رسالة إلى الإمام الصادق المهدي!!

 


 

 

زفرات حرى

  الطيب مصطفى   

eltayebmstf@yahoo.co.uk

 

   يا أسفًا على الإمام الصادق المهدي الذي ـ إن صح خبر تحالفه مع حركة العدل والمساواة  ـ يكون قد ارتكب أكبر خطيئة في تاريخه الوطني... أعني تحالفه هو وليس تحالف من هم دونه مثل عبد الرحمن دوسة الذي لا يحتل مركزاً مرموقاً في الحزب بل ولا يشغل أكثر من مقرِّر المكتب السياسي الأمر الذي يجعلني أشك كثيراً في أن المهدي جادّ في هذه الخطوة التي أراها حتى اليوم ـ من باب إحسان الظن ـ تكتيكية أكثر منها خطاً إستراتيجياً يتّسق مع منهج الرجل في التفكير أو مع سلوكه السياسي أو مواقفه السابقة بل إني أعتقد أن خليل إبراهيم استطاع أن يُحدث اختراقاً مهمًا في حزب المهدي من خلال »قريبه« دوسة ليحقِّق من خلاله مكسباً وشرعية لحركته المسلحة بينما لم ينل المهدي غير الخسران المبين!!    بربكم كيف يجوز للصادق المهدي أن يقع فريسة وصيداً سهلاً لأجندة خارجية يعلم هو أكثر من غيره أنها لا تهدف لخدمة الوطن بقدرما تهدف لتحقيق مصالح تلك الدول التي نصبت نفسها متصرِّفاً وآمراً ناهياً في الشأن السوداني رغم أنف حكومته وشعبه وقواه السياسية ورغم أنف تراث الإمام المهدي الذي ثار على تلك الدولة وطغاتها وخديوييها.. كيف وهو يعلم أن أولئك الذين رعوا اتفاق حزبه الأخير أعلنوا وعلى رؤوس الأشهاد أنهم لن يسمحوا بتجاوزهم في أية معالجة لأزمات السودان بل وناصبوا دولة قطر العداء لا لسبب إلا  لأنها  بادرت وقدَّمت نفسها وسيطاً في أزمة دارفور؟! بل إن هؤلاء باتوا يدْعُون إلى مؤتمرات دولية ويتصلون بالمدعوين قبل أن يستأذنوا أو »يدعوا« صاحب المناسبة في استفزاز واستخفاف يفقع المرارة وكأنّ السودان بقرة عجفاء في مزرعتهم!!    لا أكاد أصدق أن الرجل الذي كان أول الرافضين ـ من خلال تصريحات مُدوِّية عُرضت من تلفزيون السودان ـ لغزو أم درمان من قِبل عصابة خليل إبراهيم هو ذات الرجل الذي يتحالف اليوم مع نفس العصابة بل ينصُّ اتفاقه معها على حقها في الاحتفاظ بمشروعية خياراتها كافة بما فيها »الثورية« لتحقيق أهدافها بما يعني أن حزب المهدي بات جزءاً من حركة متمرِّدة على سلطان الدولة تستخدم الوسائل العسكرية حتى وإن تحايل على ذلك بعبارة ضعيفة تنصُّ على أن حزبه يدعو إلى استخدام الوسائل السلمية؟!    

إنه والله لأمرٌ جلل لا ينبغي أن نستهين به أو نتجاهله... أمرٌ لم يجرؤ على فعله حتى الترابي، الذي أنكر »ربما ظاهرياً« أية علاقة أو تحالف مع خليل، ورغم ذلك لم يسلم الترابي من الملاحقة والمساءلة!! إننا للأسف نعاني من حالة سيولة بتنا معها لا نفرِّق بين الوطنية والخيانة... حالة تسبق انهيار الأمم عندما يصبح الباطل حقاً والحق باطلاً والمنكر معروفاً والمعروف منكراً ويختلط الحابل بالنابل... إنها الحالة التي تستمطر اللعنة وغضب الله تعالى... حالة عدم التناهي عن المنكر بل الانزلاق إلى فعله من قِبل الكبار والزعماء!!

  

أكاد لا أصدِّق أن يُقدم الصادق المهدي على التحالف مع من غزوا »بقعة« جدِّه الإمام المهدي ودنّسوا ترابها وروَّعوا أهلها في وضح النَّهار.. أكاد لا أصدِّق أن يُقدم الإمام على الانتحار الأخلاقي والسياسي في آخر محطات تاريخه المليء بالعظات والعِبر!!

