حوار مع جنوبي (5): وزير البترول لوال دينق: واشنطن: محمد علي صالح

 


 

 


-------------------------------
حوارات سابقة:
1.اكول لياي ماقر: الحركة الشعبية، كوينزلاند، استراليا.
2. ازيكيل قاتكوث، ممثل حكومة جنوب السودان في واشنطن.
3. د. جوك مادوت جوك: بروفسير، جامعة ليولا ميرماونت، امريكا.
4. لوك كوث داك: صحافي، سابقا في السودان، الان في امريكا.
5. د. لوال دينق: البنك الدولي سابقا، الان وزير البترول الاتحادي.
------------------------------
د. لوال دينق:
ولد في سنة 1949 في بور (ولاية جونقلي).  تعلم في مدرستي بور، ثم في مدرسة رمبيك الثانوية.  ثم جاء الى امريكا، حيث نال ماجستير من جامعة ايوا (سنة 1982)، مع زميله وصديقه جون قرنق، الذي نال دكتوراه في نفس الجامعة.  نال دينق دكتواره من جامعة ويسكونسن (سنة 1984).   ثم عمل خبيرا في البنك الدولي ثم في بنك التنمية الافريقية.  ومستشارا اقتصاديا للحركة الشعبية لتحرير السودان ورئيسها جون قرنق.  واشترك في مفاوضات اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا (في كينيا).  ثم صار وزير دولة في وزارة المالية والاقتصاد الاتحاية.  ومؤخرا، اختاره الرئيس عمر البشير وزيرا للبترول في الوزارة الاتحادية، وهو اول جنوبي يتولى المنصب.  والف كتبا، من بينها: "اعادة التفكير في التنمية الافريقية."
(هذه مقابلة مع في الاسبوع الماضي في واشنطن. ونشرتها صحيفة "الشرق الاوسط"):
----------------------------
س: هذه أول زيارة لك إلى واشنطن بعد أن صرت وزيرا للنفط؟
ج: نعم، لكن ليست للزيارة صلة بوظيفتي. جئت في زيارة خاصة. ولم أقابل مسؤولين أمريكيين، ولم أخطط لذلك.
-----------------------------
س: لا بد أن لك رأيا عن السياسة الأمريكية نحو السودان، خاصة مع اقتراب الاستفتاء في الجنوب. هل تعتقد أن الأميركيين يريدون انفصال الجنوب؟
ج: تقدر على أن تسألهم مباشرة. وأنا لا أقدر على أن أتحدث بالنيابة عنهم. وهم لم يقدموا لنا رأيا مكتوبا عما إذا كانوا يريدون انفصال الجنوب. لكن، حسب اتصالاتي ومحادثاتي مع مسؤولين أميركيين كبار، أقدر على ان قول إنهم يفضلون وحدة السودان.  ربما ليس لأنهم يميلون نحو الشمال أو نحو الجنوب. ولكن، لأن مصلحة أمريكا، في اعتقادي، تركز على الاستقرار في المنطقة. أنت تعرف التوتر في الصومال وإثيوبيا وإريتريا واليمن.  في الاستراتيجية الأمريكية، السودان جزء من منطقة القرن الأفريقي، وأيضا جزء من منطقة أفريقيا الوسطى، أفريقيا البحيرات.
أعتقد أن الأمريكيين يخافون من أن دولة مستقلة في جنوب السودان ستكون عامل عدم استقرار، وستشجع حركات انفصالية في دول أفريقية مجاورة.
------------------------
س: هل تعتقد أن الجنرال سكوت غريشن، مبعوث الرئيس أوباما إلى السودان، يؤيد انفصال الجنوب؟
ج: كما قلت لك، لم يقدم لنا مسؤول أمريكي رأيا محددا. وهم يركزون، وهم على حق، وأنا معهم، على أهمية الانتظار لنعرف نتيجة الاستفتاء. لكني، من أحاديثي معه، أعتقد أن قريشن لا يريد انفصال الجنوب.
---------------------------
س: هل تعتقد أن الرئيس أوباما يريد انفصال الجنوب؟
ج: لم أقابل الرئيس أوباما. لكني أحس أنه، في أعماقه، لا يريد انفصال الجنوب. خاصة، كما قلت، بسبب نتائج ذلك على الاستقرار في المنطقة، وعلى المصالح الأمريكية هناك.
