محجوب فضل بدري..

 


 

 

زفرات حرى

  

الطيب مصطفى

  eltayebmstf@yahoo.co.uk    

بالرغم من تقديري للمبرر الذي أدى إلى إعفاء أخي محجوب فضل بدري من منصبه كسكرتير صحفي لرئيس الجمهورية إلا أني وكثيرون غيري كنا نعتقد بأن الرجل كان حتى قبيل إزاحته في قمة عطائه فقد كان يشغل مساحة شاسعة من العطاء تتجاوز كثيراً ضيق المنصب الذي انتدب لشغله وهكذا كان محجوب طوال مسيرته يأخذ نفسه بالعزائم ولا يكتفي بالمساحة المحددة التي يفترض أن يملأها بل يتمدد في المساحات التي (يتباقص) عنها وينكمش أصحاب النفَس القصير والمذعورون الذين يحبون السير إلى جانب الحائط ولا يفعلون وبالتالي لا يخطئون ولا يُحاسبون..

  

عرفته عندما انتقلت إلى التلفزيون القومي  منقولاً من سونا وكان محجوب حينها في التلفزيون منذ أن شارك في احتلاله والإذاعة فجر الانقاذ فكان والحق يقال ممن لفتوا نظري من أول يوم ليس بمؤهلات دراسية وأكاديمية تملأ الأضابير ولا ببسطة جسمه التي تملأ العين وإنما بشخصيته التي لا تملك إلا أن تتعامل معها وتحترمها وتعهد إليها بالمهام الصعبة فعلاوة على شخصيته اللطيفة الظريفة الدمثة المرحة التي تجعله يحسن استخدام الطرفة في المكان والظرف المناسبين فإن محجوباً يتحلى بقدرة عالية على الفعل وعلى إنجاز المطلوب منه في وقت قياسي وبصورة متميزة فضلاً عن أنه صاحب رأي ونظر مع قدرة عالية على التعبير عن نفسه كتابة وقولاً، وقد حباه الله بخط جميل يجذبك لقراءة ما يكتب ولا يرهقك.

  

فوق ذلك فإن محجوباً أخو إخوان (وضكران) وصاحب جسارة ورجولة تتبدى في كثير من المواقف التي لا تزال عالقة بذاكرتي.

  

قلت إن محجوباً يحسن أن يملأ ماعونه حتى يفيض ولذلك شعرت بغبطة حين رأيته لأول مرة في القصر الجمهوري سكرتيراً صحفياً للرئيس وسرعان ما تمدد الرجل ومنح المنصب ألقاً ودوراً وأبعاداً جديدة حتى أخذ كثير من الناس يمنحونه صفة المستشار الصحفي وليست تلك الصفة بكثيرة عليه والله بل هو أحق بها وأهلها بل وأكبر منها... لا أقول ذلك مجاملة وإنما لعلمي بإمكانات الرجل وقدراته وأذكر أن د. غازي صلاح كان يفكر في تعيينه أميناً عاماً لوزارة الثقافة والاعلام (أي وكيل وزارة) قبل الأمين العام الحالي الأخ عبد الدافع الخطيب.

  

تأسياً بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان أول شيء فعله عند هجرته أن أقام مسجده قمنا بإقامة مسجد مؤقت في التلفزيون إلى أن هيأ الله لنا أن نقيم بعد سنوات المسجد الحالي فتلفتنا يميناً ويساراً ولم نجد غير محجوب فضل ليرأس اللجنة المكلفة بذلك وتوالت التكليفات حيث تولى إحدى أهم إدارات التلفزيون لكنه كان رغم ذلك يتمدد في ساحات التلفزيون الأخرى بالرأي والفعل وكنت أسعد بذلك ولا أضيق كوني من محبي أصحاب الهمم العالية الذين يتجاوزون الفرائض إلى النوافل وفروض الكفاية.

  

كان محجوب يحسن التعبير عن الدولة في كل المحافل... الفضائيات والإذاعات الأجنبية والمحلية وكان يكتب في صحافة الخرطوم وكان يؤلف الكتب توثيقاً لمن أحب وكان يعقد القران عندما يرافق الرئيس ولا يوجد مأذون ويصحب الرئيس في حله وترحاله ويؤم المصلين في حضرة الرئيس كلما اقتضى الحال بصوته وتلاوته المجودة ويسد النواقص هنا وهناك وهنالك كالغيث أينما وقع نفع وأينما توجهه يأتي بخير.

