يومياتي في المحاكم

 


 

عادل الباز
15 November, 2009

 

ونســـة جمعـــة  ساكت

 

يبدأ يومي عادة باجتماع التحرير الصباحي ولكن قبل ذلك غالباً ما تطالعني ورقة صفراء على البوابة تقلب صباحك أصفرا. هذه الورقة  ما هي إلا إعلان لجلسة محكمة ما. عادة لا آبه لها ولكن الأستاذ عماد جلجال المحامي الذكي والمتخصص في قضايا الصحافة والنشر يعاجلني بتلفون أثناء الاجتماع يا أستاذ المحكمة جاهزة والقاضي استخرج أمر قبض فانهض مسرعاً لمحكمة الخرطوم شمال. وهناك أجد خَلْقاً تضيق بهم مساحات الطوابق الثلاثة في المحكمة فتسأل يا رب ديل كلهم متهمين ومجرمين ولا شاكين ولامجهجهين زينا؟. شى قضايا قتل وشي شيكات وشي قضايا نشر وسرقة واختلاس كل أنواع المصائب تحت سقف واحد.

 ما يسبب لي حرجاً دائماً في تلك الأجواء تلك الحوارت العجيبة  وخاصة حين يقبل عليك أحد القراء المشفقين ويسأل يا أستاذ إن شاء الله حاجة خفيفة؟ فأرد خفيفة...

. شيك ولا بلاغ نشر ساكت؟

 لا الحمد لله بلاغ نشر ساكت!!.

لا أدري كيف يعرف القراء أننا لا نرتكب إلا حماقتان هما النشر والشيكات من غير رصيد!!. ذات صباح دخلت المحكمة ووجدت صديقي الأستاذ حسين خوجلي معتمراً عمامته ومتوسط جماعة من الشاكين يجادلهم فأرهفت السمع (يا أخونا انتو قايلين الصحافة دي شنو؟ الصحافة دي ما كتابة بالليل ومحاكم في الصباح!!.) فضحكت ضحكة مجلجلة في المحكمة وقلت في نفسي هذا أحدث تعريف للصحافة في عالم اليوم وهو ينسجم مع الأجواء التي نعيشها وهذا سيضاف لحسين في ميزان حسناته القليلة. كل أسبوع لو شاء الكريم سأحكي لكم قصة من يومياتي في المحاكم.

عووضة طلع انقاذي!!

نزعت الشابة النبيهة المثقفة الأستاذه رشا عوض عن الأستاذ صلاح عووضة صفة ديمقراطي وخلتو قاعد ساكت. إذ كتبت بالأمس في صحيفة أجراس الحرية (فليس كل من عارض الانقاذ ديمقراطي فالديمقراطية بألف ولام التعريف منظومة قيم ومفاهيم في القلب ومنها حقوق الإنسان وحقوق المرأة، والإنقاذ منهج تفكير وكل من تطابق معه فهو انقاذي). هكذا انضمَّ الكاتب الصحفي صلاح عووضة إلى ركب الانقاذ ملتحقاً بركب الطيب مصطفى وإسحق والكرنكي ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

شماتتي في الأخ صلاح بلاحدود. لأنه لم يقف معي يوم جردني صديقي الأستاذ الحاج وراق من صفة ديمقراطي وساهم في فلسفة الأمر باعتبار أنه خريج فلسفة. حشرني وراق في زمرة الإسلاميين المستنيرين. ولم أعرف حتى اليوم سبب تجريدي من صفة ديمقراطي.

الآن كيف سيخرج صديقي الحاج من ورطة هذا الانقسام وسط الديمقراطيين. فالحاج يعمد صديقه عووضة بأنه مناضل ديمقراطي أصيل وها هي المناضلة رشا تحشره في زمرة الانقاذيين وفي غرف الحاج الإنقاذ والديمقراطية بينهما برزخ لا يلتقيان. الحقيقة الأستاذ عووضة لا هذا ولا ذاك. ولكنه كاتب حر يتنقل بين الصحف برشاقة تماماً كصديقنا الرشيق محمد محمد خير في تنقلاته بين الأحزاب. الناس لم تتعود على انتقالات الكتاب بهذه الرشاقة. ولذا فإذا ما أطل صلاح من على صفحات الرأي العام قالوا إنه مؤتمر وطني وإذا اعتلى رئاسة تحرير صوت الأمة زعموا أنه طائفي وإذا قرع الأجراس مع وراق قالوا إنه ديمقراطي وإذا انتقل الى السوداني قالوا إنه إسلامي مجهجه زي عروة وألحقوه بالانقاذ. ياصلاح لا تحزن من هذه التجريدة التي حرمتك من صفة عزيزة لديك. أنا قنعت من توصيف ديمقراطي وأصبحت صحفي فلوستوب فاقتدي بي وكن فيلسوفاً فولستوب.!!

