بوعودٍ وأحلام عدت ياعيد

 


 

عادل الباز
25 October, 2009

 

 

ظل طيف الأحلام في السياسة السودانية يحلق في سماء الوطن منذ أكثر من ستين عاما ولايزال. لم تعرف أجيال من  السودانيين حلما سوى الإستقلال، سعى على أرض الواقع. عاشت أجيال مابعد الاستقلال أحلاما شتى، لم تقو على تحقيق أي منها. قال نقد في حوار صحفي إن القضايا التي تتفجر في وجهنا الآن هي قضايا الاستقلال. وكان يتحدث عن قضية الوحدة والتنمية والهوية وهي فعلا قضايا وأشواق الإستقلال واحلامه المؤجلة، و هي ذات الأحلام التي أطلّت علينا في يدايات الألفية الثالثة ككوابيس مرعبة.

حلم الوحدة اضحى أثرا بعد عين، وها نحن نتجادل الآن في قضايا الانفصال لا الوحدة. انظر للحوارات التي تدور بين الشريكين هذه الايام برعاية أمريكية!!.الخلاف الأساسي الآن ليس لجعل الوحدة جاذبة، إنما لجعل الانفصال آيس أو أصعب!!.المؤتمر الوطني يسعى لتصعيب الانفصال لا تمتين الوحدة، والحركة  تسعى لانفصال ميسر. أصبح القوم يتحدثون عن جوار أخوي وعلاقات مستقرة بين دولتين، وأكثرهم تفاؤلا ورأفة بالوطن رأى في الكونفدرالية مخرجا ضيقا للحفاظ على شعرة معاوية في الوطن بين الوحدة والانفصال. فات زمان الوحدة لم يعد هناك حلما بوطن واحد حدادي مدادي يصل الى نهاياته، ويتحول الى كابوس ينتظر عاما واحدا ليتحقق.

 على ذلك قس أحلام الهوية الواحدة الجامعة المتنوعة. الهوية بعد أن كانت جدلا بين المثقفين السودانيين لإعادة صياغة وجدانه ووحدت، تحولت لأجندة حربية، وتحولت أحلام النخب في أن يسفر جدل الهوية الى وحدة داخل التنوع، أدت الى تشققات عرقية واثنية سرعان ما أشهرت أسلحتها في وجه بعضها. عجزت النخب الحاكمة أن تصل بالجدل السياسي والفكري لبلورة فكرة  الوحدة والتنوع الثقافي، كأساس مستقر لبناء الوطن. ارتدت هذه الفكرة لتصبح هي أداة هدم  الوطن. الذي قاد لتلك النتيجة في ظني هي خيانة هذه الفكرة والأفكار دائما تنتقم من خائنيها. لم تكن النخب أو في أغلبها تؤمن بفكرة الوحدة و التنوع، بل ظلت تعمل عكس شعاراتها المرفوعة في كل منعطف سياسي. ظلت النخب عبر تاريخيها تسعى لفرض قناعاتها الساسية والدينية والفكرية وحتى الإثنية والجهوية على بعضها وتعلي من شأنها تارة بالانتخابات.. وأخرى بالإنقلابات.. وثالثة بالتآمر واستثارة النزعات الجهوية والإثنية، أي أنها اتخذت التنوع في صراعاتها أداةً لتمزيق الوطن، وليس مصدرا لتمتين الوحدة و الثراء الثقافي.

لاتسألني عن حلم التنمية فهذا حالنا بين يديك، كانت التنمية حلما في خيالنا.. فهوى من بدري، منذ أيام (تحرير لا تعمير) الشعار الأكثر شهرة في شعارات الاستقلال، وهو كافٍ للإجابة على أسباب تخلفنا، وذلك دون التقليل من محاولات النهوض، ولكن  ما أبعد المسافة بينا وبين الأحلام.

لو تطل على المشهد اليوم لرأيت كيف عاد هذا العيد بالوعود والأحلام، يستنهضها من مراقدها البعيدة.

قبل العيد بأيام كان الاستاذ علي عثمان يبشر بوطن حرٍ ديمقراطي، وبعده أكد الرئيس أن الحرية ليست منحة، وبين الحديثين جرى تدوالٌ ثرّ في أمر اطلاق حرية الصحافة بوعود ومواثيق، واتاحة الحرية للأحزاب في تدشين حملاتها الانتخابية بلاقيد أو شرط. هذه الوعود رغم أنها قيد التحقق إلا أنها نشرت في الأرجاء آمالا جديدة وغيرت المناخ القاتم في الساحة السياسية، وساهمت في انعاش الأحلام بانتخابات حرة ونزيهة، رغم أن قناعتي الشخصية أن احتمال إجراء الانتخابات أيا كان شكلها ولونها تتضاءل الآن.. ولذلك حديث آخر.

 هنالك وعد آخر اسرف المسؤولون في تعاطيه، وهو وعد أو قل حلمٌ بطي ملف دارفور قبل نهاية هذا العام. رغم أن كثيرا من الدلائل تشير الى أن قضية دارفور في شوطها الأخير الآن، ولكن لاشيء يشي بإمكانية طي ملفها نهائيا خلال هذا العام. اخشى أن  نسرف في الوعود ونحصد سراب.

انظر ياهداك الله الى أحلامنا أعلاه.. هي ذاتها التي كانت بايدينا بالأمس!! ويلٌ لأمة تحلم بمستقبل كان ماضيا بأيديها. كل سنة وانتو طيبين.

 

آراء