تقرير عن ورشة معهد السلام المستدام الامريكي .. جبال الروكي – كلورادو
حيرة صناع السلام من حميمية الاطراف السودانية المتصارعة ..!
دول روت : الوحدة ستتحقق غداً والانفصال وشيك
حسنين : ليس هنالك انفصال سلس ، وعلى القوى الوطنية أخذ زمام المبادرة للحفاظ على الكيان السوداني
راندي : السلام ممكن إذا توفرت ارادة كافة الاطراف لتحقيقه
ــــــــــــــــ
جبال الروكي : عبد الله الشيخ
كشأن السودانيين فى كل مكان ، يتداوسون فى ميادين القتال ، حتى اذا انتبهوا الى ان الحرب ليس فيها غالب أو مغلوب دخلوا الى قاعات الحوار والتفاوض ، فياتى التعبير عن مواقف كل طرف فى كلمات مريرة ساخنة ، لا تقل فى سخونتها ودويها عن فرقعة فنابل الميدان ،، لكنهم مع ذلك يصافحون بعضهم بعضاً ويلتئمون حول مائدة واحدة ، وينامون سوياً فى غرفة واحدة كأن الايام لم تدق بينهم ( عطر منشم ).. قد يتلاقون فيتفقون على وفق النزيف ، لكن النزيق قد يتجدد ، وتلتهب النيران مرة بعد أخرى ، لكنهم يبقون على (صداقة ) غريبة ، وحميمية عارمة بينهم ،، هذه الحميمية ، وهذا التلاقى بين اطراف النواع السودانى العديدة تجعل الوسيط فى حيرة من أمره ،، يحس للوهلة الاولى أنه اقدم على عمل أخرق ، بانه جمع متقاتلين فى بقعة ، إن لم تتفجر بالسلاح ، فهى بالضرورة تتفجر أمامه بمرارة المعاناة و باستحالة تقريب شقه الخلافات البعيدة جدا..! و قد يخال الوسيط نفسه بين اطراف الصراع شخصاً غير مرغوب فيه لما يرى من احتضان المتصارعين لبعضهم ، :ان شيئاً لم يكن ، قد يهدأ الوسيط ويطيب خاطره قليلاً ، لكنه سرعان ما يسمع عن انفجار الصراع وتواصل التشاكس ، هكذا يظل ( صانعى السلام ) فى حيرة كاملة .. هذا ما شاهدته فى وجه الدكتور راندي ،مدير معهد السلام المستدام بالولايات المتحدة ، والذى كان غزير الدموع وهو يستعرض مأسى الحرب فى مناطق متفرقة من العالم ، وكيف ان الكثير من القضايا الشائكة قد حلت ،، ورايت ايضا ً انتقال عدوي انبهال الدموع الغزيرة من عيون الحاضرين حين بدأوا فى استعراض مستقبل السودان بعد الاستفتاء ، وقد ايقنوا أن صورة الواقع القاتمة قد تفضى الى انفصال شطري الوطن الواحد ، وأن ذلك الحدث الجلل إن وقع سيكون بداية لتشطى كل السودان، إن كان هنالك سودان بعد الانفصال ..!
خلاصة النقاش حول قضية السلام فى السودان والتى تتواصل على مدى تسعة أيام ،، الخلاصة هى ان قضية السلام والاستقرار فى السودان قضية معقدة الى الدرجة التى يصعب على اطرافها الامساك بخيوطها ،، ناقشت ورشة السلام المستدام هنا فى منتجع جبل الجليد فى كلورادو قضيا السودان فى تداخلها المعروف ، من درافور الى الجنوب ، الى الشرق والغرب ، الى المركز ، الخرطوم ، بالتركيز على قضايا الساعة المتمثلة فى استحقاق الاستفتاء لشعب جنوب السودان ، المشورة الشعبية لجنوب النيل الازرق وكردفان ، وقضايا الوضع السياسي الراهن ..
