المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً : مترتبات مابعد الإنتخابات على إستقرار السودان
5 May, 2010
دروس ومحن إنتخابات مزيفة: مترتبات مابعد الإنتخابات على إستقرار السودان
المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً: ورقة موقف (5)
الثلاثاء 4 مايو 2010
إنقضت حلقات تزوير الإنتخابات السودانية الثلاث – متطلبات بيئة الإنتخابات والإقتراع، عملية الإقتراع ومرحلة إعلان النتائج- حيث أعلنت مفوضية الإنتخابات النتائج المعروفة مسبقاً الإسبوع الماضي مدشنة لمرحلة وعمر جديد من هيمنة أوسع لدولة حزب المؤتمر الوطني ورئيسه المطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية.
نعتقد في المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً إن الإنتخابات التي تمت بإسم التحول الديمقراطي لا تمثل سوى تهديد وأزمة إضافية لأزمات السودان في السلام والإستقرار والتحول، بما يفتح الباب لمزيد الإستقطابات و التوترات وإنفجارات للصراع والعنف.
إن مشروعية إجراء أي إنتخابات وقبول نتائجها يمنحاها الشعب والقوى السياسية الرئيسية التي تمثله، وليس أي قوى خارجية. من المفارقات الساخرة لإنتخابات السودان انه بعد مقاطعتها من القوى السياسية الرئيسية، ورفض نتائجها حتي من قبل الأحزاب التي شاركت في الإقتراع- الحزب الإتحادي الديمقراطي، حزب المؤتمر الشعبي والتحالف الوطني- قد تحول الإهتمام وقيمة ومعني ومشروعيتها للمجتمع الدولي والإقليمي وموقفه منها، وكانما هي إنتخابات العالم الخارجي وليس السودان والسودانيين! أنه حق من لا يملك لمن لا يستحق!
نلاحظ في المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً، إنه بعد إنتقضاء مهزلة الإنتخابات، ظلت القوى الدولية والإقليمية تشدد على ان هنالك رسالتان أو درسان مثلا نجاح للإنتخابات في تصوراتها. أولهما التصور بان هذه الإنتخابات تمثل أول تجربة لتعددية سياسية يشهدها السودان خلال عقدين من الزمان،وستمهد الطريق للتحول. والدرس الثاني في تصور المجتمع الدولي إن أجراء الإنتخابات يمثل أحد الأركان الرئيسية لتنفيذ إتفاقية السلام الشامل وإن إعادة إنتخاب المؤتمر الوطني يمثل حماية للإتفاقية وللإستفتاء في جنوب السودان. غض النظر عن الخطل والإفتقار للإدراك العميق لتعقيدات الإزمات السودانية، كما سنفصل بعض منها في الأجزاء الخاصة بدروس وأثار الإنتخابات على قضايا الحرب والسلام، فإن مواقف المجتمع الدولي والإقليمي من الإنتخابات هذه، وبوضع مصالحه في تعارض مع إرادة السودانيين، تؤكد هذ المواقف ما ذهبنا اليه سابقاً برفض المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً " لأي توجهات تعبر عن الوصاية والإستعمار الجديد ضد إرادة شعوب السودان"، وهو ما ينطوي عليه معني هاتين الرسالتين التي يصر عليهما المجتمع الدولي. إن ما يعبر عنه المجتمع الدولي والإقليمي الأن، بما فيه بعثات المراقبة، من دروس وأهمية للإنتخابات المنقضية هو بالضبط موقف وخطاب حزب المؤتمر الوطني، تفاوضاً أو ترهيباً مع القوى السودانية، للقبول والإعتراف بالإنتخابات ونتائجها غض النظر عن العبث والمهازل التي صاحبت عمليات تزويرها.
