منبر الداخل أزمة بين “التحرير والعدالة” والحكومة السودانية … بقلم: محمد المكي أحمد

 


 

 


modalmakki@hotmail.com

وسط أجواء مشحونة بالتوتر بين شريكي الحكم في السودان (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان) بسبب ترتيبات الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان ، وفي سياق  أجواء مشحونة بالمواجهات الساخنة وانقطاع حبال التواصل بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة التي رفضت الاستمرار في التفاوض مع الوفد الحكومي في الدوحة ظهرت الآن  بوادر أزمة جديدة بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة.
 لا يؤتى بجديد حين يقال إن كثيرين كانوا يتمنون أن تساهم المفاوضات بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة في دفع آفاق الحوار بين  الفرقاء السودانيين في الدوحة ، في سبيل حشد جهود كل  ابناء دارفور، من أجل  التوصل لحل شامل تشارك فيه الحركات الدارفورية كافة، وفي صدارتها  حركة العدل والمساواة بقيادة دكتور خليل ابراهيم  وحركة تحرير السودان بقيادة السيد  عبد الواحد نور .
آمال السودانيين وتطلعاتهم لغد مستقر لا حدود لها، لكن واقع الحال يؤشر الى أن  بعض الأطراف السودانية  المعنية  بحل ملف دارفور لم تحسن  قراءة سمات  منبر الدوحة باعتباره يمثل فرصة تاريخية نادرة يمكن أن  تساهم مساهمة تاريخية نافعة في طي  ملف الحرب في دارفور اذا صدقت نيات الأطراف السودانية ، وخاصة الطرف الحكومي الذي يقبض على السلطة والقرار وكل شيء.
التكتيك وليس الاستراتيجية يمثلان  العنوان  الأبرز في تعامل الحكومة السودانية   مع قضية أهل درارفور العادلة، وهاهي الحكومة السودانية تطرح ما وصفته بـ"استراتيجية" جديدة بشأن السلام في دارفور من الداخل.
هذه الخطوة  أثارت شكوكا حول أهدافها وتوقيتها  في اوساط دارفورية عدة وفي أوساط سودانية سياسية وغير سياسية معنية بالحل الشامل  والعادل للأزمة الدارفورية، وكذلك في أوساط خارج السودان.
أيا تكن الاسباب التي دفعت الحكومة السودانية الى طرح تكتيكاتها الجديدة بشان سلام دارفور، فان البيان الذي اصدرته حركة التحرير والعدالة في العاصمة القطرية والذي وجه انتقادات شديدة غير مسبوقة  للحكومة السودانية من هذه الحركة بالذات  يمثل اشارة تحتاج الى التأمل والبحث، خاصة أنه صادر من حركة عقدت العزم على مواصلة
معلوم أن حركة التحرير والعدالة متمسكة بمنبر الدوحة وهذا موقف يحسب لها ويعبر عن رؤية استراتيجية بعيدة  المدى ، ومعلوم أن هذه  الحركة أعلنت حتى الآن مواقف منطقية تنادي بالحل الشامل والعادل  لأزمة دارفور في اطار رؤية تعالج تعقيدات الأزمة السودانية برؤية شاملة.
هذه الحركة باشرت المفاوضات مع الوفد الحكومي السوداني بحرص على المفاوضات كسبيل لمعالجة الأزمة،  ووفقا لمصادر حركة التحرير والعدالة فان مفاوضاتها مع الحكومة السودانية قطعت شوطا في بحث قضايا عدة. حركة التحرير والعدالة وفقا لقياديين في الحركة "فوجئت" بالاستراتيجية الحكومية الجديدة كما قال لي قياديون في الحركة ، كما قال  مسؤول في الحركة إننا على سبيل المثال اتفقنا في المفاوضات مع الحكومة السودانية  بشان ملف الثروة على 120  بندا من إجمالي  138 بندا في هذا الاطار، وأضاف  اتفقنا في ملف السلطة  على المباديء العامة ومعايير تقسيم السلطة ، ومعلوم أن حركة التحرير والعدالة وقعت اتفاقا اطاريا مع الحكومة السودانية واتفاقا بشأن وقف اطلاق النار.
على رغم حدة الانتقادات التي وجهتها  بعض الحركات الدارفورية  لحركة التحرير والعدالة والاتهامات لبعض قياداتها بأنها تسعى للتوصل الى اتفاق سريع مع الحكومة السودانية فان الخطاب السياسي لرئيس الحركة الدكتور التجاني السيسي وللحركة بشكل عام ابتعد عن التجريح ولغة والتخوين ، وهذه سمة تحسب لكل صاحب قضية لا يغوص في وحل الشتائم وشخصنة المسائل وافراغ القضايا من طابعها العام والباسها  الطابع الشخصي .
أشير الى كل هذا بعدما تابعت عن قرب تفاعلات بيان حركة التحرير والعدالة الذي انتقد استراتيجية الحكومة السودانية الجديدة بشأن السلام في دارفور.
بيان حركة التحرير والعدالة من خلال لغته ومواقفه  الواضحة وصف استراتيجية الحكومة السودانية التي تستنفر لها الجهود السياسية والاعلامية وغيرها حاليا بأنها "مؤامرة طرحها  نظام حزب المؤتمر الوطني ومن خلفه حزب المؤتمر اللاوطني (هذه التعابير وردت في  نص البيان) ، وأدعى فيها أن هدفه الأساسي هو تحقيق السلام الشامل والأمن والتنمية في دارفور ".
