رسائل بونا ملوال الساخنة للحركة الشعبية والمعارضة
24 October, 2009
محمد المكي أحمد
modalmakki@hotmail.com
أثار الأستاذ بونا ملوال مستشار الرئيس عمر البشير نقاشا في الدوحة على هامش مشاركته هذه الأيام في مؤتمر حوار الأديان في جولته السابعة، وهو مؤتمر يعكس مبادرة قطرية انطلقت منذ سنوات، و شارك في المؤتمر شخصيات اسلامية ومسيحية ويهودية من دول عدة لتعزيز الحوار والتعاون والتفاهم بين أصحاب الديانات الثلاث.
بحضور الرئيس الأسبق، الرجل الكبير، الوقور، هاديء الطبع، وجميل الخصال السيد عبد الرحمن سوار الذهب استضافت سفارة السودان مساء الأربعاء الماضي الحادي والعشرين من اكتوبر 2009 بونا ملوال بمبادرة من السفير السيد ابراهيم فقيري للحديث عن قضايا الساعة في السودان.
السفير درج مع اسرة السفارة خلال هذه الفترة على اتاحة فرصة الحوار للسودانيين من مختلف ألوان الطيف مع مسؤولين وسياسيين سودانيين يزورن قطر من وقت لآخر، خاصة ان الدوحة تمثل محطة "عبور كثيف" الى دول أخرى في ظل توسع شبكة الخطوط الجوية القطرية.
شدني في لقاء بونا الذي حرصت على تحيته خلال مشاركته في مؤتمر حوار الأديان وخلال النقاش في قاعة المحاضرات والندوات في السفارة وضوح رؤى الرجل وصراحته، وليس مهما أن أتفق معه أو اختلف، فالأهم أن الرجل طرح أفكاره بوضوح وشفافية، وقد ذكرني بصراحة ووضوح السيد باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان في ندوة شهدتها السفارة السودانية في قطر في وقت سابق وشهدت ايضا نقاشا حيويا مهما.
شدني في كلام بونا تحذيره من عدم اجراء الانتخابات العامة في موعدها المقرر في العام المقبل، وهو دق ناقوس الخطر عندما أشار الى ان "الوضع في السودان سيكون صعبا إذا لم تجر الانتخابات".
بونا جدد انتقاداته لأحزاب المعارضة الشمالية واتهمها بالسعي للاطاحة باتفاق نيفاشا وقال إن المعارضة السودانية التي اجتمعت في جوبا في جنوب السودان أخيرا بدعوة من الحركة الشعبية لتحرير السودان "لا تريد الانتخابات"، وشدد على أنه إذا لم تجر الانتخابات في موعدها "سيكون الوضع السياسي في السودان صعب جدا".
لفت السيد بونا ملوال في هذا الاطار الى أن تسجيل الناخبين سيبدأ في أول نوفمبر المقبل ، و"لا يمكن معرفة من يقول بمقاطعة الانتخابات الا عندما يحل ذلك التاريخ"، وانتقد المعارضة لتهديدها بمقاطعة الانتخابات.
ورغم تحذيره الحركة الشعبية من مقاطعة البرلمان حتى أوائل الشهر المقبل، الا أنه أكد أن الحكومة ملزمة باكمال اجازة ما تبقى من قوانين لأنها "قوانين شراكة".
سئل عن استمرار أزمة دارفور وكيفية اجراء الانتخابات في ظل ذلك الوضع فأعرب عن أمله في التوصل الى حل للأزمة في محادثات الدوحة المقبلة، لكنه أكد انه "سيكون أمرا صعبا عدم اجراء الانتخابات" في حال عدم التوصل الى حل للمشكلة قبل موعد الانتخابات.
بونا انتقد الحركة الشعبية لتحرير السودان وقال "إذا لم تذهب الحركة الشعبية لتحرير السودان الى الانتخابات فلا حق لها في الزام حزب المؤتمر الوطني باحترام اجراء الاستفتاء على تقرير المصير"، ولفت الى أن اتفاقية السلام نصت على أن تشرف على الاستفتاء على تقرير المصير حكومة منتخبة.
لم يتجاهل بونا "الخلافات الكثيرة" بين شريكي الحكم في السودان (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) حول سير تنفيذ اتفاقية السلام ، لكنه قال "ليس هناك سبب لتشكو الحركة الشعبية "من "المؤتمر الوطني" لانها جزء من الحكومة " .
خلال حديثه كرر اتهاماته لأحزاب المعارضة وقال إن "أحزاب المعارضة لا تريد الانتخابات لأنها متأكدة من أن الحركة الشعبية في الجنوب والمؤتمر الوطني في الشمال سيكسبان الانتخابات"، ورأى أن الانتخابات هي "أحسن خطوة لتحقيق التحول الديقراطي"
وأعتبر أن عملية جعل الوحدة جاذبة بين الشمال والجنوب هي مسؤولية مشتركة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان ، وشدد على أن "أحزاب المعارضة الشمالية تعمل الآن للاطاحة باتفاق نيفاشا"
بونا جدد انتقادات لمؤتمر المعارضة الذي نظمته الحركة الشعبية في جوبا، وخص بانتقاداته رئيس حزب الامة السيد الصادق المهدي وقال إنه (بونا) رد في مؤتمر حزب المؤتمر الوطني الأخير على خطاب الصادق في المؤتمر نفسه الذي قال فيه" إنه ذهب الى مؤتمر جوبا لضمان وحدة السودان" وأضاف بونا ملول أنه هاجم مؤتمر جوبا وأعتبره "تخريبا لاتفاق نيفاشا" للسلام بين الشمال والجنوب.
