السياسة والوراثة!

 


 

 

الفاضل حسن عوض الله

سطر جديد

 

          أنا من المناهضين لإقحام فقه المواريث في عالم السياسة، فالحزب السياسي هو ملكية على الشيوع، لكل عضو من أعضائه فيه (عود)، يستوي في ذلك المتعلم وقليل العلم.. الغني والفقير.. المرأة والرجل، ولا مجال فيه أن يسرع بك حسب أو نسب أو ميراث سياسي إن أبطأ بك عملك وجهدك السياسي. هذا بالطبع لا يعني أن نوصد أبواب العمل الحزبي في وجه من نشأوا في بيوت سياسية ولكن تبقى القضية ان يدفع هؤلاء (الوراث) إستحقاقات الكسب الحزبي بدءً من الصعود من أول درجات السلم إلى جانب تحمل مشقات وتضحيات العمل السياسي المتمثلة في القدرة على المجابهة والعمل الدؤوب وبذل الجهد في تنمية القدرات الذاتية. كذلك ليس بالضرورة أن يتطلع كل من نشا في بيت سياسي نحو عالم السياسة فالكثير من أبناء الساسة زهدوا عن الجري في مضمارها بسبب إكتواء ابائهم بنيرانها وضرائبها الباهظة من سجون ومعتقلات ومضايقة في الرزق وربما يصل الأمر إلى دفع أرواحهم على أعواد المشانق.

          هناك جانب آخر ومعاكس لا يجب إغفاله وهو كاريزما الإسم والأسرة وهذه الظاهرة أكثر وضوحاً في بلدان مثل الهند وباكستان وسيرلانكا وبنغلاديش وأندونسيا وحتى اليونان. ففي الهند ظلت أسرة نهرو تتوارث الحكم وقيادة حزب المؤتمر إلى يومنا هذا إذ خلفت أنديرا أباها نهرو وخلفها إبنها راجيف ومن بعده آلت رئاسة الحزب إلى أرملته رغم تحدرها من أصل إيطالي، ولكن ثمن وإستحقاقات هذا الميراث السياسي كان باهظاً فقد أغتيلت أنديرا ثم فُجر جسد إبنها راجيف إلى أشلاء. أما في باكستان فميراث آل بوتو السياسي ظل مخضباً بالدماء حينما لف الجنرال ضياء الحق حبال المشنقة حول عنق رئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو وتم إغتيال إبنته بنازير وهي تتأهب لإستعادة الديمقراطية من الجنرال مشرف، ولم يجدوا سوى إبن بنازير الصبي اليافع لينصبوه وريثاً صورياً لزعامة حزب الشعب الباكستاني وفاءً لكاريزما الإسم والعائلة. كذلك الحال في سيرلانكا حينما أُغتيل الرئيس الأب باندرانايكا لتخلفه زوجته في رئاسة الوزراء ثم إبنته التي تشوه وجهها الجميل وفقدت إحدى عينيها بفعل العنف السياسي. والأمثلة كثيرة لا تنضب فقد خلفت إبنة سوكارنو عرش أبيها بعد سنوات طوال من دكتاتورية سوهارتو، كذلك في الفلبين آلت رئاسة الوزراء إلى السيدة/ أكينو أرملة زعيم المعارضة الذي إغتاله دكتاتور الفلبين ماركوس وهو يتأهب للنزول من سلم الطائرة ليقود المعارضة الساعية لإستعادة الديمقراطية، وتكرر نفس الشيء في بنغلاديش حيث تسيطر إبنة مجيب الرحمن على زعامة الحزب الذي قاد البلاد نحو الإستقلال من باكستان. حتى اليونان البلد الأوروبي لم يتخلف عن التمسك بالميراث السياسي حينما آلت رئاسة الوزراء إلى أندرياس باباندريو وحزبه الإشتراكي خلفاً لوالده جون باباندريو.

          كل هذه الأمثلة نسوقها لا لنقنن شرعية الميراث السياسي ولكن لنوضح أن الوفاء بإستحقاقات هذا الميراث يكون باهظ الكلفة مخضباً بالدماء والسجون والمعتقلات، وعلى من يأنس في نفسه الكفاءة من أبناء الساسة للخوض في هذا المسار الشاق أن يتقدم، أو يلزم بيته وداره فيريح ويستريح.

 

آراء