هل تتحقق أمنية مارسيل خليفة ليغني للحرية والسلام في السودان؟

 


 

 

 محمد المكي أحمد

modalmakki@hotmail.com

 

في سياق تأمل لتفاعلات وخلافات  مرحلة ماقبل الانتخابات السودانية  المقررة العام المقبل، و التي آمل أن تتم في أجواء الشفافية والنزاهة والحرية وعدم الاحتقان الضار والمدمر ،  تذكرت  وقائع "ونسة" جرت قبل أشهر  في فندق شيراتون الدوحة مع  الأخ العزيز  الموسيقار المبدع و المطرب اللبناني العالمي مارسيل خليفة.

 

قطر التي تشهد نهضة في كل مجالات الحياة، تتيح أجواؤها فرصا نادرة  لمقابلة شخصيات عربية ودولية مهمة  أومشهورة أو معروفة   في كل مجالات الحياة، ويشمل ذلك أهل  السياسة والتعليم والفن والرياضة وغيرها.

 

خلال الأشهر القليلة الماضية  التقيت غير مرة الأستاذ مارسيل خليفة وهو معروف لدى أهل الفن الجميل والابداع والكلمة المنحازة للانسان والعدل والحرية، ويعرفه سودانيون كثيرون ممن يقدرون ويفهمون فنه  وموسيقاه  وابداعه الدافيء الجميل .

 

الدوحة  التي تحولت الى ساحة لاستقطاب المبدعين في ظل مناخ يتسع للناس من كل لون وجنس ولغة ودين وفكر  مدت يد التحية للمؤلف الموسيقي  مارسيل خليفة، ودعته للاشراف على انشاء "اوركسترا قطر الفلهارمونية".

 

هذه الخطوة، وهي الأولى من نوعها في المنطقة،  تحققت على أرض الواقع بدعم من زوجة أمير قطر  الشيخة موزة المسند رئيسة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع التي تضم عددا من الجامعات الغربية ، وهي  أتاحت للقطريين وغيرهم من طلبة وطالبات دول المنطقة والعالم أن يتوجهوا الى بلد خليجي عربي لينهلوا العلم من جامعات  عالمية عريقة.

قبل أيام حضرت حفلة لمارسيل خليفة في الدوحة مع فرقة " اوركسترا قطر الفلهارمونية   وحضرت الحفلة  الشيخة موزة زوجة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وكارلا ساركوزي زوجة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزى.

 

هذه الفرقة  الموسيقية القطرية العالمية التي  استقطبت  عازفين من أكثر من 30 بلدا  وصفت بأنها " اول اوركسترا سمفونية محترفة في منطقة الخليج "وتضم   بين عازفين  وعازفات من جنسيات عدة ، بينهم العربي والايراني والأوروبي وغيرهم ، وتشكل انطلاقة الفرقة أحدث اطلالة ورسالة فنية موسيقية قطرية للعرب والعالم، وهي تؤكد أن قطر تتألق في كل مجالات الحياة، ويشمل ذلك  الدبلوماسية  والسياسة الراشدة وانتاج الغاز والرياضة (اسباير) والموسيقى أيضا.

 

يسعدني  أي لقاء ولو كان عابرا مع مارسيل المبدع والانسان ، وخلال جلسة في بهو شيراتون الدوحة حول فنجاني شاي وقهوة سألت مارسيل  عن دوره في انشاء فرقة  " اوركسترا قطر الفلهارمونية"، وتشعبت دروب "الونسة".

 فاجأني   مارسيل  من دون أن أسأله بحديث عن اعجابه بالسودان الشعب والتنوع الثقافي ورغبته في عمل مشروع فني للسودان، وقال أتمنى أن أزور السودان (مرة أخرى) "لأغني  للحرية والسلام"، وأكد  أنه   "مستعد للذهاب للسودان"، ليكتب عن جمال التعددية والتنوع السوداني وليقدم "هدية للسودان"  تتمثل في "مشروع فني".

 

لا استطيع  وصف سعادتي بما سمعت من أمنية واستعداد  رائع لمارسيل خليفة، وكلما قررت الكتابة عن ذلك  في مقالي الأسبوعي في "الأحداث" تداهمني قضايا السودان الساخنة ، وأقول لنفسي انتظر حتى يحين الوقت المناسب لمارسيل ليغني للحرية والسلام في السودان،  لكنني وجدت الآن توقيتا مناسبا لأبلغ أهل السودان وشعب السودان ومبدعي السودان وقادة السودان في الحكم والمعارضة رسالة مارسيل خليفة.

 

الوقت مناسب ليساعد السودانيون أنفسهم من خلال الحرص الشديد المطلوب  ليتم تجاوز حال الاحتقان الراهن، حتى تجرى الانتخابات في أجواء تضمن نزاهتها  وشفافيتها، و لنؤكد  للعالم قدرة السودانيين باختلاف أعراقهم وثقافاتهم وأديانهم  على تخطي أسوأ  وأشرس التحديات التي أفرزتها الديكتاتورية،  من أجل بناء  وطن رائع بانسانه وزاخر بثرواته وقادر على أن يحتضن مارسيل خليفة ليغني للحرية والسلام.

