نظرات في الواقع السياسي!! … بقلم: الطيب مصطفى
4 February, 2010
زفرات حرى
eltayebmstf@yahoo.com
أتيح المجال لهذه المناصحة القيمة التي سطرها معلم غيور مخاطباً بها القائمين بأمر السياسة في بلادنا من قياداتنا السياسية.
نظرات في الواقع السياسي!!
واقعنا السياسي يموج، ويضطرب، ثم يشهد في مجمله هدوءاً نسبياً ربما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، ولا أعني بذلك كل السودان بالطبع، فالجنوب ما زالت أخباره تترى، وأحداثه تتسابق، وبلادنا تتقدم نحو انتخابات يرجو لها البعض أن تكون حاسمة لأمور طال الاختلاف فيها، ويتشاءم منها آخرون ويرون أنها لاتزيد البلاد إلا فرقة واختلافاً، ويقف فريق ثالث على هامش الأحداث لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك، ولكأن الأمر لا يعنيهم في شيء بل وربما أدار البعض رؤوسهم إلى قنواتٍ أخرى ليتابعوا الأحداث في بلاد أخرى، وأخبار المال والاقتصاد ومشاهدة مباريات الكرة، وأموراً أخرى يعف القلم حتى عن الإشارة إليها مما تموج به هذه القنوات أو تلك.
وتتمثل مظاهر هذا الهدوء حتى في دارفور التي شهدت فعاليات الدورة المدرسية، بل وتشهد الاتفاقيات بين بلادنا وتشاد، وتشاد هذه ذكر عنها الرئيس البشير مرة أنه وضع يده على يد رئيسها إدريس ديبي في داخل بيت الله في مكة وتعاهدا على ألا تعمل دولة منهما ضد الأخرى ولم تراعِ هذا العهد، وهو عهد كما ترون عظيم، فالنبي الكريم ـ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ كان يُشهد في الأمور العظيمة على الزمان والمكان، فما الجديد عند تشاد ـ وفرنسا ما زالت تجثم على صدرها؟! ـ وليست تشاد وحدها التي تكيد لنا، وإنما يأتينا كيدٌ من جنوبنا، وآخرُ أشد مضاضة من جهة شمالنا لأنه ظلم ذوي القرى، وثالث من حولنا وهكذا..
لم أقصد بهذا المدخل الإثارة، ولكن المتابع لمسيرة هذه البلاد العزيزة بعين مُنصفة يعرف ما تتعرض إليه من كيد لا يعلم مداه إلا الله وهذا الكيد يأتيها من قريب ومن بعيد بل ومن بعض أبنائها.
وربما يتساءل البعض: هذا هو الهدوء قد عرفناه فأين العاصفة؟ هل هي الانتخابات؟ فأقول: لا ليست هي الانتخابات اتفق الناس حولها أم اختلفوا، وليست هي أي نوع آخر من الأطر التي يتطلع الناس إليها لاختيار ولاتهم، وإنما العاصفة تكمن فيمن يريد أن يجعل الانتخابات مطية لأغراض أخرى على رأسها زعزعة الأمن الذي ننعم به ولا نكاد نحسه إلا عند فقده، ولا شك أن «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها». أو كما جاء في الأثر، فاليهود والأمريكان ومن نحا نحوهم من جنود إبليس أجمعين لا يصنعون الأحداث ابتداءً في الغالب، ولكنهم يغتنمون الفرص المتاحة لديهم بتخطيط ماكر لا يتركون فيه شاردة ولا واردة إلا اقتنصوها، ودلوا أتباعهم عليها، وربما استفادوا حتى من بعض مخالفيهم ومعارضيهم ما دامت هذه الفائدة تحقق لهم أهدافاً أكبر فالكل يعرف أن القِيم والأخلاق ليست في قواميسهم السياسية أوغيرها.
ولقد خيّب الله كثيراً مما سعوا له من قبل، وتمضي سفينة البلاد برغم ما أصابها من أعطاب وأحداث تجعل الإنسان في كل مرة لا يصدق أنها تسلم، ولله وحده الحمد والشكر.
وفرصتهم القادمة هي الانتخابات وما قبلها، وما بعدها، والتحول الديمقراطي ليس المعروف لدى الكل ساسة وعامة، وإنما التحول الذي تفصِّله أمريكا على مصالحها، وترضاه إسرائيل لأمنها كما حدث في العراق وكما يحدث في بلاد أخرى، وإلا فالتضييق والحصار والفوضى الخلاّقة في عرفهم، ومحكمة «النفايات» الدولية وربما انفجرت مشكلة دارفور أسوأ مما كانت عليه، وربما استبدلوا أساليبهم هذه المرة.
ألا ترون هذا الحراك السياسي الذي شهدته البلاد في الأيام الماضية، هذا الحراك الذي يبدو في ظاهره ساذجاً، ويُخفي في طياته ما يُخفي، وهذه الاستقطابات الحادة التي لا تعرف ولاءً ولا براء، ولا أخوة في الإسلام، ولا حتى المصير المشترك كما يقول ساسة العرب في مؤتمراتهم، وقد رسب في هذا الحراك بعض كبار الساسة ممن فقدوا البوصلة ولا يماري في رسوبهم هذا إلا مكابر لا ينشد الحق، وأرجو أن تراجعهم في ذلك قواعدهم لتكون تمارس شورى حقيقية لا اتباعاً أعمى يجر على بلادنا الوبال.
ولقد شهد لقادة هذه البلاد بالذكاء والحنكة والشجاعة أعداؤهم قبل أصدقائهم فهلاّ عملوا لاستشراف المستقبل حسب المعطيات الموجودة، وبفراسة المؤمن التي لاتخيب وبالمرجعيات الفكرية التي لاتبور؟ وهلاّ أعدوا لكل حادثة حديث وتذكروا قبل ذلك الاستعانة بالله أولاً وأخيراً؟!
إذا لم يكن من الله عون للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
وأختم مذكراً هؤلاء القادة بأن يثبتوا على شرع الله، وليرحموا أهل هذه البلاد، وينشروا العدل بينهم، وليُشعروهم أنهم أُجراء لا أُمراء، يبتغون بذلك وجه الله والدار الآخرة، ولا يخافون في الله لومة لائم، فحينها تحبهم رعيتهم ويحبونها، ويتنزل النصر من الله الذي لاغالب له وينخذل الأعداء وترسو السفينة على بر الأمان.
والله الموفق.
بابكر عبدالرحمن الفكي
مدارس القبس العالمية
الخرطوم ـ أركويت