تعاني الأمرين: يوناميد.. وراثة ضعف الرد، وقلة الامكانيات … تقرير: خالد البلولة إزيرق

 


 

 

صبيحة الجمعة السادس من مايو كان متحرك «يوناميد» من افراد القوات المصرية علي موعد جديد من المواجهة بين مسلحين مجهولين وافراد البعثة، والذي اسفر عن مقتل اثنين من أفراد القوة المصرية العاملة ضمن قوات الهجين في جنوب دارفور فيما أصيب ثلاثة آخرين اثر تعرضهم لهجوم أثناء تحرك المجموعة العسكرية المصرية من منطقة تلوس الى منطقة عد الفرسان جنوب مدينة نيالا، لتضيف الحادثة رقما آخر لضحايا قوات يوناميد في دارفور منذ استلامها لمهامها مطلع العام 2008م، وترسم مجدداً علامات استفهام حول فعالية «يوناميد» الوريث المتفق عليه لقوات الاتحاد الافريقي في دارفور بعد فشله في اثبات جدارته بالمهمة التي أوكلت اليه!!

ولم يمض وقت طويل علي اغتيال «المصريين» حتى تمكن خاطفون جدد من تكرار تسجيل اهدافهم ضد المنظمات الأجنبية العاملة في دارفور، وذلك حينما أقدموا مجدداً علي اختطاف ثلاثة من موظفي منظمة «اس بي» الامريكية بمنطقة جنوب دارفور قبل اسبوعين، قبل أن يطلقوا سراح الموظفين السودانيين واحتجزوا الموظفة الأمريكية، في مشهد ظل يتكرر كثيرا في الفترة الاخيرة بدارفور حتى غدت ظاهرة اختطاف الموظفين العاملين في المنظمات الأنسانية بدارفور تبدو وكأنها مستألفة. أخيراً وبعد ازدياد عمليات الاختطاف وقتل قوات يوناميد وما افرزته المعارك العسكرية الأخيرة علي الأوضاع الانسانية بدارفور، طلبت الأمم المتحدة يوم «الاثنين» الماضي من قواتها العاملة في دارفور الرد بقوة علي الاعتداءات التي يقوم بها المسلحون علي افرادها المدنيين في الاقليم، واعربت عن قلقها «ازاء الحالة الأمنية المتردية للغاية» في المنطقة التي تتسم بـ»التوتر والغموض» جراء استمرار المواجهات بين قوات الحكومة والحركات المسلحة، وقال الممثل المشترك الخاص لبعثة «يوناميد» بالسودان ابراهيم قمباري في اجتماع بمجلس الامن، ان القتال تسبب في مقتل عدد كبير من المدنيين وتشريد الاهالي واعاقة توزيع المساعدات الانسانية، وأبدي قلقه ازاء زيادة الهجمات الموجهة ضد العاملين في انشطة اغاثة المدنيين وقوات يوناميد وتعرضهم للخطف ونهب سياراتهم.

ويبدو أن تكرار الحوادث ضد المنظمات الانسانية في دارفور، وفشل يوناميد في حماية قواتها من استهداف هجمات المسلحين، سيرسم بحسب ما اقدمت عليه «يوناميد» مرحلة جديدة من تاريخها في اقليم دارفور خاصة بعدما قال الممثل الخاص للامم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور ابراهيم قمباري، انه أصدر تعليمات لقوات الشرطة والقوات العسكرية بالبعثة بالرد بعنف لرد المهاجمين الذين يعتدون علي البعثة بدارفور، ودعا الحكومة لتوقيف ومعاقبة المعتدين والذين ينفذون عمليات الخطف في حق قوات «يوناميد»، ودعا الحكومة الي تقديم مرتكبي الهجوم الي العدالة لمواجهة العقاب القاسي، واعلن ان جزءاً من التفويض الممنوح للبعثة يندرج تحت البند السابع ، مطالبا بضرورة وقف اطلاق النار.

ولم يشفع لبعثة السلام العاملة في دارفور تبديل قبعات قوات الاتحاد الافريقي بقبعات قوات الامم المتحدة في ان تنجح في تغيير الحال، كما ان زيادة العدد والعدة والعتاد، ليجعل الواقع الجديد افضل لم يشفع لتلك القوات، التي لم تستطع فعل شئ، ليس فيما يلي تنفيذ تفويضها الخاص بحماية المدنيين والعزل ومراقبة الأوضاع بالاقليم، وانما كذلك حماية نفسها ضد الاعتداءات المتكررة عليها، بل أن ضعفها في الاقليم جعلها محل اتهام بالتواطؤ لصالح أي من المتصارعين هناك، فأحياناً تتهم من الحركات المسلحة بأنها تتواطأ مع الحكومة، ومرات أخري تتهم من الحكومة بانها تساند المتمردين بدعمهم باسلحتها وعرباتها، حيث سبق للقوات المسلحة ان وجهت اتهاما مبطنا لـ»يوناميد» بدعم المسلحين، عندما تعرضت دورية من «61» فردا من قوات يوناميد الي كمين نصبه مسلحون بمنطقة كارا بجبل مرة في الخامس من مارس الماضي، تمكنوا خلاله من الاستيلاء علي أسلحة وذخائر ومركبات وأموال دون حدوث اشتباك أو اصابة أحد، وقال المتحدث باسم القوات المسلحة المقدم الصوارمي خالد سعد في مؤتمر صحفي وقتها مشككا «كيف يمكن لقوة من 61 جنديا تقلها ثلاث مركبات ان تسلم كل هذه الاشياء دون اي قتال او اي اطلاق للنيران أو اصابة»، معتبرا ذلك يخالف المنطق والقواعد العسكرية، وأعربت القوات المسلحة عن قلقها من الحادث، وسبق أن اتهمت البعثة بتزويد المسلحين بالوقود عندما استولي مسلحون في وقت سابق علي قافلة تقل وقودا، وأعربت وزارة الخارجية عن قلقها واستدعت الي مقرها نائب البعثة وطلبت من البعثة توضيح ما حدث، ولماذا استخدمت القوة طريقا قال الجيش انه غير امن، كما طلبت نقل الجنود النيجيريين من المنطقة القريبة من جبل مرة واجراء تحقيق مشترك.

