المؤتمر الوطني مسئولية القيادة
25 October, 2009
قيادة حزب واحد لبلد كالسودان بكل تعقيداته، ومشاكله المزمنة، وأوضاعه المتفجرة، لعشرين عاما، تدعو للتساؤل عن العناصر التي جعلت حزب المؤتمر الوطني يصمد في وجه الأعاصير ومحاولات الاقتلاع والحصار والحروب المستمرة، ويستمر في حكم السودان لعقدين من الزمان. الإجابة على هذا التساؤل تعتمد على الزاوية التي تنظر من خلالها لتجربة المؤتمر. ولكن الحقيقة التي لاجدال حولها أن المؤتمر الوطني كان ـ دائما ـ قادرا على العبور من فوق أزماته، فاكتسب عبر الزمن الخبرة اللازمة لفن القيادة. ولكن ليس مُهماً أن تتعلم فن القيادة بالقدر الذي فيه تتحمل مسئوليتها. فقد تكون سياسيا بارعا، بل بهلوانا وتقود البلاد والعباد بطريقة بهلوانية قافزا على الأزمات ببراعة، ولكن هذا ليس كافيا، فالمطلوب دائما هو أن تتحلّى بالمسئولية.
المؤتمر الوطني الذي يقود البلاد الآن تتعاظم مسئوليته بحسب التحديات الماثلة بشكل أكبر. الآن يواجه المؤتمر أشد لحظات تاريخه حرجاً، ويتحمل مسئولية تاريخية في قضايا متفجرة الآن وهي قضية دارفور والتحول الديمقراطي والوحدة أو الانفصال. الطريقة التي سيتعامل بها المؤتمر الوطني تجاه هذه القضايا ستحدد مصير ومستقبل الوطن، وهنا تأتي أهمية مسئولية القيادة، ونعني استشعار المسئولية الأكبر في كل ما يواجهه الوطن، بل والاستعداد للتضحية بالمكاسب الحزبية الصغيرة للمصالح الكبرى، كما تعني المسئولية الابتعاد عن المناورة في زمان التحولات الخطرة. إننا بالفعل بحاجة ماسة لحزب عملاق يقود بأُسس استراتيجية وليس مناورات تكتيكية تسجل انتصارات صغيرة على حساب قضايا مصيرية. كان ولايزال المؤتمر الوطني من أذكى الأحزاب في الحساب السياسي والتكتيك، ولكن الآن عليه أن يصبح أكثر مهارة في اللعب الاستراتيجي. على المؤتمر الوطني أن يتجاوز صراعاته مع الأحزاب الصغيرة، بل ويسعى لاحتمال أذاها، والشروع في المساومة مع الأحزاب الكبرى حول القضايا المطروحة الآن. هذه هي مسئولية القيادة.
من حظ المؤتمر الوطني أن القضايا التي تواجه البلاد قد استبانت، بل وإن طرائق حلها تبدو بين أيدينا، والزمن الذي تستغرقه رحلة العبور للحلول قصير. ما تبقّى فقط هو تفعيل المسئولية والإحساس بها. بالطبع لاندعو أن يكون المؤتمر الوطني مسئولا في وسط لامسئول، فالقوى السياسية عليها أيضا تحمّل مسئوليتها تجاه هذه القضايا، ولكن تظل المسئولية الأعظم على كاهل الحزب الحاكم بلاريب. صُنع التحولات التاريخية يحتاج لكثير من الصبر، وفي القضايا التي نواجهها إلى النظر البعيد. فمثلا دارفور استبانت قضاياها وآفاق حلولها، وظهرت الطرق المؤدية للخروج من نفق الصراع. لم تبقَ إلا العزيمة، وهنا تأتي مسئولية القيادة وفن المساومة والتنازل بالنظرة البعيدة وليس لتحقيق مكاسب آنية.
التحول الديمقراطي الذي ننعطف الآن باتجاهه بسرعة بطيئة بدأت ملامحه، فالحديث عن الحريات تصدّر لأسابيع منشيتات الصحف وهو الشيء الذي كان عما قريب من المحرمات. استحقاقات هذا التحول مُرة وقاسية، ولكن لامناص منها، ولذا فإن احتمال المؤتمر الوطني واستعداده لدفع استحقاقات هذا التحول بالصبر على مخاضاته الصعبة ستتجلّى فيه مسئولية القيادة، فنحن بين إزهار الوطن أو الولوج في حالة إظلام تام أوغيهب. ليس هنالك انقلاب ولاثورة قادمة، فنحن اليوم بين خيارين إما وطن حر ديمقراطي أو لا وطن على الإطلاق.!!
الاستفتاء هو آخر منعطف ونقطة عبور بالوطن لتاريخ جديد بين مد الوحدة وجذر الانفصال. هنا ستتجلّى مسئولية قيادة الوطني في العبور بالوطن إلى بر آمن. لا أقصد بِبر آمن أن يفرض المؤتمر الوحدة أو يتحايل على نيفاشا لتحقيقها، ولكن أن تصل البلاد لبر آمن انفصالا أو وحدة. المسئولية تتجلّى في ألا يعود الوطن إلى مربع الحرب مُجدداً.
الروح التي سادت جلسات المؤتمر العام للمؤتمر الوطني، والكلمات المسئولة، والمناخ الحر الذي أُجريت فيه المداولات والانتخابات لقيادته كلها تشي بأن الحزب قادر بالفعل على تحمل مسئولية القيادة. غدا بإذن الله سننظر مداولات ومخرجات المؤتمر العام للمؤتمر الوطني.