رسائل دولية جديدة للحكومة السودانية والحركات المسلحة

 


 

 

 

محمد المكي أحمد

modalmakki@hotmail.com

 

 تابعت رسائل اقليمية ودولية مهمة أطلقها اجتماعان شهدتهما قطر خلال الأيام القليلة الماضية، أولهما  حسب  تاريخ الانعقاد اجتماع عدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني السودانية للمرة الأولى في قطرفي اطار المشاورلات بشأن أزمة دارفور، فيما شكل  اجتماع دولي حضره ممثلو تلك المنظمات السودانية من رجال ونساء الحدث الثاني.

أعتقد أن دور منظمات المجتمع المدني السودانية مهم وحيوي للسودانيين، خصوصا أن ممارسات ومهمات  تلك المنظمات،  وخاصة اذا كانت غير حكومية،  ينبغي أن تتسم بكثير من  الشفافية والتفاعل مع هموم السودانيين وتطلعاتهم في دارفور وغيرها  من مناطق السودان.

اجتماع ممثلين لعدد من منظمات المجتمع المدني الدارفورية في الدوحة شكل خطوة هي الأولى من نوعها في اطار وساطة اللجنة العربية الافريقية المعنية بملف دارفور التي يرأسها رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.

حسب تأكيدات وزير الدولة القطري  للشؤون الخارجية السيد أحمد بن عبد الله آل محمود فان التشاور مع  منظمات المجتمع المدني السودانية  سيتواصل في الفترة المقبلة.

 هذا التحرك القطري يعكس موقفا ايجابيا يحسب أيضا للوسيط الدولي الافريقي السيد جبريل باسولي في اطار أدواره التي تتكامل مع جهود القطريين  في سبيل  حشد الدعم الشعبي لدور الوساطة  الذي يهدف  الى مساعدة السودانيين على طي ملف المواجع والأحزان والمآسي في دارفور.

لكن يبدو في هذا السياق  أن هناك ضرور ة  لدعوة منظمات مجتمع مدني سودانية لم تشارك في لقاء الدوحة الأخير  وشخصيات دارفورية وسودانية عدة  معنية  بملف دارفورللاجتماع في قطر في وقت لاحق، او التشاور مع الوساطة بالطريقة التي تراها مناسبة،  في اطار سلسلة لقاءات  مطلوبة مع أطراف سودانية أخرى ، لأن القضية لا تعني الحكومة والحركات المسلحة ومنظمات المجتمع المدني  فقط ، بل تهم كل القوى السودانية،  السياسية والاجتماعية.

في هذا السياق  أنه  أرى يمكن الاستفادة من تقرير   ثابو مبيكي  رئيس لجنة الحكماء الأفارقة بشأن الوضع في دارفور والسودان،  لأنه وفقا لما أعلنه رئيس مفوضية الاتحادج الافريقي السيد جان بينغ في الاجتماع الدولي في الدوحة   يوم الاربعاء الماضي (18 نوفمبر 2009) "هو مرجعيتنا (مرجعية الافارقة) للسلام في دارفور".

أعتقد أن التواصل القطري المستمر مع لجنة الحكماء الأفارقة سيشكل عملا ايجابيا يحسب لقطر، وللجنة العربية الافريقية المعنية بملف دارفور،  وهو ضروري  لأن الرؤية الافريقية مهمة جدا  لانجاح الدور القطري ولتطوير الجهود الهادفة لحل أزمة دارفور.

في هذا الاطار بدا واضحا في الاجتماع  الأول لمنظمات المجتمع المدني الدارفورية في قطر أن ممثلي الادارة الأهلية المشاركين في اللقاء و ممثلي منظمات المجتمع المدني الحاضرين يدعمون جهود الدوحة  لتسوية لملف دافور، وقد أطلق مشاركون في الاجتماع  دعوات للحكومة  لتحسين الوضع في دارفور حتى قبل التوصل الى اتفاق مع الحركات المسلحة ينهي الأزمة.

ممثلو تلك المنظمات وجهوا رسائل واضحة للحركات المسلحة للاسراع في توحيد مواقفها وصفوفها وخوض خيار المفاوضات والحوار، والاسراع في تحقيق حلم الموجوعين المعذبين والمهمشين في دارفور.

في سياق تفاعلات اجتماع منظمات المجتمع المدني  في الدوحة  أطلق الاجتماع الدولي بمشاركة دول كبرى  رسائل مهمة وساخنة وحيوية للحكومة السودانية والحركات المسلحة، وأعتقد أن على جميع الأطراف السودانية أن تقرأ تفاعلات الاجتماع  بتمعن وتمهل لتتأمل ما في السطور وما وراء الكلمات.

رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وهو رئيس اللجنة العربية الافريقية المعنية  بملف   دارفور افتتح الاجتماع الدولي  بطرح  رؤية بلاده ازاء أزمة  دارفور وقال إن  " رؤيتنا للتسوية السلمية في دارفور تقوم على مباديء الوحدة والسلام والتنمية  وعلاقات حسن الجوار بين تشاد والسودان،ورأى  أن تلك العلاقة " بدأت تأخذ طريقها للتحسن".