إن الإدوار التي قام ويقوم بها المجتمع الدولي والإقليمي خلال هذه الإنتخابات، غض النظر عن حسن النوايا أو التفكير بالتمني، تفتح الباب أمام شبهات وإتهامات عديدة يتداولها الرأي العام السوداني ومجتمعه المدني الان مثل شبهات الفساد ضد بعضهم، منح المشروعية المجانية، التدخل في الشئون الداخلية والضغوط على مواقف الأحزاب السياسية، غض الطرف عن إنتهاكات حقوق الإنسان، مباركة المخالفات والتلاعب من قبل مفوضية الإنتخابات، الحديث عن انها إنتخابات تقابل إحتياجات ومقدرات السودان وتتفق مع المعايير الإفريقية أو العربية، وغيرها من شبهات أخرها ترديد الصدي لما يراه المؤتمر الوطني من دروس ونجاح لعمليته الإنتخابية بوضع تصوراته على شفاه المجتمع الدولي والإقليمي ليرددها ويسوق عبرها هذه الإنتخابات المهزلة. ونشعر في المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً بخيبة الأمل لهيمنة التيارات الدولية والإقليمية المحافظة قصيرة النظر، وبتوظيفها للموارد ولأموال دافعي الضرائب في بلدانها لعملية إنتخابية مزورة تعيد إنتاج وتنصب أعداء السلام والعدالة والديمقراطية في السودان، وذلك في الوقت الذي يشهد فيه الصوت الحقيقي لشركائنا الدوليين والإقليميين من قوى حقوق الإنسان والمؤمنون بالسلام والديمقراطية في السودان خفوتاً وتردداً وترجعاً.
إننا في المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً وبعد إعلان نتائج الإنتخابات نؤكد على تحليلاتنا ومواقفنا السابقة بما فيها موقفنا وعملنا لمواجهة الأثار المدمرة لهذه الإنتخابات على قضايا الإستقرار الهش في مناطق السودان المختلفة، كما تتفق وجهات نظرنا مع التقارير الخاصة بمراقبة الإنتخابات لمجموعات المجتمع المدني السوداني المستقلة ذات الأهداف الواضحة تجاه مبادئ السلام والعدالة والتحول الديمقراطي. ونشير في هذا التقرير الى بعض الخطوط الرئيسية للدروس وأثار العملية الإنتخابية على عمليات السلام والتحول في السودان. حيث تعكف المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً الأن في إجراء المشاورات والبحوث التفصيلية وتنظيم حملات المناصرة بالمشاركة مع مختلف فئات المجتمع المدني المستقل لتتبع أثار الإنتخابات وعلاقتها بالإستقرار والتحول السلمي.
وتشمل الخطوط الرئيسية لأثار العملية الإنتخابية على المناطق والقضايا السياسية التالية:
• المركز السياسي: تؤدي نتائج الإنتخابات المعلنة الى إمكانية إنقلاب تشريعي كامل بهيمنة المؤتمر الوطني على ما يزيد عن نسبة 80% من البرلمان القومي، الأمر الذي يمكنه تشريعاً من الإنقلاب على مختلف إتفاقيات السلام ( إتفاق السلام الشامل، إتفاق أبوجا، إتفاق الشرق، إتفاق القاهرة)، بعد ان تحايلوا ضد تنفيذها المخلص طيلة المدة المنقضية بوضع ترسانة القوانين والممارسات غير الدستورية والمصادرة للحقوق والحريات. ذات الهيمنة الكاملة تنطبق ايضاً على الجهاز التنفيذي. بمعني أخر إن نسب تزوير الإنتخابات تساعد المؤتمر الوطني على التمدد شبه الكامل والهيمنة على أجهزة الدولة السودانية لتصبح مرة أخري إعادة إنتاج كاملة لدولة المؤتمر الوطني بعد إنقلاب 30 يونيو 89، وبكافة خصائصها وتوجهاتها من إقصاء كامل للتعددية والحريات، وفرض وحدة قسرية على جنوب السودان بما فيها التلاعب بأمد الفترة الإنتقالية، ونشر الكراهية والعنصرية والتكفير، ودعم وإعادة بناء للإسلام السياسي والتمدد الأصولي بما فيه إستخدام الخلايا الإرهابية والمليشيات ممن تم تعبئتهم سابقاً تحن إشراف وتوجيه المؤتمر الوطني ، فضلاً عن فرص تقنين العنف والقمع السياسي وإنتهاكات حقوق المرأة والإنسان.
