دعوة للخروج من مشاكسات الشريكين الى فضاء الوحدويين … بقلم: السر سيد أحمد

 


 

 

alsir sidahmed [asidahmed@hotmail.com]

 

 أكثر ما يدهش المرء في حملة التوضيحات والتبريرات لتصريحات النائب الأول لرئيس الجمهورية سلفا كير حول أنفصال الجنوب الأشارة الى ان الراحل جون قرنق ذكر نفس العبارة ولم تقابل بمثل رد الفعل الذي قوبلت به تصريحات سلفا. وينسى هؤلاء أو يتناسون ان قرنق قال تلك العبارة بعد التوصل الى أتفاق السلام وكانت الشكوك تملأ النفوس بدليل انه قام شخصيا بتأخير ذهابه الى الخرطوم نحو ستة أشهر أنسحبت فيما بعد على تأخير في جداول تنفيذ الأتفاقية، وهو ما أسهم بدوره في أحداث شرخ في جدار الثقة بين الشريكين، بينما تصريحات سلفا الأخيرة تأتي بعد أربع سنوات أكتملت فيها على الأقل هياكل الحكم وبسطت الحركة سيطرتها على الجنوب ومشاركتها السلطة على المستوى الأتحادي.

ولعل الفارق يظهر في أن آخر عمل قام به قرنق بصفته نائبا أول لرئيس الجمهورية حضوره أجتماع مجلس الوزراء في منطقة (فلج) لأنتاج النفط، حيث هبطت طائرته في مطار أقليمي يماثل مطار بورتسودان وأطلع على الطبيعة على مرافق الصناعة النفطية في المنطقة، الأمر الذي دفعه الى أطلاق تصريحات ممتدحا فيها ما أنجز، وهو ما كان يشير الى أمكانيات التحول المنتظرة، خاصة اذا تم تنفيذ بعض ما أتفق عليه مثل عقد أجتماع لمجلس الوزراء الأتحادي في جوبا كل ثلاثة أشهر، وهو ما لم تبد الحركة حماسا لوضعه موضع التنفيذ. تصريح سلفا الأخير حتى بأفتراض انه قام فقط بتكرار ما ذكره قرنق من قبل يشير الى وضع مختلف وهو ان الحركة لا تزال متمترسة في مرحلة ما قبل نيفاشا.

هذه الملاحظة لم تفت على زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في رده على بعض الأتهامات والمحاكمات التي جرت بحقه وبعض القيادات الشمالية في الندوة التي دعا لها نائب رئيس حكومة الجنوب الدكتور رياك مشار وعقدت على هامش مؤتمر جوبا أواخر سبتمبر الماضي. والشواهد على ذلك عديدة ومن أبرزها ما ورد في الشهادة التي أدلى بها الأمين العام للحركة باقان أموم في يوليو الماضي في واشنطون أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب داعيا فيها الى أستمرار الضغوط والمقاطعة على السودان. ومن مجموعة الأسباب التي ذكرها لتبرير دعوته تلك أن المؤتمر الوطني رفض تقرير الخبراء الخاص بأبيي الذي كان يفترض أن يكون حاسما ونهائيا. ذكر أموم هذا السبب بعد أسبوع بالتمام والكمال من صدور القرار الخاص بأبيي من هيئة التحكيم في لاهاي. وليس مهما ان قرار المحكمة أثبت ان أولئك الخبراء تجاوزوا فعلا التفويض الممنوح لهم في بعض الجوانب، وأنما النقطة الجديرة بالتمعن هذا التمترس وراء مكامن الخلاف القديمة وغض النظر عن حقيقة ان كلا من المؤتمر الوطني والحركة تجاوزا تلك المرحلة وتوصلا الى نهج جديد لتخطي عقبة أبيي، وأن تلك الخطوة أتت ثمارها بصدور الحكم الذي التزم به الطرفان.