يا لطيف من  لطيف!!

 ما تخاف الله يا محمد لطيف كارثتين في اليوم ترفع الجريدة لألف جنيه وتجيب خبره في يوم واحد!!.لا بد أن ذنوبي قد تعاظمت في الآونة الأخيرة نسأل الله المغفرة. ما يدلني على تعاظم ذنوبي أن الله سلَّط عليَّ صاحب التحليل العظيم (يحلل ما حرَّم الله) محمد لطيف ولا يرحم صديقاً ولا حبيبا.

اختار لطيف من آلاف العمارات التي تكتظ بها الخرطوم أن يستأجر مكتباً فوق رأسي بعمارة بشير محمد سعيد. لطيف يعاوده في اليوم أرتال من البشر فلا يجدونه فهو لا يستقر على مكتب ولا على حال منذ أن فُصل من تنظيم المستقلين فيمرون على مكتبي فيُهدَر يومي في استقبال ضيوف لطيف. هذه واحدة والثانية انه يترصد الأحداث فما أن يلمع كاتب على صفحاتها إلا وتحدثه نفسه بتصعيده للطابق الاعلى. كنت قد بذلت الغالي والنفيس في استدراج السيد الرئيس المرتقب دكتور عبد الله علي إبراهيم (ودردقتو) من أمريكا الى القاهرة حتى استقرَّ به المقام في الخرطوم فاصطدته كاتباً بالأحداث وبدون مقدمات انتقل الرئيس عبد الله الى الرفيق لطيف في الطابق الأعلى كاتباً بالأخبار. فذهبت الى لطيف غاضباً من اختطافه للرئيس المرتقب وانفجرت قائلاً (يا لطيف... ياخي نحنا بنربي لينا في رئيس مالك شايلو ما كفاك واحد (البشير نسيبو) شنو الطمع ده) فضحك بخبث كعادته وقال (والله الدنيا ما معروفة أحسن الواحد يعمل ليهو احتياطي). شفتو الزول ده بعمل في رئيس احتياطي!!. ياسيادة الرئيس البشير وسيادة الرئيس المرتقب احذرو لطيف وقولو يا لطيف منو!!

الأرباب والأدروب

كاتبان من أروع  كُتَّاب الأحداث توقف إرسالهما الأسبوع الماضي وإني لجد حزين. ساهم الأرباب الصديق فتحي الضو بجهد وافر في تأسيس هذه الصحفية وسقاها من رحيق قلمه وفكره كتابات معمقة. عرفت فتحي كاتباً فذاً في كتابه سقوط الأقنعة فدعوته للكتابة في جريدة الصحافة ولكني سرعان ما غادرتها للأحداث فدعوته للكتابة أيضاً فرحَّب وبدأ معي رحلة شقاء أشهد أنني أرهقته ولكنه صبر صبر أيوب لعامين لم يمنعه  الرهق من الاستمرار في الكتابة بالأحداث. فتحي وفياً لقلمه وقيَمه ولذا غضب حين اختلفت تقديراتنا حول نشر مقال وتوقف عن الإرسال. لا زلت آمل في عودة فتحي لمنصة الأحداث إكراماً لقرائه الذين ظلوا طوال الأسبوع الماضيين يستفسرون عن مقاله الراتب بالأحد.

أما الأدروب محمد عثمان إبراهيم الذي ودَّع الأحداث منتقلاً للغراء الرأي العام فقد أثرى الأحداث بكتاباته الممتعة الغنية بالمعلومات وكان محمد قد لفت القراء إليه في فترة وجيزة بذاكرته ومهارته الأنيقة في الكتابة واهتماماته المتنوعة في الأدب والسياسية بل عرفه القراء أحد المناضلين الأشداء في صحارى الشرق. اختار محمد الرأي العام وهي جديرة به وهو جدير بها فهي صحيفة محترمة في سوق فاض بالغثاء الصحافي. أهم من كل شيء أن يستمر الأدروب محمد عثمان إبراهيم في الكتابة وله أن يغرد في أي غصن شاء فنقرأ ونستفيد نحن معشر قرائه ومعجبية. لك التحايا الود يا صديق أينما حللت.

 

آراء