هذه أبرز المواقف والرؤى التي طرحها بونا ملوال في حديثه لعدد من السودانيين في قطر، وأشير هنا الى أن روح الأصالة السودانية طغت أيضا على مناخ اللقاء فحياه الحاضرون كوجه وعقل سوداني رغم أن بعض الحاضرين انتقد مواقف بونا ضد الحركة الشعبية والمعارضة.
ومع حرصي على تحية الرجل خلال النقاش ، قلت له بعد اللقاء إني لاحظت أنه حاكم نيات قادة احزاب المعارضة، وقلت له إني أعتقد أنهم حريصون على السودان والانتخابات .
شدني في تفاعلات اللقاء أن النقاش والحوار جرى بهدوء واحترام متبادل ، وخلا من عبارات الاستفزاز، ولهذا حرصت خلال الفرصة التي اتاحها لي السفير فقيري في نهاية الحوار على أن أدعو الى استمرار هذه الروح حتى ينجح أبناء السودان من بناء وطن واحد موحد ديمقراطي.
أعتقد أن كلام بونا عن أهمية وضرورة اجراء الانتخابات في محله، وقد أشرت غير مرة في مقالاتي في "الأحداث" وفي ندوات أخرى الى ان هناك ضرورات لتهيئة أجواء الانتخابات بازالة حال الاحتقان الراهنة على الساحة السياسية، وهذه مسؤولية أحزاب الحكومة والمعارضة معا، حتى تجرى انتخابات حرة ونزيهة.
أرى أن التوافق على شروط اجراء انتخابات "نظيفة" أفضل من تهديد أحزاب المعارضة بمقاطعة الانتخابات، وأفضل من لجوء الحكومة وأحزابها الى كيل الاتهامات للمعارضة ووصمها بأنها لا تريد الانتخابات، إذ لا يعقل ان يعشق الانتخابات الانقلابيون ويرفضها المنحازون لحقوق الشعب في الحرية والعدالة والمساواة، ومن دفعوا ثمن مواقفهم سجنا وتشريدا ومصادرة حقوق وممتلكات.
أعجبني في مناخ النقاش الذي أثاره بونا مشاركة الاستاذ الأخ ابوبكر القاضي رئيس المؤتمر العام لحركة العدل والمساواة في النقاش استجابة لرغبته وبحرص من السفير فقيري على اتاحة الفرصة له ولي شخصيا عندما علم برغبتنا في التعبير عن آرائنا، وكنا "جارين " في موقع النقاش.
مشاركة القاضي في النقاش في السفارة السودانية خطوة طيبة تحسب له ولحركة العدل والمساواة التي اكدت ريادتها في طرق ابواب الحوار في جولات محادثات الدوحة التي شارك فيها وفد حكومي.
اعتقد أن مشاركة أي معارض أو صاحب موقف مثل القاضي برؤاه الواضحة في نقاش يجرى في بيت السودان (السفارة) يعكس وعيا ونضجا سياسيا، لأن النضال في ساحة الرأى والفكر مهم وضروري للمظلومين والمهمشين والباحثين عن حياة العزة والكرامة والحرية والمساواة.
ابوبكر القاضي حذر من اجراء الانتخابات بمعزل عن دارفور ، وشدد على أهمية أن يشارك الوطن كله في الانتخابات، وأعرب عن خشيته من أن يؤدي قيام انتخابات من دون دارفور الى ظهور أصوات جديدة تدعو للانفصال في دارفور، وهو حذر أيضا من أن نسمع في دارفور نغمة تقرير المصير ومن انتقال هذه العدوى من الجنوب الى مناطق أخرى في السودان.
هذه أبرز المحطات الحيوية في حوار بونا ملوال مع "سودانيي قطر"، ونهديها لأهلنا في الخرطوم والسودان ، ونذكرهم بأن عددا من أبنائكم في قطر يديرون نقاشا رصينا وحيويا كلما اتيحت لهم فرصة الحوار مع مسؤول أو سياسي سوداني باختلاف الوان الطيف.
الأهم أن يتواصل الحوار على مستويات عدة لتجرى الانتخابات في مناخ حرية وعدل، وبعيدا عن حال الاحتقان الحالي الذي يحتاج الى معالجة سريعة بروح سودانية ونبض سوداني يقدم المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية الضيقة.
هذا الكلام أوجهه لأحزاب الحكومة واحزاب المعارضة ، وللرئيس عمر البشير قبل الآخرين لأنه الرئيس، ولأنه القادر قبل غيره على اتخاذ القرارات الصعبة والمهمة والضرورية التي يمكن أن تصنع تاريخا جديدا لوطن رائع يتطلع أهله الى الخروج من دوامة المواجع الى رحاب الاستقرار والحرية والعدل.
برقية: الحوار بين السودانيين يشكل الطريق الافضل لمعالجة الأزمات
عن صحيفة الاحداث 24-10- 2009