  هل تذكرون كيف قدَّم الصادق المهدي مبرِّرات قوية حاول فيها التفريق بين موقفه النبيل المعارض لغزو قوات خليل لمدينة أم درمان وبين غزوهم قديماً للخرطوم ـ عام 1976م ـ انطلاقاً من ليبيا؟؟ ماذا يقول المهدي يا تُرى لتبرير تحالفه مع من رجمه بالأمس بل ولم يعترض حتى على مواصلته حمْل السلاح وترويع الآمنين والخروج على سلطان الدولة حتى ولو كان ذلك بالتعاون مع دولة معادية بل مع إسرائيل؟!    

لا أجد أبلغ من عبارة كتبها الأستاذ عثمان ميرغني أنسبها إليه احتراماً لملكيته الفكرية للعبارة الرشيقة فقد قال عثمان (لا فُضّ فوه): »الذي فشل حزب الأمة في تثبيته في اتفاقه مع العدل والمساواة.. أنه وضع توقيتًا لنهاية شرعية أجهزة الحكم الحالية.. دون أن يُقنع العدل والمساواة بتحديد سقف تاريخي لشرعية حمل السلاح«!!

  

ثمة نقطة أخرى... بربكم كيف يتحدث اتفاق حزب الأمة مع عصابة خليل عن انتهاء شرعية الحكومة وهو الذي يعلم أن الدستور المنشئ للأوضاع الحالية يمكن أن يعدَّل بواسطة الشريكين بأغلبية الثلثين ولا يمكن للحركة الشعبية ـ في هذه المرة تحديداً حتى ولو كانت مجنونة ـ أن »تكاجر« كما ظلت تفعل وتحكم بالإعدام على نفسها وعلى حكومتها في جنوب السودان بل وعلى الاتفاقية التي منحتها ما لم تكن تحلم بمعشاره وبالتالي فإن الدستور يمكن تعديله بحيث ينصُّ على الموعد الجديد للانتخابات بنفس الصورة التي أُجيز بها أول مرة.

  

فيما يتعلق بالموقف من الجنائية فإنه لأمرٌ مدهش أن يغيِّر حزب الأمة موقفه استجابةً لضغوط دول الجوار التي ظلت تناصب الحكومة العداء أما التعداد والإحصاء السكاني فإنه مشهود عليه دولياً ولا يمكن لحزب الأمة أن يصدر أول قرار حوله من خلال اتفاقه مع عصابة خليل إبراهيم رغم أنه وجد قبولاً دولياً وصُرف عليه أكثر من 150 مليون دولار!!

  

إنه ليحزنني بحق أن حزب الأمة يعاني من التشرذم والعجز وهل من عجز وفوضى أكبر من تلك التي تجعل الحزب يتخذ قراراً خطيراً كالذي أقدم عليه مؤخراً بدون أن يعرض ذلك على مؤسساته ومكتبه القيادي؟!

  

لقد والله كنت من أكثر الداعمين لخط التراضي الوطني ولطالما تبنّى منبر السلام العادل توجُّه توحيد أهل القبلة وجمْع الصف الوطني بل إن المنبر ظل يدعو الحكومة والمؤتمر الوطني تحديداً إلى المبادرة بتقديم تنازلات كبيرة لأحزاب القبلة الواحدة بما في ذلك حزب الأمة القومي وتسريع عملية التراضي الوطني التي كانت بطيئة ولم يحدث فيها اختراق إلى أن حدثت هذه الطامة من حزب الأمة ولا أزال أرى أن أمر التراضي الوطني يمكن أن يمضي إلى الأمام فهو معقود بين الرئيس البشير والإمام الصادق المهدي بينما انعقد اتفاق حزب الأمة القومي والعدل والمساواة بين شخصين لا يحتلان مواقع مهمة في هرم التنظيمين »الأمة والعدل والمساواة«.

  إن الصادق المهدي يُعتبر الخاسر الأكبر من هذا الاتفاق ولذلك أنصحه بالانسحاب منه فعلى مستوى القواعد فإن حزب الأمة لن يفيد من تحالفه مع حركة عنصرية »قبلية« تعتمد اعتماداً كبيراً على اثنية معينة لا تتبع كلها لخليل إبراهيم وإنما يتبع جزءٌ منها لحركة مناوي والأحزاب الأخرى بما فيها المؤتمر الوطني، فهلاّ التفت الإمام إلى تنظيم حزبه من جديد وجمْع صفوفه واسترضاء مادبو بوزنه الكبير بين أهله الرزيقات وهلاّ قدَّم تنازلات في سبيل ضمّ المنشقين عنه المتفقين معه في التوجُّه بدلاً من ركوب الرأس والارتماء في أحضان خليل إبراهيم المرتهِن لقوى أجنبية لا تريد خيراً للسودان وهلاّ أنقذ نفسه وتاريخه وسفينة حزبه من الغرق قبل فوات الأوان؟

 

آراء