مؤسساتنا.. جسد له خوار!!
31 May, 2010
يومها كنا أربعة عشر صحفيا جيء بهم من تسع دول عربية قضينا سحابة نهارنا نتجول بدهاليز وزراة الخارجية الأمريكية بواشنطون في انتظار ماستسفر عنه المشاورات لتحديد المسئول الذي سيلتقينا عقب السفر المفاجئ لكوندليزا رايس. أخيرا أطل السيد البرتو فرنانديز الذي كان يشغل منصب مسئول العلاقات العامة في الخارجية الأمريكية قبل أن يتم نفيه مغضوبا عليه بسبب تطاوله على بوش قائما بالأعمال في السودان. جدل ساخن شهدته تلك الجلسة حول سياسات أمريكا بالشرق الأوسط وأفريقيا، ومايهمني هنا الإشارة لحكاية تتعلق بكيفية كتابة خطابات الرئيس الرسمية والمتعلقة بالسياسة الخارجية خاصة.
أكد فرنانديز أن شخصا واحدا يكتب مسودة خطابات الرئيس وترسل المسودة بعد كتابتها مباشرة لأربع جهات هي البنتاغون وزارة الخارجية والأجهزة الأمنية اضافة للجنة من المسئولين بالبيت الأبيض.تتولى هذه الجهات مهمة مراجعة المسودة وتتعهدها بالاضافة او الحذف والتعديل كل في مجال اختصاصه، وتعود هذه المسودة لكاتبها الذي لايكاد يعرفها لكثرة ما جرى فيها من تغيير. بعد الصياغة قبل النهائية من قبل كاتب المسودة ترفع للرئيس ليعدلها أو ليبدي آراءً حول مضمون بعض جوانبها، ومن ثمّ تعاد مرة أخرى للصياغة النهائية. هكذا يخرج خطاب الرئيس معبرا عن رؤى الدولة بمؤسساتها المختصة كافة في مجال السياسة الخارجية أو كما قال فرنانديز. قال شيخنا محمد حسنين هيكل ( أمريكا عظيمة لانها دولة مؤسسات، و هي الدولة الوحيدة التي أقامت للتفكير مؤسسات).
مناسبة هذه الذكريات هي الإفادة التي أدلى بها الاستاذ العبيد مروّح الأمين العام لمجلس الصحافة لهذه الصحيفة بالأمس، حين أشار (لضرورة التنسيق وعدم تداخل المهام والاختصاصات بين مؤسسات الدولة المختلفة). ذلك معلوم ومقر دستوريا ومتفق عليه، ولكن السؤال الذي لم يجب عليه العبيد هو لماذا تتداخل سلطات ومهام هذه الأجهزة ؟ السبب أن هنالك مؤسسات غير معترف بها، ولاتحظى بالإحترام اللازم من الجهات التي بيدها السلطة الحقيقية، أي سلطة انفاذ أوامرها ولذا لايتم حسابها حين تتخذ القرارات التي تهمها بل تنفذ القرارات حتى دون ان تسمع بها، ناهيك عن استشارتها أو حتى إخطارها. عدم احترام المؤسسات من رصيفاتها غالبا ما يكون بسبب الاستخفاف بردود أفعالها أو مقدرتها على الفعل أصلا، كونها مؤسسات تستمد شرعيتها من الدولة فالدولة هي التي انشأتها وترعاها وتتولى ميزانيتها فبفمها ماء دائما.
هذه الممارسات من شانها اضعاف كافة المؤسسات وافراغها من مضمونها فتصبح كعجل بني اسرائيل «جسد له خوار» بلاقيمة بل وستجعلها هذه الممارسات عرضة للاستهزاء وسط قطاعاتها التي يفترض ان تعبّر عنها وترعى مصالحها. المشكلة نتائج هذه الممارسات لن توقف عند باب تلك المؤسسات بل سيمتد أثر ذلك لتشويه صورة المؤسسات المعتدية نفسها اذ ستترسخ فكرة كونها مؤسسات لاتحترم قانونا ولاتعترف بدستور وتفعل ما بدا لها، آخذة القانون بيدها وهي بذلك تفتح بابا واسعا للعنف فلابديل لحكم القانون سوى الفوضى!!.
عشرون عاما كافية للمؤسسات والأجهزة المختصة لتتعلم حتى من تجاربها الخاصة كيفية التعامل مع بعضها باحترام وكيفية ممارسة مهامها تحت مظلة القانون ولكن للأسف الحادثات لاتشير بأي نفع عاد لتلك الأجهزة من خبراتها السابقة فتكرر اعتداءاتها على صلاحيات مؤسسات فتسيء إليها ولصورتها دون أن تحقق شيئا.
في قضية (رأي الشعب) الأخيرة لابد أن مجلس الصحافة قد أحس بإهانة بالغة، إذ كان بامكانه تنفيذ ما تطلبه الدولة وأجهزتها عبر القانون وبطريقة مهنية وأكثر احتراما.
القضاء لابد انه شعر بعدم (لزومه) فاذا كان بمقدور جهات غيره أن تتهم وتحاكم وتصادر وتسجن فما ضرورة القضاء؟. اضف لذلك الأضرار النفسية التي أصابت قطاعا كبيرا من الصحفيين الذين يحسون الآن بعدم استقرار، إذ بإمكان جهة واحدة نسف مستقبلهم وتشريدهم قبل أن يدانوا أو يفهموا شنو الموضوع بالضبط!!.
أما رأينا في ما نشرته (رأي الشعب) فنؤجلة لحين معاودة الصدور و يطلق سراح أبوذر ويعود معافىً لمهنته.