هذه رسالة مهمة، فقطر تربط بين السلام والتنمية، وهذا تعهد حيوي أيضا  لم تعلنه حتى الدول  الكبرى في الاجتماع ماعدا اليابان التي تحدثت عن منح ومساعدات مالية قدمتها لدارفور.

أقول  في هذا السياق  إن على السودانيين تأمل دور أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في اعمار جنوب لبنان، وكيف نجحت الدوحة في جمع الأطراف اللبنانية كافة في قطر وبينها حزب الله  الذي يعرف صدقية الدور القطري الذي كان وراء نجاح الوساطة القطرية بين الفرقاء اللبنانيين.

كان لافتا ومهما أيضا في الاجتماع الدولي في الدوحة تأكيد  رئيس الوزراء القطري وتشديده  على أن "مهمة حل النزاع في دارفور هي تحدي في المقام الأول للسودانيين"وقوله "آن الأوان لبناء حل سياسي عادل لدارفور خاصة والسودان عامة".

هذه رؤية سياسية مدركة لتعقيدات الأوضاع في السودان، وهي تعني اهمية أن  تتضافر جهود السودانيين كافة من أجل حل مشكلاتهم، وأعتقد ان القطريين يمكن أن يلعبوا دورا أكبر ليس بالمساهمة فقط في حل أزمة دارفور،  بل في مساعد ة القوى السياسية السودانية  على التوصل الى حل سياسي لتعقيدات الأوضاع الحالية، خاصة أن   القيادة القطرية  ترتبط بعلاقات طيبة منذ سنوات  مع قيادات و ألوان الطيف السياسي  السوداني.

ومن دون شك فان  الدعم الاقليمي والدولي لدور الدوحة وصدقية سياستها ودبلوماسيتها في التعامل مع الملفات الساخنة اقليميا ودوليا يشكل حقيقة لافتة وحيوية يمكن أن  تساهم قطر من خلالها  باتخاذ مبادرة تمد  جسور التواصل مع  الفرقاء  السودانيين للتشاور بشأن دارفور في سبيل دعم الدور القطري الذي هو محل احترام وثقة السودانيين ، كما أن التواصل القطري مع القوى السودانية كافة في مقدوره أن يساعدها على التوافق حول القضايا الخلافية الكبرى  والمعقدة والصعبة.

أعجبني في تفاعلات الاجتماع الدولي الذي عقد يوم الأربعاء الماضي في قطر(  18- 11- 2009 ) الذي شاركت في دول مهمة وبينها  أميركا وبريطانيا وفرنسا  وكندا وروسيا والأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الافريقي ودول عربية مهمة مثل  السعودية ومصر وسورية وليبيا الى جانب تشاد  أن المجتمع الدولي وجه رسائل لطرفي النزاع في السودان( الحكومة والحركات المسلحة).

تلك الرسائل تؤشر الى  تغييرات ملموسة في السياسة الدولية، واعتقد أن ذلك يتم تحت مظلة  توجه جديد  لادار الرئيس باراك أوباما، ووفقل لمؤشرات عدة فهو  يسعى الى  النظر الى  حقائق الاوضاع في السودان بعينين لا بعين واحدة.

اوباما  يدعم دور قطر ومساعيها لاحلال السلام في دارفور، لكنه في الوقت نفسه لا يغمض عينه الثانية  ولا يغض الطرف عن رؤية  الأوضاع المأساوية في دارفور ولا يتجاهل ولا يستطيع أن يتجاهل  قضايا الحريات والتحول الديمقراطي في السودان وارتباطها الوثيق  بقضايا   وأزماتهم .

أعجبني أيضا الطرح الذي قدمه  مندوب  ارتريا الى  الاجتماع الدولي حول دارفور في قطر السيد عبد الله جابر،  وهو مسؤول  وسياسي ارتري  بارز ويعرف الخريطة السياسية والاجتماعية في السودان بحكم علاقات تاريخية بين البلدين ومن خلال تجاربه الشخصية  مع الشأن السوداني والسودانيين.

ارتريا قالت على لسان جابر "إن علاج قضية دارفور دون علاج قضايا السودان الأخرى سيكون صعبا "، وأعتقد أن المسؤوا الارتري أكد على  حقيقة كبرى يصعب تجاهلها.

هذه الحقيقة تحتاج الى قراءة  متأملة، لتتكامل  دروب المعالجة لأزمة دارفور، ولأزمات السودان، وأعتقد أن رسالة   رئيس الوزراء القطري لدى افتتاحه الاجتماع الدولي حول دارفور أصابت الهدف حين قال إنه    "آن الأوان لبناء حل سياسي عادل لدارفور خاصة والسودان عامة".

هذا الكلام يرمز الى  الى وعي بتعقيدات وترابط الأزمات السودانية وبينها أزمة دارفور ، وأعتقد أن هذا الفهم سيؤدي الى تحرك  أكثر شمولا مع كل الأطراف المعنية بأزمة دارفور أو بمعنى آخر أزمة السودان في دارفور.

برقية: مثلما انتهى زمن الانقلابات انتهى زمن الاستبداد بالرأي والانفراد بحكم السودان.

 

 

 

آراء