قبل 90 يوما من الاستفتاء
صوت الانفصال يعلو .. والوحدة تتراجع والأخطار تدق أبواب السودان بعنف
الخرطوم " أفريقيا اليوم "
صباح موسى
sabahmousa@hotmail.com
"الإنفصال لم يعد له منافس في السودان " ... جملة تأكدت على أرض الواقع في بلد المليون ميل مربع, ، لتحل محل شعار " جعل الوحدة خيارا جاذبا " والتي ظلت على الساحة منذ توقيع إتفاق السلام بين الشمال والجنوب في التاسع من يناير من عام 2005.
كان المفترض في تلك السنوات التي تلت الإتفاقية أن الجميع يعمل على دعم خيار الوحدة , وأي شخص كان ينادي في هذه الفترة إلى إنفصال كان يغرد خارج السرب,لكن الأحداث والتصريحات الأخيرة كشفت عن أن دعاوي الإنفصال قد سيطرت على الساحة وثبتت قواعدها, وأصبح من يتحدث عن الوحدة يتحدث على إستحياء, وإنقلبت كل الموازيين فالواقع كله يؤكد أن الإنفصال لم يعد أمامه للتحقيق سوى ثلاثة أشهر فاصلة, وأنه سيتحقق برضى الحزب الحاكم, أو من غير رضاه, فهنا الحركة الشعبية تهدد بأنها ستعلن الإستقلال من داخل برلمان الجنوب, ومع زيارة وفد مجلس الأمن لمدينة جوبا منذ يومين أكد " سلفاكير ميارديت" رئيس حكومة الجنوب أنه سيقيم الإستفتاء بمفرده إذا عارض المؤتمر الوطني في قيامه. ... مؤشرات كلها خطيرة وتؤدي إلى الإنفصال سواء برضى أو من غير فكل الطرق تؤدي إلى دولتين في السودان.
بانت الرؤية أكثر وتأكدت بعد إجتماع نيويورك الذي عقد على هامش إجتماعات الأمم المتحدة الأخير, فبعد رجوع رئيس حكومة الجنوب من هناك أطلق تصريحا من العيار الثقيل بأنه سوف يصوت للإنفصال لأن خيار الوحدة لم يعد جاذبا.
وصار الحديث الآن كيف سيتم هذا الإنفصال وهناك أمور عالقة لم يتفق عليها بعد مثل ترسيم الحدود وإستفتاء أبيي, فمازالت الحركة متمسكة بتصويت قبيلة " دينكا نقوك" فقط التابعة للجنوب في خيار هل المنطقة تابعة للشمال أم للجنوب, في حين أن المؤتمر الوطني يشترط تصويت قبيلة المسيرية العربية أيضا في التصويت والتي تشارك دينكا نقوك في المنطقة,... بروتوكول أبيي نفسه لم يحدد من له حق التصويت فقد ذكر : " أهل المنطقة ولم يحدد ", والحركة تعتبر أهل المنطقة هما دينكا نقوك فقط, هناك إجتماع الآن في أديس أبابا لحسم هذا الأمر, ولكن مؤشراته غير مبشره لأن التصور المقدم به مفصل لصالح دينكا نقوك على حد تعبير المؤتمر الوطني وبعض المراقبين.
كانت هناك أصوات داخل المؤتمر الوطني تؤكد وإلى وقت قريب بأن كفة الوحدة هي الراجحة في النهاية, وبأن هناك أصوات مرتفعة في الجنوب تدعو في الإنفصال ولكنها قليلة في مقابل أصوات كثيرة تؤيد الوحدة ولكنها خافتة, هذه الأصوات الآن بدأت تتراجع لأن الإنفصال أصبح أمرا واقعا ولكنهم يتحدثون الآن على أنهم سيعملون على الوحدة رغم يقينهم في الوطني أن هذا الحديث شكلي ونظري, ولكن ربما حفظا لماء الوجه بأنهم عملوا مافي وسعهم لجعل السودان موحدا.