يقول د. راندي مدير معهد السلام المستدام ، اتلذى نظم هذه الورشة بعنوان( معاً على طريق السلام ) أن هذه الورشة تعد من انجح الورش التى عقدت فى السنوات الاخيرة ، وابدى تفاؤله لما سمع من مستوى النقاش ومداخلات المشاركين ،، وسرد د. راندي تجربته مع قضايا فض النزاعانت وجهود صناعة السلام مشيرا الى ان السلام ممكن فى السودان اذا توفرت للاطراف السودانية ارادة لتحقيق هذا الهدف .. وقدم راندي مداخلة مؤثرة عن أهمية اعتماد مبدأ التصالح وغفران الماضى على ارضية اقامة العدالة ،وقال د. راندي أن (الكراهية تدفع نحو الانتقام، والحب هو طريق العدالة ، ودعا الى وضرورة مساعدة الضحايا بتوفير احتياجاتهم الآنية وتعويضهم ، وأن هذا يتأتى بعد الاعتراف بحجم المأساة التى عاشوها ، مشيرا الى ان واجب القوى السودانية البحث عن سبل التلاقى من اجل الحفاظ على الكيان الوطنى ..وطرح اسئلة حول مستقبل السودان وكيف يتحقق فيه السلام المستدام مؤكداً على ان هذا هو واجب ابناء السودان ، داعيا الى التخلى عن العنف واعتماد الحوار ، لا اعتماد المناظرة واساليب الصراع المختلفة ، لان ذهنية الصراع تنتج دائماً ( غالب ومغلوب)..
تحدث السيناتور روبرت كروكر السفير السابق للولايات المتحدة فى رواندا ( فى حقبة التطهير العرقى التى شهدتها تلك الدولة الافريقية) تحدث مستعرضاً تجربته العملية فى افريقيا ، وقال ان السودان يعيش معاناة حقيقة بسبب الحرب ، وأن السبيل لاقامة الاستقرار فيه تتأتى بتحقيق العدالة ، وانتقد تباطؤ المجتمع الدولى فى تحقيق ذلك قائلاً بان التباطؤ فى الاقتصاص من مرتكبى الجرائم يعد جريمة كبرى ، وانه يشعر بالاسى لان أهل افريقيا يعانون على المدي الطويل من ( أنانية الحكام) ..
البروفسير مارك شوب المحاضر بجامعة كالفلن باوهايو تناول فى مداخلته أهلية القوى السياسية السودانية فى تحقيق السلام ومقدرة اطراف النزاع على أدارة الصراع وكيفية ايجاد حلول للازمات بالصيغة المثلى ، وأن واجب الساعة امام ابناء السودان هو العمل على صنع السلام والوصول الى صيغة عن طريق التفاوض تجعل من سلام السودان مستداماً ، مبديا تفاؤله بان السلام ممكن ، ودونه اخلاص النوايا لتحقيقه على ا لارض . كما شارك فى النقاش فى الورشة البروفسير بيتر باشوب المحاضر بجامعة هيوستون متحدثاً عن دور القيادات واثره فى النزاعات ، وناقش باشوب اسباب وجذور الصراع والنتائج الكارثية لفشل القيادات فى حل النزاعات ، وتفاقم الازمات وتراكمها نتيجة لهذا الفشل ..
الاستاذ عبد الجليل الباشا الامين العام لحزب الامة ، الاصلاح والتجديد قدم ورقة اشار فيها الى رؤيتهم فى الحزب بأن القضايا السودانية العالقة يمكن ان تحل من خلال مؤتمر جامع لكل الاحزاب السودانية يعقد فى الخرطوم ، وتشارك فيه كل منظمات المجتمع المدنى لايجاد حلول لازمات السودان المتفاقمة ، واشار الباشا ، الى التجربة التى تشكو من القوى السياسية بأن المؤتمر الوطنى لا يلتزم بالاتفاقيات ولا يبدى تعاونا حقيقيا باتجاه الوصول الى حلول وطنية تفضى الى الاستقرار ، ودعا الباشا الى توحيد الحركات وأهل دارفور من أجل تحقيق السلام بالاقليم ..
و كان الجميع فى انتظار الاستاذ على محمود حسنين ، الذى ظل يشارك فى نقاش الافكار التى طرحت على طاولة النقاش ،، قدم الاستاذ حسنين رؤيه للوضع فى السودان على مدى اكثر من ساعة ، مشيرا الى ان الازمة السودانية تفاقمت فى ظل النظام، وأن النظام فشل فى تحقيق السلام من خلال تعنته فى تنفيذ بنودها ، مشيرا الى ان هذا الموقف من جانب المؤتمر الوطنى دفع أهل الجنوب الى الاستغناء عن أمكانية البقاء تحت مظلة السودان الواحد .
وتحدث الاستاذ حسنين الى ان المصالحة والتصافى لا بد أن يسبقه اعتراف بالجرائم التى اقترفت فى حق الابرياء ، وأن التصالح يتم عبر بوابة اقامة العدالة ، واشار حسنين الى قضية المحكمة الجنائية الدولية ان محاكمة مقترفى جرائم دارفور لا يمكن ان يحاكموا فى السودان لأن القضاء فى يد الحاكم ، وان الاقنون السودانى ليس فيه النصوص التى يمكن من خلالها النظر فى تلك الجرائم ، داعيا الى ان تأخذ العدالة مجراها ، ولا كبير على القانون ..
