ضد المدعو نيفاشا وضد تقسيم السودان … بقلم: عبدالله الشقليني

 


 

 

abdalaashiglini@hotmail.com

 

 

 

(1)

قيل لي :

ـ استشر صديق ..قَدّ تفوز بألف ميلٍ مُربعة . ها هي فرصتُك قد جاءت .

فأنت على بُعد خطواتٍ من الغنى و إلى " وَلَدْ الوَلَدْ " .

قال الصديق :

ـ ومالك أنتَ ودروب السياسة الوعِرة ؟! .

فليس هُنا رافِداً يَعرِفُكَ حتى تسبح في مائه . للسياسة أهلها الأقزام الذين يحكمون شعوباُ عملاقة ، فما شأنُكَ أنتَ ؟ .

ألَمْ تعرف أن السياسة وأهلها يستخدِمون مِدية رقيقة صغيرة الحجم ، عظيمة في الميزان ، لا يعرِف مواضعها إلا من تيسرت له المعرفة اللصيقة بالذين ليس لديهم إلا رغباتٍ تصّاعدُ سعياً لسُدة الحُكم بأي ثمن .

أنتَ سيدي طيبٌ ، تعرف قوانين الصراع وآدابه وأخلاقه وأمثلة المُدن الفاضلة في "أتوبيا " أحلامك أنتَ ، لا كما تعرفها صفحات التاريخ الحقيقي المليئة بالخزي . هؤلاء الذي ستُحاورهم حِوار النِدّ ، ليس لديهم آداب ذلك الحوار وليس لديهم من نُبل الفرسان الذين يفسحون للمنافسة الحُرة ، وليس فيهم إلا من يرمي " الزَانية " بحجرٍ وهو بألف خطيئة .

اختلفت أنتَ عنهم إذ أنكَ ولجت باباَ تمرسوا هُمّ في هدم المباني التي أقامته مدخلاً لها ، فليس لديهم مِن مُثلٍ أو قِيّمٍ . شاغلهم مكر السوء . يتخيرون موضعاً رخواً " تحت الحِزام " ليطعنوكَ فتسقط عند الجولة الأولى .

(2)

إن قلتَ :

ـ بسمِكَ اللهُم ..،

 

قالوا لك :

ـ إذن .. أنت مع الجناة الذين وقَّعوا الوثائق في اليوم الأخير للاتفاق ، ليلة الاحتفال برأس السنة الميلادية ، حين فَرْحَة " الحِكاية المُحزنة " .شَرِبُوا " عصير الفاكهة" وقالوا :

ـ الله أكبر ، سنُطبّق شرعنا ، فلنا ( 52% ) من مقاعد البرلمان الاتحادي ولهم ( 28%) منه ، أما من بقي من أمم السودان وشعوبه فلا يستحقون كثير شيء .

لقد انتهت الحرب و إلى الأبد !!

 

شرب الآخرون " شمبانيا " الاحتفال ، فقد نال الطرفان ما لا يستحقان وقسموا الغنائم بينهم ، وبرعاية "بيزنطة " الجديدة التي ورثت المملكة التي غرُبت شمسها منذ منتصف القرن الماضي ، ولفيف من الذين ائتمروا ليوقفوا الحرب وعَجَلة الموت ؛ هذا هو الوجه النبيل من القصّ الذي يقرأه عابر الطريق ، ولكن المَصَالِح والأغراض الدفينة تتكشف يوماً بعد يوم . صراع المصالح منذ الاستعمار البعيد هو الذي تَحكّم في حدود هذا الوطن ، ويسعى هؤلاء لاقتسام الجائزة ، وغالب أهلها لا يعلمون !

(3)

وإن قلت :

ـ " المجد لله في الأعالـي و على الأرض السلام و في الناس المسرة" .

