الطيب مصطفى وإتجاه معاكس ضد الوحدة

 


 

سارة عيسى
24 December, 2009

 

       في بداية عهد الإنقاذ لمع نجمع حسين خوجلي كرمز إعلامي في التلفزيون السوداني ، عبد الباسط سبدرات كان أحد ضيوف برنامجه ، أتذكر أن حسين خوجلي سأل سبدرات : لماذا دافعت عن رموز نظام مايو وأنت تعلم أنهم قد تورطوا في تهريب يهود الفلاشا إلى إسرائيل ؟؟ فرد سبدرات ببساطة : القانون يسمح بالترافع عن " قواد " فلماذا لا يسمح بالترافع عن سياسي ؟؟ صدق سبدرات هذه المرة وهو كذوب ، فبشاعة الجريمة لا تمنع المتهم من التمتع بكافة حقوقه القانونية ، " فالبينة أو حد الظهر " تعني التأكد من طبيعة الأدلة المقدمة حتى ولو كانت الواقعة  قيد الدراسة هي الزنا بعد الإحصان ، في أمريكا تمتع منفذو أحداث الحادي عشر من سبتمبر بحق الدفاع ، وهناك محامي يهودي مشهور يترافع عن المسلمين في أمريكا ، لذلك هذا لا يقدح في دور المحامي ساطع محمد الحاج أنه دافع عن مغتصبي الطفلة مرام ، فدوره يضمن تحقيق العدالة بالشكل المطلوب ، ولا ننسى أن الإعلام سكب حبره على هذه القضية ، والقضاء السوداني متهم بالتأثر بما يجري في الشارع والإعلام  ، وهو قضاء ليس مستقل ومشكوك في مصداقيته ، لذلك ما قاله الطيب مصطفى في قناة الجزيرة : أنه ما كان ليشارك في هذا البرنامج لو علم أن خصمه هو ساطع الحاج ، فهذا قول مردود عليه  ، لأننا علمنا بأمر هذا اللقاء قبل أسبوع من موعده ، أحد السودانيين الذين يعيشون في الدوحة ، على ما أعتقد أن إسمه هجو الأقرع ، وهو شخص مسجل مؤتمر وطني من نسخة الطيب مصطفى في كافة المنتديات الإلكترونية  ، كتب هذا الشخص عن موعد المقابلة قبل أن تعلنها إدارة قناة الجزيرة ، الطيب مصطفى كان يعلم بطبيعة الشخص الذي سيواجهه وهو ساطع محمد الحاج لكنه لم يعد له العدة أوأستهان به ، الطيب مصطفى كان سيحضر حتى ولو كان خصمه هو الشيطان ، فالطيب مصطفى  له ثأرات وجراح عميقة وأحزان خاصة لا يبوح بها ، فأنا أحترم أحزانه ولكنني قبل أن ألعن الوحدة والجنوبيين سوف ألعن كتبة المشروع الحضاري ومنظريه الذين دفعوا الشباب للموت وعاشوا بعدهم  حتى كتابة هذه السطور ، فلا يؤذيهم في الحياة سوى أمراض الضغط والسكري وزيادة الكولسترول ، فلا زال منهم الوزراء والأمراء وهم في أرذل العمر ، لم يكن الطيب مصطفى في هذا اللقاء متماسكاً ، وشخصيته الحادة جعلته يفقد بوصلة الحوار كما كان سريعاً في الإستجابة للإستفزاز عندما رفض التبروء من شعارات الحرب الدينية ، فهو أعتبرها جهاداً ولذلك سقط في الفخ الذي نصبه له هذا المحامي الشاب ، وهذا أحد أسلوب الترافع في المحاكمات ، عندما تعلم أن المتهم حاد الطباع ومعتد بنفسه يشرع المحامي في إستفزازاه بالحديث حتى يسقطه في فخ الإعتراف ، ولقد شاهدت فلماً للمثل جاك نيكلسون وتوم كروز والممثلة ديمي مور تدور أحداثه حول نفس السياق ، فالجنرال المتكبر " جاك نيكلسون " يعترف في ثورة الغضب أنه أمر جنوده بضرورة تعذيب أحد المنتسبين الجدد حتى فارق الحياة ، لكن خطورة ما يروج له الطيب مصطفى أن مشروعه الجهوي يتجاوز حدود أهل الجنوب ، وأخشى أن يكون اهلنا في دارفور والجزيرة وشرق السودان هم مواطنين درجة ثانية ، مرجع ذلك حديثه عن الجنوبيين المسلمين الذين من المفترض أن يكونوا قد هربوا بإسلامهم لشمال السودان ، فالطيب مصطفى لا يتقاسم معهم النساء والأموال والطعام كما فعل أهل المدينة مع الصحابة الذين هاجروا من مكة ، بل أقترح الطيب مصطفى أن يتم قبولهم في الشمال كلاجئين ، هذا ليس هو المشروع الحضاري الذي بمقتضاه أستقبلت الإنقاذ المهاجرين من مصر وتونس والجزائر ، وقد تحدث الطيب مصطفى عن إنفصال الشمال عن الجنوب وليس إنفصال الجنوب عن الشمال ، فهو لا يريد أن يضمه السودان مع شخص يختلف معه في السحنة ، ثم تحدث عن علاقة الزواج بين القطط والفئران ، ولا أعلم لماذا يستأثر القط وهو حيوان مسالم بخيال رجال الإنقاذ ، فالرئيس البشير يرفض تسليم المحكمة الدولية حتى جلد " الكديس " .