على جانب الحركة الشعبية أصبح الأمر أكثر وضوحا فالمجتمع الدولي أعطى الضوء الأخضر والمساندة, وعلى مستوى داخل الجنوب فهم لهم السيطرة الكاملة ولايمكن لأي قوى سياسية أخرى أن تدعو للوحدة فالمصير هو السجن والتعذيب, وهناك تصريحات كثيرة للقوى الجنوبية المعارضة بأنه لايستطيع أحد إقامة أي حملات توعية داخل الجنوب. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل أخذت الحركة الشعبية الضمانات من المجتمع الدولي بالحماية والمساندة لجنوب مابعد الإنفصال؟
الرؤية في جنوب مابعد الإنفصال واضحة تماما للمراقبين بأنه سيشهد حربا أهلية طاحنة وأطماعا كبيرة من دول الجوار, فهل ستترك قبيلة النوير التي تسيطر مناطقها على آبار النفط بالجنوب الحكم للحركة الشعبية؟ وهل سترضى باقي القبائل بهذا الوضع؟ وهل التمرد في الجنوب والذي بانت معالمه تضح بقوة من الآن من داخل الجيش الشعبي نفسه بقيادة " جورج أطور"؟ هل سيسكت جيش الرب اليوغندي في هذه البيئة الصالحة لتحركاته, السؤال الأهم : هل الخرطوم نفسها ستقف متفرجة حول هذا المشهد؟ أليس لها مليشيات بالجنوب ربما قد تحركها لتعكير صفو الحركة الشعبية؟ السؤال المؤكد هل سيبقى " سلفاكير" نفسه حاكما لدولة جنوب ما بعد الإنفصال؟!
أسئلة كثيرة يراها المراقبون جديرة بالإهتمام ، فهل تراها الحركة الشعبية وزعيمها أم أنهم يسيرون وراء أكذوبة المساندة الدولية؟, وعلى مستوى الجوار أليس ليوغندا أطماع في الجنوب؟ نيروبي نفسها تفكر في إنشاء ميناء على المحيط الهندي والهدف الرئيس هو تصدير نفط الجنوب أليست لديها أطماع؟!
يرى المراقبون أن الحركة الشعبية تسير الآن في خط إعلان الانفصال منفردة والمؤتمر الوطني يشجعها ويجرها لذلك فقد قال " علي عثمان محمد طه" نائب الرئيس السوداني أنه سوف يصعب الإستفتاء قبل حسم أبيي, في إشارة مؤكدة أن الإستفتاء لن يقوم بموعده رغم تأكيد الوطني على ذلك, ويؤكد المراقبون على أن منطقة أبيي الفاصلة بين شمال السودان وجنوبه ستكون كشمير أفريقيا, القارئ الآن للأوضاع بدقة يرى أن الوطني يجر الشعبية لإجراء إستفتاء بمفردها أو إعلان إنفصال من طرف واحد, حتى يطرق على باب أنه إنفصال غير قانوني حتى لو إعترف المجتمع الدولي بدولة الجنوب ولكن الأمر في النهاية سيظل معلقا.
في ظل هذا الزخم يثور تساؤل آخر :أين الأحزاب السياسية الشمالية, هذه الأحزاب ظلت صامته تنتظر ضياع الوطن وإنقسامه لتؤكد أن الحزب الحاكم هو السبب, وباعت نفسها للحركة الشعبية تلعب بها كما تشاء, فقد كسبت بها الشعبية كثيرا سواء في الإنتخابات أو غيرها, ولم تسأل هذه القوى نفسها ماذا كسبت من تحالفها مع الشعبية؟ ولم يكن هدفها من هذا التحالف مع الحزب الحاكم بالجنوب سوى إغاظة الوطني, ليخرج علينا " فاروق أبوعيسى" الناطق الرسمي بإسم تحالف جوبا بأن المعارضة أخطأت في التعاون مع الشعبية, وأن الأخيرة كسبت الكثير من هذا التعاون على حساب المعارضة, ويدعو الآن وقبل ثلاثة أشهر من حافة الهاوية بالبلاد بضرورة التحالف مع الوطني لحماية الوطن من المخاطر!!
