الشعبيه والأحزاب … استراتيجية تحالف…أم تكتيكات سياسيه

 


 

 

تقرير: خالد البلوله ازيرق

  

تستعد جوبا الايام القادمه لإحتضان أكبر تجمع حزبي بعيداً عن الخرطوم، بعد أن قدمت الدعوة لكل الاحزاب السياسيه، ويبدو أنها موعودة بتظاهرة سياسيه ربما تشكل مرحلة مفصليه في تاريخ العلاقات بين القوي السياسيه التى يبدو أنها الأقرب لنسج تحالف انتخابي، في مواجهة المؤتمر الوطنى الذي سبق أن أعلن ان القوي السياسيه اصطفت لمنازلته في الانتخابات.  

 

من جهتها أحزاب المعارضة التى استجمعت صفوفها بداية الاسبوع الحالى بدت الأكثر حماساً لدعوة التى يمكن ان تقربها أكثر من الحركة الشعبيه التى شاركتها لقاءها التحالفى الانتخابي، فقد بدات تلك الأحزاب الأكثر حاجه لجهود الحركة الشعبية وكسبها الى جانبها بعد أن تباعدت مواقفها مع شريكها المؤتمر الوطنى وإقتربت مواقفها من القوي المعارضه، في وقت بدأت فيه الاحزاب البحث عن خارطه تحالف للانتخابات المقبله، حيث شهدت الساحة السياسيه حراكاً واسعاً الاسابيع الماضية، بعد اكتمال عملية تسجيل الاحزاب وعقد بعض المؤتمرات الحزبية، لتتوج الاسبوع الماضي الذي شهد حركة لقاءات دؤوبة بين القوي السياسيه المختلفه لتنشيط حركتها وبحث وسائل تحالفها في الانتخابات القادمة.

 

وسط هذا الحراك السياسي طرحت الحركة الشعبيه على القوي السياسيه دعوة الالتقاء بجوبا لبحث مختلف القضايا، وقالت على لسان باقان اموم في لقاءه بدكتور الترابي لتقديم الدعوة له، ان الاجتماع المزمع عقده بجوبا لبحث قضايا الحريات والانتخابات والأزمة بدارفور وترتيبات حق تقرير المصير، الى جانب الوصول الى تفاهم بين القوي السياسيه لتطوير فكرة تحقيق الوحده الجاذبه مع احترام حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم. ولكن كيف تبدو مخرجات لقاء جوبا المرتقب بين القوي السياسيه المعارضة والحركة الشعبيه، بعد تلميح المؤتمر الوطنى لمقاطعته، وهل ينجح في الخروج بخارطة تحالف انتخابية بين المؤتمرين، ام ان الحركة الشعبية تريد ان تستقوي به لمواجهة شريكها المؤتمر الوطنى. ويأتى لقاء جوبا في وقت تزداد فيه خلافات الشعبيه مع شريكها في الحكم المؤتمر الوطنى، حول تعديل القوانين في البرلمان الذي شهد انسحابين لكتلة نواب الحركة الشعبية من جلسات مناقشة قانون الصحافه والقانون الجنائي، وبدأ الخلاف يتعمق بين الشريكين بعد رفض الحركة الشعبية لنتيجة التعداد السكانى الذي أعلن مؤخراً، والذي شهدت بعده العلاقة بين الشريكين حرب كلاميه واتهامات واتهامات مضادة.

 