وقال حسنين الى ان نذر الحرب واضحة الآن فى السودان ، والسبب فى لك سياسات المؤتمر الوطنى ، وأن سياسات المؤتمر الوطنى لم تجعل الوحدة جاذبة وأن الاقصاء الذى يمارسه سيدفع بالبلاد الى التشظى ، وقال حسنين أن المؤتمر الوطنى لن يسمح بانفصال سلس لان الميزانية ــ على اقل تقدير ــ تعتمد على نفط الجنوب ، وأن لذلك لجأ الى اشعال الصراعات بجنوب السودان حتى يصعب انجاز استحقاق الاستفتاء فى الموعد المحدد حسب ما نصت الاتفاقية ..
وخلص حسنين الى أن الحل للخروج من هذه الازمة هو اتفاق ابناء السودان والتحامهم داخل جبهة عريضة ، تضم كل اهل السودان والاتفاق على نظام سياسي تمثل فيه كل الاقاليم السودانية ( يحددها بسبعة اقاليم )،، ويقول حسنين أن لا طائل من وراء الحوار مع النظام ,انه لابد من إزاحته من خلال العلم الجماعى تحت مظلة هذه الجبهة العريضة ،، واعلن حسنين امام الحضور انهم سيعقدون فى اكتوبر مؤتمراً لتدشين نشاط الجبهة العريضة ، داعياً الحضور ، وكل ابناء الشعب السودانى للانخراط فيها ،، واكد حسنين مرة أخرى ألا سلام يمكن ان ينجح مع هذه الحكومة ، ولا سبيل أمام استقرار السودان إلا باقتلاعها ، مبدياً تشاؤمه من وقوع كارثة الحرب ، ، والتى لن تكون حرباً محدودة كما فى السابق ، بل ستتمدد الى كل السودان، فى المركز وفى الاطراف ..
د. دول روت رئيس مكتب الحركة الشعبية بولاية نبراسكا وممثل الحركة الشعبية فى الورشة قال أن خيارات الوحدة الآن اصبحت ضئيلة لكنها ستتحقق فى المستقبل ، ليس الآن لأن الانفصال قادم .. ( حتى لو كان د. جون حياً ، ففى ظل السياسات التى انتهجها المؤتمر الوطنى لا يمكن تحقيق الوحدة ) ..هذا مانراه الآن ،، لكن بعد اجراء الاستفتاء الذى هو استحقاق نصت عليه اتفاقية السلام ، و سرد د. دول مواقف وسياسات الحكومة المركزية فى الماضى والحاضر تجاه شعب الجنوب بانها خلقت فجوة بين ابناء السودان فى الشمال والجنوب ، خاصة بعد اعتماد مشروع اقامة الدولة الدينية، ودعا دول الى اعتماد رؤية ( السودان الجديد) واقامة دولة ديمقراطية على اس المواطنة ، وفصل الدين عن الدولة .. الاستاذ شاكر عبد الرسول ممثل حركة العدل والمساواة فى الورشة اشار الى فشل الحكومات والاحزاب السودانية الشمالية فى قيادة وادارة شئون السودان مشيرا الى ان حركة العدل والمساواة تؤيد رؤية الاستاذ على محمود حسنين بحشد كافة القوى لازالة النظام عن ظريق جبهة عريضة يتلاحم فيها جهد كل السودانيين ..
مدير ملف السودان بمعهد السلام المستدام الاستاذ مكى ابراهيم مكي اكد لـ ( اجراس الحرية ) ان المعهد سيواصل نشاطه الهادف الى البحث عن سبل السلام فى السودان وفى مناطق النزاعات الملتهبة فى العالم ، وان المعهد بصدد التحضير لورش عمل حول اشاعة ثقافة السلام تعقد فى كل من جوبا وافاشر والخرطوم بمشاركة المواطنين الذين يعانون من ظرف الحرب ، والناشطين فى قضايا السلم والعمل الانسانى بغية الوصول الى سلام السودان ، مؤكداً ان ضيق الوقت ، بالنظر الى اقتراب موعد الاستفتاء لشعب جنوب السودان وتفاقم الاوضاع الامنية والانسانية فى دارفور يدفع الى المزيد من العمل الدؤوب من اجل تغليب خيار السلام على خيار الحرب ..