الآن ولم يتبق سوى ثلاثة أشهر فاصلة في تاريخ السودان هل في ظل هذا الوضع المعقد ننتظر حربا ستدور رحاها في المنطقة, هناك مؤشرات لهذا التصور منها دعوة " د. مصطفى عثمان إسماعيل" مستشار الرئيس السوداني للشباب بالإستعداد للحرب, وكذلك المناوشات التي تحدث الآن بين الجيش الوطني السوداني والجيش الشعبي على الحدود, وهذه المناوشات بالطبع لها مابعدها.
ويرى المراقبون أن الجنوب سوف ينفصل وأنه سيكون مقرا لكل الحركات المتفلته وربما تأتي القاعدة أيضا مع وجود الحرب الأهلية الضروس, ويرى جانب آخر من المراقبين أن الولايات المتحدة ستكون حذرة في التعامل مع هذا المشهد وأنه ليس من مصلحتها حدوث فوضى خلاقة بالمنطقة, فتجاربها الفاشلة كثيرة في العالم, ولا يمكنها التكرار مرة أخرى في جنوب السودان, ويرى جانب ثالث أن الغرب سيجعل من الجنوب المنفصل ثكنة عسكرية ببناء قواعده هناك وإنطلاق حركات التمرد منه لقلع وإجتثاث النظام الإسلامي الحاكم بالخرطوم,والذي فشلت معه كل الحيل, ويؤكدون ما يتردد بأن الجيش الشعبي يدرب جنودا من حركة العدل والمساواة بغرب دارفور بالجنوب استعدادا لما سوف يحدث بعد الانفصال.
هناك رؤية أخرى باتت يقينا لمن يمسك بتلابيب الحكم بالسودان بأن العالم يرى أن الجنوبيين عاشوا غير أحرار سنين طويلة, وأنه لن يستقيم الوضع إلا أن يتحرروا, وقتها يقررون هل هذه هي الحرية التي يرغبونها أم لا؟ ويراهن بعض القادة في السودان بأنهم سيتركوا الجنوب يتحرر كما يشاء ولكنه سيعود مرة أخرى إلى أحضان الوطن!
ويبقى أن الجنوب هو أول قطعة من أرض السودان سوف تنفصل ولكنها لن تكون الأخيرة , فالسيناريو الغربي محبوك منذ زمن بعيد ومهما تغيرت تفاصيله تبقى نتائجه المؤكدة, ويبقى أن مصر منحدرة في هذا السيناريو, تابعة لمايحدث, وليست صاحبة قرار, كان بإمكانها أن تعترض على إنفصال الجنوب أمام المجتمع الدولي, وهي دولة ذات تأثير بالمنطقة ولايمكن للمجتمع الدولي أن يتخطاها, ولكنها وقفت مكتوفة الأيدي, كل مافعلته هو محاولة إرضاء الشعبية رغم ابتزاز الأخيرة الواضح للقاهرة بالتنمية ومياه النيل, وكان بإمكان القاهرة كما يرى المراقبون أن تكون واضحة معهم وأن تمنع على الأقل أي صوت جنوبي ينادي بالإنفصال من داخل أراضيها, لكن على العكس من ذلك يخرج أبوالغيط وزير الخارجية المصري ليقول في تصريحاته أن الجنوب يتجه إلى الإنفصال لأن الوحدة لم تعد جاذبة!!, ليكرر بذلك ماتقوله الشعبية في تصريحاتها وكأنه أحد قادتها, وهو لم يكن يعلم أن الشعبية نفسها لا يمكن أن تتخطى مصر ولا يمكن أن تتجاوزها حتى في ظل مساندة المجتمع الدولي لها.