العودة لبيت الطاعة … بقلم: صدقي كبلو

 


 

صدقي كبلو
18 August, 2009

 

السودان وصندوق النقد الدولي

skaballo@blueyonder.co.uk

تقديم

كان واضحا منذ البداية أن ميزانية 2009 لم تكن واقعية وأنها لم تضع في الإعتبار تدهور أسعار البترول في العالم، وأنه حان للحكومة أن تواجه صرفها غير المرشد لعائدات البترول وتصرفاتها غير الإقتصادية في مواردها منه عندما أرتفعت أسعاره في العالم لمستوى لم يسبق له مثيل خاصة أنها اهملت تطور قطاعات الإقتصاد الزراعية والصناعية ولم تدخر القرش الأبيض لليوم الأسود كما تقول حكمة أهلنا البسطاء ولم تستعد للسبع العجاف كما جاء في تفسير النبي يوسف  لحلم فرعون مصر.

وأزاء هذا الواقع الإقتصادي المتأزم ومستقبله الذي لا تملك حكومة الإنقاذ بديلا له أعادت الحكومة بخطاب نواياها الذي عنونته للسيد دومينكو ستراوس كان المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي وموقعا من قبل أعلى مسئولين في إدارة الإقتصاد الوطني: السيد وزير المالية والسيد محافظ بنك السودان. وكما يعرف طلاب الإقتصاد فإن خطاب النوايا في العادة يعد محتواه الأساسي خبراء الصندوق الذين يحضرون للبلد العضو تحت ما يسمى مشوارات المادة الرابعة.

ولقد أرسل صندزق النقد الدولي  بعثته للسودان في 24 فبراير 2009  ومكثت حتى 11 مارس 2009.  ثم عادت للبلاد في 3 مايو 2009 ومكثت حتى 8 مايو 2009 وعادت أدراجها، ليرسل السودان خطاب النوايا الذي اتفق عليه في 18 يونيو 2009  فيصدر الصندوق برنامجه للسودان في 24 يونيو 2009 .

تعهدت حكومة السودان في خطاب النوايا أن تقوم الحكومة بتنفيذ ما سمي برنامج تقرير البعثة والذي يمتد ل 18 شهرا ,ان تتشاور مع الصندوق قبل أي تغيير في السياسات والإجراءات  التي يشملها البرنامج. وبهذا أصبحت إدارة اللإقتصاد الوطني السوداني من جديد تحت إدارة صندوق النقد الدولي مما يماثل العودة لبيت الطاعة. المعروف.

فماذا أملى الصندوق على حكومة السودان؟

 

توقع إنخفاض سعر الجنيه السوداني  قصاد العملات الأجنبية

كالعادة بدأ الصندوق  بأن طلب من الحكومة أن تزيح القيود التي فرضتها للحفاظ على إستقرار سعر الجنيه، بمعنى أن تترك الحكومة الجنيه لكي ينخفض، مقللة من أهمية ذلك الإنخفاض بحجة أن أسعار السلع الغذائية في العالم في حالة إنخفاض وبالتالي لن يحس أحدا بإنخفاض قيمة الجنيه والذي سينفض إذا ترك للسوق نسبة لتناقص العائد من النقد الأجنبي لإنخفاض أسعار البترول عالميا. وحدد الصندوق نهاية العام لإزالة كل القيود التي وضعها بنك السودان مؤخرا للحفاظ على قيمة الجنيه ولعل أميزها الحد من التحويلات للخارج وما يسمح تحويله مع المسافرين وغيرها من الإجراءات.

زيادة الضرائب، خاصة القيمة المضافة والرسوم الجمركية

وطلب الصندوق من الحكومة أن تراجع الإعفاءات من القيمة المضافة، مما يعني أن الصندوق مع شمول ضريبة القيمة المضافة لكل الإنتاج بما في ذلك إنتاج الكهرباء مما يعني إحتمال زيادة تعريفة الكهرباء. ويلاحظ الصندوق بإرتياح فرض رسوم وارد على الواردات الصفرية تصل غلى 5% وزيادة الرسوم الجمركية على العربات. ولكنه يدعو لمزيد من الإصلاح الضريبي مثل خفض الحد الأدنى المعفي من ضريبة الدخل الشخصي ومراجعة تخفيض الضرائب للذين تزيد أعمارهم عن خمسين سنة. وبالتالي تستهدف توصيات البنك زيادة الضرائب لأصحاب الدخول المنخفضة المستفيدين من الحدود الحالية للإعفاء الضريبي وكبار السن التي تخفض قوانين الضرائب ضريبة دخاهم الشخصي، بل يرى الصندوق ضرورة زيادة عائد الضرائب حتى 2012 بما يساوي 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

توقع أرتفاع أسعار البنزين والجازولين في السوق المحلي

ولعل أخطر التوصيات من قبل الصندوق هو ربط أسعار بيع المنتجات البترولية المحلية مع الأسعار العالمية ووضعت ذلك كهدف ينلغي تحقيقه قبل يناير 210 مما قد يؤدي لإرتفاع أسعار المواد البترولية كالبنزين والجازولين في بداية العام الجديد.

الحكومة وبنك السودان سيقدمان تقارير أسبوعية وشهرية لصندوق النقد

ووفقا للبرنامج فستقوم الحكومة وبنك السودان بتقديم تقارير تتراوح بين الأسبوعية والشهرية ترصد تنفيذ السياسة وكمية النقود وإحتياطي النقد الأجنبي وحركته وإستدانة الحكومة و غيرها وقد وضعت تلك المواعيد في جدول اوضح  مسئولية كل من بنك السودان، وزارة المالية، المكتب المركزي للإحصاء ووزارة الطاقة مع الإشتراك مع وزارة المالية.