وبحسب مراقبين فإن لقاء جوبا سيحدد وجة الحركة الشعبية الانتخابية وتحالفاتها القادمه، وما اذا كانت ستخوض الانتخابات مع المؤتمر الوطنى أم أنها ستكون في مواجهته، حيث يذهب متابعون الى انه رغم حالة العداء والخلاف البائن بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى، إلا ان الشعبية مازالت متنازعة بين رؤيتين داخلها لم تحسم بعد فيما يتعلق بمستقبلها السياسي وطبيعة تحالفاتها، الرؤية الأولى يقودها تيار القوميين الذي يري ضرورة التركيز على قضايا الجنوب سواء كان دولة مستقبلا أو في اطار الدولة الواحده، وهذا التيار لا ينزع كثيراً لمواجهة المؤتمر الوطنى بل يحبز التنسيق والتفاهم التام معه حتى يخلوا لهم الجنوب، أما التيار الثانى فهو تيار الأيدولوجيين وهذا التيار يتبني طرح السودان الجديد ويسعي لطرح قومى على ذات الخط الذي كان يسير عليه الدكتور جون قرنق، ويسعي هذا التيار الى احداث التغيير والسيطره على كل السودان، وتناصب قيادة هذا التيار المؤتمر الوطنى العداء ويرون انه العدو الأول في طريق السودان الجديد، ويسعي هذا التيار الى الانفتاح شمالا على القوي السياسيه المختلفه ومحاولة التقارب معها في مختلف القضايا خاصة تلك التى تتقف مع توجهات التغيير في السودان.

 

أما المؤتمر الوطنى الذي بدأ زاهداً في لقاء جوبا، ووصف نتائج اجتماع المعارضه قبل ثلاث ايام والذي شاركت فيه الحركة الشعبية بأنه محاولة لتنصل عن الانتخابات، فقد قال البروفيسر ابراهيم غندور، برفض حزبه المشاركه في لقاء جوبا الذي دعت له الحركة الشعبيه مبررا الرفض بوجود لجان مشتركه للحوار مع كافة القوي السياسيه. ويبدو ان المؤتمر الوطنى يأس من جدوي التحالف مع الحركة الشعبية التي كثيراً ما يصفها بالتناقض في لعبها لدورى الحكومة والمعارضه، كما أن تقييمه لشراكته معها رغم اعلان تمسكه بإتفاقية السلام يصعب من عملية التحالف بينهما، وكانت ورقة سياسيه قدمها القيادي بالمؤتمر الوطنى سيد الخطيب للمؤتمر الثاني للمؤتمر الوطنى في دورته التنشيطيه في نوفمبر 2007م بعنون "السلام والوحدة الوطنية" إبان تجميد الحركة الشعبيه لعمل وزرائها في الحكومة الاتحادية، حيث أشارت الى الإختلال فى فهم الشراكة بعد ان صنفتها الى مستويين مستوى الشراكة السياسية ومستوى الشراكة من أجل الوحدة، وذهبت الورقة الى ان الحركة الشعبية لا تنظر لشراكة كوسيلة مثلى لتحقيق برنامج مشترك ولا على أساس أنها مؤسسة يمتلكها الطرفان، بل تنظر الحركة للشراكة وكأنها جائزة تمتلكها هى ويمكن أن تمنحها للمؤتمر الذي يريدها مقابل تنازلات من جانب أو ثمن يدفعه، وخلصت الورقة الى أنه يجب أن لا ترفع مستويات الشراكة إلا بعد الإطمئنان على صحة الفهم لها، غير أنها أشارت الى أن الحد الأدني من الشراكة وهو الشراكة من أجل رعاية المواثيق يجب ألا يمس. ولكن الورقة إشترطت الشراكة بإفتراض تحقيق أى من المستويين للشراكة أو كلاهما ليمكن بعد ذلك الحديث عن إستراتيجية موحدة للإنتخابات العامة أو التنسيق على الأقل، لأن نتائج الإنتخابات إذا غيرت توليفة الحكومة تغييراً جذرياً فيمكن أن تتعرض الإتفاقية لنقض والدستور لتعديل جذري وهذا فى غير مصلحة الطرفين وإلى غير مصلحة السودان. ويبدو ان مجريات العالاقة بين الشريكين تمضي بإتجاه التباعد في المواقف أكثر من التقارب الذي يجمعهما عبر اتفاقية السلام الشامل.

