الاستثمار التركي الضار بالمهمشين … بقلم: د. تيسير محي الدين عثمان
8 November, 2009
tayseer marawe [tmarawe@gmail.com]
يعمل في السودان أكثر من الف تركي تضمهم قرابة (50) شركة و يعمل معظمهم في الأعمال الصغيرة والمتوسطة وتقوم الدولة بتشجيع الاستثمار المشترك وتقديم كافة التسهيلات لتوطين الاستثمارات السودانية التركية ومنح امتيازات خاصة لها وخاصة في قطاع الزراعة والأمن الغذائي والصناعة والسياحة والبنية التحتية وتعهد السيد رئيس الجمهورية برعاية الاستثمارات التركية في السودان وبتذليل العقبات لها وكذلك عقدت اللقاءات بين رجال الأعمال في البلدين وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 200 مليون وحجم الاستثمارات المشتركة 95 مليون دولار .. كلها من الأمور المفيدة والجيدة ولكن أن تفهم هذه المسائل بشكل خاطئ وأن تترجم في أرض الواقع في غير مواضعها وسياقها هذا ما لا يجب أن يكون وخاصة إذا كانت هذه الاستثمارات تضر بالبيئة وعلي حساب المواطنين وخصماً علي راحتهم وصحتهم.
فعندما تجلب الدولة استثمارات أجنبية يجب أن تراعي تهيئة الظروف لها ويجب مراعاة أن لا تكون لها آثار جانبية مضرة بصحة المواطن وكذلك يجب أن لا تكون علي حساب المواطن في معيشته وعمله وحياته مثل أمر الخصخصة وتشريد عاملين وغيرها من بعض المشاريع القومية الكبرى..... فيجب أن لا نكون منبهرين بكلمة استثمار وأجنبي ولا نحترم المعايير والأسس ونقدم تسهيلات قبيحة علي حساب المواطن البسيط وقد تكون مدخل لوجود الفساد وغياب الشفافية لدي بعض موظفين الدولة البعيدين عن الرقابة والمتابعة أو نتيجة لحماس مفرط موجود لدي بعض السياسيين من مروجي الشعارات البراقة من أمثال بعض معتمدي المحليات وضباطها التنفيذيين والإداريين.
في بعض المناطق السكنية والأحياء الطرفية في الخرطوم انتشرت بعض المصانع التي تنتمي لبعض الأتراك والتي تعمل في الصناعات الأسمنتية والتي تتميز بالصوت العالي لهدير الماكينات والإزعاج وبالاستخدام والاستهلاك العالي للمياه والتي بدورها تعمل علي توالد البعوض والذباب وتلوث البيئة المحيطة وأحالت هذه المساكن لمناطق صناعية لا تخلو من ضجيج وإزعاج وبيئة متردية ونقص في المياه وتم التصديق لهذه المصانع من قبل المحليات بشكل يثير الحيرة والاندهاش ولا تراعي حرمة السكن والاستقرار ولا تراعي ذلك الإنسان البسيط ووضعته في خانة التهميش المفتعل!! وكل ذلك بفعل وأخطاء إمبراطوريات اللجان الشعبية والضباط الإداريين وضباط الصحة الغير أمينين في أداء واجباتهم وتقديراتهم الصحية وأصبحوا هم بذلك أعداء حقيقيون للصحة وليس قائم علي أمرها وكذلك أعداء للمواطن. كذلك نلاحظ غياب الجهات القانونية ممثلة في نيابة حماية البيئة والصحة العامة والمناط بها الوقوف في وجه هذه المخالفات والانحرافات الإدارية وإيقاف التصديقات المخلة بحماية البيئة وصحة المواطن .
و السؤال لماذا هذه الاستثمارات بشكل ملحوظ في أحياء مثل الكلاكلة شرق و ود العقلي والدخينات واللعوتة وسوبا (محلية جبل أولياء) وبعض مناطق بحري ولماذا لا تكون في أحياء مثل الرياض والمنشية والطائف وقاردن سيتي وحي المهندسين أمدرمان والفيحاء شرق النيل والمغتربين بحري وحي كافوري ...أليس الإنسان فيها بنفس المعايير؟.... انتشرت هذه المصانع بشكل مزعج وسط أحياء ومساكن هولاء المهمشين والبسطاء, و المواطنين في تلك المناطق لا حول لهم ولا قوة ولأن أحياءهم تخلوا من المسئولين العمالقة والوزراء والوجهاء. واللجان الشعبية وضباط الصحة والإداريين يعبثون بحياتهم واستقرارهم وكذلك من الأمور الملفتة عدم مراعاة أولئك النفر من الأجانب لحرمات المساكن حيث التجوال بالأردية (SHOTR) والقمصان (T-SHIRT) في بلد تعاقب نسائها المواطنات المرتديات للبنطال؟
أين ذلك الزمن الجميل والذي يمنع إقامة دكان وسط الحي إذا رفض احد المواطنين ذلك وكان القانون يشترط موافقة المواطنين والسكان جميعاً ومن المؤسف أن نري أن المناطق السكنية والأحياء تتحول لأسواق ومناطق صناعية وقد يكون المبرر الظروف الاقتصادية السيئة وأحوال المواطنين والتي دفعتهم لتحويل أجزاء من مساكنهم لدكاكين استثمارية.... كيف بالله بدولة تحترم إنسانها بالسماح بالاستثمار الأجنبي وسط المساكن وفي الأحياء السكنية ولا تراعي الحرمات والطمائنينة والهدوء للمواطن ..هل يعتبر المسئولين المحليين مثل هذه الأعمال و الاستثمار انجاز أو تحقيق لأهداف الدولة مثل شعار تشجيع الاستثمار الأجنبي ويلغي من الذاكرة المواطن وأهله..... بالله عليكم احترموا مواطنيكم وجنبوهم الضرر وقننوا شكل الاستثمارات ولا تجعلوها تخضع لتفسيرات وجهل اللجان الشعبية ومرضي النفوس وعديمي الضمير من الضباط الإداريين وضباط الصحة.... كذلك أحسنوا اختيار من يتولي أمر المواطن وخاصة في مناطق التهميش.
وكذلك يجب علي الدولة والتي تمنح هذه التصديقات أن تقيم وتنشئ مثل هذه الأعمال في المناطق الصناعية وبعيداً عن السكان والسودان بلد واسع و به مساحات شاسعة وليس من التسهيلات تضييق الخناق وأذية مواطنيك وبالذات البسطاء من أهل الأرض..... كذلك يجب علي المسئولين العمل بالتوصيات الواردة في البيان الختامي للمنتدى السادس ( منتدى شفافية الأداء المالي الحكومي) والذي عقدته الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتاريخ 14/6/2009 م والذي أورد في توصياته العامة الفقرة الآتية نصها ( الاهتمام بنشر ثقافة البيئة والشفافية ودور الأثر البيئي عند التصديق لأي مشروع استثماري)... نتمنى أن لا تكون توصيات حبر علي ورق وأن تعي الحكومة و سلطات المحليات ذلك الأمر .