وكان الممثل المشترك ابراهيم قمباري قد كشف عن ثلاثة اسباب لمهاجمة قوات حفظ السلام، اولها عدم وجود اتفاق لوقف اطلاق النار، وقال عندما لا يكون هناك وقف لاطلاق النار لا يكون هناك التزام من جانب الحكومة بوقف القتال، وفي هذا المناخ يعتقد أي شخص أنه يمكنه أن يفعل ما يشاء. كما عزا الاعتداء على يوناميد لعدم وجود عقاب سريع لأنه ليس هناك توقيف للجناة، وليست هناك عقوبة قاسية. وقال «أعتقد أنه في جميع حالات الاختطاف، والتجاوزات الأخرى، لم نر الا حالة واحدة او اثنتين تم فيهما توقيف الجناة». وزاد «اعتقد أنه يجب أن يكون هناك توقيف وعقوبة.. يوناميد تود أن ترصد وتراقب محاكمة هؤلاء».

ولم تكن حادثة جبل مرة هي الوحيدة بالنسبة لـ«يوناميد» التي فقدت العشرات من جنودها في هجمات متكررة من قبل مسلحين، وتكررت تلك الاعتداءات علي البعثة كثيراً دون أن تفعل قواتها شيئا، ففي الثامن من ديسمبر الماضي تعرضت شرطة البعثة لهجوم في جنوب دارفور، دون أن يسفر عن ضحايا أو اصابات، وقبل ساعات من ذلك الهجوم فقدت البعثة خمسة من جنودها، فقد أعلنت الأمم المتحدة مقتل جنديين من قوات «يوناميد»، واصابة آخرين، في هجوم شنه مسلحون مجهولون على عدد من الجنود أثناء قيامهم بتوزيع المياه بأحد مخيمات النازحين، في منطقة «سرف عمرة»، شمال دارفور، وفي وقت سابق علي ذلك، لقي ثلاثة جنود روانديين مصرعهم وأُصيب آخران، نتيجة هجوم استهدف دورية عسكرية أثناء مرافقتها لشاحنة محملة بالمياه، وكانت البعثة تعرضت لأكبر هجوم حسبما ذكرت الأمم المتحدة، في يوليو من العام الماضي، عندما تعرضت دورية الى كمين مما أدي الى مقتل سبعة جنود واصابة 22 آخرين، وكذلك أصيب ثلاثة جنود في غرب دارفور بعدما تعرضوا لهجوم، فيما قُتل أحد الجنود في هجوم سابق بجنوب دارفور في مايو الماضي، كما تعرض موظفان من البعثة للاختطاف من قبل مسلحين، كما فقدت البعثة كذلك سبعة من الجنود في هجوم بشمال دارفور.

وكانت اتفاقية «وضع القوات الهجين» التي نشرت تفاصيلها حملت بين طياتها كثيرا من الامتيازات التي تتمتع بها البعثة المشتركة، وكان أكثرها جدلاً وقتها التفويض بحماية النازحين، ونزع سلاح المليشيات بدارفور، تفويضان نظر لهما مراقبون وقتها بحالة من التوجس اذ يبدو ان الأكثر تعقيداً في طرق تنفيذهما من حيث الامكانيات المتطلبة لذلك، ومن حيث صعوبة التنفيذ التي تتسم عمليات نزع السلاح فيه بتعقيدات كثر. فقد حمل تفويض البعثة حماية «النازحين» في دارفور بدلاً عن المدنيين، الذي ترفضه الحكومة بحجة أنها الأقدر علي حماية مواطنيها، ولكن البعض فسر ذلك بأنه التفاف علي حماية المدنيين لأن مهام التفويض تشمل كل «مدنيي» الاقليم بحسب ما أشار اليه أدادا رئيس البعثة المشتركة عقب التوقيع بقوله « بتوقيعنا علي اتفاقية وضع القوات الهجين تكون يوناميد قد بدأت عملها بشرعية كاملة في دارفور، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام قتل المدنيين بدارفور». وهو ما يوحي بان البعثة ومن خلال قرار تكوينها الصادر من مجلس الامن الدولى رقم«1769» الذي كان في كثير من جزئياته التفاف علي القرار «1706» الذي رفضته الحكومة تحت البند السابع، ما يعزز عمل البعثة في استخدام بعض الصلاحيات الواردة في البند السابع للأمم المتحدة الخاصة بحماية المدنيين، مستفيدة في ذلك من الامتيازات التى حظي بها اتفاق وضع القوات الهجين.

 

khalid balola [dolib33@hotmail.com]

 

آراء