الترابي واثور

 


 

 

الانتخابات هي العامل المشترك بين قضيتي اثور والترابي هذا ما أعلن، ولكني اتشكك في الراويتين. حيثيات الحرب في حالة اثور وحيثات اعتقال الترابي لا يمكن تصديقها بسهولة. الأبعاد غير السياسية لاعتقال الترابي تشي بأن هناك ماهو مخفي في فصول الصراع الممتد بين الأخوة الأعداء.

 لم أصدق أن سبب تمرد اثور على الحركة هو عدم شفافية ونزاهة الانتخابات، ويبدو أن مشاكل اثور مع الحركة ذات جذور بعيدة، وإلا فالسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تنصرالحركة اثور وهو من اقدم واقوى قيادييها ؟. الأسباب التي دفعت الحركة لعدم ترشيح اثور وإن كانت مجهولة ولكنها هي التي أشعلت غضب اثور وتمرده. بالنتيجة ومهما يكن من أمر الأسباب فتداعيات اعتقال الترابي شمالا وتمرد اثور جنوبا لا تخطئها عين.

اعتقال الترابي شمالا أفسد بهجة الجو الديمقراطي الذي تعيشه البلاد منذ شهور، وسيؤدي لمزيد من الاضطراب في الجو العام، وستسعى المعارضة للإستفادة من السانحة لتعبِّر عن رأيها بشتى الطرق ليس حبا في الترابي، ولكن لإفساد بهجة المؤتمر الوطني بالفوز بالانتخابات، واجندات أخرى تخصها. غالبا ماتبدأ المعارضة تحركاتها بشكل متزامن مع احتفالات تنصيب الرئيس مما سيعكر صفو الساحة السياسية ويزيد من احتمالات لجوء المعارضة للعنف وهي الحالة التي لم نصدق أننا تجاوزناها في منعطف الانتخابات.

 اعتقال الترابي سيلقي بظلالٍ قاتمة على الحريات الصحفية التي تمتعنا بها خلال الأشهر الماضية وذلك على الرغم من تعهد الحزب الحاكم بعدم المساس بالحريات الصحفية، لكن الطريقة التي اغلقت بها (رأي الشعب) ترسل رسالة غير مطمئنة على الإطلاق إذ كان يمكن التعامل مع تجاوزاتها بالقانون و خلال مجلس الصحافة أو اتحاد الصحفيين، وتلك كلها أجهزة بيد الحكومة وبإمكانها تحريكها لتتعامل مع ما جاء بالصحيفة بشكل قانوني. إذا كانت الحكومة تطلب من الصحفيين الإلتزام بالقانون فالأولى ان تضرب مثلا لذلك.

 بالجنوب بدأت الحركة مطاردة اثور عسكريا وهذا أول رد فعلها للتعامل مع تمرده، ثم عادت تطلب المفاوضات وتنتدب نائبها مشار لتلك المهمة. ولكن بعد إيه؟. تمرد اثور ليس معزولا كما تدعي الحركة، وليس هم ببضع مئات من الجنود، ومايدل على ذلك أن قوات الحركة  بجونقلي وماحولها عجزت عن السيطرة على الأوضاع،  بل أغلبها  انضم  للقوة المتمردة. الحركة التي تهدد بقطع رأس اثور وإبادة قواته لم تع درس جيش الرب, فجيش الرب الصغير الحجم على الرغم من مطاردته من قبل ثلاث دول إلا أنه ظل فعّالا ويشكل صداعا دائما على جبهات عدة، بالدرجة التي عجزت معها الحكومة اليوغندية ومن بعدها حكومة الجنوب عن إيقاف نشاطاته. الحركة لا تستطيع الآن العودة باثور الى احضانها لا بالمفاوضات ولا بالحرب، ببساطة لأن اثور لم يعد يثق بقيادة الحركة ولا يرى بعد تمرده مستقبلا له في قيادتها. تمرد اثور سيفتح الباب لكثير من القيادات الغاضبة على قيادة الحركة لتنتهج ذات النهج المتمرد. أعالي النيل الغاضبة تتهيأ للتمرد ولعل نتيجة الانتخابات تشير الى ذلك.

التداعيات الأمنية التي قد تترتب على ثورة اثور تعقد الأوضاع في أوقات حرجة للجنوب فهو أحوج ما يكون للاستقرار، إذ يستحيل انفاذ استحقاق الاستفتاء في مثل هذه الأجواء التي تنتشر فيها الحروب في أكثر من منطقة. الاستفتاء ليس كالانتخابات التي يمكن تأجيل اجراؤها في أجزاء من البلاد وانفاذها في أجزاء أخرى، فلابد من قيام الاستفتاء في كل الجنوب والشمال في زمن واحد محدد، وهو التاسع من يناير القادم. الحركة تضر نفسها بتوتير الأوضاع في الجنوب كما يضر المؤتمر الوطني نفسه بذات القدر من توتير أوضاع البلاد شمالا.

العنوان الأساسي للشهور القادمة هو الاستقرار. ولكن طريقة التعامل مع القضايا الشائكة والخطرة، والتي على رأس أجندة ما تبقى من هذا العام من شأنها أن تنسف الإستقرار، فتثبت أن حالة التحول الديمقراطي و استفتاء الجنوب يستحيل انجازهما بغير استقرار سياسي وأمني.

 

آراء