غازي وتعاطي الملفات 2-2
4 June, 2009
عادل الباز
4/6/2009
في الحلقة السابقة ذكرنا أن ثلاثة ملفات خطرة الآن بيد غازي صلاح الدين: الملف الأول الذي تمت إذاعته هو ملف دارفور، الملف الآخر الذي لم يُعلن عنه هو ملف العلاقات السودانية الأمريكية، والأخير الذي لن يعلن عنه هو ملف العلاقات الدولية المرتبطة بقضية دارفور والسلام في الجنوب. ناقشنا في الحلقة الأولى ملفين هما دارفور والعلاقات الأمريكية السودانية. اليوم ننظر في ملف ثالث لم ولن يُعلن عنه، ولكنه شديد الصلة بالملفين ويستحيل فك ارتباطه بهما.
غازي الذي سيدير ملف دارفور سيجده أنه على صلة بعدد من الملفات المعقدة. سيجد غازي نفسه يدير علاقات السودان الإقليمية خاصة مع الدول المؤثرة في دارفور. ملف العلاقات مع تشاد مثلا لن يكون بعيدا عن يدي غازي وإلا انهارت كل تحركاته السياسية. العلاقات مع تشاد تعني أن عليه أيضا التعامل مع ملف الحركات المعارضة لنظام ديبي. فالتعامل مع هذه الحركات بالسيطرة أو الدعم لابد منه لتوحيد الجهة التي تتخذ القرار على المستوى العسكري والأمني، بطريقة تخدم التحركات السياسية. حتما سيجد غازي أن عليه عبور الأجواء التشادية الى ليبيا أكثر من مرة. فليبيا تؤثر في تمويل وتسليح بعض الحركات، وتتمتع بعلاقات وطيدة مع أكثر من حركة. ولذا فلابد من التعامل مع ليبيا كلاعب أساسي في حل مشكلة دارفور.
غير بعيد عن ذلك. فلابد لغازي من الإمساك بملف العلاقات مع قطر بين يديه، وإبقاء الحوار مع دبلوماسيتها النشطة مفتوحا ومباشرا. سيجد غازي نفسه بعد أيام منخرطا في قيادة مفاوضات الدوحة، وليس ممكنا تركها على المستوى الحالي. فترفيع مستوى المفاوضين يمكن أن يسهم إيجابا بالتعجيل في وقف إطلاق النار.
بعيدا عن الإقليم لابد أن غازي سيجد نفسه منخرطا مع الفرنسيين في أكثر من منحى. فعلاقة السودان بتشاد ستتقاطع مع فرنسا، وعلاقة فرنسا مع السودان ستتقاطع مع المحكمة الدولية، وستتقاطع أزمة دارفور مع فرنسا وتشاد والمحكمة. العلاقة مع فرنسا تحتاج لفرز موضوعي لهذه الملفات المتشابكة. فمثلا فرنسا تعنيها تشاد. واستقرارها هو الأولوية الأولى لها. فرنسا لاتحب تشاد لله. فلفرنسا مصالح عابرة لتشاد. فخط الأنابيب الذي تبلغ تلكفته 40 مليار دولار تساهم فرنسا فيه بـ أكثر من25%. والحرائق في تلك المنطقة لها علاقة مباشرة بتلك المليارات. ولذا من يعتقدون أن الزغاوة في طرفي الحدود وحدهم من يمسك بزمام السياسة هناك عليهم مراجعة معلوماتهم.
من الحكمة ألا تغيب مصر عن ملف دارفور. وهذا ماسيكتشفه غازي بعد قليل. الدعم مصري ونفوذ مصر لايجب الاستهانة بهما. فمصر قادرة أن تلعب أدوارا إيجابية سواء أكان ذلك بتشجيع الحركات السلحة أو ممارسة ضغوط على دول مؤثرة في المنطقة لدعم مواقف السودان في المحافل الإقليمية والدولية. استعداء مصر يمكن أن يقود لتعقيدات لاضرورة لها. لابد من الوعي بهذه الحقيقة، والحفاظ على دور مصري في المنعطفات المهمة.
بريطانيا تمد رأسها الآن بشكل جديد وتناشد السودان لإيجاد طريقة للتعامل مع الجنائية، ثم تعلن موقفها الداعم لمفاوضات الدوحة. تبدو الآن السكة سالكة الى لندن، وعلى الحكومة السير بهذا الطريق، فتحييد بريطانيا وتحفيز دعمها مهم في هذه المرحلة التي تحتاج فيها الحكومة لضغط المجتمع الدولي على الحركات المسلحة.
دهاليز مهمة في المجتمع الدولي على غازي أن يوطد طرائق تعامله معها. المؤسسات الدولية المنخرطة في قضية دارفور تنتظر التعاون معها بشكل أكثر وضوحا وشفافية، كما تنتظر جدية من الحكومة في الإيفاء بالتزاماتها. بالطبع لغازي والحكومة شكاوى من المنظمات الدولية التي تتعامل في ملف السودان جنوبا وغربا.
إدارة هذه الملفات بحاجة لمهارة فائقة للتوفيق بين الأجندات المختلفة والمتضاربة أحيانا. بالطبع لن يستطيع غازي وحده متابعة كل هذه الملفات فهو بحاجة لفريق متفاهم يعينه في مهمته الصعبة. على دكتور غازي أن يفكر في أمر هذا الفريق، ولن يعجز عن ذلك، فهو يعرف كثيرين من ذوي الكفاءات يقفون على الرصيف، هو قادر على الوصول اليهم، فإليه يعود الفضل في بناء فريق نيفاشا. نحتاج أن نرى فريق دارفور في الساحة قريبا. أسأل الله ألا يكون فريقا كفريقنا القومي الذي شاهدناه الأسبوع الماضي أمام تونس.