 

مارسيل  اسم  وعلم وعنوان شامخ في دنيا الفن الملتزم بالحرية وحقوق الانسان، وهو يحمل في أعماقه ووجدانه وعقله وقلبه محبة  للسودانيين.

 

 حدثني مارسيل  بكثير من الحب عن الاحتضان السوداني له أثناء زيارته للسودان قبل نحو ثلاث سنوات، ووصف زيارته للسودان والحفل الذي أقامه  على المسرح القومي بأم درمان مع فرقته بأنها ذات "حضور أخاذ"،   قال  " كنت أسمع عن السودان  ، كنت أريد اكتشافه، لكن الظروف لم تسمح لي (في وقت سابق) بسبب الأوضاع والانقطاع الثقافي " في العالم العربي.

 

وأضاف  "أتمنى   أن أعاود التجربة (زيارة السودان)، مشددا على اعجابه  بهذا "البلد الغني بثقافته، وبهذا المزيج الجميل من الثقافة الافريقية والعربية والثقافة الصوفية"وهذا نص كلامه.

 

سألت مارسيل و هو يستعيد ذكريات زيارته للسودان  مع فرقة "الميادين" أثناء تلك "الونسة" التاريخية عما أعجبه في السودان فقال "عندما تذهب الى السودان تجد نفسك أنك في مكانك الأصلي ، لم أزر السودان الا مرة واحدة ، لكنني دعيت الى بيوت الناس،   وهم لا يعرفونني، كانوا يولمون لنا ، وفي احتفالات أخرى غير رسمية ، في الأحياء والساحات".

 

وشدد مارسيل "علينا أن نكسر تلك الحدود المصطنعة بين الشعوب الواحدة كي نستفيد كلنا من هذا التراث في هذه المنطقة ، خاصة التراث الغني الموجود في السودان".

 

لم أجد هذا الاسبوع أروع وأنبل وأبلغ من رسالة مارسيل خليفة للسودانيين، وهي رسالة تجيء في توقيت خطير و مهم للسودانيين ومن يحبون أهل السودان .

 

الوطن يتأرجح الآن  بين محاولات  العبور الى المستقبل الواثق الرائع المستقر في مناخ جديد تسوده الحرية والعدالة والمساواة وبين أوضاع تنذر بأسوأ العواقب وأقسى الظروف التي تهدد بضياع الثراء الثقافي والفني والانساني الذي يزخر به وجدان السودانيين قبل أن تزخر به أرضهم في وطن المليون ميل مربع .

 

  في المليون ميل مربع هناك مليون رؤية ابداعية، مستمدة من تراث تعددي وتنوع عرقي وديني يمكن أن يشكل بوابة العبور الى غد مشرق، إن توافق السودانيون على  المساهمة الجماعية في وضع  سيمفونية جماعية ترمز الى نجاح جماعي في اخراج السودان من مستنقع الشتات والتمزق الى رحاب التلاحم والعناق الحار.

 

مناخ الحرية والسلام  في حال تحقق على أرض الواقع،  سيتيح  لمارسيل خليفة  فرصة  تاريخية جديدة ليغني  للسودان في مرحلة جديدة شفافة ، أملي  أن يتكاتف  أبناء وبنات السودان من أجل بناء مجتمع عصري  مستقر، حتى يتنفس الوطن الصعداء، وحتى تشرق شمس السودان الجديد المتجدد بعقول أبنائه ونبضهم العاشق للحرية  والعدالة والمساواة.

 

دروس التاريخ تؤكد أن شمس الحرية والعدالة والمساواة  لن تشرق الا بقناعة جماعية سودانية حتى يطل  المولود الجديد(بعد الانتخابات إن جرت في مناخ الشفافية والنزاهة والتوافق الوطني على هذا الخيار )   برعاية أهل البيت كلهم،   وفي احضان الجميع أيا كان مستوى  التباين في الرؤى والتوجهات.

 

 في حال اشراق شمس "السودان الجديد" أو "العريض" أو "سودان العدالة والمساواة"  الذي لا يقصي أحدا ولا يتقاتل أبناؤه،   فان السودان سيتحول الى ساحات خضراء لا ميادين  دماء، والساحات الخضراء  ستدعو   حتما  رسميا وشعبيا مارسيل خليفة  ليغني للحرية والسلام في السودان، وليرقص الجميع رقصنا الشعبي بتعددية فنونه وايقاعاته الدافئة  مع مارسيل خليفة المبدع والانسان.

برقية: أهداني مارسيل خليفة قبل أشهر "سي دي" جديد  يضم ابداعاته،  وبينها "يطير الحمام"  و"جواز السفر".. عاش مارسيل.. وعاش السودان.

                                   عن صحيفة (الأحداث) 4-12- 2009

 

 



T

 

 

 

\

 

 

 

 

آراء