 

قالوا لكَ :

ـ إذن .. أنت من الذين استنصروا بغيرهم ، وسوّقوا قضيتهم ، وحُزن السنين القديمة ، و استنجُدوا من بعد أن قتلتْ الحرب التي أشعلوها مليون ونصف المليون أو يزيد ، أغلبهم من الطيبين ، من هنا ومن هناك .من أبناء "الحنين " . وباعوا كل الرجاءات . انتزعوا ما عنا لهم من حجارة التاريخ ، ليسقطوه على الحاضر وقبضوا الثمن .

(4)

إن قلتَ :

ـ لنسترد الحُكم من " يد العَساَكِر" ، والمدنيين الذين يتخفون من ورائهم ، ونُحاسب الجميع من أولهم في التاريخ إلى آخرهم .

 

قيل لك :

ـ قد عَرفنا عِرقِك المدسوس في الطائفة وفي الأحزاب التي تُفصِل الدين عن السياسة ، أو أنتَ خلية يؤرقها أنها لا تعرف أين تقف .

 

إن قلتَ :

ـ نريد حقاً ضائعاً من أجل إنسان فقير تشتت بعضه في الوطن وفي المنافي والمَهاجر ، نقتص له منْ القابض على السلطان والجالس في مقعده والمُتكئ على مِنسأته ،ونطلب التحقيق في الجراحة العجيبة التي نفذها المُجرِب والطبيب ، ولن نعفي عَمَّا سَلَف .

 

قيل لك :

أنتَ تصطف في طابور العمالة ، وتخدُم أغراض الأجانب .

(5)

إن قلتَ :

ـ إن الأمر بيد بنيكَ يا وطن ، جنوبه وغربه وشرقه ....  .

 

قالوا لك:

ـ جاء الذين يعينون أهله ليُقَطِّعوا أوصالَه إرباً. قدّموا لبعضنا " القطار " وقالوا لهم : اشتروه. فهو يوصلكم إلى الموانئ القريبة في الدول المُجاورة ، وتتحرروا من قيد العبودية إلى الأبد ، فلينشقَ الوطن مواطنَ كثيرة ، و ما الذي يُضير إن أصبح الوطن أوطاناً كثيرة ؟!.

" إن دار أبوك خِرْبَتْ شِيل لَكْ شَلِية " ،

لا تَقُل لنا مثلَ الشاة من بعد الذبح ، فتلك قول خُرافة !.

(6)

هذا هو نعيم الأسى ، فبين يديك تُفاحه المُّر ،

جرِّب مذاقه ،

فقشره من جلد الثعالب ،

وبطنه من جرانيت الحَجر.

على أطراف المنافي ،

وتحت هجير الشمس المُحرقة ،

يعيش الذين احترقتْ قراهم ،

قُتل الأبرياء ،

وجاء أنبياء الموت والتدمير يبلغوننا الرسالة لنؤمِن !

فهل من آبق يتوب ؟

(7)

لك أن تترُك الأستار الرقيقة أيها الصَفَوي ، وابحث في" سحَّارة " جَدَتُك التي شَبِعَتْ نوماً تحت التُراب ، وقُل لمن بيده الأمر من قبلُ ومن بعدُ أن يجعلكَ أي كائن يشاء ، فلا تخف التجرُبة ، فقبلك من الأمم قد غضِب الله عليهم وَجَعَلَ مِنْهُمُ قِرَدَةً خَاسِئِينَ. انتقي من ملابس الجَدّة " قَنجّة " وتلفّح بها وتحزّم وأعلن حداداً على الوطن الكبير ، فقد كَثُرَتْ السكاكين على الثور .

نعرف أن الذين يأتونكَ للعزاء .. " جملة غرباء " ،

ليس فيهم " أولياء الدم " !

فمنْ يجلس في خيمة العزاء الذي فتحته أنتَ في خيمة السماء ؟

ومنْ يقرأ من ورق السماء وهو ليس بقارئ ؟ ، وليس له من نورٍ يقرأ به الأحرُف والسطور . ليس له من بصيرة ليعرِف ما جرى وما يجري؟، فأبناء وطنك لا يعرفون من السماء إلا عاصفة الغبار وبعض المطر ، فالشمس تُحرِقهم وتحميهم أيضاً من الوباء كما قال كبيرٌ في سدة الحُكم ذات ظهيرة سياسية .

