قانون الصحافة السوداني على “طاولة قطرية مستديرة”

 


 

 

 

محمد المكي أحمد

MODALMAKKI@HOTMAIL.COM

 

بدعوة من "مركز الدوحة لحرية الاعلام" الذي أنشيء حديثا في قطر لتعزيز الحريات الصحفية والدفاع عن الصحافيين في أي مكان في العالم ، شاركت في مناقشات  "طاولة مستديرة" نظمها المركز يوم الأربعاء الماضي الحادي عشر من نوفمبر 2009  في فندق ريتز كارلتون في الدوحة.

 

سعدت بتلقي دعوة  للمشاركة بآرائي لأسباب عدة، وفي صدارتها  أن المجتمع القطري  يفتح  قلبه وعقله للمقيمين من الصحافيين وغيرهم من خبراء الاعلام للمساهمة بافكارهم وملاحظاتهم حول قانون المطبوعات والنشر الحالي،تمهيدا لاصدار قانون جديد  للصحافة لمواكبة  التطورات الدستورية المهمة التي شهدتها قطر في هذه المرحلة.

 

الأهم في هذا السياق أن مناخ النقاش الذي ساهم في إثرائه إعلاميون وإعلاميات من قطر اتسم  بالحرية والحيوية والجرأة في طرح الآراء، ولم يكن أصحاب الدار وحدهم هم الذين مارسوا الشفافية في النقاش بل شاركهم زملاء عرب.

 

كان معنا  بل يتقدمنا من أبناء السودان الأخ العزيز والصديق والصحافي الكبير الأستاذ  بابكر عيسى مدير تحرير صحيفة"الراية" القطرية ، وهو وجه وعقل مشرف لوطنه وزملائه.

 

السبب الثاني لسعادتي بالمشاركة في النقاش الحر الشفاف أن مشاركتي في   النقاش جاءت بعد  اقرار  قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية الجديد الذي اجازه البرلمان في  الثامن من  يونيو 2009،  ووافق عليه  الرئيس  عمر  البشير في الخامس من يوليو 2009 .

 

قبيل مشاركتي في النقاش طلبت من  صديقي وزميل الدرا سة الجامعية الدكتور هاشم

الجاز الأمين العام للمجلس القومي للصحافة  والمطبوعات الصحفية في  السودان ان يرسل لي مشكورا نص قانون الصحافة الجديد.

 

 أعرف أهم مرتكزات قانون الصحافة السوداني  لكنني أردت الاطلاع على نصه كاملا، خاصة أنه شكل مصدر ارتياح في أوساط الصحافيين والقوى السياسية السودانية في بلد لا يتوافق أهله بسهولة على شيء ، وأشكر الدكتور الجاز وهو صديق وزميل ومحل تقديري واحترامي الشخصي على ارسال نص القانون.

 

قلت  أثناء مداخلتي  وفي مقالات  سابقة في صحيفة "الأحداث" أن  القيادة القطرية  تملك أرادة سياسية لتحقيق التحولات والاصلاحات ,وانها بادرت من دون  ضغوط  داخلية (تحدث في دول أخرى ومنها السودان)باجراء استفتاء على دستور  قطري دائم ، ونص على حرية الصحافة والقضاء واجراء انتخابات برلمانية بمشاركة المرأة وعددا من البنود المهمة التي ترسم خارطة الحقوق والواجبات بكل وضوح.

 

عبرت أثناء كلامي في مناقشات  "الطاولة  المستديرة" عن قناعتي بأهمية أن يأتي  قانون الصحافة الجديد في قطر بلباس  عصريا،  لا يواكب فقط المرحلة الحالية بل يستشرف آفاق المستقبل، في اشارة الى التطورات الايجابية المتسارعة التي يتوقع أن تشهدها قطر مستقبلا.

 

صدور قانون جديد للصحافة في السودان أثار  ارتياحي،  لأنه تضمن موادا مهمة شددت على حرية واستقلال الصحافة وحددت حقوق وواجبات الصحافي، بل تحدثت عن "حصانات"الصحافيين.

 

قلت للسيدة مريم الخاطر نائبة مدير مركز الدوحة لحرية الاعلام وللزملاء المشاركين في النقاش  أن أحدث قانون للصحافة  في العالم العربي   صدر في السودان، وهو قانون مهم ، و حرصت أثناء حديثي على توجيه الشكر والتقدير لكل الذين ساهموا في  بلورة واصدار قانون عصري للصحافة في السودان .

 اعتقد في حال الالتزام بتطبيق قانون الصحافة السوداني الجديد فان الصحافة السودان يمكن أن تشهد ازدهارا وانتعاشا وتزداد قوة ومنعة لتلعب دورها في بناء المجتمع  كسلطة رابعة ينبغي أن تمارس دورها بشفافية وحرية ومسؤولية أيضا.

 

الكلمة الحرة حق للصحافي و ضرورية للمهنة ، لكنها   مسؤولية أيضا   والتزام بحقوق الناس وحقوق المجتمع، وينبغي أن تلعب دورها بعيدا عن الاسفاف والسقوط في وحل الشتائم والقذف والتجريح.

