الدكتور أحمد السيد حمد.. في رحاب الله

 


 

 

سطر جديد

 

 

                رحل عنا مساء أول أمس الدكتور أحمد السيد حمد أحد كبار رموز الحركة الوطنية السودانية والحركة الإتحادية وأخلص الناس لشعار وحدة وادي النيل ما بين مصر والسودان. ظل الدكتور أحمد السيد صادقاً وأميناً في ولائه لشعار الوحدة فأنخرط في الحزب الوطني الإتحادي منذ بواكير شبابه، وعند إنقسام حزب الشعب عن الحزب الإتحادي الأب في يونيو 56 أصبح الشيخ علي عبد الرحمن رئيساً للحزب الجديد بعد إعتذار السيد محمد نور الدين، والسيد ميرغني حمزة نائباً للرئيس في حين آلت سكرتارية الحزب للدكتور أحمد السيد حمد. وفي عهد الديمقراطية الثانية في الستينات وبعد إندماج الحزب الوطني الإتحادي وحزب الشعب من جديد في الحزب الإتحادي الديمقراطي أصبح الدكتور أحمد السيد سكرتيراً عاماً للحزب وتقلد منصب وزير التجارة إلى 25 مايو 69.

                جاءت مايو وهي متخمة بشعارات اليسار وأعتقلت كافة الرموز السياسية الإتحادية والوطنية وعلى رأسها الرئيس الشهيد إسماعيل الأزهري، وكان الدكتور في طليعة المعتقلين، ثم شُكلت محكمة أسموها (محكمة الشعب) في وقت كان الشارع تجوبه تظاهرات اليسار وهي تهتف (لا تحفظ بل إعدام) ورئيس النظام المايوي يصرخ في الراديو في مطلع كل نشرة إخبارية بجملة محفوظة يقول فيها: (إن أحزاب الأمة والإتحادي الديمقراطي وكلاب صيدهم من الإخوان المسلمين هم أعداء هذا الشعب)! لم تجد (محكمة الشعب) تلك سوى الوزراء الإتحاديين لتحاكمهم ولم يجرؤ النظام على تقديمهم أمام المحاكم المدنية فأنشأ تلك المحاكم الصورية التي رأسها بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة المايوي وحُرم المتهمون حتى من أبسط حقوقهم المتمثلة في توكيل محاميين للدفاع عنهم، في حين تطوع مئات المحامين الشرفاء للدفاع (كأصدقاء للمتهم) ومن بين هؤلاء الأساتذة أحمد خير وعبد الوهاب بوب والتجاني الكارب وغيرهم. مثل أمام تلك المحاكم الصورية قادة الإتحاديين أحمد السيد حمد ويحي الفضلي وحسن عوض الله وأحمد زين العابدين عمر وعبد الماجد أبو حسبو. ومازلت أذكر ذاك اليوم الذي عاد فيه والدي المرحوم حسن عوض الله من جلسة النطق بالحكم. عاد مخفوراً إلى المنزل في حراسة مشددة على الرغم من أن المحكمة برأته وأدانت الدكتور أحمد السيد حمد بالسجن ما يقارب العشر سنوات. دخل البيت متماسكاً وأغلق باب غرفته عليه ومن النافذة رحت اختلس النظر إليه فوجدته يدخل في نوبة بكاء متشنج مكتوم ليس فرحاً بالبراءة التي نالها ولكن حزناً وغماً على الجحود والظلم الذي ناله رفيق دربه، وأكاد أجزم أن تلك كانت أول وآخر مرة أرى فيها والدي يبكي. ولعل بعض الناس مازالوا يذكرون تلك المرافعات السياسية الباسلة التي إنبرى لها أولئك (المتهمون) إذ كانت أول عمل سياسي مناهض لمايو خصوصاً وأنها كانت تبث كسهرات عبر جهاز التلفزيون.

                لعل أكبر مآثر الدكتور أحمد السيد حمد تتجلى حينما كرس منصبه كأمين مساعد لجامعة الدول العربية في توفير مقاعد الدراسة الجامعية لمئات وربما آلاف الطلبة بالجامعات المصرية.. ودونما أي اعتبار لإنتماء الطالب السياسي أو طائفته أو إنتمائه الجهوي. أعداد مقدرة من الأطباء والمهندسين والمهنيين المرموقين اليوم يدينون بهذا الفضل لهذا الرجل العظيم، وقد سمعت الدكتور وهو يحكي ضاحكاً لوالدي كيف أن السيد محمود رياض الأمين العام لجامعة الدول العربية وقتها كان يتندر على إنشغاله بهذا الأمر فكان يردد بلهجته المصرية (هو الدكتور أحمد ده بيشتغل معانا في الجامعة العربية أم في مكتب القبول الجامعي).

        ومما يحزن القلب أن الدكتور أحمد السيد حمد الذي أُدين ظلماً وسُجن ذات يوم بتهمة الثراء الحرام، وكنت أزوره بالمنزل قبل فترة وأعوده في مرضه وهو قعيد داره بالخرطوم بحري فحكت لي رفيقة دربه وزوجته الحاجة فتحية (شفاها الله) أنه إضطر لإقتطاع جزء من صالون بيته وجعله دكاناً مستأجراً حتى يستعين بعائد الإيجار في شراء الدواء.

                نسأل الله الرحمة والمغفرة لك سيدي الدكتور بقدر ما قدمت للوطن من عمر وجهد ومال، وبقدر ما وهبته من الأطباء والمهنيين.

 

آراء