مشاهدات في فرنسا تثير قضية اللون الأخضر ومسألة التعايش … بقلم: محمد المكي أحمد

 


 

 

modalmakki@hotmail.com

 

أزور العاصمة الفرنسية  باريس هذه الأيام  بدعوة من اذاعة مونت كارلو الدولية لحضور دورة تدربيية مع عدد من الزملاء  والزميلات مراسلي الاذاعة في غزة  واشنطن والسعودية وقطر والعراق والمغرب وموريتانيا والكويت .

المؤسسات الناجحة والحريصة على المزيد من النجاح ومواجهة تحديات المهنة تسعى دوما الى تدريب كوادرها وقياداتها، كما تحرص  على مناقشة كيفيات دعم المهنية في ادائها، والاستفادة من الحرية الاعلامية خاصة في الدول الديمقراطية  التي تحترم الرأي والرأي الآخر مثل فرنسا.

هذا معناه  أن عدم تفاعل أية  مؤسسة  اعلامية في العالم العربي وبينه السودان  مع تحديات العمل  الاعلامي في عصرنا الحالي  يمكن أن يحيل أية مؤسسة  اعلامية لا تواكب فنون العصر ومقومات العصرنة  الى مجرد وسيلة اعلامية تمارس دورا تقليديا لا يصل الى الرأي العام ، ناهيك عن قدرتها على تشكيله  لافتقارها الى نبض التفاعل  مع القاريء أو المشاهد أو المستمع .

أعتقد أن الصحافي كغيره من العاملين في حقول العمل المختلفة يحتاج الى مواكبة العصر،  والاطلاع على أساليب العمل الحديثة ، وتعلمها  حتى يستطيع أن يرتقي بأدائه وعطائه في مهنة البحث عن المتاعب في وزن العولمة وعصر الفضائيات والانترنت.

 أيا تكن سنوات خبرتك  وموقعك الوظيفي وطبيعة عملك ، سواء كنت صحافيا أو مزارعا أو تاجرا أو طببيا ، أو سياسيا ديمقراطيا أو ديكتاتوريا ، فأنت في مسيس الحاجة الى الاطلاع على الجديد في العالم المتحضر.

العالم المتحضر   يحترم حقوق  الانسان  وحق الناس  في الحرية والابداع والعمل في اجواء هادئة يحتكم  بالضرورة الى معادلة الحقوق والواجبات وفقا للقانون ، و لا تعكر صفها مناخ الكبت ، ولا تسيطر عليها  روح  الشللية والعصبية والحزبية الضيقة  وحكاية أهل الثقة على حساب أهل الخبرة.

الاطلاع على تجارب الغير والتعلم منها ضرورة عصرية، ومثلما يمكن للصحافي ان يتعلم الجديد من  أساليب العمل الأكثر تطورا بالمقارنة بأساليب تقليدية قديمة لا تقوى على مواجهة تحديات العمل الاعلامي في هذا العصر،  فان أمام السياسي والقابض على السلطة  في السودان فرصة  ليتعلم أيضا من كيفيات ادارة الحكم في المجتمعات الديمقراطية.

في فرنسا الكثير من المشاهد والحقائق الايجابية، وتشدني في بعض العواصم مشاهد  اللون الأخضر حيث الأشجار الوارفة الظلال والورد الذي ينتشر في أماكن عدة، وبينها شرفات المنازل .

نظافة الشوارع تحكي للزائر قصة  نجاح الحكومة والشعب  في أي بلد في ما يتعلق بتوفير بيئة خضراء نظيفة تسر الناظرين ، وتشيع في الناس روح الحب والأمل ، بدلا من الغبار الذي يعكر الأمزجة، وربما  تنعكس آثاره السلبية على طريقة تعامل السودانيين مع بعضهم البعض.

أعتقد أن الاهتمام بالتشجير في السودان ونشر اللون الأخضر في كل مكان قد يساعدنا فى السودان على تطوير نظرتنا للبلد ولأنفسنا  ، وقد تساعدنا في تعديل الأمزجة واشاعة أجواء الراحة في بلد ارهقت أهله متاعب المعيشة وقذارة  شوارع  المدن وأحيائها.

 وحتى بعض مدن الريف التي كانت تتمتع بنظافة شوارعها تحولت الى "كوشة" تثير الاحباط وتنشر اللامبالاة ، حيث لا يتردد كثيرون في رمي القاذورات في أي مكان، ومن دون خوف أو تردد من بلدية أو حكومة، لأن "الحال من بعضه".

 معلوم أن  هدوء ونظافة الشارع حق عام لكل الناس،  لكن كثيرين في كل ربوع السودان  لا يترددون في رمي الأوساخ  التي يخرجونها من منازلهم ويرمونها في  قلب الشارع، أي أن الشارع مستباح، وهذا لا يحدث في المدن النظيفة، وبينها مدن عربية كمسقط العاصمة العمانية.

مسقط مدينة نظيفة وخضرا ء، ومن يرمي ورقة أو أوساخا على الشارع أو يترك سيارته "وسخة"  سيعاقبه القانون بغرامة، ولأن الحكومة في أي بلد من مسؤولياتها نظافة المدن وتعليم بعض الناس  ضرورات حماية البيئة، فان في السودان ودول عربية وغير عربية ما زالت قضايا  البيئة في أسفلي ظل  سلم الاهتمامات .

 في باريس تتعدد المشاهد الجميلة والنظيفة والرائعة ، حول نهر "سين" و"برج ايفل" و"قوس النصر" وفي "متحف  اللوفر" وفي المقاهي التي تشكل سمة حيوية من سمات االعاصمة الفرنسية ، وخاصة على شارع "الشانزليزيه"، هناك تلمس   نبض التعايش  بين الناس من كل لون وجنس ودين.

 أعتقد أن الحرية والديمقراطية وسيادة  القانون تساهم  في تعزيز التعايش بين الناس الى درجة كبيرة، وهذا لا يعني أن فرنسا  من دون مشاكل، لكن العنوان الأبرز أن هناك مستوى عال من الشفافية ، سواء في الاعلام أو العمل السياسي على سبيل المثال.

 تابعت يوم الخميس الماضي تفاعلات اضراب أعلنته نقابات عمالية تحتج على مشروع قانون جديد للتقاعد، وهي ترفض تمديد سن التقاعد من ستين سنة الى اثنتين وستين سنة، والرافضون للمشروع الجديد يرون  أنه "مجحف بحقوقهم" و"غير عادل" .

طبعا من حق العمال كغيرهم من الفئات الأخرى الاضراب والتظاهر سلميا، ولاحظت أن عمال مطعم اذاعة مونت كارلو كانوا  ضمن المضربين، ولهذا تناولنا طعام الغداء في مطاعم قرب مبنى دار الاذاعة الفرنسية.

 تذكرت كيف واجهت الحكومة السودانية اضراب الأطباء قبل أيام ومسيرتهم السلمية بالضرب والاعتقالات، هنا يكمن وجه من أوجه  الفرق بين النظام الديمقراطي في فرنسا والنظام الديكتاتوري في السودان، كما يبدو التباين الصارخ و الحاد بين نظام  حكم لا يقمع الناس ،    ونظام سوداني  يتحدث  عن "التحول الديمقراطي" لكن على طريقة أهل الحكم الحالي في السودان .

برقية: الديمقراطية تعلم الناس كيف يحترمون حقوق الآخرين وكيف يحبون اللون الأخضر

عن صحيفة (الأحداث) 27-6-2010

 

 

 

 

 

آراء