• النيل الأزرق وجنوب كردفان: تكتسب أثار نتيجة الإنتخابات أهمية خاصة في منطقتيّ النيل الازرق وجنوب كردفان لإرتباطها المباشر بعملية المشورة الشعبية ومن ثم قضايا الحرب والسلام فيهما. وقد أكدت مفوضية الإنتخابات على هذه الحقيقة في قرار تأجيلها للإنتخابات التشريعية ولمنصب الوالي في جنوب كردفان والذي حددته " بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية والأثار التي ستترتب على إجراء الإنتخابات، وللمحافظة على السلام والإستقرار وتحقيق المصلحة العامة بالبلاد". إن نتائج الإنتخابات وأثار التزوير الكاسحة بهيمنة المؤتمر الوطني شبه الكاملة على آليات القرار السياسي والتشريعي على مستوى البرلمان والحكومة المركزية تعيد منطقتيّ النيل الأزرق وجنوب كردفان الى مربع محادثات نيفاشا عندما نجحت المنطقتان بعد حروب دامية أن يحصلا على وضعية خاصة تعالج قضايا الحرب والسلام فيهما، ممثلة في البروتوكول الخاص بالمنطقتين وجوهرة عملية المشورة الشعبية. الأن وبعد عودة المؤتمر الوطني لمربع القوة الأول لما بعد إنقلاب 30 يونيو 89 وإحتكاره شبه الكامل لمؤسسات الدولة، بمناهج عمله المختلفة من كسب الوقت والتفاوض ذو المحصلات الصفرية، هذا إضافة لظرف تاريخي سياسي قد يختلف كثيراً عن تجربة المنطقتين خلال مفاوضات نيفاشا السابقة وذلك بإحتمال ميلاد دولة جديدة في جنوب السودان. كل هذه العوامل تضعف من مقدرات المنطقتين من إنجاز الحقوق المدنية والسياسية التي أوجبت بروتوكول خاص بهما. فالمؤتمر الوطني على ضوء نتائج الإنتخابات الحالية سيعمد على إعمال وسائل الهيمنة ووضع العراقيل والصعوبات وتضييع الوقت في الإلتزام بالوثائق والآليات والإجراءات الخاصة بعملية المشورة الشعبية وعملية المفاوضات التالية لهما مع السلطات المركزية ذات الهيمنة الكاملة من قبل المؤتمر الوطني. وعليه تصب نتيجة الإنتخابات في إستهداف المؤتمر الوطني لإفراغ خصوصية المنطقتين من محتواهما السياسي الرئيسي لكي تؤدي عملية المشورة الشعبية الى الإستيعاب الكامل للمنطقتين في بينة دولة المؤتمر الوطني ما بعد الإنتخابات. الأمر الذي ينذر كذلك أن أثار الإنتخابات الحالية على منطقتيّ النيل الأزرق وجنوب كردفان تعني هزيمة مطالبهما المشروعة والعودة بهما الى مرحلة ما قبل توقيع إتفاق نيفاشا.