-------------------------
س: توجد في واشنطن منظمات وجماعات تريد فصل الجنوب. وتنتقد الجنرال قريشن، وتقول إنه وقع في أحضان الرئيس البشير. كيف ترى مدى تأثيرها؟
ج: أنت تعرف السياسات والمناورات في واشنطن. أنت تعرف أن اللوبيات الأمريكية موجودة في كل مكان ومجال. عن السودان وعن غير السودان. وأنا أفضل ألا أذكر أسماء معينة. وطبعا، نحن لا نقدر على تقييد حرية الأمريكيين. لهذا، أنا أقول إنه لا بد من أن نتناقش مع كل منظمة وكل جمعية. الناس لا يتناقشون مع الذين يتفقون معهم، ولكن مع الذين يختلفون معهم.
---------------------------
س: هل أنت انفصالي أو وحدوي؟
ج: أنا وحدوي على خطى الزعيم جون قرنق دي مابيور. درسنا معا الماجستير في جامعة ايوا الأمريكية. لكني أعتبر نفسي تلميذا له. وسبب ذلك هو أنني كنت، في البداية، انفصاليا. لكن، أقنعني قرنق بمحاسن السودان الواحد. كان يقول لي: "انظر إلى الأمريكيين. فيهم بيض وسود وسمر وصفر. وخاضوا حربا أهلية، وواجهوا مشكلات كثيرة. لكنهم أصروا على وحدة الولايات المتحدة. وهم اليوم نموذج رائع لكل العالم في التعددية والتسامح العنصري والديني."
هذا هو سبب. والسبب الثاني هو أني أؤمن بالقومية الأفريقية والوحدة الأفريقية. أؤمن بنظريات كوامي نيكروما (أول رئيس غاني) عن «بان أفريكانزم» (الوحدة الأفريقية)، وليوبولد سنغور (أول رئيس للسنغال) عن «نيغروتيود» (الزنجية). ولهذا، ومن باب أولى يجب أن أؤمن بالوحدة السودانية.
--------------------------
س: ماذا تقول للقادة الجنوبيين الذين يريدون انفصال الجنوب؟
ج: أقول لهم ما قلت لك سابقا عندما سألتني هل أنا وحدوي أو انفصالي. وذلك لأنها مسألة مبدأ. وبالإضافة إلى المبدأ، توجد جوانب عملية وواقعية. مثلا: أنا كنت وزيرا في حكومة الجنوب، ثم انتقلت إلى وزير دولة في حكومة السودان الاتحادية، والآن أنا وزير بترول في الحكومة الاتحادية. لا يتمتع كثير من المثقفين والمهنيين الشماليين بهذه الفرص.
باختصار، أقول لك إنه، الآن وفعلا، يحكم الجنوبيون أنفسهم، ويشتركون في حكم الشمال. نحن ثلث الوزارة الاتحادية في الخرطوم. ماذا نريد أكثر من ذلك؟
--------------------------
س: ماذا تقول للقادة الجنوبيين هنا في امريكا الذين ينتقدونك لأنك وحدوي؟
ج: أقول لهم ثلاثة أشياء:
أولا: يجب أن يستفيد الذين يعيشون في أمريكا، في هذا البلد الديمقراطي المتطور، من التجربة الأمريكية في الوحدة (بعد الحرب الأهلية)، وفي التعددية، وفي التسامح العرقي، وفي التسامح الديني.
ثانيا: مثلك ومثلي ومثلهم، ربما يشتكي السوداني من الاضطهاد داخل السودان. لكنه، عندما يترك السودان، ويجد نفسه أجنبيا في دولة أجنبية، يحن إلى وطنه وإلى جذوره.
ثالثا: كما قلت لك، كنت انفصاليا، لكني كبرت وتعلمت. واقتنعت بأن الوحدة أفضل من الانفصال بالنسبة للشمال، وبالنسبة للجنوب.
لهذا، أتمنى نفس الشيء للشباب الجنوبيين في أمريكا الذين يريدون الانفصال. أقول لهم: لا تجلسوا هنا، وتصدروا الأحكام من هنا. أقول لهم: من فضلكم، لا تفتحوا الأبواب لحرب جديدة. وأسألهم: هل ستذهبون إلى السودان لتحاربوا إذا نشبت الحرب مرة أخرى؟ أم هل ستجلسون هنا في مكيفات الهواء في أمريكا؟
----------------------------
س: ينتقد جنوبيون حكومة حزب المؤتمر الحاكم، والمشروع الإسلامي الذي أعلنه الرئيس البشير عندما جاء إلى الحكم.  ويقولون إن هذا هو سبب طلبهم فصل الجنوب؟
ج: لا أريد الدفاع عن المشروع الإسلامي أو عن الرئيس البشير. يقدرون هم على الدفاع عن أنفسهم. لكني، أريد أن أدافع عن السودان، ووحدته، وتراثه. جاء حكام وذهبوا، وجاءت سياسات واستراتيجيات وذهبت. وبقي السودان.
