المستوطنات وحديث المظلة !! … بقلم: علاء الدين حمدى
1 September, 2009
ـ يحكى أن رجلا من احدى الأمم ، اشتدت به الفاقة وضاق به الرزق وقلة ذات اليد ، فذهب الى "حبر" قريته شاكيا ، طالبا منه النصيحة والعون للخروج من أزمته قائلا : يا سيدى اننى أعيش مع أمى وأم زوجتى وزوجتى وأبنائى العشرة فى غرفة واحدة ضيقة فسد هوائها وقل نسيمها وتعطن من شدة الزحام وجئت اليك طالبا مساعدتك ! فأطرق "الحبر" مليا ثم قال : اذهب يا ولدى واشتر خنزيرا ! فتعجب الرجل قائلا خنزيرا ؟!! وماذا أفعل به ؟!! فأجابه "الحبر" ضعه مع أبنائك فى نفس الغرفة وأتنى بعد شهر ، فذهب الرجل واشترى الخنزير ووضعه مع اهله فى نفس الغرفة لمدة الشهر عانى فيه من قاذوراته ورائحته كل معاناة وبات يتعجل الأيام ويحسب الساعات للتخلص من هذا الخنزير ، وأخيرا انتهى الشهر بشره فذهب الرجل "للحبر" الذى سأله عن أحواله فأجاب الرجل لقد حول الخنزير حياتنا الى جحيم لا يطاق فقال "الحبر" اذا اذهب الى السوق وبعه ثم أتنى ، ففعل الرجل وعاد فأمره "الحبر" بوضع ثمن الخنزير تبرعا فى صندوق النذور الخاص به ثم أمره بالانصراف والعودة اليه بعد شهر ، ففعل الرجل وعاد بعد الشهر ليسأله "الحبر" عن أحواله فقال لقد أصبحنا فى اسعد حال بعد أن تخلصنا من الخنزير ورائحته وفضلاته ، فقال "الحبر" اذهب يا ولدى واستمتع بحياتك فقد انتهت مشاكلك ، أى أن "الحبر" الماكر لم يحل المشكلة ولكنه اختلق مشكلة أصعب دفعت الى الاستهانة بالمشكلة الأصلية وكلفت صاحبها تبرعا سخيا من رزقه الضعيف أصلا !
ـ وهذا بالضبط ما يفعله الصهاينة فيما بات يعرف ، عند البعض ، بــ "دولة اسرائيل" ! أى اختلاق مشكلة جديدة أو تسليط الضوء على مشكلة قديمة واعادة تفجيرها من جديد لتصبح هى شاغل العرب الأول ومحور مباحثاتهم مع المجتمع الدولى الذى "يتسولون" منه الضغط على الاسرائيليين لعدم المزيد من التصعيد مقابل المزيد من التنازلات التى تقدم لحل المشكلة المختلقة لا المشكلة الأصلية !!!
ـ وأقرب مثال على ذلك مشكلة المستوطنات ، تلك المشكلة القديمة قدم القضية ، والتى يعاود الاسرائيليون طرحها فى الآونة الأخيرة بهذه الصورة التصعيدية لعدة أسباب أهمها فى رأيى :
أولا : محاولة احتواء أطروحات النوايا التى دأبت الادارة الأمريكية الجديدة على اطلاقها منذ استلام دفة الحكم ، والتى تصطدم ، على افتراض حقيقيتها ، باللوبى الضاغط لحساب اسرائيل داخل الكونجرس ، الأمر الذى دفع بادارة "أوباما" الى التقدم بـ "مبادرة" ، غريبة ، لوقف بناء وتوسيع المستوطنات لمدة عام مقابل البدء "فورا" فى عمليات التطبيع العربى ـ الاسرائيلى وخاصة من الجانب السعودى !!!
ثانيا: شغل العرب والهائهم عما يحدث فى القدس الشريف ومصادرة أراضى الفلسطينيين وتغيير التركيبة السكانية واقتحام المتطرفين اليهود المتتالى لباحة المسجد الأقصى المبارك وما يسمى بالتهويد وبرنامج "الترانسفير" أو تطهير الدولة العبرية من العرب حتى تبقى يهودية خالصة ، ومسألة الوطن البديل فى الأردن أو سيناء الخ.
ثالثا: وبعد أن بات هم العرب هو كيفية اثناء اسرائيل عن التوسع فى بناء المستوطنات ، لا استرداد الأرض النى تتوسع عليها هذه المستوطنات ، أصبح من حق الاسرائيليين المطالبة بالثمن ، الثمن الذى كان بعضه انضمام "اسرائيل" الى عضوية ما يسمى بـ "المظلة النووية الدفاعية الأمريكية" المزمع انشائها ، بالحاح من بعض دول الخليج ، للدفاع عن هذه الدول ضد "ايران" سواء كان هناك نية فعلية لانشائها أم أن الاعلان عنها مجرد نوع من "الارهاب" يجبر الايرانيين على المضى قدما فى "مفاوضات الذئاب" ! وبالتالى ، ان أنشئت المظلة ، يصبح الحضور الاسرائيلى داخل الخليج رسميا معلنا سياسيا واقتصاديا وليس سريا كما هو حال البعض هذه الأيام ، وتقدم اسرائيل أوراق اعتمادها لوظيفة "حارس المصالح الأمريكية فى الخليج" بدلا من الايرانيين الذين يحاولون نيل هذا "الشرف" منذ عهد الشاه وحتى الان ، والذى سيفقدونه لا ريب نتيجة مبالغاتهم السياسية وتمنعهم ودلالهم فى التفاوض !
ـ الشاهد انه لو صح "حديث المظلة" ، فسيعلن الاسرائيليون توقفهم عن بناء المستوطنات مؤقتا مقابل "التضحية" بخيرة أبنائهم للدفاع عن أبناء عمومتهم .. العرب ! وأنهم بصفتهم أصحاب القوة النووية الوحيدة فى المنطقة ، فان قوتهم هذه ستوجه ، فقط ، لحماية الخليج رجاله ونسائه وأراضيه ! ولعلنا نعرض الى ذلك فى حديث قادم ان أراد الله تعالى وكان فى العمر بقية .
ـ ضمير مستتر
خير الكلام ، يقول تعالى:
{ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } الرعد11
علاء الدين حمدى
a4hamdy@yahoo.com