 

وعدت الأستاذة مريم الخاطر وهي كاتبة صحافية قطرية وناشطة اجتماعية  أن أرسل  اليها عبر البريد الالكتروني نسخة من قانون الصحافة السوداني حتى يتم الاطلاع  على  مرتكزاته المهمة والمفيدة.

 

الكاتبة الصحافية الأستاذه  مريم آل سعد أكدت  أثناء حديثها على  ضرورة الاطلاع  على قانون الصحافة السودانية الذي أشرت اليه أثناء مداخلتي، كما دعت أيضا الى الاستفادة من قانون الصحافة الكويتي.

 

عميد الصحافة القطرية والأمين العام لاتحاد الصحافة الخليجية الاستاذ ناصر العثمان الذي تشرفت بالعمل معه قبل سنوات في صحيفة "الشرق" عندما كان يرأس تحريرها، نوه بقانون الصحافة  الكويتي، ودعا الى حرية إصدار الصحف في قطر، واعتبر أن حرية الصحافة تبدأ بحرية أصدار الصحف، كما شدد  على ضرورة أن يخلو قانون الصحافة الجديد من عقوبة السجن للصحافيين.

 

ناصر العثمان  شخصية قطرية لها باع وتاريخ طويل في الصحافة القطرية والخليجية، ويتمتع بروح انسانية رائعة، وقد اتاحت لي فرصة العمل معه قبل سنوات الاطلاع عن قرب على نبضه الانساني.

 

هو انسان متواضع ويعامل زملاؤه باحترام، وكان زملاؤنا من الصحافيين العاملين في قسم الأخبار والمحررين المناوبين ليلا محل اهتمامه، إذ  كان يحرص على تقديم وجبة عشاء يومية للساهرين في المطبخ الصحفي، وكنت أتولى مسؤولية  "محرر مناوب" مرة في الأسبوع ،ومن دون شك كنت  سعيدا بروحه الانسانية وبوجبة متنوعة أيضا تسر "الساهرين"  .

 

في هذا السياق أشير الى أن الاعلاميين والاعلاميات القطريين وبعض العرب المشاركين  في مداولات المائدة المستديرة طرحوا رؤى مهمة، وكان القاسم المشترك أن القيادة القطرية تتمتع بارادة سياسية أدت لتحولات عدة في قطر.

 

الاعلاميون والإعلاميات القطريون أكدوا ضرورة أن يؤدي قانون الصحافة الجديد الى انشاء جمعية للصحافيين في قطر (اتحاد )، وتنوعت الرؤى التي طرحوها وهي لم تخل من توجيه انتقادات شديدة للاعلام المحلي خاصة عندما يقارن بقناة الجزيرة الفضائية، كما وجهت انتقادات أخرى للمؤسسات الصحفية.

 

زميلنا بابكر عيسى  أطلق  دعوة الى "توطين" الصحافة القطرية  في اشارة الى قلة عدد الصحافيين القطريين العاملين في الصحف القطرية، وأعتقد أن هذه واحدة من اهم القضايا التي بنبغي أن تكون محل عناية الحكومة والمجتمع القطري بكل مؤسساته.

 

أعتقد أعتقادا راسخا أن الصحافة لا تعرف حدود الزمان والمكان،  لكنني أرى  أن ابن البلد أي بلد هو الأقدر على التعبير عن هموم وتطلعات أهله ومجتمعه، وهذا لا يضير الصحافي المهني العربي العامل في قطر في شيء ، لأنه أبواب العمل أمامه مفتوحة في الاعلام القطري في ميادين عدة ومنها الصحف وغيرها من المؤسسات الاعلامية التي تحتاج الى  قدرات وخبرات عربية ، هذا فضلا عن أن المجتمع القطري هو مجتمع مفتوح ليس للعرب وحدهم بل لكل خلق الله، فهو باختصار مجتمع "أمم متحدة" أي مجتمع عالمي انساني، وأخيرا فان الأرزاق بيد الله.

 

بانتظار صدور مشروع قانون جديد للصحافة في الدوحة  يبدو  أن مواصلة النقاش في قطر حول مشروع  القانون الجديد ستفيد  المعنيين بصدور قانون عصري للصحافة في قطر، وحتى يكون  قانونا للمستقبل  وليس للحاضر فقط.

 

هذا هو التحدي، لأن قطر  بدأت  خطوات على طريق تحقيق "رؤية قطر الوطنية 2030"، وهي خطة استراتيجية أطلقها ولي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ، و تسعى الدولة  لتحقيقها في كل مجالات الحياة، انطلاقا من سياسة  أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني التي تهدف الى بناء مجتمع يوازن بين الأصالة والمعاصرة ، و يواكب روح العصر ومتطلباته  في كل جانب من جوانب الحياة.

 

برقية: من يعمل للمستقبل يكسب الحاضر والمستقبل معا

عن صحيفة (الأحداث) 13-11-2009

 

آراء