• دارفور: لقد أجمع كافة الفاعليين السودانيين الرئيسيين في دارفور، بما فيهم النازحين، الحركات المسلحة، المجتمع المدني الدارفوري، الأحزاب السياسية الرئيسية بما فيها حركة مني أركو مناوي، أجمعوا على أن الإنتخابات في دارفور مستحيلة، ليس فقط من حيث العمليات الإجرائية للإقتراع بل ايضاً من حيث نزاهتها وملاءمتها في ظل ظروف ونتائج الحرب المستمرة في دارفور حتى اليوم. يخالف هذا بالطبع مواقف العديد من بعثات مراقبة الإنتخابات المجلوبة بواسطة المؤتمر الوطني مثل جامعة الدول العربية والإتحاد الإفريقي وشبكة المنظمات العربية والأوربية للمراقبة. ففي الوقت الذي أجريت فيه إنتخابات صورية بعد إصرار حزب المؤتمر المؤتمر الوطني ومفوضية الإنتخابات على قيامها، وبعد الضغط على البعثة المشتركة للأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي لمنح الضوء الأخضر بإجرائها، في ذات الوقت تواصلت عمليات القصف الجوي كما جاء في العديد من التقارير ناتجاً عنها عشرات الألاف من النازحين أضيفوا للملايين من النازحين واللاجئين ممن لا يزال يعيشون حياة الخيام وإنعدام الإمن وصعوبة توفر إحتياجات الحياة الضرورية. إن إجراء إنتخابات في دارفور في هذه الظرف يذكر بتجربة الإصرار على إجراء عمليات إنتخابية سابقة في جنوب السودان مثلت أحد العوامل في دفعه الى المطالبة بحق تقرير المصير. عليه فمن أثار الإنتخابات الحالية على دارفور دفعها كذلك لمزيد من الرفض للمركز السياسي الناتج عن نتيجة الإنتخابات الحالية وتصعيد مواقفها السياسية. هذا الموقف شددت عليه الحركات المسلحة بأعلانها رفض نتائج الإنتخابات وإنتقادها لحيادية لبعثة اليونميد لدورها السلبي خلال الانتخابات الذي بدأ داعماً لمصلحة المؤتمر الوطني في الوقت الذي يتطلب حيادها في كافة تدخلاتها. إن أولولوية السلام، وأمان النازحين بعودتهم الطوعية لمناطقهم، والتعويض والمحاسبة علي ما طالتهم من جرائم وغيرها من مطالب مشروعة تمثل جلها أولوية ملحة على قيام إنتخابات فاسدة مددت من قوة سلطات المؤتمر الوطني المتهم الرئيسي بما حاق بمواطني دارفور من جرائم. إن نتائج الإنتخابات الحالية لن تضيف سوى تأزيم، وربما إعلان فشل، عملية السلام الحالية في الدوحة، المفتقرة للشفافية، والتي تدار بذات عقلية الضغوط والتفريغ من المحتوي الذي أديرت به الانتخابات. ويمارس ذات المجتمع الدولي والإقليمي نفس الدور الذي لعبه في الإنتخابات من ضغوط وتغييب للشفافية وإفتقار للشمول وعدم مشاركة للمجتمع المدني الدارفوي المستقل، فضلاً عن العمليات فاقدة التوجه في توحيد للحركات المسلحة في الوقت الذي تمارس فيه ايضاً عمليات تشظيها. أي دور وأثر لنتائج الإنتخابات في هكذا عملية سلام لن يؤدي سوى لمزيد من الفشل والتعبئة المضادة لإرادة السلام الذي يبدو بعيداً جداً عن دارفور.
• الشمال السياسي: ليس صحيحاً أن الإنتخابات الحالية تأتي بعد عشرين عاماً لتتيح للتعددية السياسية وللأحزاب التعبير عن نفسها بعد طول مدة. فعلى مدى العقدين من هيمنة المؤتمر الوطني وإقصائه الكامل للقوى السياسية من المشاركة في السلطة، واصلت هذه القوى الرئيسية في مقاومتها ودفاعها عن الحقوق المدنية والسياسية، بما فيها إستخدام المقاومة المسلحة. لذا ليس من الصواب أن يردد المجتمع الدولي مع المؤتمر الوطني ان الإنتخابات مثلت فرصة نادرة للقوى السياسية للتعبير عن نفسها. أكثر من ذلك، فقد سعى المؤتمر الوطني لمشروعية ترسخ لهيمنتة الكاملة خلال إنتخابات مماثلة في العام 96 والعام 2000 رفضتها وقاطعتها ذات القوى الحالية عبر حراك سياسي كثيف إمتد طيلة العشرون عاماً. إن تمرير الإنتخابات الحالية بنتائجها يعيد تجربة الإقصاء الكامل للقوى السياسية الرئيسية مرة أخرى، خاصة في ظل تصاعد مناخ الإستقطاب الحالي، وفي ظل سياق سياسي وتاريخي سيختلف كثيراً عن التجربة السابقة( الإحتمال الأقرب لدولة وليدة في الجنوب وإستمرار الأزمة في دارفور)، هذا إضافة لإتساع وتنوع الشمال السياسي حالياً ليضم أصحاب القضايا المطلبية والإقليمية والفئوية، مثل شرق السودان وضحايا التنمية والشمال الأقصى والمفصولين تعسفباً ومجموعات الدفاع عن حقوق المرأة والقوى والأفراد من الديمقراطيين(ات) وغيرها من قضايا وفئات، ممن سيطالهم الإقصاء الكامل مع القوى السياسية الرئيسية جراء نتائج هذه الإنتخابات. يضع هذا الوضع القوى السياسية وغيرها من فئات في الشمال السياسي أمام مختلف السيناريوهات لمقاومة الهيمنة والإقصاء من قبل المؤتمر الوطني لتحقيق تصوراتها في الإستقرار والديمقراطية، بما فيها موقفها من قضية حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان. إن الممارسة السلمية الديمقراطية لحق تقرير المصير وخلق بيئة سياسية صديقة ومستقرة في جنوب السودان خلال فترتيّ الثمانية أشهر مابعد الإنتخابات وفترة ما بعد الإستفتاء يمكنها أن تمثل عوامل جذب ودعم وتأييد من القوى الديمقراطية في الشمال السياسي بما فيها ضرورة الدعم والإصطفاف حول ممارسة حرة ونزية وديمقراطية للإستفتاء في موعدة.
