الأصل مشاركٌ أم معارض؟

 


 

 

ما لون الحكومة القادمة وما شكلها وما أجندتها؟ هذه أسئلة إجاباتها فى رحم الغيب ولن نرهق أنفسنا سعيا وراء الحصول على إجابة عليها على قاعدة (ياخبر اليوم بفلوس بكره ببلاش!!). ولكن الفضول الصحفي لايتركنا كلية؛ فعقب لقاء الرئيس البشير بمولانا السيد محمد عثمان نهاية الأسبوع الماضي دارت طاحونة التكهنات وطفقت الأطراف كلها تخرج سناريوهات متعددة للصفقة التى تُعدّ وراء الكواليس بين مولانا السيد محمد عثمان شخصيا والمؤتمر الوطني لدفع الاتحادي الأصل  للمشاركة فى الحكومة المرتقبة.

لن يكون مفاجئاً إذا شارك الحزب الاتحادي الأصل فى الحكومة وبذات القدر لا غَرابة إذا لم يشارك.  عوّدنا الحزب الاتحادي على اتخاذ قراراته فى اللحظات الأخيرة وبناء على حيثيات لا يعرفها إلا السيد محمد عثمان ومجموعته الصامتة، ولذا فإن التنبؤ بقرار الحزب قبل إعلانه وإنفاذه بالفعل يعد رجما بالغيب ولايجوز أن تُعمل فيه أدوات التحليل السياسي.

السيد محمد عثمان يعمل وفق حسابات دقيقة تحاول استيعاب كل الأطراف والمواقف، وخاصة عقب نتائج الانتخابات الأخيرة التى أفرزت واقعا أنكره الحزب واتخذت المجموعات  التى يموج بها الحزب مواقف شتى.

مجموعة المعارضة وهى المجموعة الغاضبة من نتائج الحزب فى الانتخابات تعتقد أن المؤتمر الوطني استهدفها وسعى لإسقاطها بشتى الطرق، ولذا فإن موقفها  هوعدم الالتحاق بالحكومة المرتقبة مهما كانت المغريات المادية والمناصب التى يلوح بها المؤتمر الوطني.

المجموعة الثانية هي مجموعة المشاركة وهذه تعتقد أن الحزب ظل خارج السلطة زهاء العشرين عاما وليس من مصلحته الابتعاد عنها أكثر، ومهما تكن عيوب المشاركة؛ إلا أن مردودها طيّب لجماهير الحزب التى – بحسبهم-   ترغب فى رؤية زعمائها على صهوة السلطة لتستفيد مما يمكن أن يتحقق من مكاسب بدلا عن مواصلة مشوار المعارضة الذى اتضح أنه لم يعد بفائدة كبيرة للحزب. ثم أن الحزب أصلا قَبِل مبدأ المشاركة على المستوى التشريعي فى أعقاب اتفاق القاهرة، فالخطوة المنطقية أنه إذا ما عرضت عليه الآن مشاركة محترمة فى الحكومة فليس ثمة مبرر لرفضها.

هنالك جماعة (البين بين) وهذه أخطر المجموعات  لأنها يمكن أن يكون لها رأي فى الصباح وبعد صلاة المغرب رأي آخر، وتؤسس مواقفها بناء على الأجواء الحاضرة، فإذا التقت مع جماعة طه علي البشير فهي ضد المشاركة، وإذا اجتمعت مع الباقر أحمد عبد الله ورهطه فهي أقرب لدهاليز الحكومة؛ فمزاجها يتشكل بحسب الزمان والمكان التى تكون فيه.

أما المجموعة  الصامتة وهى مجموعة كبار الخلفاء الذين يتحلقون حول زعيم الحزب، وهذه المجموعة يُعتقد أنها لاترى إلا مايراه السيد محمد عثمان، ولكن فى حقيقة الأمر هذه المجموعة مؤثرة فى كل قرارات زعيم الحزب، وتحوز على ثقته  ويأخذ بمشورتها؛ كونهم أهل ثقة ولايخوضون فى ألاعيب السياسيين، ولايغشون مجالسهم ويمحّضون السيد النصح بلا مصالح شخصية وبأدب جم، لاعلاقة لهم بالإعلام، ونادرا ما يصرّحون بموقف. هي مجموعة صامتة، ولكنها نافذة. هذه المجموعة هى التى تقود الاتصالات (التحتانية) والماكوكية بين الحزب الحاكم والسيد محمد عثمان. إذا أردت أن تعرف الموقف الحقيقي للحزب فاستطلع آراءهم؛ إذا استطعت لذلك سبيلاً.

مولانا السيد محمد عثمان يقود هذه المجموعات المتناثرة بحكمة بالغة. فالحزب فى حالة سيولة؛ لا ينفع معها اتخاذ أي قرار دون محاولة استمزاج آراء المجموعات المتباينة، ولذا لم ينجح الصحفيون وهم يحاولون مرات عديدة انتزاع موقف من زعيم الحزب حول مشاركتهم أو عدمها؛ راهنا موقف الحزب بأجندة وأولويات الحكومة المقبلة.

على ضوء هذه التعقيدات فإن مشاركة الحزب الاتحادي فى الحكومة المقبلة مرهونة بما يقدمه المؤتمر الوطني من عرض مغرٍ للحزب يدعم موقف مجموعة المشاركة، ويُسكِت باقي المجموعات المتلجلجة، ولكن هل المؤتمر الوطني مستعد لتقديم تنازلات كبيرة الآن؟. لابد أن يسعى المؤتمر الوطني جادا، وفى إطار الشراكة الوطنية التى ليس فى صورتها غير الحزب الاتحادي الأصل لضمه الى حكومته المقبلة بشكل يعوضه عن فقدانه الأصوات التى (شالها) القاش إبان فيضانه أثناء الانتخابات الماضية. وياحبذا لو أرفق ذلك بإكمال مبلغ التعويضات المتفق عليها قبل الفيضان!!

\\\\\\\\\\\\

 

آراء