بين غازي صلاح الدين وحركـة الظلم والظلام!!
27 January, 2010
زفرات حرى
eltayebmstf@yahoo.com
لا أظن أن أحدًا من الناس كائنًا من كان يستطيع أن يفسِّر ما طالبت به حركة العدل والمساواة بزعامة خليل إبراهيم بين يدي مفاوضات الدوحة إلا في إطار جعل التوصل إلى حل لمشكلة دارفور أكثر استحالة من تحويل الشمس إلى قمر والأرض إلى سماء وإلا تصديقًا لما صرح به خليل إبراهيم مما نُشر في بعض الصحف بأن هناك قرارًا دوليًا بتأجيل حل مشكلة دارفور إلى ما بعد تقرير المصير ومعرفة نتيجة الاستفتاء في إشارة فاضحة إلى أن خليل قد نُصب ناطقًا رسميًا للمجتمع الدولي الذي اتّخذ ذلك القرار!!
فترة انتقالية جديدة مُدتها سبع سنوات تُقبر بموجبها نيفاشا بعد أن تُقتل خنقًا يتناوب خليل خلالها رئاسة الجمهورية رغم أنف الشعب السوداني الذي يُفترض أنه سينتخب رئيسًا للجمهورية بعد أقل من ثلاثة أشهر بل وحكم الخرطوم رغم أنف شعبها الذي يُفترض أنه سينتخب واليًا له خلال نفس الفترة... الخرطوم التي اجتاحتها خيول مغول خليل إبراهيم بإذن من شيخه القابع في المنشية يتلمّظ ويتضاحك للفضائيات بل ليس حكم الخرطوم وحدها وإنما يشترط خليل إبراهيم كذلك أن يحكم دارفور وكردفان ويُمنح 42% من السلطة الاتحادية!!
بربكم هل من شيء يقتل كمدًا ويفري الكبد ويفقع المرارة ويجعلنا نبكي ليل نهار على وطن أنهكناه (وبهدلناه) وجعلناه أضحوكة بين الأمم أكبر من ذلك؟!
أين بربكم العدل والمساواة في مطالب خليل إبراهيم ثم ألا تصدقون الآن أن مجتمع خليل وعبدالواحد محمد نور الدولي لا يريد حلاّ لأزمة دارفور إلا بعد صدور قرار الاستفتاء ومعرفة نتيجته وحدة أو انفصالاً ليقرر بعدها هل يسمح لخليل بأن يتفاوض ويتفق أم يضع الشروط المستحيلة في عجلة الحل؟!
وأنا أكتب الكلمة الأخيرة حانت مني التفاتة إلى تلفزيون السودان فوجدت عبارة (مجلس التخطيط الإستراتيجي يواصل انعقاده في الخرطوم)!! عن أي تخطيط إستراتيجي نتحدث ونضيِّع أوقاتنا وأموالَنا ونحن لا ندري لأي وطن نخطِّط؟! هل نخطط إستراتيجيًا لوطن لا أحد منا يدري كيف سيكون حاله بعد أقل من عام.. هل هو السودان القديم بهُويته ومساحته الجغرافية أم سودانان مختلفان أكثر من اختلاف الليل والنهار؟! هل هو وطن يحكمه خليل إبراهيم بالبندقية ويرأسه وعاصمته أم وطن آخر هو الذي عهدناه من قديم وأي تخطيط إستراتيجي ذلك الذي لا يعرف كيف ستُقتسم السلطة والثروة في بلاد مأزومة وتعِِبة يتآمر عليها بنوها ويكيدون لها آناء الليل وأطراف النهار رغم ذلك نتحدث عن إستراتيجيات وخطط ربع قرنية وعن سياسة سكانية ونهدر أموالنا وأوقاتنا؟!.
أعود لخليل ودارفور لأقول إن المجتمع الدولي (اسم الدلع لأمريكا وحلفائها) هو الذي أشعل دارفور بعد أن وعد بإطفاء لهيبها إذا وُقِّعت نيفاشا وهو الذي حرَّض الحركات المسلحة وارتهن قياداتها بعد أن وعد بحملها على التوقيع إن وُقِّعت اتفاقية أبوجا.