خطورة هذا النهج انه يستبعد عامل التراكم والبناء خطوة خطوة لأحداث التغيير المنشود، وللأمانة فهذا قصور تعاني منه الحركة السياسية عموما ويفسر بصورة ما حالة التحرك الدائري والتخبط الذي تعيشه.

أن أفضل وسيلة للتعامل مع تصريح سلفا المشار اليه الخروج من حالة الأتهامات والتبريرات الى فضاء أرحب كان يفترض أن يكون مثار الأهتمام منذ اليوم الأول لتوقيع الأتفاقية التي ألزمت الشريكين العمل على جعل الوحدة جاذبة. وبما ان كلا من الحركة والمؤتمر لا يدعيان تمثيل كل السودان وليسا هما الوحيدان المهمومان بقضية الوحدة، فقد كان يفترض أن تكون هذه القضية هي المدخل لبناء جهد قومي تشارك فيه القوى من سياسية وحزبية ومؤسسات مجتمع مدني وخلافه من أجل الوحدة. ومع الأهمية البالغة لهذه القضية، فأن الوقت لم يفت بعد للقيام بجهد حتى اللحظة الأخيرة قبل الأستفتاء. وربما يكون المدخل العملي تحديد القوى التي لها مصلحة في الوحدة وجمع شملها لتقوم بتحرك في أطار عام يكتسب له بعدا شعبيا يتجاوز الأطار الحكومي المعلب الذي حد من حرية التحرك وجعله أسيرا لخلافات الشريكين ومجال مقايضة لتحقيق نقاط هنا أو هناك. ويقع العبء هنا على القوى الوحدوية داخل الحركة التي تقول انها وجهت بنادقها الى الأنفصاليين بداية قبل أن توجهها الى القوات الحكومية.

الحقيقة البسيطة التي يتجاهلها البعض أحيانا ان ترتيبات نيفاشا اذا نفذت كاملة أو بصورة جزئية تبقى في نهاية الأمر ترتيبات مؤقتة تفسح المجال لترتيبات أكثر ديمومة، بينما قضية الوحدة والأنفصال لها تبعات مستقبلية مستمرة وتحتاج الى نفس أطول والتزام أقوى ومشاركة أوسع. أن القوى التي لها مصلحة في الوحدة عديدة ومتنوعة من تلك ذات التوجه السياسي الوحدوي الى القبائل المتداخلة الى الجنوبيين في الشمال والمسلمين في الجنوب وغيرهم من تجار شماليين، بل وحتى من لديهم أيمان ان هذا عصر الكيانات الكبيرة وأن أفريقيا التي بدأت تضع لبنات لأتحاد يترسم خطى الأتحاد الأوروبي لا يحتاج الى دول جديدة.

على ان أهم ما يمكن أن يسند قضية الوحدة ورود بعض المؤشرات التي تجعلها ضرورة أكثر منها أختيارا. ويمكن الاشارة الى مثال واحد. ففي الخامس من الشهر الماضي وفي تصريحات له للتعقيب على حادث الأشتباك بين الحرس الخاص بفاولينو ماتيب وبعض عناصر الجيش الشعبي، تعرض سلفا كير الى حالة الأنفلات الأمني التي تشهدها بعض الولايات وعزاها في جانب منها الى تدفق السلاح من الشمال متهما المؤتمر الوطني انه خلف هذه التحركات، لكنه في الحادي والعشرين من ذات الشهر أستقبل وزير الداخلية الأتحادي المهندس أبراهيم محمود الذي وصل الى جوبا لوضع الترتيبات النهائية مع رصيفه في حكومة الجنوب اللواء قير شوانق ألونق لتدريب شرطة الجنوب ووضع برنامج مشترك لتأمين الأنتخابات. فالأمن هو الركيزة الأساسية لأي حكم. وحكومة الجنوب لم تجد خيرا من الشمال، المتهم بتصدير القلاقل اليها، لتدريب شرطتها بدليل انها لم تلجأ الى جيرانها في شرق أفريقيا أو المانحين من الدول الغربية للقيام بهذه المهمة. 

 

آراء