• جنوب السودان: لم يمثل إجراء عملية إنتخابية في جنوب السودان أهمية سياسية قصوى خلال الفترة الإنتقالية مقارنة بالأعباء الكبرى التي تقف أمام حكومته، بما فيها خلق الإستقرار بعد عقود من الحروب وتهيئة البيئة الملائمة لممارسة حق تقرير المصير ومترتباته. فقد مثلت العملية الإنتخابية عبئاً مفروضاً ومع ذلك نجح، نسبياً، شعب جنوب السودان في أول انتخابات شاملة في إختيار ممثليه بالرغم مما عاق عملية الإنتخابات من تقييد للحريات والتجاوزات والعنف إنتخابي. إلا أن القضية الأكثر أهمية وخطورة في أثر الإنتخابات على جنوب السودان ومن ثم على إتفاقية السلام انها وسعت من سلطات المؤتمر الوطني في التحكم على تنفيذ ما تبقى من الإتفاقية، وبصورة خاصة قضية الإستفتاء والإجراءات المتعلقة به. أحدى المفارقات الساخرة لنتيجة الإنتخابات الحالية أن الرئيس " المنتخب"، عمر البشير، والمتوقع إشرافه سياسياً على عملية الإستفتاء لم يحصل من نسبة ترشيح في جنوب السودان سوى ما يزيد قليلاً عن 10 % من المقترعين بجنوب السودان، وذلك في رسالة واضحة تتجاوز الإنتخابات الحالية لتشير لمواقف شعب جنوب السودان من قضية حق تقرير المصير وموقفها من المؤتمر الوطني ومرشحه " المنتخب" للرئاسة. إن الجهد السياسي الدبلوماسي المهوول والدعم الفني والمالي الضخم الذي بذله المجتمع الدولي في هذه الإنتخابات كان الأجدر توجيهه لقضايا الإستقرار والتنمية والحكم الرشيد وتهيئة ترتيبات الإستفتاء وما بعده، بدلاً عن رهن الإستفتاء بإنتخابات فاسدة في مركزها تنتج سلطات ما فتئت في التمادي في نقض مواثيق السلام. إن إعادة إنتخاب البشير وتوسيع هيمنة دولة المؤتمر الوطني لا تمثل ضمانة، بل تهديد قوي لتنفيذ متبقيات الإتفاقية وترتيبات الإستفتاء وما بعده، وإن توهم البعض ضعف موقف الرئيس "المنتخب" بسبب إتهامات المحكمة الجنائية الدولية في القبول بالتفاوض وشروط وترتيبات الإستفتاء. إن التعامل مع الحق في تقرير المصير كان يجب التعامل معه في علاقته الجدلية مع قضية التحول الديمقراطي، والتي بعد قبرها بالإنتخابات الحالية تضع تقرير المصير كقضية مطلقة، بل ومقدسة، التلاعب بها سيؤدي الى مزيداً من الدماء. فالبيئة الديمقراطية الداعمة لحق تقرير المصير تجعله حقاً لكل السودانيين في التفاعل الإيجابي البناء مع التعبير الحر وخيار مواطنيهم من جنوب السودان. على النقيض من ذلك، فإن نتائج الإنتخابات الحالية تنذر بقنابل مؤقوته على مسار المراحل الي ما بعد الإستفتاء، بدءً بالإجراءات والبيئة السابقة لعملية الإقتراع من تكوين لمفوضية الإستفتاء ومناهج عملها، مروراً بعملية الإقتراع على تقرير المصير نفسها، وصولاً للترتيبات والقضايا المرتبطة بنتيجة الإستفتاء، والتي يجب بحثها والوصول الى نتائج حولها الأن. إن الإجابات الخاصة بالترتيبات لقضايا مثل