسبوع تقتات على مائدة المؤتمر، وانتعشت صفحاتها الاولى بالتصريحات المثيرة، وفاضت صفحاتها الداخلية بالتغطيات لفعاليات المؤتمر. هذا الحراك الذي أنعش الساحة الإعلامية انعكس على مستوى الشارع السياسي، حيث تسابقت القوى السياسية للاحتفاء بالإعلاميين القادمين من المهاجر البعيدة والقريبة، مستفيدةً من خدمات الحكومة التي وفرت هذا العدد المتميز من الإعلاميين (الحقيقة ليسو كلهم) لتبث رسالتها بينهم. بلاشك فإن لقاء القوى السياسية مع هذا الحشد من الإعلاميين من شأنه أن يعطي صورة ذات أبعاد متنوعة للوطن، ويوضح عمق الاختلافات بين القوى السياسية، ومدى تقاطعاتها وأعتقد أن ذلك قد حدث.
عرض الشريكان فى المؤتمر خلافاتهما على الملأ ولم يتورعا من نقد بعضهما، وكانا شفّافين فى كشف صراعاتهما مما مكن الإعلاميين القادمين من الخارج الوقوف على الخلافات صوتا وصورة.
أبدى الإعلاميون بالخارج إحساسا تضامنيا رفيعا مع زملاء مهنتهم بالداخل، حيث تعالت أصواتهم وتوصياتهم بإلغاء الرقابة وإصلاح القانون، مما دفع السلطات لسحب القانون المعيب من على طاولة المجلس لتعديله. لاشك أن زملاءنا الإعلاميين بالخارج استفادوا من المعلومات الثرة التي تقدم بها المسئولون في بياناتهم بالمؤتمر، وما صحب ذلك من حوار ونقاش.
بدأت الحكومة أكبر المستفدين من الحشد الإعلامي إذ أنها استطاعت ببراعة أن تجذب الإعلاميين أولا وتبث رسالتها السياسية والاقتصادية عبر عرض المعلومات الكثيفة التي جاءت من المسئولين الممسكين بالملفات الحقيقية فى الحكومة. افتُتح المؤتمر فعالياته بخطاب النائب الاستاذ علي عثمان واختُتم بالسيد نافع علي نافع. لاشك أنها استطاعت أن تغير بعص الصور السالبة العالقة بأذهان كثير من الإعلاميين بالخارج والتي يبثها الإعلام العالمي بشكل كثيف دون أن تتاح للإعلاميين معرفة الواقع كما هو، بسبب الانقطاع الطويل عن البلد أو بسبب الطريقة التي يعرض بها الإعلام العالمي، قضايا السودان، أو بسبب عدم عناية الدولة نفسها بصورتها بالخارج. الذين ذهبوا لدارفور عادوا بصورة غير التي يروّجها الاعلام العالمي. والذين شاهدوا سد مروي عادوا ممتلئين بالأمل وأكثر اطمئنانا على الوطن. قال لي أحدهم (الواقع ليس ورديا ولكنه على كل حال ليس أسودا). هذه عبارة دالة على أهمية النتائج التي يمكن أن يخلص لها الإعلاميون بالخارج.
بدأت صورة المؤتمر من الداخل نموذجا رائعا للتنظيم والتخطيط السليم. فأكثر من 250 مشاركا لم أسمعهم يشكون من شيء على الرغم من أن خبرتنا فى تنظيم المؤتمرات لاتزال متواضعة. الخطاب الاعلامي الذي تبنته الدولة فى مقاربتها للإعلاميين كان مدهشا إذ بدا على قدر كبير من الشفافية والاحترام، وخاصة الكلمة التي استهل السيد وزير الدولة بمجلس الوزراء كمال عبد اللطيف فى اليوم الاول للمؤتمر مما أشاع ارتياحا بالغا وسط المؤتمرين الذين كانت تنتابهم الهواجس من الأجندة الخفية التي تُجهز فى الغرف المظلمة كما أشاع المعارضون للمؤتمر.يبدو لي أن الذين عارضوا المؤتمر سيراجعون مواقفهم منه بعد هذا الحوار الديمقراطي الساخن الذي شهدته أروقته، كما أن المؤتمر لم يتحول في أي لحظة من لحظاته إلى تظاهرة هتافية لتأييد مواقف الحكومة أو حتى الرئيس، بل كان الهجوم على الحكومة وسياساتها وقياداتها هو الطابع العام لإغلب المداخلات.
الآن المحك أن تبدي الحكومة جديتها وعزمها على إنفاذ التوصيات، وتسارع بذلك حتى يكتسب المؤتمر أهمية إضافية، ويصبح ذا قيمة منتجة وحتى يشعر الذين قطعوا آلاف الكيلومترات مشاركين فى المؤتمر أن جهدهم قد أثمر، فتكتسب مؤتمرات الحكومة مصداقية في المستقبل، خاصة وأنها ظلت موضع شكوك من المعارضين أو الواقفين على الرصيف.
كنت شاهدا على أغلب فعاليات المؤتمر وسعدت بلقاء الزملاء الصحفيين من أقطار الأرض، وكنت أكثر سعادة بكُتاب (الأحداث) الذين وفدوا من دول عديدة ليسهموا بفعالية في المؤتمر. مرحبا بكل زملاء المهنة الذين بلاشك حين يغادروا وطنهم لن يغادرهم الوطن!!