 

اذاً فإن تباعد المواقف بين الشريكين يقرب الحركة الشعبية أكثر ناحية القوي السياسيه، في وقت تتبلور فيه مواقف تلك القوي حسب بعدها وقربها مع المؤتمر الوطنى. فلقاء جوبا القادم والذي يجد التأييد من الدكتور حسن الترابي ومؤتمره الشعبي يبدو ان حرارته ستغطي على برودة الطقس في الاستوائية، لأن الشعبي يذهب لجوبا وفي نفسه شئ من حتى، فالشقة بينه وبنيه في الوطنى اتسعت، فالشعبي الذي إكتوى بجحيم بنيه في "الوطني" كل تحركاته في اتجاه الحركة الشعبية ينظر لها من باب المكايدة السياسية للوطني، لإعتبار ان الحركه أقوى الفاعلين علــى المسرح السياسي، وأنها ممسكة بكثير من الخيوط التي يمكن أن تغير بها ممارسات شريكها في قضايا الحريات والتعددية والقوانين المقيدة للحريات التي إصطلى بنارها الشعبي بعد إنفصاله الشهير عن الوطني. وإن كان الشعبي سيذهب لجوبا غضبا من بنيه في الوطنى والبحث عن مخلص جديد، فإن  الحزب الشيوعي الذي سيرافق طائرة القوي السياسيه الى جوبا، بحسب مراقبين بأنه ظل يحتفظ بمساحات بينه وبين الحركة الشعبيه ليس حباً فيها، ولكنه يتخذ منها خميرة عكننة للإسلاميين الاعداء التقليدين له، فهو دور مطلوب ومرغوب أن تلعبه الحركة لتعزيز وجودها وإن لم يكن لصالح الشيوعي.

 

ولأن كل المؤشرات تصف لقاء جوبا بالفرصة الكبري للقوى السياسية لتستكشف من خلاله مواقفها لبلورة المفاهيم المشتركة التي تضمن الحد الأدنى من التحالف على الأقل في الإنتخابات القادمة، ولكن يبدو موقف الحزب الإتحادي الديمقراطي "مرجعيات" تتجازبه كثير من التقاطعات الداخليه، فالحزب لديه علاقة ممتده مع الحركة منذ إتفاقية "الميرغني قرنق" 1988م بأديس أبابا مروراً بالعمل المشترك في التجمع الوطني، ويكاد يكون موقف الحزب الإتحادي رغم قربه من الحركه الشعبيه الأكثر إرباكاً للمتابعين في الساحة السياسية حيث يكتنف الغموض موقف تحالفاته القادمة من واقع الخلافات التي يعيشها داخل قياداته التي يجذبه بعضها ناحية المؤتمر الوطني والبعض ناحية الحركة الشعبية وثالثة مع القوى السياسية، ولا يزال الإتحادي يغازل الوطني والحركة. حيث نفي بالأمس على لسان عثمان عمر الشريف وجود تحالف حقيقي للمعارضه موكدا ان هناك تجمعاً يقوده المؤتمر الشعبي وحزب الأمه القومي انساقت وراءه بعض احزاب التجمع الوطنى ووصفه بأنه تفتيت لقوة المعارضه، وقال ان حزبه لا يمكن ان يلعب دوراً مزدوجاً بين المعارضه والحكومة التى هو حزء منها. أما حزب الأمه القومى بزعامة الصادق المهدى فلا يقل توهاناً عن الاتحادى، فهو يتحدث مع المعارضه والتحالف معها ويحتفظ بوثيقة اتفاق بينه والمؤتمر الوطنى "التراضي الوطنى" في وقت يشهد فيه الحزب حالة من عدم الاستقرار السياسي نتيجة الخلافات التى ضربته بعد مؤتمره العام السابع، ولكن مراقبون يرحجون تحالفه مع الحركة الشعبيه في الانتحابات القادمه لعدة مكاسب ظل الحزب يحتفظ بها.

 اذاً ايام وتعلن لجنة ملتقي جوبا موعد انطلاقته، والساحة السياسيه تراقب وتنتظر مخرجاته، فهل ينجح في تجميع بيض القوي السياسيه في سلة واحده في مواجهة المؤتمر الوطنى، أم أنه سيعمق خلافاتها ويباعد بين مواقفها؟!!.   

 

آراء