بنك السودان عليه كتابة تقرير أسبوعي كل ثلاثاء عن حركة موازنته، إحتياطي النقد الأجنبي، بيع وشراء النقد الأجنبي، ومعدل تبادل سعر الجنيه بالعملات الصعبة.

وعليه أن يقدم كل شهر تفصيلا عن حسابات الربح والخسارة عن الشهر المنصرم، وأن يقدم تقريرا شهريا عن حسابات الربح والخسارة والموازنات للبنوك التجارية والنظام المصرفي ككل، وأن يقدم كل شهر وبعد اسبوع واحد من إنقضاء الشهر التفقات النقدية للنقد الأجنبي بما في ذلك المبيوعات والمشتريات بواسطة غرفة البنك المركزي، وأن يقدم تقريرا ربع سنوي بعد شهر عن إنقضاء الربع المحدد المحدد عن توفر رأس المال، تركيب الأصول ونوعها بما في ذلك القروض غير المتحركة، الربحية، السيولة ومدى الإلتزام بإجراءات الأمان. وأن يقدم كل ربع سنة وبعد شهرين من إنقضاء الربع تفصيلا لميزان المدفوعات.

أما وزارة المالية فعليها أن تقدم بعد 45 يوما من إنقضاء كل شهر تقريرا عن عمليات الحكومة المركزية وأدائها المالي يشمل الإيرادات والمنصرفات والتمويل على فورمات معينة وعليها أن تقدم نفس التقرير عن الفترة بين يناير وأبريل 2009.  وعليها تقديم تقرير بعد كل شهرين من إنقضاء ربع العام عن عائدات الخصخصة وعليها أن تقدم تقريرا بعد كل 45 يوما من لإنقضاء الشهر عى مديونية الحكومة  المحلية وبعد إنقضاء كل شهر من نهاية الربع السنوي عن ديونها الخارجية.

وعلى مكتب الإحصاء المركزي أن يقدم تقريرا شهريا عن الأرقام القياسية للأسعار للمستهلكين.

وعلى وزارة الطاقة والمالية أن يقدموا تقريرا شهريا عن صادرات البترول الخام وتقريرا شهريا عن البيع للمصافي وأن يشمل التقرير الكميات والأسعار بالدولار زأن تقدم تقريرا ربع سنوي عن صافي التحويلات من مبيوعات الدلار للحكومة بما في ذلك نصيبها من عائد صادرات منتجات البترول.

الحكومة ستناقش مع الصندوق ميزانية العام القادم قبل إجازتها

ووضع الصندوق أهداف  محددة للتنفيذ خلال الستة شهور من يوليو 2009 إلى ديسمبر 2009، على أن توضع الأهداف للإثني عشر شهرا التي تبدأ في يناير 2010 مع الصندوق مما يعني أن ميزانية العام القادم ستوضع تحت الإشراف الكامل لبعثة الصندوق.

ستحافظ الحكومة على اسبقية وأفضلية الصندوق عند دفع الدين الخارجي

وفوق كل هذه الإجراءات فسيكون للصندوق الأسبقية والأولوية عند دفع الديون، وتعهدت الحكومة بأن تدفع عشرة ملايين دولار هذا العام وتسعى لزيادتها إذا تحسن وضع النقد الأجنبي، والجدير بالذكر أن الحكومة كانت تدفع 50 مليون دولار للصندوق خلال العامين الماضيين لتغطية ديون الصندوق.

الصندوق يطلب من الحكومة عدم الإستدانة من الخارج بشروط إقتصادية صعبة

وقد طلب الصندوق من الحكومة عدم الإستدانة من الخارج بطريقة القروض غير المسهلة التي ظلت تتبعها أخيرا.

ووضع سقوف إئتمانية وسقوف لكمية النقود بأنواعها.

 

مؤتمر قومي إقتصادي جديد

وهكذا عاد السودان لعام 1978 عندما سلم جعفر نميري وحكومته إدارة الإقتصاد السوداني كاملة لصندوق النقد الدولي. وهذا طريق جربناه وجربته معنا معظم دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض بلدان آسيا، وأثبت أنه لا يخرج أي بلد من أزمتها الإقتصادية.

نحن نحتاج فعلا لقرارات إقتصادية شجاعة ولكن تلك القرارات ينبغي أن تكون صادرة من الإرادة الوطنية وبعد تداول بين كل القوى السياسية في البلاد وبين كل الإقتصاديين السودانيين في مؤتمر لإقتصادي قومي جديد، يراجع السياسات الإقتصادية الحالية ويضع مؤشرات لسياسات جديدة تقود الإقتصاد لبر الأمان.

ولكن حتى إنعقاد ذلك المؤتمر ينبغي على الحكومة أن تتخذ قرارت حاسمة فيما يتعلق بمرتبات شاغلي المناصب الدستورية وعددهم على مستوى المركز والأقاليم، وينبغي أن تجلس مع الجميع لمناقشة عدد الولايات والمحافظات  وهل يتحمل الإقتصاد السوداني كل ذلك الظل الإداري وتنفيذه.

وينبغي مراجعة سياسة الخصخصة للمشاريع الرئيسية مثل الجزيرة والسكك الحديدية والبريد والبرق وبيع نصيب الدولة في الإتصالات وشركاتها وكل تلك القرارات التي تفقد الدولة عائدات سنوية مقبل عائد لا يتكرر يتم إهداره.

يجب ألا تتجه الحكومة ويجب ألا نسمح لها بتحميل عبء الأزمة الإقتصادية للجماهير الكادحة وفقراء الريف والمدن.

صدقي كبلو

نشر بالميدان عدد الخميس 13/8/2009

 

آراء