  

عندما اعتصم أهل كوبر في حديقة السلام وقرروا أن يغلقوا المطار لمنع ابنهم الرئيس من السفر إلى قمة الدوحة انتدب محجوب لمخاطبتهم ونجح الرجل في فض الاعتصام بأسلوبه المقنع وطريقته المحببة التي تحسن التعامل مع كل ظرف بما يستحقه ويناسبه.

  

لقد أحب محجوب الرئيس بصورة أعلمها أكثر من كثيرين غيري وأخلص له وتفانى في خدمته ولذلك فإن كان محجوب قد أخطأ (مجتهداً) فإن ذلك لا يعدو أن يكون قطرة في محيط صوابه وعطائه وأخشى أن يُنسى استجابة لتخرصات بعض المشائين بالنميم من حسّاد الرجل على صعوده السريع وتخطيه رقاب الكثيرين وستكون الدولة حينها خسرت رجلاً ضخماً أما هو فلن يخسر غير قيد الوظيفة فأرزاق الله واسعة.

  

مصر يا أخت بلادي..!!

  

يقول الخبر المنشور بصحف الخرطوم يوم 8/6/2009 إن (مصر قد أبلغت الولايات المتحدة أن هناك مخاطر تكتنف السودان جراء استمرار ما قالت إنها عوامل مستمرة تهدد الاستقرار)!! وصرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي ( أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بحث مع نائب وزيرة الخارجية الامريكية وليام بيرنز خلال استقباله له في القاهرة عدداً من الموضوعات المهمة في مقدمتها الأوضاع الخاصة بالسودان وتنفيذ اتفاق السلام وتطورات دارفور) وأضاف حسام زكي أن (أبو الغيط وضع أمام المسؤول الأمريكي »رؤية مصر« التي سبق أن أوضحناها في مناسبات عدة بشأن ما نراه من مخاطر تكتنف الوضع في السودان نتيجة استمرار العوامل التي تهدد الاستقرار هناك)!!

  

هذه ليست المرة الأولى التي نكتب فيها حول تصريحات حسام زكي ووزيره أبو الغيط فلطالما تساءلنا عن مدى تطابق رؤية مصر مع رؤية السودان حول القضايا التي تطرق اليها لقاء أبو الغيط وبيرنز كما تساءلنا عما إذا كانت مصر قد استشارت السودان أو أخذت إذناً منه قبل أن تناقش أوضاع السودان مع أمريكا؟! أقول ذلك على خلفية المؤتمر الدولي حول السودان الذي دعت إليه مصر بعض الدول العظمى قبل أن تستشير السودان الأمر الذي ووجِه برفض من الحكومة السودانية!!

  

لعل راعي الضأن في بوادي السودان يعلم أن السياسة الخارجية السودانية والمصرية ليستا متطابقتين في كثير من القضايا ففي حين ترفض مصر أي اتجاه لانفصال الجنوب عن الشمال فإن اتفاق شريكي الحكم في السودان أتاح فرصة الانفصال من خلال حق تقرير المصير والاستفتاء الذي سيجري عام ١١٠٢ م كما أن مصر من خلال تصريحات أبو الغيط أعلنت مراراً عن تأييدها تعليق قرار محكمة الجنايات الدولية لمدة عام واحد بينما ترفض الحكومة السودانية ذلك جملة وتفصيلاً ولا تعترف بالمحكمة الجنائية هذا فضلاً عن تعارض سياستي البلدين حول القضية الفلسطينية والعلاقات مع إيران وحزب الله ففي حين يدعم السودان المقاومة الفلسطينية وحركاتها المسلحة وكذلك حزب الله اللبناني ولا يتخذ موقفاً معادياً من إيران فإن مصر تتخذ مواقف مغايرة تماماً... كذلك فإن السودان منح قطر ثقته في استضافة التفاوض حول دارفور في حين أن مصر تعترض على الدور القطري وقد صرح حسام زكي قبل أيام بأنه لا يمكن لأية دولة أن تتجاوز الدور المصري ومعلوم أن مصر لم تحضر مؤتمر الدوحة الأول حول غزة كما أن مشاركتها في قمة الدوحة كانت في مستوى متدنٍ للغاية.

  هل تُراني أحتاج الى مزيد توضيح أم أن هذه الإشارات تكفي لفهم ما أريد ثم متى يفهم الأمريكان أن السودان دولة مستقلة كاملة السيادة وأنه من الخير لهم أن يأتوا البيوت من أبوابها إذا أرادوا المساعدة في (حلحلة) مشكلات السودان؟!

 

آراء