قطفت الحركة الشعبية ثمار نيفاشا وحكمت الجنوب وشاركت في حكم الشمال لكنها ظلت تقود المعارضة ضد حكومتها!!.
قطفت حركة أركو مناوي ثمار أبوجا ودخلت القصر وظلت جزءاً من تحالف المعارضة ولم تتوقف الحرب في دارفور التي كان يُفترض أن وقفها هو الثمن الذي يُدفع في مقابل دخول القصر ولكن دخل مناوي القصر ولم يوقف حرباً ولم يتخلَّ عن المعارضة!!.
وها هو خليل يتمنى ويحلم وتهرول الحكومة لاهثة وراءه رغم أنها تعلم عن مطالبه المستحيلة كما تعلم أن أمريكا قررت كما قال ناطقها خليل أن الحل ليس الآن!!.
لكن لماذا تؤجِّل أمريكا الحل إلى ما بعد الاستفتاء؟!. الجواب يكمن في السؤال.. ولماذا وعدت أمريكا بحل دارفور بالضغط على حَمَلَة السلاح بل برفع العقوبات فور توقيع نيفاشا ثم أخلفت وفعلتها مرة أخرى في خُدعتها الأخرى «أبوجا»؟!.
إن أمريكا بالتحالف مع إسرائيل ليس في تخطيطها الإستراتيجي أن ينعم السودان الشمالي بالاستقرار وسواء انفصل الجنوب أم لم ينفصل فإنها تعمل في إطار ذلك المخطط مع تغيير نوعي حسب مقتضيات الحال بعد الاستفتاء وهل كسبت أمريكا من الحرب على العراق إلا إخراجه من الصراع العربي الإسرائيلي رغم خسائرها المادية الهائلة التي أثَّرت على مكانتها العالمية؟!.
بنفس المنطق هل تذكرون النظرية التي عبَّر عنها آفي ديختر وزير الأمن الإسرائيلي الذي قال إن السودان ظل بنداً ثابتاً في إستراتيجية إسرائيل منذ قيامها وذلك بغرض إنهاكه بصورة مستمرة حتى يظل مُقعداً عن أي دور إقليمي أو دولي؟!.
إن مشروع السودان الجديد متعدِّد الرؤوس والأهداف وكله يستهدف السودان الشمالي وهُويته الحضارية سواء تمخض عن الاستفتاء وحدة أو انفصال ودارفور جزء أصيل من تلك الإستراتيجية وذلك المشروع.
هل تذكرون زيارة عبد الواحد محمد نور لإسرائيل وتباهيه وتفاخره بذلك من خلال حديثه للقنوات الفضائية بل وفتحه مكتبًا في تل أبيب ووعده بفتح مكاتب لإسرائيل في ولايات السودان؟!.
هل تذكرون دفاع خليل إبراهيم عن إقدام عبد الواحد محمد نور على فتح مكتب في الدولة الصهيونية؟! هل أذكِّركم مجدَّداً بتصريح خليل عن رؤية المجتمع الدولي لحل مشكلة دارفور وشروطه التعجيزية؟!.
هل أذكِّركم «باعتقال» عبد الواحد محمد نور في برج مخملي لدى اليهودي ساركوزي الذي يتحكَّم في حركاته وسكناته؟!.
ورغم ذلك يقود الحصيف الذكي غازي المفاوضات إلى الدوحة.. ورغم ذلك يتعب مرة وأخرى وثالثة ويلهث خلف سراب إدريس ديبي بالرغم من علمه بأن ديبي تماماً كعبد الواحد مرتهَن لولي نعمته ساركوزي الذي أنقذه حين حوصر قصره من الموت!!.
لكن أين مصر من كل ذلك وهي الغافلة عن أنها جزء لا يتجزأ من إستراتيجية الاحتواء والكيد لأمنها وأمن السودان القومي من خلال ما يجري في السودان؟! متى تدرك أنها تغرق في بحر الغفلة والارتهان للأعداء على حساب دورها التاريخي ومستقبلها؟!.