------------------------------
س: يتهمك جنوبيون بأنك تخليت عن شعار «سودان جديد» الذي أعلنه الزعيم جون قرنق؟
ج: عندما رفع قرنق شعار «سودان جديد»، أيضا رفع شعار «سودان واحد». لم يقل إن السودان الجديد معناه انفصال الجنوب.
النقطة الثانية: كيف سيحقق الجنوبيون السودان الجديد إذا انفصلوا عنه؟
النقطة الثالثة: ألم يكن السودان القديم هو السودان الجديد؟ ألم تكن مملكة كوش (قبل الإسلام والعروبة) أفريقية؟
أحكي لك حكاية: بنتي، التي ولدت في أمريكا وصارت أمريكية، سافرت إلى السودان لإجراء بحوث علمية في منطقة مروى في شمال السودان، حيث أهرامات ملوك السودان القدماء. وقالت لي إنها تأكدت مما كنت أقوله لها بأن شمال السودان أيضا أفريقي. لهذا، مثلي، كانت انفصالية وصارت وحدوية. (مازحا) إذا كان الشمال جنوبيا، لماذا يتركه الجنوبيون للشماليين؟
-------------------------
س: أنت من قادة الحركة الشعبية، وتعارض علنا فصل الجنوب. لكن باقام أموم، أمين عام الحركة الشعبية، قال لـصحيفة "الشرق الأوسط" قبل شهرين إن سياسة الحركة الشعبية هي الا تعلن رايها في الانفصال او الوحدة.  وان تنتظر رأي الجنوبيين في الاستفتاء؟
- أولا: تعبر بعض تصريحات باقان أموم عن رأيه هو فقط.
ثانيا: القادة يجب أن يقودوا، والذين في مكان المسؤولية يتحملون مسؤولية عدم كتمان آرائهم.
ثالثا: الرئيس سلفا كير، رئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية، كرر مرات كثيرة أهمية وحدة السودان.
------------------------
س: يقول قادة جنوبيون إن حكومة الرئيس البشير تظلم الجنوبيين لأنها لا تعطيهم نصيبهم العادل من عائد البترول الذي ينتج في الجنوب؟
ج: في أول اجتماع مع كبار المسؤولين في الوزارة، بعد أن عينت وزيرا للبترول، قلت إن أهم شيء هو الشفافية. ليس فقط لأنها ضرورية، ولكن، أيضا، لوقف إشاعات ومغالطات السنوات الماضية عن إنتاج البترول، وعن عائداته، وعن تقسيم العائدات.
وأيضا، بسبب انعكاسات سابقة لذلك على العلاقات بين الجنوب والشمال. التي، كما قلت، تحتاج إلى الثقة بين الجانبين، وللأسف أقول إن الصراع على البترول زاد عدم الثقة بين الجانبين.
وكوزير للبترول، أصدرت أوامر بأن يكون كل شيء واضحا، وأن ننشر كل يوم إنتاج البترول اليومي على موقع الوزارة في الإنترنت. وأيضا، بدأت اتصالات مع وزير المالية لتنشر وزارته، أيضا، أرقاما يومية لأسعار البترول، وعائداته. وطبعا، يوجد تنسيق منتظم مع وزير الطاقة في حكومة جنوب السودان.
وفي بداية هذا الشهر، في الخرطوم، اجتمعت مع كل هؤلاء، ومع الشركات الثلاث التي تنتج النفط السوداني. وقلت لهم إن عصر الشفافية قد بدا.
أريد أن نضع نهاية لهذه المشكلة، لأن هناك ما هو أهم منها.
------------------------------
س: يقول قادة جنوبيون إن الشفافية الجديدة في موضوع البترول لا تكفي. ويريدون صرف تعويضات للجنوبيين عن البترول الذي يقولون إن الشماليين ظلموهم فيه منذ سنة 2005 (سنة التوقيع على اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب).
ج: في أول يوم كوزير للبترول، قلت لكبار المسئولين في الوزارة إنني لا أريد أن أدخل في مغالطات عن هذا الموضوع. وقلت انني سأطالب بمؤسسة مراجعة محايدة لمراجعة ما حدث خلال السنوات الخمس الماضية. وطبعا، لا أقدر على أن أؤكد أو أنفي هذه المغالطات قبل أن تصلني نتائج المراجعة. وأتمنى أن أقدر على ذلك، وأعلنه للشمال والجنوب ولكل العالم، قبل الاستفتاء في الجنوب في بداية السنة المقبلة.