بضاعة الفقر حلو مذاقها ، لا مقطوعة ولا ممنوعة .

(8)

أزف الوقت سيدي ،

اترُك وجهك المُنضد بالأسى وجراحات الماضي القديم وأثقاله المُتعِبة ، وافتح شُرُفات عينيكَ لتُبصر وطنك في الحقيقة لا في الخيال .انظر الأمر نَظَر أهلِك البُسطاء ، فأعينهم ترى أكثر مما ينبغي ، بل أكثر من الذين يدّعون أنهم مالكي الحقيقة ، قارئي اللوح المحفوظ من دفاتر العرافين .

اقرأ معاني اللغة من وراء القص ، لتعرِف أصل الحكاية " المُحزنة ". أحفظها عن ظهر قلب ولا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى أحد واكتُب باللغة التقريرية المُباشرة، بقلم جديد وقلبٍ حَديد:

 

غ... غَلَط

جَ .... جَلَدْ

سَ....سَرَقْ

وطن ...كبير،

على شفا هاوية ،

(9)

هذه هي القضية سيداتي سادتي ،

وللمحكمة الافتراضية المكونة من ذوي الضمير الحي ، إن بقي هنالِك من ضمير حي ، أن تنظر بعين الرأفة في " عرض حال " المرافعة .

فمنْ قال إن الحربَ قد قطعت تذكرة بلا عودة ؟

إن جئنا بسكين الجزار ومزقنا الوطن ألف كومة لحمٍ ، ستشتَعِلُ الحرب من جديد لا محالة ، فمن يكتفي بالفخذ أو يترُك الكَبِد لعدوه الشقيق ؟

من يرضى من الجسد المُسجّى بالأظلاف ؟

نحن نعرف،

وعيوننا مفتوحة . نرى بعين البصر ونطمعُ في عين البصيرة . لقد طلقنا الجهالة منذ زمان ، وننظر في الأمر وما وراء الأمر ، رغم أن الجهل النشِط لم يزل قابضاً مفاصل الثراء والسلطة وصحن الثقافة .

نعرف أن " التقسيم " قضية أرادها البعض في داخل الوطن . ويريدها البعض من خارج الوطن ، من الذين لهم رؤيا إستراتيجية يديرون بها كؤوس المصالح وأنخاب الأراضي البِكر بالمكنوز في باطنها ، والعذب الفرات من ماء نيلها ، وليس هنالك من مصلحة للفقراء! .

(10)

لوطننا أن يتحرر من الأقزام الذين يمسكون بخناقه و لا رؤيا لهم ، إلا تحت جلد الأحذية ، فليذهب الوطن حُراً أبيا ، مغسولاً بالماء وبالبَرَد من كل خطاياهم .

ما أصدق شِعرَك أخي " مبارك بشير سليمان " :

 

نحن أبناؤكَ في الفرح الجميل

نحنُ أبناؤكَ في الحزن النبيل

 

فليذهب وطننا حُراً طليقاً أيها المُحَلَفُون ، فالقضية لا تقبل الطعن ولا الاستئناف ، فنحن ضد كل الذين وقعوا وباركوا وشاركوا وهللوا .

ها نحن نُغسل أيدينا من المشاركة في هذا الذبح العظيم .

هنالك أكثر من خيار ، فمن لا يمتلك الرؤيا لن يعرف أنه من اليسير أن تكون هنالك :

) دولة واحدة مع أكثر من نظام(.

 

أَتَتْكُمُ السَّاعَة ، دارت عقاربها للميعاد المضروب ، و قلنا قولنا في هذا الزمان الصعب ، فلتُطلقوا الرُصاص على " نيفاشا " .

 

عبد الله الشقليني

12/4/ 2010

 

 

آراء