تسلمت  نسخة من بيان حركة التحرير والعدالة في مقر وفد الحركة المشارك في مفاوضات الدوحة ، والحركة رأت في بيانها أن "استراتيجية" الحكومة السودانية الجديدة حول دارفور هي "مؤامرة لتصفية ثورة دارفور والهامش وتدشين جديد لتنفيذ الابادة الجماعية الثانية وهي منهج جديد لتنفيذ نفس السياسات السابقة للنظام التي ادت الى أكبر كارثة انسانية في العالم بقتل أكثر من ثلاثمائة ألف شخص  وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين من شعب دارفور".
هذا الكلام  أنقله بالنص من بيان حركة التحرير والعدالة.
 الذي تناول بالتفصيل ماوصف بـ"مزاعم النظام (الحكومة السودانية) التي بررت بها طرح استراتيجيتها الجديدة في دارفور" ، وأشار البيان  الى أن الحكومة السودانية "تزعم أنها تريد توطين العملية وأشار وتعجيل العودة الطوعية وتحقيق العدالة وتعزيز المصالحات والعمل من أجل لتفاق سياسي عادل ونهائي وشامل".
 حركة التحرير والعدالة لفتت  في بيانها الى  أن استراتيجية الحكومة السودانية  "اعتمدت على  فتح منبر آخر داخل السودان بالاعتماد على ابواق وأذناب المؤتمر الوطني " .
هذه تعابير  وردت في بيان حركة التحرير والعدالة وليس من عندي، خاصة أنني  لا أفضل استخدام مثل هذه التعابير والأوصاف  في  مقالاتي أو لدى طرح آرائي ومواقفي التي تنتقد الحكومة السودانية وسياساتها الظالمة والمراوغة وتكتيكاتها المكشوفة.
حركة التحرير والعدالة ترى أن الحكومة السودانية منزعجة من رؤى منظمات المجتمع المدني الدارفورية التي اجتمعت مرتين في قطر وطرحت رؤاها حول سبل الحل الشامل العادل لأزمة دارفور، كما ترى الحركة ان الحكومة السودانية تسعى " لفرض حلول عسكرية وأمنية (في دارفور) وليس ايجاد حل عادل وشامل متفق عليه".
اللافت أيضا  في بيان حركة التحرير والعدالة أنه دعا الوساطة الأممية  والقطرية الى "عدم الانجرار خلف هذه المؤامرات والمشاريع الوهمية للنظام وأن لا تضيع الوقت والجهد في سراب لا نهاية له ، وخاصة أن دور الوساطة هو التوفيق وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة وليس أي شيء آخر يمكن أن ينزع عنها صفة الوسيط"  حسب البيان.
في ضوء  قراءة وتأمل بيان حركة التحرير والعدالة يبدو واضحا أن كل الحركات الدارفورية ترفض "الاستراتيجية " التي اعلنتها الحكومة السودانية لحل أزمة دارفور، وترى تلك   الحركات أن ما يجري في الخرطوم حاليا هو "طبخة" لضرب قضية أهل دارفور وحقوقهم العادلة.
 يبدو أيضا أن قضية دارفور ستدخل مرحلة شد وجذب في الفترة المقبلة أكثر من اي وقت مضى، وربما تساهم "استراتيجية" الحكومة السودانية الجديدة في تحقيق ما عجز أهل دارفور عن  تحقيقه، وهو فتح جسور التواصل بين بعض الحركات الدارفورية الكبيرة والمؤثرة حتى يواجهوا مستجدات الساحة الدارفورية والسودانية ، وهي مستجدات ساخنة وخطيرة.
يهمني في هذا السياق  التأكيد مجددا  على  أن منبر الدوحة هو  منبرمتفرد وحيوي  يتيح لأهل دارفور فرص  التشاور والتصالح والتوصل الى حل شامل لأزمة الاقليم في أجواء  ومناخات صحية تحترم تباين الرؤى ولا تكتم أنفاس الناس أو تحيلهم الى مجرد مصفقين أو رافعي شعارات و هتافات جوفاء.   
لو كانت الحكومة السودانية قادرة على حل مشكلاتها  منذ سنوات طويلة مع أطراف الصراع والنزاع في جنوب السودان لما ذهبت الى نيفاشا لتفاوض  خارج السودان وتوقع اتفاق السلام في عام 2005.
 ولو كانت قادرة حتى على تحقيق حل جزئي لمشكلة دارفور في عام 2006 لما وقعت  في ابوجا ( وهي ليست  مدينة سودانية أيضا) اتفاقا لم يحقق السلام الشامل في دارفور .
 ولو كانت الحكومة السودانية قادرة بعد ابوجا على حسم قضية أهل  دارفور  بالحوار داخليا أو عسكر يا  لفعلت ،و  صحيح أنها مارست سياسة حرق الأخضر واليابس هناك، لكنها لم ولن تفلح في معالجة أزمة دارفور تحت أية شعارات ومسميات مثل "السلام من الداخل" او "من الفضاء" اذا لم توضع أسس الحل الشامل والعادل التي تعني القدرة على دفع استحقاقات السلام بعيدا عن منهج الهيمنة  وادعاء التفويض الشعبي، خاصة أن العالم كله يعرف قصة "الانتخابات المزورة".
هذا معناه أن أي خطوة للتشويش على منبر الدوحة  أو  بهدف خلق منابر وهمية  سيدفع ثمنها المرير شعب السودان وأهل دارفور ، وسيدفع ثمنها اللاجئون والنازحون والموجعون  بتقلبات السياسة السودانية المثيرة للمخاوف والشكوك والأحزان وللحيرة  أيضا.
برقية: قال الحكيم الشاعر
جزى الله الشدائد كل خير
عرفت بها عدوي من صدي
     (عن صحيفة الأحداث) 15-8-2010
 
 

 

آراء