في حلقة الإتجاه المعاكس الأخيرة فشل الطيب مصطفى في الترويج لخطابه العنصري الذي يروج له في المنتديات ، بل أنه ينسى ما كتب مما يدفعني أنه أحياناً يُكتب له ولا يكتب ، وقد أتضح ذلك في تنصله عن مقولته الشهيرة " أن القانون يكتبه الخارجون عليه " ، فقد حاول صياغ الجملة من جديد عن طريق الزعم أنه وجدها مكتوبة في شارع في مدينة نيويورك في السبعينات ، لا يقرأ الطيب مصطفى في بلاد العم سام إلا أقوال النشاز ذات التراكيب العجيبة ، فلا يشد الرحال لمكتبة الكونغرس ، تكفيه من الثقافة عبارات مكتوبة في الشارع  ، بالفعل هذا الرجل يعيش في غيره عهده ، وعشرة من أمثال الطيب مصطفى يستطيعوا نشر حروب الكراهية في كل أنحاء العالم وليس في السودان فحسب ، يزعم الطيب مصطفى أن الجنوب بعيد عن العاصمة الخرطوم لذلك لن تهدد إسرائيل الشمال عن طريقه ، فربما لا يعلم خال الرئيس أن المساحات الجغرافية اصبحت فراغية ، إسرائيل قصفت شرق السودان ثلاثة مرات في شهر واحد ولم تكن تل أبيب  تقع بالقرب من الخرطوم ، والدكتور خليل إبراهيم زحف أكثر من أربعة آلاف كيلومتر وهاجم أمدرمان في فجر أغر ورجال الإنقاذ نيام ، لا تأمن نفسك بقرب المسافة أو بعدها ، فالجيوش لا تقطع هذه المسافات على ظهور الخيل والجمال ، في هذا البرنامج بدأ الطيب مصطفى مثل الوعاء الفارغ الذي لا يسمعك غير الضجيج ، وحتى أنه ليس بقارئ جيد للتاريخ والسياسة ، تمرد توريت سببه عقلية مثل عقلية الطيب مصطفى أعتقدت أنها ورثت الجنوب من المستعمر الإنجليزي ، وقد بدأت الحادثة معزولة وذاتية وفي لحظة ذهاب العقل تحولت لتمرد شامل ، ثم تكرر هذا الخطأ عندما تراجع الرئيس النميري عن إتفاقية أديس اببا ووصفها بأنها ليست قرآنا أو إنجيلاً ،فقبل يومين وصف الغازي صلاح الدين تفاهم مشار وعلي عثمان بمقولة  تذهب في ذات السياق : لماذا نتباكى على بقرة إتفاق علي عثمان ومشار المقدسة ؟؟  

سارة عيسي

sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]

 

آراء