ترسيم الحدود بين الجنوب والشمال، وحدود منطقة أبيى، المواطنة والجنسية في الشمال والجنوب، الأوصول، حقول البترول والخط الناقل وتجارته، مياه النيل، الديون الخارجية، قبائل التماس، وغيرها من قضايا، مثلما يمكن ان تؤدي مناقشة ترتيباتها لتقرير مصير سلمي يعبر عن إرادة شعب جنوب السودان في الممارسة وقبول النتائج مثلما يمكن لهذه الترتيبات أن تبتدر إشتعالاً لحروب متعددة في أياً من هذه القضايا منفصلة. ولن تتمكن حينها بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في السودان من فعل أي دور في ظل مجال إختصاصها الحالي فاقد القدرة والبصيرة، خاصة بعد التجديد السنوي الروتيني للبعثة الإسبوع الماضي دون أخذ الإعتبار للظرف الزمني السياسي للإستفتاء خلال هذا العام وفي ظل نتيجة الإنتخابات الحالية. إن إعادة إنتاج دولة المؤتمر الوطني بسلطات وهيمنة أوسع عبر الإنتخابات الحالية المزورة ، وفي ظل رئيس لكل السودان يفتقر حتى شرعية التمثيل في الجنوب، تضعف الحلول الإيجابية لكافة هذه الترتيبات وتقلل من فرص إجراء إستفتاء سلمي، مثلما توسع من تهديدات دولة المؤتمر الوطني للأمن والسلم الدولي.
خاتمة: جاء في بيان سابق للمجموعة السودانية للديمقراطية أولاً إن " مقاطعة الإنتخابات الحالية من قبل غالبية السودانيين والقوى السياسية الرئيسية مثل عنصر مهماً في منع إندلاع العنف الإنتخابي مما ساهم في الحفاظ على الاستقرار الإجتماعي الهش". وننبه هنا الى إن تجربة الإنتخابات الحالية تضيف لأزمات وطن يعيش سياقات متعددة من الصراع أو ما بعد الصراع أو كليهما معاً. وإن النجاح والبصيرة في منع إندلاع العنف أثناء وبعد الإنتخابات مباشرة لا يعني إنتفاء عوامل إنفجاره على المدي الطويل والمتوسط. الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي والإقليمي إعادة النظر في المداخل التي يطرحها ويضغط لتنفيذها، مثل القبول بالإنتخابات الحالية، حيث تبقى هذه المعالجات بصورتها الراهنة جزئية وهشة ومؤقتة وملغومة، ما لم تخاطب مباشرة جوهر الأزمة وجذورها وبمشاركة فعلية لكافة السودانيين، و بصورة خاصة لتياراته الديمقراطية.
المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً: تحالف عريض من الديمقراطيين بتمثيلهم(هن) وتعبيرهم(هن) الواسع للمجتمع المدني السوداني سواء في المجتمعات المحلية، والمجتمع الأكاديمي، والنقابات والنازحين(ات) والفاعلين(ات) سياسياً من مختلف المناطق الجغرافية والثقافية في السودان. وتهدف المجموعة بصورة رئيسية الى إيصال صوت الأغلبية الصامتة من السودانيين(ات) حول التحول الديمقراطي وترابطه الوثيق مع قضايا السلام والعدالة والتنمية. وتعمل المجموعة بإرتباط وتنسيق وثيق مع المبادرات المختلفة، فضلاً عن المجتمع المدني السوداني المستقل.
للإتصال: mubadra4democracy@gmail.com