أوباما.. استراتيجية ممسوخة (2 ـ 2)

 


 

عادل الباز
15 November, 2009

 

 

في المؤتمر الصحفي الذي عقده دكتور غازي صلاح الدين في أعقاب إعلان الاستراتيجية الأمريكية، تساءلت عن المطلوبات الأمريكية الواجب إنفاذها، فتنال الحكومة بموجبها الحوافز. السيد غازي فاجأني بأن الأمريكان لايقدمون مطلوبات بل وصفات!!. فمثلا يتحدثون عن حل مشكلة دارفور، ولكن ماهي مطلوبات هذا الحل؟ لن تجد إجابة سوى أنهم سيعملون وسيحثون المجتمع الدولي، وهكذا. الاستراتيجية تتحدث عن توحيد الحركات المسلحة، ولكن حين تأتي الى عناصر التنفيذ التي أعلنتها لاتجد شيئا واضحا لتحقيق هذا الهدف.

أغرب ما تحتويه هذه الاستراتيجية أنها تتحدث عن حوافز مبهمة وتهديدات حاضرة!!. (يجب ألا يكون تقييم التقدم والقرارات المتعلقة بالحوافز والمثبطات على أساس عملية الإنجازات ذات الصلة _ أي التوقيع على مذكرة تفاهم أو إصدار مجموعة من تأشيرات الدخول_، وإنما استنادا إلى تغيرات على أرض الواقع. بمعنى أن على الحكومة أن تحقق إنجازات، وليس تسهيل التأشيرات وما الى ذلك). الإنجازات المطلوبة كيف تتحقق؟. مثلا في مفاوضات دارفور الحكومة وحدها لا تملك الحل، فهناك أطراف أخرى على الطاولة، فكيف تُعاقب الحكومة إن أحسنت وأساء الآخرون؟ بمعنى أن الإنجاز أو التقدم ليس فعلا حكوميا صرفا حتى تُكافأ عليه أو تُعاقب. الآخرون غائبون عن أفق جزرة وعصا الولايات المتحدة, على عاتق الحكومة وحدها تحقيق الإنجاز على أرض الواقع، وهذا تحيز واضح لطرف في العملية السياسية، وهو لايساعد في إنهاء الأزمة، كما لايساعد في إبقاء أمريكا ومن ورائها المجتمع الدولي وسيطا نزيها. والغريبة أن ممالاة الحركات المسلحة أو الحركة الشعبية وضع ثقل الضغوط كلها على كاهل الحكومة سياسة مجربة لم تزد الأوضاع إلا تعقيدا. فالأوفق هو أن تتخذ الإدارة الأمريكية سياسة متوازنة بين الأطراف كافة.

في مجال التهديدات الحاضرة توكد الاستراتيجية على (المساءلة عن جرائم الإبادة الجماعية، والفظائع أمر ضروري من أجل المصالحة والسلام الدائم، يجب أن يكون واضحا لجميع الأطراف). أي إن البندقية المحشوة معلقة على رأس النظام، مهما تقدم في عملية السلام في دارفور، أو طبق اتفاق السلام الشامل، أي لافائدة تُرجى من أي فعل إيجابي؟ إذن ما جدوى أن يقدم المؤتمر الوطني التنازلات مادامت النتيجة واحدة؟. ومن أغرب ما ورد في الاستراتيجية هذه العبارة (إن الدعم السوداني لأهداف مكافحة الإرهاب هو جهد مقدر، ولكن لا يمكن استخدامه كورقة مساومة للتهرب من مسؤولياتها في حل قضية دارفور أو في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل). يعني ذلك على السودان مواصلة تعاونه مع أمريكا في مجال مكافحة الإرهاب دون ثمن!!. فأمريكا لاتعرف سياسة التعاطي الإيجابي، بل سياسة الضغط المستمر، فعليك أن تدفع باستمرار دون مقابل.

في ختام البيان أكد واضعو الاستراتيجية على أنها (ستعمل على متابعة وتقييم مؤشرات التقدم أو تعميق الأزمة بصورة ربع سنوية، وسيشتمل هذا التقييم على معايير الدعم من أجل تحقيق التغيير الايجابي، وعليه فإن التقدم نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية سيؤدي إلى تقوية الخطوات لتعزيز تنفيذ هذه التغيرات، وفشلها من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الضغط على الأطراف.). ألم أقل لكم إنها استراتيجية ممسوخة!! فبدلا عن النص بأن التقدم نحو تنفيذ أهداف الاستراتيجية سيقود الى رفع العقوبات وتعزيز الحوافز، أكدت أن التقدم سيؤدي لتقوية الخطوات لتعزيز التغيرات!! هذه لولوة أمريكية بامتياز. في حالة فشلها فإن التهديد بالضغط معلن ولا لبس فيه!!.

استراتيجية أوباما لاجديد فيها، ولن تقدم حلا لأي قضية، وخلت من الحوافز، وأكثرت من التهديدات، وتجاهلت القوى السياسية الأخرى، وقدمت دعما للمتمردين والجنائية، دون أن تبدي أي مرونة تجاه الحكومة السودانية، ولذا فإن من الطبيعي أن ترفضها. اللافت للنظر أن القوى السياسية والحركات المسلحة وحتى حكومة الجنوب لم تحتفِ بها. الجهة الوحيدة التي رحبت بها هي منظمات الضغط الأمريكي التي عبّرت الاستراتيجية في كثير من مناحيها عن سياساتها وأهدافها.

 

آراء