-----------------------------
س: قالت تقارير إن مؤسسة «غلوبال ويتناس» (شهود عالميين) اتهمت حكومة السودان بعدم الشفافية في موضوع البترول. وإن هناك ستة بلايين دولار مفقودة في عائدات البترول؟
ج: ليس هذا صحيحا. اسأل «غلوبال ويتناس» نفسها. سيقولون لك إنهم لم يقولوا ذلك. سيقولون لك، وأنا أؤكد ذلك، أن ستة بلايين دولار هي تحويلات عائدات البترول من الخرطوم إلى الجنوب منذ التوقيع على اتفاقية السلام سنة 2005. سيقولون لك، وأنا أؤكد ذلك، إن المشكلة هي اختلاف في الأرقام بنسبة 10 في المائة. أي نحو 500 مليون دولار. وأنا اجتمعت مع «غلوبال ويتناس»، ورحبت بالتعاون معهم، وهم أيضا رحبوا بسياسة الشفافية التي أعلنتها، والتي قلتها لك سابقا.
وكما قلت لك، في أول يوم كوزير للبترول، أصدرت أوامر بالتعاون مع مؤسسة محايدة لمراجعة مشكلة عائدات البترول.
----------------------------
س: بصرف النظر عن فصل الجنوب أو عدم فصله، ما هو مستقبل البترول في السودان؟
ج: في الوقت الحاضر، ننتج 450 ألف برميل في اليوم، من نوعي «نيل» و«دار». ونتوقع أن يرتفع الإنتاج في السنة القادمة إلى 650 ألف برميل في اليوم. ستكون هذه زيادة بنسبة الثلث تقريبا.
السودان هو ثالث دولة إنتاجا للبترول في أفريقيا جنوب الصحراء. ونحن نرحب بالاستثمارات الأجنبية. ومؤخرا، زاد إقبال شركات غربية علينا. وتملك شركة «توتال» الفرنسية مناطق للتنقيب في الجنوب. وأنا طمأنتهم بأن حقوقهم لن تضيع، انفصل الجنوب أو لم ينفصل.
خلال عشر سنوات، وحسب أرقام البنك الدولي، ارتفع دخل السودان من البترول من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 50 مليار دولار. وأنا أقول للجنوبيين والشماليين إن السودان غني بالبترول والذهب والمعادن الثمينة. ونحن كلنا نتحمل مسؤولية استثمارها. لكننا لن نقدر إذا ظللنا نحارب بعضنا بعضا.
------------------------------
س: بالإضافة إلى البترول في الجنوب، هل يوجد بترول في الشمال؟
ج: يوجد بترول وذهب وثروات طبيعية أخرى. مؤخرا، أجريت اتصالات مع شركات سعودية وصينية وفنلندية للبحث عن البترول في شمال السودان.
وعندما قلت إننا سنزيد الإنتاج بنسبة الثلث، كنت أقصد منطقة جديدة في وسط كردفان تشرف عليها شركة البترول الصينية. وقبل أن أسافر إلى واشنطن، وقعت اتفاقية مع شركة «فينو» الفنلندية للبحث عن البترول في المربع الذي يغطي مناطق القضارف وكسلا ونهر النيل والجزيرة.
أيضا، في الوقت الحاضر، تعمل الشركة الفنلندية في منطقة دنقلا على نهر النيل في شمال السودان. لهذا، أنا دائما أقول لإخواني الجنوبيين إن الشمال فيه ثروات طبيعية أيضا. ويجب ألا يسكرنا بترولنا. وأنا دائما أقول لإخواني الجنوبيين والشماليين إن البترول ليس هو الأهم في العلاقات بيننا. الثقة المتبادلة هي الأهم.
------------------------------
س: بقيت اربعة شهور فقط على الاستفتاء. هل سيصوت الجنوب مع الانفصال أو الوحدة؟
ج: إذا تم الاستفتاء اليوم، سيصوت مع الانفصال. لكني متفائل. وكما قلت، ليست المشكلة الرئيسية هي البترول، ولا المشاريع التحتية، ولا تقسيم الثروة، ولا رسم الحدود. المشكلة الرئيسية هي مشكلة الثقة بين الجانبين.
ومن الآن وحتى الاستفتاء، أنا متفائل.
-------------------------------------
contact@MohammadAliSalih.com
-------------------------------------

 

آراء